|
في منشور في أحد مواقع التواصل الاجتماعي كتب أحدهم متذمرا من العصيان المدني وما تبعه من ممارسات رأى الكاتب أنها أضرت بسكان عدن محيلا هذه الممارسات على الحراك الجنوبي متهما إياه بنزع سكينة الناس في العاصمة عدن وترهيبهم بحجة العصيان مما دفع بأختي الرد عليه بتعليق فحواه ( لماذا يا أخي ترمون الثورة الجنوبية وحراكها السلمي بالتهم جزافا لمجرد بعض الممارسات الصبيانية الطائشة من البعض الذين يدعون تمثيلهم للثورة الجنوبية السلمية التحررية وهم لا يمثلون إلا أنفسهم وتصرفاتهم الخاطئة. يكفي أن الثورة الجنوبية أججت في قلب كل بيت جنوبي الشعور بالظلم والمطالبة بالحرية والسيادة والكرامة. علينا أن ندعو أخي أن ينصر الله الثورة الجنوبية لتنتهي هذه الممارسات وينكشف من يقف خلفها) انتهى تعليق أختي المهندسة العاطلة عن العمل الجالسة في البيت كآلاف من الشباب الجنوبي على أرصفة البطالة ينتظرون حلمهم في طيات الثورة وأهدافها. ولكن لم تنته دوافع التذمر التي أقر التعليق رغم منافحته الثورية توصيفها بالممارسات الصبيانية الطائشة الخاطئة والتي سيسقطها انتصار الثورة وتحقيق التحرير والاستقلال. ألا يجدر بنا إعطاء هذا التذمر والتوصيفات إصغاء وقراءة ابعد من انفعالية التذمر وأحصف من الرومانسية الثورية .
وعطفا على تفكيك القول أعلاه فإن زهونا برد ينصف الثورة كما جاء أعلاه من أحدى قاطنات الضفة الصامتة أو هكذا تبدو في المشهد الجنوبي، والتي استقطبتها الثورة الجنوبية السلمية وأهدافها العظيمة للمنافحة عنها واستحوذ على لبها ما تنادي به من أهداف الحرية والسيادة والكرامة . هذا الزهو لا يغفلنا كجنوبيين منخرطين في الثورة عن ما ورد من توصيف لبعض تصرفات من يدعون انتماءهم إلى الثورة بالصبيانية وهذا توصيف مخفف عن أخرى قد بلغ الأمر عندها إلى توصيف تلك التصرفات بالشيطانية وكثيرون حتى من داخل الثورة ينظرون هذه النظرة إلى تلك الممارسات التي ترافق بعض أنشطة الثورة، و وممارسيها.. ولا نستطيع أن ننكر عليهم هواجسهم .. فحينما يداهم صاحب محل ملابس أو مستلزمات خياطة أو محل بيع أحذية إلى آخره بالعنفية الشديدة لإجباره على إغلاق محله بل يبلغ ببعض هؤلاء الغوغائيين المدعين انتماءهم إلى الثورة الجنوبية السلمية التحررية استغلال دعوة العصيان حد ابتزاز أصحاب المحال التجارية وإلزامهم بدفع إتاوات حتى يسمحوا لهم بمواصلة العمل. ( حسب شهادات بعض أصحاب المحال) أو كيف يمكن أن يصف المدرسون والطلبة إيقاف باصهم وإجبارهم على العودة إلى المنازل وإلغاء اليوم المدرسي بقوة السلاح كما هي شكاوى البعض. لا أظن هذه التصرفات من الثورة العظيمة في شيء ولا علاقة لها ألبتة بالأخلاق الثورية السلمية التحررية النبيلة.
إن ما يحدث من ممارسات شائنة ضمن نشاط العصيان المدني وهو أحد أدوات النضال السلمي ونحن من الذين دعينا إليه وساندنا خطواته وتصعيده ولكن ضمن ضوابط تخدم الثورة وسلميتها وتصل بها إلى غاياتها وليس من أجل أن تجهض رمزية سلميتها وتشوه صورتها النقية وتضحيات شهدائها المنزهة التي جعلتها تحل في قلب كل جنوبي كما أشار التعليق أعلاه.
