|
منذ قيام "ثورتها" في العام 1979، وبعدها بعام (1980) عندما قامت حربها مع العراق والتي استمرت ثماني سنوات، وإيران مثار جدل في المنطقة، حتى تدمير العراق على أيدي الإحتلال الأميركي في العام 2003 بصمت ايراني مثير يكاد يشبه القبول، إلى انتصارات وانكسارات في لبنان، أبرزها أحداث 7 أيار 2008 والتي كادت تدخل لبنان بحرب طائفية جديدة، وحتى قيام الثورة السورية، وما زالت ايران تحت الأضواء، أحد أبرز اللاعبين في الإقليم.
في شباط من العام الجاري، زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد القاهرة لحضور اجتماعات قمّة مؤتمر التعاون الإسلامي، بعد قطيعة دامت حوالي ثلاثين عاماً. جاءت الزيارة في خضم أحداث متسارعة، تعتبر القاهرة و طهران معنيتان بها بشكل مباشر، أبرزها الحرب السورية، فإيران متّهمة بالتدخل الواضح لدعم حليفها بشار الأسد، بينما تحتضن القاهرة المعارضة السورية، إضافة إلى (200,000) لاجئ حسب إحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في شمال افريقيا.
لماذا الآن؟
كانت ايران (وما تزال) أحد عوامل التوازن في المنطقة، وأحد اسباب ابتزاز دول الخليج اميركياً، بسبب ما تشكله لها من رعب، يتجلّى فيما توحيه ايران، الدولة صاحبة المشروع التمدّدي الذي كثُر الحديث عنه في السنوات الأخيرة (الهلال الشيعي: أحداث الحوثيين في اليمن، أحداث شرق السعودية، تدخّلها السافر في لبنان، سطوتها في سوريا، تصريحات نجاد في العام 2010: البحرين جزء من ايران) ضمن هيمنة أميركية واضحة على المنطقة، أي أنها جزء من تركيبة، تضم على الجانب الآخر "اسرائيل".
وإذا انظلقنا في الإجابة على سؤالنا: لماذا الآن؟ من أن هناك تغييرات جيوسياسية في المنطقة، ستفرضها التغييرات القادمة في سوريا على باقي دول الإقليم، لتعيد خلط الأوراق من جديد، فهذا يعني أن هناك ثوابت أميركية يجب أن لا يطالها الضرر، كأمن "اسرائيل" بما هي جزء من هيمنة رأس المال العالمي على المنطقة، وايران بما هي عامل ابتزاز أميركي دائم لدول المنطقة، والخليج بشكل خاص. وعليه؛ فإن إنهاء ايران، بسبب ملفّها النووي أو غيره، أمر يدعو للفكاهة، خاصة إذا تذكّرنا فضيحة "ايران-كونترا" في العام 1985، واستيراد الأسلحة الأميركية عن طريق "اسرائيل" لمواصلة الحرب مع العراق. إذاً، لإيران الخميني سوابق مع "الشيطان الأكبر"، تؤشّر إلى أن ايران لم تستنفد دورها بعد.
أواسط العام 2012 وصل "الإخوان المسلمين" المصريين إلى السلطة في ظروف لم يكن غيرهم مهيّأ لها، وببرنامج انتخابي فضفاض للرئيس محمد مرسي، لم يستطيعوا بعد عام من وصولهم للسلطة من تطبيق أي بند اقتصادي فيه، لا بل حاولوا إعادة إنتاج سلطة الإستبداد بطرق شتّى ليس هذا مكان البحث فيها. والبرنامج الإنتخابي الذي تناول دول آسيوية كبرى بالإسم، كتركيا (ص139)، أو ماليزيا (ص140)، لم يتطرّق لإيران إطلاقاً.
جاء في الباب الرابع: "العلاقات المصرية الآسيوية التالي:
1) إحياء العلاقات الراكدة مع دول القارة الآسيوية بما يدعم الإنفتاح على تجارب النهضة الآسيوية، ولإستفادة منها خاصة النمور الآسيوية، والتعاون في التوجهات السياسية ودعم القضايا المشتركة على الساحة الدولية"
3) تشجيع السياحة من الدول الآسيوية إلى مصر واستهداف زيادة أعدادها والدعاية لها بشكل أكبر في الأسواق الآسيوية" (ص142).
كيف دخلت ايران مصر من بابها العريض في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة؟
أصبحنا أقرب للإجابة: ليس لدى "الإخوان المسلمين" في مصر حلول لمشاكل مجتمعهم، سواء التي خلّفها لهم "النظام القديم"، أو التي نشأت بسبب وجودهم في السلطة، وما أكثرها. ولدى ايران حلول إنقاذية سريعة في قطاع السياحة مثلاً (وقد بدأت وفودها بالتوافد فعلاً)، واستثمارات طويلة الأجل، لا نعرف تفاصيل العقود التي وقّعت في ايران مؤخّراً. وإذا افترضنا أن هذا يحدث ضمن هيمنة أميركية واضحة على المنطقة، فإن مصر هي تعويض لإيران عن سوريا، وهكذا تقفز ايران إلى الجانب الآخر لحدود دول الخليج لتبقى عامل ابتزاز أميركي لهذه الدول، وربّما غيرها، عدا عن أنّها تستطيع من مصر التي تعاني انهيار واضح للطبقة الوسطى "صمّام الأمان" فيها، مواصلة تنفيذ مشروعها المذهبي في ظل بيئات فقيرة مُجهلة، أنتجتها الأنظمة السابقة، والحالية، وهي بيئات "خصبة" خاصة وأنها آخذة في التدهور أكثر فأكثر.
في دراسة للدكتور مصطفى اللباد رئيس مركز "شرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية" نشرت في في مجلة "شرق نامه" الصادرة عن نفس المركز ربيع 2012، وتحت عنوان فرعي "السيناريو العقلاني"، يوصي مصطفى اللباد بالتالي: "3- ربط رفع مستوى العلاقات المصرية-الإيرانية بتقارب مواز ومماثل مع دول الخليج العربية، بحيث يترافق رفع مستوى العلاقات المصرية-الإيرانية مع تصورات مصرية لتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربية والسعودية، باعتبار أن القاهرة و الرياض يشكلان العمود الفقري للرقم العربي المطلوب في معادلات الشرق الأوسط" (ص59).
والربط هنا واضح: على مصر أن توازن في علاقاتها، بين ايران من جهة، ودول الخليج العربية وعلى رأسها السعودية من جهة ثانية. وهذا ما لم يحدث، وخير مثال على ذلك مشروع بناء "جسر الملك عبدالله" فوق البحر الأحمر لربط البلدين الشقيقين الذي توقّف منذ حكم مبارك، ولم يكلّف "الإخوان المسلمين" أنفسهم عناء إعادة التفكير فيه، فيما شرّعوا أبواب البلاد (بصمت أميركي مريب، بل ربّما بإشارة منهم) لمشاريع مثيرة للجدل مع ايران، أو قطر، أو اثيوبيا، أو السودان، وربما غيرها.
لماذا الآن؟: لأن التغيُّرات التي تعيشها مصر، جزء من حركة متغيرات شاملة، تطال المنطقة بأسرها، الثابت الوحيد فيها: ايران-"اسرائيل".
في الأربعاء 19 يونيو-حزيران 2013 03:30:21 م