رمضان الإنسان
إبراهيم عبدالقادر
إبراهيم عبدالقادر

كالعادة من كل عام يحل على الأمة الإسلامية ضيف عزيز يستقبله الناس بحفاوة كلًا حسب طريقته وعادته وتقاليده المتبعة في البلد التي يقطنها ويعيش فيها، فهناك من يستقبله بالثراء وتوفير ما لذ وطاب من الأكلات المتنوعة والمشروبات الغنية، وآخرون بتهيئة أرواحهم من أجل أن تستقبل نفحات ربها دون تعثّر أو عائق، وعلى الضفة الأخرى هناك من يعيش المرارة والألم طوال العام كله، ويتضاعف هذا الوجع في شهر " رمضان " دون غيره، لإنه يعيش إما مجبور على التكلف في توفير إحتياجات رمضان ليعيش بوجع المساواة مع غيره ولو وهمًا، أو متألم لكونه يرى الأثرياء تتزين موائدهم بكل الفخامة وهو محروم أو عاجز عن أن يكون مثلهم.

أجمل رمضانات التاريخ هي تلك التي عاشها القوم مع حبيبهم رسول الله، هي تلك التي عاشها الناس أقوياء متحدون، أجمل (رمضان) مر على البشرية هو ذلك الذي تسابق الناس فيه كلًا يريد الإنتصار لأخيه الإنسان وتقديم المعونة له والحب هو الرابط الأهم في هذا السباق الكنز المفقود، المعارك التي خاضها الإسلام وأتخذ من رمضان المحطة الأهم للإنطلاقة كان الهدف هو إثبات قوة هذا الإنسان حينما ينتصر لمبادءة، لدينه، لنفسه أيضًا. غرس رسول الله مبادئ العدالة والمساواة في رمضان، الشعور بالآخر كان (رمضان) هو الروح التي تعطي للإنسان حقيقة الإنتماء للدين الإنساني وصدق هذا الشعور يأتي حينما يقترب الإنسان من الإنسان ذاته، ويقسم رغيف الخبز بينهما معًا (ورمضان) هو الوسيلة التي يعرف الإنسان حقيقة إنسانيته وعمقها.

إن (رمضان) هو عنصر تكاملي بين الروح والبدن، حينما يغيب العدل تغيب القيمة التي يظهر المجتمع مشوهًا معاقًا وقتها، الروح التي يغذيها القرآن والقرب من الله يجب أن تكتمل " ولنفسك عليك حق " ، التكامل الحقيقي هو أن يجمع الإنسان بين تغذية روحه، وتغذية بدنه، وتغذية البدن إنما يكتمل بالشعور بالمقهورين، بالمعسورين، بالمتضورين جوعًا، بإولئك الذين ليس لهم من رمضان إلا رائحة طبخ الأثرياء التي تنطلق وقت الإفطار والسحور، فينامون كغيرهم صائمون والله هو المغذي لروحهم، ولبدنهم الوجع والألم.

من يغرس في مجتمعاتنا فكرة أن (رمضان) جاء زكاة مكتملة الأركان إنتصارًا للفقراء، للمعدومين أيضًا؟ أخبر رسول الله أن من فطّر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء. القيمة التي أراد نبينا محمد غرسها في بني الإنسان هي فكرة الإنتصار لمن يغيب الناس عنهم طوال العام ويأتي رمضان الموسم الذي يجب أن يقترب المجتمع من هذه الطبقة التي يتهاون فيها جميع البشر ويغيب البعض كذلك في هذا الموسم الفخم، قوة الحديث تكمن في مضمونه، في العدالة التي يريد رسول الله أن يغرسها في المجتمعات، في المساواة بين الطبقات التي أتت المجتمعات لتقسيمها وتصنيفها بناء على الغني والفقير والصغير والكبير، لذلك إنما جاء (رمضان) لإعادة ترتيب المجتمعات ومساواتها ببعض، وكسر الطبقات التي تم بناءها. لم يقول رسول الله ما قاله إلّا لقداسة الإنسان وحرمته، لذا يجب أن ينتصر الجميع للجميع، والمساواة هي الحل.

أجمل ما في رمضان هو شعور الفرد بعاطفة القرب من الله وأن الخلق سواسية في هذا الشعور وأكرمهم أصدقهم مع ربه وعلاقته به، يُطرد الشيطان ليعيش في شرايين البعض بنزواته وحركاته المشبوهة؛ وأسوأ ما في رمضان هو المثالية وإدعاء التدين التقليدي المسخ، بيد أن المتدين الذي فارقه الشيطان في رمضان لا يعرف كون رمضان إلّا أكلًا وشربًا وثراء، على أن إلتحاقه بركب الصالحين في مساجد الله ليست إلا عادة إعتادها الناس من كل شهر الدخول للمساجد وقراءة القرآن ومزاحمة الناس كونهم إعتادوا أن تمتلأ المساجد في هذا الشهر وتختلي آخر ليالية في صورة غريبة عجيبة تُظهر مدى فقر الإنسان وحاجته لتغذية الروح بالتدين الراقي بعيدًا عن العادة والتقليدية.

الطبقية والأنانية التي يعيشها المجتمع الإسلامي هي سر هروب الشيطان إليهما، من يفهم رمضان على أنه قرآن، وطاعة، وتهجد، هو كمن يفهم أن الحياة مادة بلا روح، هو أيضًا يفصل الروح عن الجسد، والدين عن الحياة. يشعر الفرد المسلم أن رمضان موسم تُصبح موائد الأكل متنوعة متلونة، وهو حق على كل حال، غير أن هذه الوسائل ليست من رمضان من شيء حينما تنفرد بنفسها دون غيرها وعلى الجانب الآخر الخلل والفوة، وحينما تُختزل وكأن رمضان هي، تغيب فكرة (رمضان) الحقيقية التي أنتصر فيها رسول الله لأمته، وجعل منه موسم للإزدياد من الخيرات وتغذية الروح والبدن معًا.

من يُزاحم الناس في الصفوف الأولى، ويرتل القرآن ترتيلًا مُحكمًا وعيونه تذرف دمعًا من خشية ربه، ومن يُسابق للخيرات طوال شهر (رمضان) وإلى جواره يسكن الفقير والمعدوم، والذي لا يجد عشر معشار ما يملكه هو؛ ولا يأبه له، ولا يعطيه إهتمام أو يتحرك فيه وازع الإيمان والإنسان ليس له من كل ما يفعله إلا الجوع والعطش، حسب ما قال رسول الله فيما معنى حديثه:

[ رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ] هو الرفث بعينه، وإن لم يكن هذا فما هو الشيء الذي يستحق الخسارة إن لم يكن الشعور بالمعسور والمحتاج؟!

رمضان هو الإنسان، بدنًا وروحًا، حياة ومعنى، ذكرًا وطاعة وقربًا من الرب الكريم، هو موسم مهم في حياة الأمة الإسلامية ككل، رسالة في غاية الحساسية والمعنى، كفى فرقة وخلافًا، تشاحنًا وبغضًا أيضًا كفى، لنعمر حياتنا بالحب، بالأمل، بالحياة والإنتصار لإنسانونية الدنيا، يجمعنا المسجد والصلاة إلى جانب بعض في صفوف منتظمة تعيد لنا الحياة ورونقها، لنكن همذا نملك الشعور الإنساني، والعاطفة الروحية الحقيقية.

كل عام ورمضان يجمعنا قيمة ومعنى..


في الجمعة 27 يونيو-حزيران 2014 11:11:11 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=30058