|
جاء اعتذار حكومة الوفاق الوطني للجنوب وصعدة عما لحقهما من أضرار مادية ومعنوية بسبب “حرب صيف 94م وحروب صعدة الستة” متأخراً وباهتاً وإن كان خطوة أولى طيبة ومرحباً بها وتعبيراً عن أول غيث حسن النية لدى الأطراف المعنية في البلاد؛ كون حكومة الوفاق تجمع ترويكا متنوعة فيها المحاربون المنتصرون وفيها المظلومون المقهورون بحروب صيف 94م ضد الجنوب كمشروع سياسي وطريقة حكم ونموذج حياة أو ضد صعدة في حروب ستة دمرت الأخضر واليابس وحولت هذه المحافظة إلى منكوبة.
أما لماذا جاء الاعتذار متأخراً وباهتاً، فقد كان الناس في اليمن كلها يتطلعون عشية الوحدة اليمنية 22مايو 1990م إلى يمن جديد وينتظرون اعتذاراً وطنياً كون تجارب حكم الشمال والجنوب لم تكن محل رضا وقبول اليمنيين، وكانت شرورها أكثر من إيجابياتها كونها أقصت وهمشت وقتلت وحاربت وشردت من اختلف معها أو عارض أساليب وطرق حكمها من العسكريين والموظفين والمثقفين والناس البسطاء، مع عدم إنكار إيجابيات التجربتين القليلة.
ولا يختلف اثنان أن قادة دولة الجنوب السابقة دخلوا تجربة الوحدة اليمنية متخففين قليلاً من أثقال الماضي بعد مراجعات وتقييم ونقد واعتراف واعتذار عما ارتكبته تجربة دولة الجنوب قبل الوحدة من أخطاء وجرائم، وإن حصلت بعض الأخطاء من بعضهم فيما سمي يومها باشتراطات أو ثمن الوحدة ومهرها فإنها كانت اشتراطات شخصية متبادلة بين بعض قيادات الجنوب والشمال التي حققت الوحدة ولا علاقة لها ببناء اليمن الجديد، فتم إقصاء وتهميش واستبعاد الذين انهزموا في الصراعات السابقة في الجنوب والشمال على حد سواء.
وقد تسارعت الخطى نحو التدمير والإقصاء لتحقيق الهيمنة برغم حيل وخداع الناس الحالمين بيمن جديد بعبارات وجمل رنانة مثل «الاستفادة من ايجابيات ومحاسن تجربتي الحكم السابقتين في جنوب الوطن وشماله بتطبيقها في الدولة الجديدة» الجمهورية اليمنية، لكن الوقائع والأحداث أثبتت أنها كانت عبارات وجملاً للخداع ليس إلا..!!.
فكانت حرب صيف 94م التي فرضت نموذج وأسلوب وطريقة الحكم التي كانت سائدة في شمال الوطن قبل الوحدة على كل اليمن بمشاركة المقصيين والمبعدين من أبناء الجنوب ضحايا الصراعات السابقة، فتم تدمير وهزيمة وإقصاء مشروع الجنوب السياسي الذي كان قائماً ومنفذاً قبل الوحدة حتى بعد المراجعات والتقييم وإعادة النظر التي قدمت اعترافاً واعتذاراً لما اقترفه ذلك المشروع من أخطاء وجرائم فادحة.
وجاء الاعتذار متأخراً وباهتاً؛ لأن الناس كانوا يطالبون به وينتظرونه بعد حرب صيف 94م، لكن للأسف استمر ارتكاب الأخطاء والجرائم وتواصلت جرائم قمع احتجاجات الحراك الجنوبي السلمي الذي اندلع عام 2007م ضد مظالم وجرائم حرب صيف 94م بشراسة، واندلعت ستة حروب في صعدة، وقد كتب وقيل الكثير حول أن من أهم الأسباب التي عجّلت بالثورة الشبابية الشعبية السلمية في فبراير 2011م التي طالبت بإسقاط النظام هو ما يعانيه أبناء الجنوب وصعدة من ظلم ومنعاً للانفصال ورفع يومها شعار “التغيير بدلاً من التشطير” وكان الناس في الجنوب يطالبون بصوت مرتفع بضرورة الاعتراف بالقضية الجنوبية والاعتذار وتجريم وانتقاد حرب صيف 94م وحروب صعدة الستة، فتم التعامل مع ذلك باستهتار «وتطنيش رهيب» ما أدى إلى رفع سقف مطالب الحراك السلمي الجنوبي إلى المطالبة والإصرار على الانفصال.
