الانقلاب الأبيض على الرئيس والمؤتمر
على الصراري

استطاع ثلاثة من القيادات الشابة في المؤتمر الشعبي العام أن يثيروا اهتماماً سياسياً وشعبياً إلى حد ما، من خلال الأطروحات النقدية التي صدرت عنهم، ونشرتها عدد من الصحف الأهلية المستقلة في الأسبوعين المنصرمين..شن ياسر العواضي القيادي الشاب والبرلماني عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام هذه النبرة النقدية في مقابلة له مع صحيفة «الشارع» الأهلية المستقلة وتلاه أحمد الميسري القيادي الشاب عضو اللجنة العامة في مقابلة صحفية أجرتها معه صحيفة «الأهالي» الأهلية المستقلة، وعلى نفس المنوال كانت المقابلة التي أجرتها صحيفة «الأهالي» مع القيادي الشاب والبرلماني عضو اللجنة العامة للمؤتمر محمد عبداللاه ال قاضي..

ولعل أبرز ما تضمنته النبرة النقدية للقياديين الشباب الثلاثة، أنهم تناولوا الرئيس علي عبدالله صالح (رئيس المؤتمر الشعبي العام) وصلته بالفساد، وما يتيحه من تكديس للثروات والنفوذ للحلقة الضيقة المحيطة به، المكونة من أقاربه ومن الأعوان الخلص من أفراد عشيرته، وحمل أحمد الميسري على سياسة السلطة في المحافظات الجنوبية.

على أن النقد لشخص رئيس الجمهورية ولسياسات السلطة من قبل القياديين الشباب الثلاثة في الحزب الحاكم، جاء مغايراً للنهج الإعلامي والذي تلتزمه وسائل الإعلام الرسمية والوسائل الإعلامية الصادرة عن المؤتمر الشعبي العام، وكذا الصحف الأهلية الممولة من بعض الدوائر في السلطة وفي الحزب الحاكم، وهو نهج يقوم على تقديس الرئيس وعبادة زعامته، كما جاء في وقت طرحت فيه الحكومة مشروع قانون لحماية الوحدة الوطنية، ضمنته تجريم تناول رئيس الجمهورية بالنقد، وغلظ العقوبات ضمن من يمسون الذات الرئاسية..

ولم يكن النقاد الثلاثة من قيادات الحزب الحاكم متعسفين أو متحاملين، والتزموا بقواعد الأدب الجم وهم يشيرون إلى شخص رئيس الجمهورية، ولم يخفوا ولاءهم له، وتأييدهم لبرنامجه الانتخابي، لكنهم أظهروا بلباقة عدم رضاهم عن الفساد الذي يمثل جزءً من نهجه في إدارة البلاد...

لقد بدا هذا الظهور النقدي في قيادة المؤتمر العليا دليلاً على وجود انقسام في صفوفه، بل ورأى فيه بعض المتابعين للشئون السياسية مؤشراً على مرحلة من الصراعات والتكتلات انتقلت إليها الحلقة الضيقة الممسكة بالسلطة، وانخرطت في أتونها الحلقات الأوسع السياسية والإدارية والتنظيمية المحيطة بها، في إطار شعور جميع هذه الدوائر بالحاجة إلى إعادة تقاسم المصالح والنفوذ خلال المرحلة القادمة، الحبلى بالطموحات الشخصية جراء الشيخوخة التي بدأت تفت في عضد السلطة من ناحية، وتزايد نهم الأبناء لانتزاع حصص كبيرة من السلطة والثروة على حساب حلفاء وشركاء المراحل السابقة..

يبدو جلياً أن سلطة الرئيس علي عبدالله صالح، التي دخلت عامها التاسع والعشرين، قد استنزفت قدراتها على التجديد والمناورة، وترافق بصورة طبيعية ظهور حالتين متناقضتين من الاستحقاقات المؤجلة في أطرها، مع بروز ملامح الهرم على وجهها، الحالة الأولى تتمثل في جيل الأبناء الذي يوسع سلطاته وسيطرته في مسعى جارف لوراثة السلطة، بما يرتبط بذلك من تلبية حاجته للاستئثار بالنصيب الأوفر من الثروة، أو ما تبقى منها، وما هو متاح في الظروف الراهنة، والحالة الثانية تتمثل في الطموحات الشخصية لعدد من القيادات الاجتماعية والسياسية الشابة، التي انطلقت بفعل تقديراتها لخطورة الاحتقانات السياسية والاجتماعية التي تجتاح البلاد في الوقت الحالي، وحاجتها لأن ترتب مراكزها ونصيبها من الكعكة من وقت مبكر، قبل أن تنحصر قسمة الكعكة بين جيل الأبناء القديم، الذي ينفرد بالحكم مزيحاً المؤتمر الشعبي عن سدته، من الناحية الفعلية مبقياً له اسم حزب حاكم، لكنه لا يحكم.

وبطبيعة الحال، لم تكن الاحتقانات السياسية والاجتماعية المتصاعدة في البلاد هي الباعث الوحيد للطموحات الشخصية لدى القيادات الشابة، بل أن الانقسام الحاد، الذي تزداد ملامحه بروزاً إلى العلن بين جيل الأبناء الساعي لوراثة واحتكار السلطة والثروة، وبين مراكز القوى التقليدية الشريكة في السلطة، التي تعتبر نفسها الأحق بوراثة السلطة، أو على الأقل الشريك غير القابل للتواري عن مسرح السلطة والنفوذ لفضائله الكثيرة في بقاء النظام، ولما يتمتع به من سطوة فعلية، وإن اعتراها بعض الضعف والخور.. إن هذا الانقسام هو الآخر أطلق فرصة حقيقية أمام تلك الطموحات التي تتزعمها قيادات سياسية واجتماعية شابه، تعتقد أن اللحظة صارت سانحة لتأكيد حضورها، وعرض استعداداتها للانخراط في التحالفات القادمة..

لا بد أن الخوض في تتبع تفاصيل هذه الانقسامات، بما يرتبط بها من حراك سياسي واجتماعي انتقلت إليه مراكز القوى المختلفة داخل السلطة وفي الدوائر القريبة منها، والتي تتحرك معها شتى أنواع الطموحات المتصلة بالترتيبات الآنية والمستقبلية للسلطة، تعيد إلى الأذهان حالة الاستقطابات التي شهدها نظام الإمام أحمد حميد الدين في أواخر العقد الخامس وأوائل العقد السادس من القرن الماضي والتي تمحورت حول ما عرف حينها بين تيار البدريين أنصار ولي العهد محمد البدر وبين تيار الحسنيين أنصار سيف الإسلام الحسن الأخ غير الشقيق للإمام أحمد..

لقد كان الانقسام بين تياري البدريين والحسنيين قبل نصف قرن من الآن مظهراً من مظاهر شيخوخة النظام القائم آنذاك، وإذا كانت المقولة الهيجلية عن إمكانية تكرار حوادث التاريخ ووقائعه، فإن المقولة تكتمل عندما يضاف إليها، أن هذا التكرار يكون في الحالة الأولى مأساة، لكنه في الحالة الثانية يكون مهزلة..

وليس هنالك من داعٍ للاعتقاد بأن التاريخ قد غير قوانينه..

 * الأهالي 
 

 


في الجمعة 21 ديسمبر-كانون الأول 2007 10:19:44 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=3022