الإقصائيون الجدد والكفر العام بالديمقراطية

الانقلاب الذي قام به العسكريون بمصر حضي بتأييد كثير من منظمات المجتمع المدني ودعاة الحرية والديمقراطية وخاصة في جمهورية مصر العربية ، الانقلاب العسكري الناعم في مصر انتكاسة كبيرة للحرية والديمقراطية وانتكاسة لقيم العدالة وفضيحة للدعاة الليبرالية وقوى الحداثة

مبررات قادة النخب السياسية والإعلامية ودعاة الحرية والديمقراطية بتأييد الانقلاب واهية ولا تستند الى أي أسس موضوعية او منطقية وتأييدهم لدعم شرعية الانقلاب بحجة استرداد الدولة من الإسلاميين زاد من فضيحتهم اكثر لان الإسلاميين قوة اجتماعية لا يمكن تجاهلها او تحجيمها او حجبها

الانقلاب الذي جرى في مصر سبب صدمة لكل المدافعين عن الحرية والديمقراطية في كل أنحاء العالم والأكثر من هذه الصدمة أن يكون نشطاء وقادة رأي يؤيدون ذلك وهذا ما يدل على ان هؤلاء كانوا يعتبرون العمل ضمن منظمات محلية ودولية تعمل على تعزيز وغرس قيم الحرية والديمقراطية والنضال من اجل الوصول بالمجتمعات الى ممارسة صحيحة للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة

الانقلاب العسكري في مصر وضع المنظمات الدولية التي تعمل في مجتمعات البلدان النامية والمتخلفة أمام محك واختبار حقيقي ووضع مبادئها وأنشطتها على مفترق طرق نتيجة تأييد الخبراء والعاملين فيها للانقلاب العسكري ووقفهم في صف سلطة الانقلاب ودفاعهم الكبير عن شرعية الانقلاب وتضليل الرأي العام بالتعامل معه كعمل صحيح

الانقلاب العسكري في مصر كشف زيف الغطاء لكل دعاة الحرية والديمقراطية والمساواة وترشيد الحكم وكل المصطلحات التي كانوا يسوقونها للمجتمعات وكشف عن هؤلاء القناع الحقيقي الذي كان يتستر ورائه نخب تلك المنظمات واثبت عمليا وواقعيا ان القضية عبارة عن استرزاق ومنفعة

دائما الأهداف والمبادئ العامة لا تنطلق على أساس مذهبي او طائفي او ديني او عقائدي او رأي معين بذاته وإنما تمطلق على أساس الوحدة الاجتماعية والوطنية والمواطنة المتساوية وتنطلق من مبادئ عامة على ركيزة هامة هي الإنسانية والعيش المشترك والمشاركة حفظ حقوق الأقليات

حقوق الإنسان والتعبير وحرية الرأي والمشاركة والتداول السلمي للسلطة تراجعت بسبب دعم مؤسسات وأشكال منظمات المجتمع المدني ودعاة الحرية والليبرالية على مختلف تصنيفاتها وأنشطتها لعدم وقوفهم أمام الانقلاب العسكري في مصر ودعم مؤسسة الجيش في الانقلاب على حرية المواطنين ولم يتوقف الأمر عند هذا بل ان هذه المنظمات ابتدعت بدعة جديدة هي دعم مصادرة حقوق الأغلبية في السلطة وحرية التعبير وهذا العمل يؤسس لشكل جديد من الفوضى الرجعية لممارسة السلطة

إذا كانت حرية التعبير والإعلام مكفولة لكل فئات المجتمع فلا يعقل تأييد قمع ومصادرة حرية التعبير عن التيارات الإسلامية مهما كان وتحت أي ظرف ، وقرار الانقلابيين في مصر بإغلاق القنوات الفضائية والصحف على التيار الإسلامي هو تراجع واضح عن حرية التعبير وانقلاب على الديموقراطية بكل مفرداتها وتفاصيلها

كنا سنتقبل الأمر لو ان الانقلابيين قاموا بعمل متساوي تجاه كل التيارات وعلى أساس ان الحرية الإعلامية تسببت بمشكلة معينة للمجتمع المصري وصدر قرار بإغلاق كل القنوات الفضائية الخاصة المملكة للتيارات الفكرية إسلامية وليبرالية وغيرها كان الإجراء كهذا يعد مقبولا إلى حد ما رغم مخالفته لقواعد ممارسة الديمقراطية وحرية التعبير لكن ان يقتصر على تيار معين ويترك المجال مفتوحا للتيارات المختلفة مع التيار الإسلامي للنيل منه دون أدنى مستوى من المراعاة لحقوق الإسلاميين في الدفاع عن أنفسهم ورؤيتهم