وجاء الاعتذار متأخراً وباهتاً؛ لأن الناس كانوا يطالبون به وينتظرونه من أطراف العملية السياسية خاصة تلك التي شاركت في حرب صيف 94م وحروب صعدة فور التوصل إلى التسوية السياسية والتوقيع على المبادرة الخليجية وانتقال الحكم من الرئيس السابق صالح إلى الرئيس الحالي هادي، وطرحت أشكال ونماذج عديدة لطريقة الاعتذار؛ لكن ظلت عقول وقلوب وأذن رجالات الحكم في البلاد القدماء/الجدد مغلقة ومستهترة بكل ما يطرح ويكتب من آراء وأفكار ومقترحات، وجرى كتابة وترويج عبارات وأفكار مثل «من يعتذر لمن..؟!» كما جرى تسفيه وتحقير المطالبين بالاعتذار وإعادة الحقوق إلى درجة التلويح بفتح ملفات الصراعات والأخطاء في الجنوب لفترة ما قبل الوحدة وكأن تجربة حكم الشمال في تلك الفترة كانت وردية بلا جرائم وقتل وسحل وأخطاء مدمرة.
كما جاء الاعتذار استحقاقاً و«تنفيذاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وللنقطتين الثامنة والخامسة عشرة من النقاط العشرين» كما جاء “نيابة عن السلطات السابقة وكل الأطراف والقوى السياسية التي أشعلت حرب صيف 1994م وحروب صعدة أو شاركت فيها” كما ورد في نص الاعتذار.. إلا أنه يعد خطوة أولى طيبة ومرحباً بها في مشوار الألف ميل نحو المصالحة الوطنية بتعزيز الاعتذار لكل المظلومين من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية وأبناء صعدة بإعادة الحقوق إليهم وإنصافهم.
وكنت قد كتبت عدداً من المقالات في صحيفتي «الجمهورية» و«الثورة» طالبت فيها الاعتراف بالقضية الجنوبية والاعتذار وإعادة الحقوق و وأن يجسّد الاعتذار بسلوكاً ويتحول إلى مناسبة اعتذار وتسامح وطنية تبدأ باعتذار رسمي من الدولة والحكومة، ثم تجند لها كل طاقات المجتمع وتشترك فيها الفعاليات السياسية والمجتمعية ومنظمات المجتمع المدني والكتاب والمثقفون والشعراء والفنانون وأن يكون اعتذاراً يمنياً جماعياً عن الظلم والإقصاء والتهميش وتوبة وتبرؤ عن الجرائم التي ارتكبت ضد أبناء اليمن في الجنوب والشمال والشرق والغرب وشمال الشمال.
وأخيراً: لا يكفي اعتذار حكومة الوفاق وحده، وإن كان خطوة أولى مرحباً بها، فلابد من اعتراف واعتذار الأطراف المشاركة في الحروب والصراعات علانية من خلال نقد الماضي الآثم والأسود وتجريمه والتبرؤ منه والتعهد بوضع الآليات والضمانات لعدم تكراره بالتوافق على دولة يمنية مدنية ديمقراطية عادلة محمية بدستور جديد وقوانين نافذة تحمي الحقوق والحريات وتمنع الظلم والطغيان والاستبداد.
وما لم يحصل ذلك سيظل ما صدر من اعتذار حبراً على ورق مثله مثل «كومة» القوانين والأنظمة التي هي محل إشادة الجميع؛ لكنها في الأدراج تتزين بها الحكومات المتعاقبة أمام منظمات المجتمع الدولي، كما سيظل الاعتذار مرفوضاً من قبل من وقع عليهم الظلم وعانوا ويلات الطغيان والقهر والتهميش والإقصاء.. والله من وراء القصد.
في الأربعاء 28 أغسطس-آب 2013 04:11:29 م