الجدال حول الشريعة الإسلامية في التشريعات الدستورية
د.يوسف هزاع الوافي
د.يوسف هزاع الوافي

إن الإسلام عكس الدين المسيحي فهو عقيدة وعبادة وحكم، وهو دين ودولة، وعلى هذا الأساس فإن الدين الإسلامي يصبح مصدر للقانون بمقدار ما يتضمن من قواعد منظمة للروابط الاجتماعية المختلفة، لذلك تعتبر الشريعة الإسلامية بدرجات متفاوتة بين الدول، المصدر الرئيسي للتشريع، حتى تلك الدول التي لم تعلن في دساتيرها على ذلك، فإن العديد من تشريعاتها تجد مصادرها في الشريعة الإسلامية. فعلى الصعيد الدستوري تشير العديد من الدول الإسلامية إلى أن الإسلام دين الدولة وأن الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي، أو مصدر أساسي أو المصدر الأول، أو مصدر من المصادر الرئيسية. فالإسلام وضع مبادئ دستورية وجدت أفضل تطبيقاتها في العصر الذهبي للدولة الإسلامية منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حتى العهد الراشدي (الشورى، العدالة، الحرية، المساواة.... إلخ).

لقد قدمت النصوص الدستورية في الدول الإسلامية صياغات متعددة بشأن دور الشريعة الإسلامية في التشريع، كما اختلفت أيضاً في ترتيب موقع مواد هذه النصوص في الدستور. فالنظام الأساسي للمملكة العربية السعودية الصادر في عام1992م، لم يترك أي تساؤل بشأن الحقيقة الإسلامية للدولة التي تسيطر على قلب وروح النظام الأساسي وتهيمن على مواده كافة، فالأغلبية الساحقة من مواد هذا النظام تهيمن عليها المضامين الدينية، كالنص على الشريعة الإسلامية أو العقيدة الإسلامية أو الله أو الإسلام أو كتاب الله، فالمادة الأولى من هذا النظام تنص على أن (( دستورها كتاب الله وسنة رسوله)). وهناك دول تعتبر الشريعة الإسلامية هي أساس التشريع، (المادة(2) من دستور سلطنة عمان)، وهناك دول تعتبر الشريعة مصدر رئيسي لتشريعاتها( الكويت والبحرين في المادة(2) من دساتيرها)، والإمارات العربية المتحدة في المادة (7) من دستورها، أما الدستور المصري الصادر عام 1971م والمعدل عام 1980م في المادة الثانية والتي نصت على مبادئ الشريعة لإسلامية ومصدر رئيسي للتشريع، ثم عدلت هذه المادة عام1980م وأصبحت مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)) . أما في الجمهورية اليمنية فقد نصت المادة (3) من دستور1991م على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وقد أثار هذا النص الكثير من المناقشات بين قطاعات عرضة في اليمن على اختلاف مجموعة بمفكريه ومثقفيه ومختلف القوى السياسية والحزبية، وانقسموا إلى مؤيدين للنص بحالته قانعين بما فيه وبين ما هو أبعد من ذلك لا يرضون للشريعة الإسلامية الغراء مكانة الصدارة لا ينازعها فيها منازع. وهو ما تم إقراره فعلاً عند تعديل الدستور عام 1994م، طبقاً لنتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور بحيث أصبحت المادة(3) تنص على أن ((الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات))، بدلاً من الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.

هناك فرق بين النصوص الدستورية للدول التي نصت على أن الشريعة الإسلامية تعد من مصادر التشريع، فملاً الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، الشريعة الإسلامية هي أساس التشريع، الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات، الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع. فكلمة "أساس التشريع" هي أكثر المعاني اقتراباً من معنى المصدر الرئيسي للتشريع، التي درجت عليها بعض الدساتير، وهي تعني اقتصار التشريع على الشريعة الإسلامية، أما كلمة " مصدر رئيسي"، فإنها تعني إمكان استعانة المشرع بمصادر أخرى للتشريع، أما عبارة " مصدر جميع التشريعات"، هناك من يرى أن هناك مصادرا ًأخرى للقوانين خارج نطاق الدين الإسلامي مثل التشريع، والعرف..إلخ. وهو ما أخذ به المشرع الدستوري اليمني في التعديل الدستوري عام 1994م. أما كلمة "المصدر الرئيس للتشريع" فإنها تعني أن المشرع القانوني مقيد أولاً بالبحث في الشريعة الإسلامية، ولا يجوز له الانتقال إلى مصدر آخر إلا عند عدم وجودها في المصدر الرئيسي (الشريعة الإسلامية. وهو ما كان عليه دستور 1991م قبل التعديل.


في الإثنين 22 يوليو-تموز 2013 05:16:32 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=21433