الانقلابيون فسحوا المجال إمام كل التيارات المناوئة للإسلاميين للنيل منهم والتشهير بهم وبالمقابل تم غلق كل وسائل التعبير أمام الإسلاميين وهذا ما سيدفعهم للتعبير بطرق أخرى تتناقض مع مبادئ ممارسة الحرية والديمقراطية

.في مصر الإعلام المؤدلج كله كان له ضلع في تأجيج الأزمة السياسية ولو ان العمل الذي قام بع العسكر غير انقلابي كان بالإمكان وقف كل القنوات الفضائية لكن الأمر ابعد من هذا فالعملية كانت انقلاب عسكري وتغليب طرف على أخر وسلب حرية تيار كبير لصالح أطراف سياسية مناوئة لهذا التيار

النتيجة المستخلصة من انقلاب العسكر بمصر على السلطة الشرعية المنتخبة وفق قواعد صحيحة هو اعتماد مذهب فوضوي جديد على دعاة الحرية والديمقراطية تضمينه في أدبياتهم لمواصلة الاسترزاق اما الديمقراطية والحرية فقد انتكست مفهوما وعملا وواقعا وفضح زيف كل ما جاءت به أدبيات تلك المنظمات خلال العقود السابقة وعلى المجتمعات والنخب السياسية والإعلامية مراجعة تلك المفاهيم ومراجعة مواقفها من عمل تلك المنظمات لتراجعها العملي ودعمها سلطة وسلوك الانقلاب الذي حدث في مصر وسقوط كثير من المنظمات والأشخاص مهنيا وأخلاقيا لدعمهم شرعية الاستبداد وقمع الحريات

بعض من كنا نحسبهم قادة الحداثة في مصر يعلنون بكل صراحة مصادرة حق الإسلاميين وسجنهم بل ذهب البعض الى تجريدهم من كل الحقوق العامة وإخراجهم حتى من الوطن

أي حرية وأي ليبرالية وأي مشاركة وأي عدالة يمكن تقبلها من هؤلاء الاقصائيين الجدد الذين يشرعون لاستبداد عسكري غاشم ويشرعون لإرهاب فكري وقمعي بوليسي ، كانت الديمقراطية كفرا عند بعض التيارات الإسلامية لكنها أصبحت كفرا عند عامة المجتمع ونخبه المثقفة بكل أنواعها

ونتيجة هذا التراجع السلبي للديمقراطية ودعاة الحرية الذي سيفرض واقعا جديدا للتعامل مع منظمات المجتمع المدني ودعاة الحرية على أساس مراجعة المواقف منها ومن مبادئها ومراجعة قيمها كلية لان الوضع الحالي الذي نتج عن الانقلاب العسكري بمصر يعبر عن خلاصة المرحلة السابقة وان النتيجة التي برزت هو تيار إقصائي جديد بقصي كل الحقوق ويضفي الشرعية لمصادرة حرية التعبير والممارسة ، وأصبح الكفر بالديمقراطية حق من حقوق الناس لمقاومة هذا الإقصاء وكردة فعل طبيعية لهذا السلوك الاقصائي الانقلابي

إن التراجع والإحباط الذي ستخلفه كارثة الانقلاب العسكري في مصر على كل المثقفين والنخب الاجتماعية نتيجة تأييد كثير من دعاة الحرية والحقوق وتسببهم بسقوط تفاعل ما يسمى بالمثقف القدوة مع أي برامج مستقبلية للمنظمات التي تنشط في مجال الحقوق والحريات وان إفرازات جديدة ستتشكل على أسس جديدة حتما بعد مراجعة المواقف من تلك المنظمات والأشخاص الذين أسسوا مذهبا جديدا للإقصاء والاستبداد

إن الحريات والحقوق الجديدة الممولة من الدول التي لا تؤمن بأي نوع من الحريات هي قالب جديد للاستبداد لأنه لا يمكن القبول بمنتج مغلف بغلاف ممارسة الاستبداد بكل صورة ، ودول الخليج التي تعتبر أكثر الدول حربا على الحريات العامة تتصدر دعم الثقافة الإقصائية الجديدة تحت غطاء الديمقراطية لان القاعدة العامة تقول : فاقد الشيء لا يعطي


في الخميس 11 يوليو-تموز 2013 01:45:21 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=21292