خطة واشنطن لإسقاط نظام مبارك
محمود بكري

' هشام قاسم ' اسم قد لا يعرفه الكثيرون في مصر، ولا يكاد يلفت انتباه من يلمحون اسمه بشكل عابر وهم يتصفحون بعض صفحات الصحف المستقلة .. فالرجل يبدو في تحركاته غامضا .. إلي حد الحيرة .. غير أن مواقفه تعكس نفسها بشكل واضح .. لا لبس فيه .. جراء صلات   غير حميدة تربطه بدوائر .. تدفع به لأن يتبوأ مواقع شبيهة بتلك التي احتلها ' أحمد الجلبي ' وشلة المتواطئين مع الاحتلال الأمريكي في العراق .

' هشام قاسم ' لا يخفي مواقفه .. بل يعلنها صراحة في كل المنتديات التي يدعي إليها .. وه ي منتديات توفر له أجواء من التقدير قلما يجدها في بلاده .. فهو إما منهمكا في لقاء نخبوي يجمعه بزائرين أمريكيين للمنطقة من عينة ' كونداليزا رايس ' وزيرة الخارجية الأمريكية، وإما مدعوا إلي حفل خاص في ردهات المنتديات الأمريكية في ظل حضور إسرائيلي ' طاغ '.. وإما غارقا حتي أذنيه في نصب شباكه حول الإصدارات الصحفية لاصطيادها وتحويلها إلي صحف تسبح بحمد الرئيس الأمريكي وأركان إدارته .. وتمهد الأجواء لسيناريوهات يجري رسمها في سراديب البيت الأبيض، ومراكز البنتاجون، ودوائر السياسة، وبحورها المتلاطمة، والموجهة لصالح فئات أبعد ما تكون عن مصالح هذا الوطن .

' هشام قاسم ' هذا .. والذي لا يكاد يعرفه أحد في وطنه .. حظي بأعلي تكريم من ' هيئة المنحة القومية من أجل الديمقراطية ' وهي - لمن لا يعرف - ' هيئة أمريكية ' تتمتع بسمعة مدوية في مجال تمويل ودعم ومساندة كل المنقلبين علي أوطانهم .. واللاهثين وراء ' السراب الأمريكي '.. والباحثين عن حل لمشكلات بلادهم عبر أدوات الموت الأمريكية المسماة زورا بالديمقراطية .. التي يجسدها النموذج الأمريكي في العراق .. والذي يحظي بإعجاب ' قاسم ' أحد أبرز وجوهها .

الهيئة الأمريكية رأت في ' قاسم ' مجاهدا في الخطوط الأمامية من أجل الديمقراطية .. وقلدته ' جائزة الديمقراطية لعام 2007 '.. وأقامت له حفلا تكريميا يليق بأمثاله في واشنطن الثلاثاء الماضي .. أجزلت له العطاء، والمنح، والتقدير للرجل الذي وصفته الهيئة بأنه أسهم بشجاعة في زيادة وحفظ حرية الصحافة، ووسائل الإعلام المستقلة ' ورأي فيه رئيس الهيئة ( فين ويبر ): '.. في بلدان ذات حرية قليلة، أو محدودة .. نجد صحفيين مستقلين ونشطاء تعهدوا بتزويد المواطنين بالأخبار الصادقة والمعلومات .. عادة ما يجدون أنفسهم في الخطوط الأمامية في الجهاد من أجل الديمقراطية، وأحيانا تكون حياتهم علي المحك '.. كل تلك الأوصاف قصد بها ' هشام قاسم ' الرجل الذي وضعته الهيئة الأمريكية علي رأس المكرمين، وقدمت له كونه أحد أهم الناشرين البارزين، والنشطاء الديمقراطيين .

ولأن ' هشام قاسم ' هو الوجه الآخر ل ' سعد الدين إبراهيم ' صاحب مركز ابن خلدون .. فقد سار علي خطي رفيق دربه .. وراح يستكمل مسيرته التي أطلقها ' إبراهيم ' حين التقي في ' براغ ' الرئيس الأمريكي جورج بوش .. مستغلا هذا اللقاء في التحريض علي وطنه، وبلده، داعيا لاستخدام آليات جديدة لإلحاق الأذي بالنظام المصري، عبر استثمار ورقة ' المعونة والمساعدات المقدمة لمصر '.. وبالفعل .. لم يكذب بوش خبرا .. وراح يستدعي ' ستيف هادلي ' مستشار الأمن القومي الأمريكي علي الفور، ويبحث معه في سبل ' ردع نظام مبارك ' وقد أثمرت مجهودات سعد الدين إبراهيم ' الديمقراطية ' عن صدور توصية من الكونجرس الأمريكي بتعليق مائتي مليون دولار من المعونة المقدمة لمصر .

أنجز ' سعد إبراهيم ' مهمته خلال لقاء استمر خمس عشرة دقيقة فقط .. أماهشام قاسم فقد نال ' شرفا كبيرا ' حين استطاع حضور القاء مع الرئيس الأمريكي جورج بوش لمدة ( 55 ) دقيقة بالتمام والكمال .. فماذا يا تري جري في اللقاء؟ !

يقول ' هشام قاسم ': ' إن اللقاء مع بوش كان مجرد دردشة، وتناول قضايا عامة غير مرتبطة بالخناقة بين النظام المصري والإدارة الأمريكية '.. هذا ما صرح به من واشنطن عبر الهاتف لصحيفة ' البديل ' التي يسعي الآن لشراء أسهمها، وأنصبة مؤسسيها .. ولكن ما لم يقله ' قاسم '  كما هي عادته في مواقف سابقة أنه راح يحذو حذو رفيق دربه ' صاحب مركز ابن خلدون ' وراح يستخدم ' الديمقراطية الغائبة في مصر ' كسبيل لمواجهة النظام المستبد، حيث يسعي الرئيس المصري لتوريث نجله جمال مبارك للحكم في البلاد .. مطالبا باستخدام كل آليات الضغط لإنهاء نظام الحكم الذي ' شاخ ' - حسب وصف ' قاسم '.

• • •

وبهذا التطور في التعامل الأمريكي مع ' قاسم ' يكون الرجل قد قفز .. ' بالنقاط ' فوق زملائه من دعاة ' الديمقراطية المحمولة جوا '.. وحصد موقعا ينافس به ' سعد الدين إبراهيم ' في مواقفه الداعمة للسياسات الأمريكية، والرافعة لشعار ' التغيير الأمريكي بالنموذج العراقي ' كوسيلة أساسية لجلب الديمقراطية للبلدان العربية .. وتكفي معرفة أن الهيئة التي منحته الجائزة الأولي في الديمقراطية يتصدرها عدد من دعاة الاحتلال في العراق، وأعوانه، ومن بينهم العميل العراقي ' ليث كبة ' صاحب الصلات الوطيدة بالكيان الصهيوني، وعبدالوهاب الكبسي .. وغيرهما من ' الجياد الأمريكية ' في المنطقة العربية .. وهي هيئة متخصصة في تقديم المنح لأمثال هؤلاء المتاجرين بأوطانهم علي الأرصفة الأمريكية .

• • •

إن أخطر ما في تحركات واتصالات ' هشام قاسم ' هو موالاته التامة للسياسة الأمريكية، ودعمه المطلق للتطبيع المجاني مع العدو الإسرائيلي .. ولقد سبق ضبطه متلبسا بالصوت والصورة في لقاء جمعه في واشنطن مع مجموعة من القتلة الصهاينة .. كان يجلس بينهم مزهوا في إطار عدد محدود من الشخصيات التي تمت دعوتها في عام 2005 من قبل ' معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني '.. كان الهدف من وراء الدعوة الاحتفال بالذكري العشرين لإنشاء المعهد .. في ظل حضور إسرائيلي مكثف .. خاصة أن هذا المعهد يعرف بدعمه القوي والمباشر للسياسات الإسرائيلية وتربطه علاقات قوية مع مجموعة ' إيباك ' التي تدعم العدو الصهيوني بكل السبل وتعد كبري جماعات الضغط اليهودية الأمريكية التي تلعب دورا مؤثرا ونافذا لصالح دعم السياسات الإسرائيلية العدوانية في مواجهة الحقوق الفلسطينية .

يومها جلس ' هشام قاسم ' فخورا إلي جوار ' مائير شتريت ' وزير المواصلات الصهيوني وعضو حزب الليكود .. وبدون خجل راح يتهجم علي مصر .. الوطن الذي عاش علي أرضه .. ويتهكم علي أوضاعها السياسية .. يحيط به القتلة من كل جانب .. ليؤكد عبر ما أعلنه أنه واحد من هؤلاء الذين تعدهم الإدارة الأمريكية كأداة لهدم المجتمعات العربية .. وتعتمد عليهم في الترويج لمخططها للتدخل في الشئون الداخلية المصرية والعربية .. فعبر تلك العناصر ذات الهوي الأمريكي تنجح أمريكا في التقاط أتباعها من المنطقة العربية .

ومن المؤسف أن ' قاسم ' الذي راح يحتمي بالرايات الأمريكية وبالعناصر الصهيونية التي شاركها هذا الاحتفال .. راح يوجه انتقادات حادة لرئيس الوزراء المصري ' أحمد نظيف ' الذي استضافه المعهد ليلقي محاضرة أمامه في توقيت متقارب .

لم يكن انحياز ' هشام قاسم ' إلي القتلة الصهاينة مجرد صدفة أملتها الظروف خلال الاحتفال الصهيوني بذكري تأسيس المعهد .. بل كانت تعبيرا عن مواقفه الثابتة .. ففي ندوة نظمتها إدارة الأمم المتحدة لشئون الإعلام بالتعاون مع وزارة الخارجية المصرية في منتصف عام 2005 وفي حضور قائمة من الشخصيات الإسرائيلية المشاركة ومن بينها ' شولاميت آلوني ' العضوة السابقة في الكنيست الإسرائيلي والتي كانت مجندة في كتائب الكوماندوز اليهودية في عام 67 وشغلت منصبا وزاريا في حكومات 74 و92 و93 .. وكذلك ' يوسي كاتز ' وهو محام درس في الجامعة العبرية بالقدس وعضو سابق في الكنيست و'إيلات بابي ' المحاضر في العلوم السياسية بجامعة حيفا، و'كلايتن سويشر ' مدير البرامج بمعهد الشرق الأوسط ' وجيديون ليفي ' المحرر بصحيفة ' هاآرتس ' الإسرائيلية .. هذه الشخصيات كانت أكثر مرونة في التعامل مع حق الشعب الفلسطيني في العيش في حياة كريمة من ' هشام قاسم ' الذي كان وقتها لا يزال العضو المنتدب لجريدة ' المصري اليوم ' ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان الذي زايد علي الإسرائيليين وراح يطالب بحقوق ' دولة إسرائيل '.

لقد أثار دهشة الكثيرين وهو جالس علي المنصة إلي جوار ' جيديون ليفي ' المحرر الإسرائيلي بصحيفة ' هاآرتس ' ليقول : إن الجلوس مع إسرائيلي ليس فيه ضرر بعد اتفاقية السلام .. وراح يشبه نفسه بالرئيس الراحل أنور السادات زاعما أنه يتعرض للهجوم لانحيازه للسلام مثلما تعرض له السادات .. وطالب ' قاسم ' بألا يتم الدفاع عن فلسطين علي حساب ' إسرائيل '! قائلا : ' هناك قرار الأمم المتحدة رقم 242 الذي يدعو إلي انسحاب ' إسرائيل ' إلي حدود 67 وإذا وجدنا عوائق أمام تطبيق القرار فإننا لن ندافع عن مصلحة بلد علي حساب بلد آخر .

كان ' هشام قاسم ' يلقي كلمته من قلب القاهرة باللغة الإنجليزية زاعما أنه كمراقب يقدم تقارير مراقبة لعملية السلام والسياسة لمراقبين دوليين وبهدف تحقيق الديمقراطية في العالم .

• • •

وعلي نفس المنوال راح يعرب عن دعمه وتأييده للغزو الأمريكي للعراق .. ففي مناسبة ذكري مرور ثلاثة أعوام علي بدء الغزو الأمريكي علي العراق وردا علي سؤال حول ضرورة الحرب علي العراق قال ' هشام قاسم ': ' من الصعب الإشادة بهذا الواقع الدموي لكن الحقيقة أنه حقق شيئا مفيدا، فعلي الجهة الأخري من الفوضي وسفك الدماء هناك عملية سياسية يتبلور إطارها في العراق حاليا '.. وقال : ' إن سفك الدماء هو ثمن الانتقال من ديكتاتورية نظام صدام حسين السابق ' ولم يكتف بذلك بل قال : ' إن الخسائر كانت ستتضاعف إذا استمر صدام رئيسا للعراق '.. وزعم أن التدخل العسكري الأمريكي في العراق مكٌن الولايات المتحدة من الضغط من أجل إجراء إصلاحات يمكننا رؤيتها الآن في المنطقة لتنتشل العديد من الدول من خانة الدول الفاشلة .

وقد دعا هذا الموقف المشين الذي أعلنه ' هشام قاسم ' في دعم الاحتلال الأمريكي للعراق الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ' حافظ أبوسعدة ' إلي وصف ما أعلنه ' قاسم ' بأنه رأي خاص به وليس تعبيرا عن رأي أو موقف المنظمة المصرية لحقوق الإنسان من الحرب ضد العراق .. واصفا ما تحدث به بأنه يندرج تحت كونه نائبا لرئيس حزب الغد والعضو المنتدب ونائب رئيس مجلس إدارة جريدة ' المصري اليوم '.. مبديا دهشته عندما قرأ رأيه في مجلة ' تايم ' الأمريكية خاصة في هذا التوقيت تحديدا الذي بدأ فيه تراجع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة عن أفكارهم بشأن الحرب علي العراق فيما الرأي العام الأمريكي يكاد يكون بأكمله ضد غزو العراق والدليل علي ذلك المظاهرات التي تحدث أسبوعيا إن لم يكن يوميا جراء الخسائر التي تمني بها القوات الأمريكية .

في الجمعة 28 سبتمبر-أيلول 2007 09:35:21 م


تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=2613