وإن تلك الممارسات الشائنة ليست سوى جزء يسير من ممارسات ملحوظ تناميها خلال السنة الفارطة من مسار ثورة الجنوب ومازالت تتنامى بوتيرة لا يمكن التكهن إلى أي مهلكة ستقودنا مجرياتها.. حيث يتابع المراقبون والناشطون تنامي طفح غوغائي يتقصد تشويه صورة هذه الثورة وينخر تنفيرا وتمزيقا بين صفوفها..بل إن هذا الطفح أخذ يمتد إلى شامل مناشطها .. ففي السنة المنفرطة وما تلاها وحينما اشتد عود الثورة واشتد زخمها ودخل الإيمان بها كل قلب وكل بيت إذ بنا نراقب تكوينات وربما تفريخات لمجاميع تتلفع بالنضال والثورية موقفا ونشاطا بينما لا عمل لها سوى إرهاب المناضلين وتشويه صورتهم وتفريق الصف الثوري من خلال تفجير الأزمات قبل وأثناء فعاليات الثورة، واختلاق المشاجرات وتخوين الآخرين . بعضهم يتلفع بالنضال الذي يدعي امتلاكه وحده فيهاجم قاعة الفعاليات بالمسلحين ويفتعل الشجار وما النضال إلا بريء من هؤلاء والبعض الآخر يتلفع ببعض القيادات غطاء وسقفا له - وأنا على يقين أن تلك القيادات براء منهم- منتهجين أساليب الشتم والتخوين وكيل التهم لناشطي وناشطات الثورة وإفشال الفعاليات فمن اقتحام القاعات واختلاق الشجار إلى العراك بالأيدي بين الناشطات ( الثوريات) وتبادل الشتائم المقذعة المخزية، ومن تخريب يرافق اغلب الفعاليات وتلغيمها بالخلافات وتبهيت وهجها إلى بلبلة الصفوف بالشائعات والتسريبات. عدا عن إمعانهم في إلقاء تهم التخوين والعمالة وتصنيف المختلفين معهم وإلباسهم أثواباً لا يلبسها هؤلاء حتى لقوى المحتل والتقول عليهم حد الخوض في خصوصياتهم وأعراضهم. ولا مخول لهم ولا دليل يبرر اقترافهم القذع والقذف بحق الثائرات والثوار ومنتمي المكونات الثورية ويرون في أنفسهم الوحيدين الذين يمتلكون الثورة ولهم الحق فيها مع أن بقية من يتهمونهم ويناصبونهم عداء غير مبرر ليسوا اقل منهم انتماء للثورة أو حيادا عن الهدف أو تمسكا بالنضال وثوابته أو أبدوا تخاذلا في التضحيات والثبات. وهؤلاء المدعون حرصهم على الثورة و رفع أعلامها ورموزها كأهم ملمح من ملامح نضالهم ويتعمدون خلق الريبة بالآخرين إذا سهوا عن علم يلبسونه أو صورة يرفعونها!! هؤلاء لا يتورعون في غمرة شجار وعداء يختلقونه أن يقوموا بتمزيق لافتة لأحدى فعاليات الثورة الجنوبية السلمية تحمل علم الجنوب ورموزه والرمي بها على الأرض تاركين علم الجنوب برمزيته التي يدعونها في قلوبهم نهبا للإقدام لتدوس عليه ( وهذا الأمر حدث أمامي في إحدى الفعاليات التي كنت مسؤولة عنها وليس هنا مقام ذكر تفاصيله)
والمتتبع لما يجمع الممارسات الغوغائية أعلاه سيجد رابطا لا يبدو في نظري عشوائيا أو مولودا صدفة بل هو ممنهج ومدروس ويتمثل بعضه في الترهيب والتهديد والإقصاء واختلاق الفتنة عند كل بادرة توحيد للصف الثوري الميداني فضلا عن الصف الثوري السياسي، كما يتمثل في محاربة العقل الجنوبي وكوادره وعقلائه وحكمائه وتحبيطهم وتنفيرهم. ومحاولة نبذهم خارج الثورة وإقصائهم من خلال رميهم بالتهم والاستهزاء بأدواتهم وآليات فعلهم والسخرية من أي فعل يقومون به في سياق الثورة ومواجهة نشاطهم بالتشويش والبلبلة والتشكيك.
إن جيلنا وأجيالا بعدنا لم تحضر واقعة 1967م ولم نكن قد ولدنا حينها غير أن ممارسات ما تعارف على تسميته بعام 67م وما بعده ، التي شكلت مفصلا اسود في تاريخ الجنوب قد وصلتنا لعنتها ولاحقت جل مستقبلنا الذي قد مضى ، وكان أكبر تلك اللعنات كارثية هو إعلان جريمة الوحدة مع الشمال من قبل تلك العقليات التي مارست سلوك 67م وما بعده والتي ذهبت بفيصل عبداللطيف الشعبي عقل الثورة الجنوبية الأولى ومثقفها إلى غياهب السجون وأحبطت شيخان الحبشي الناطق الحصيف وضمير تلك الثورة وجعلته ينكفئ واستمرأت بعد ذلك افعالها في دورات دم أنهكت دولة الجنوب وشعبها حتى الوصول بنا إلى يوم الهلاك الأكبر 22مايو. وهاهي تلك العقلية الشيطانية الغوغائية تحاول إعادة انتاج سلوكها في ثورة الجنوب الثانية مختطة بشكل ممنهج سيناريوهات تجفيف منابع الاستنارة والهدى والرؤية في الثورة الجنوبية، وتحبيط العقل الجنوبي وإنكاره وإقصائه وتفخيخ مستقبل ما بعد التحرير بأنوية خطيرة لا يمكن التكهن بمحمولاتها، ولكنها وفق الشواهد قد تعيد إنتاج اجهاضات 67م . هذا إذا استطعنا بهكذا عقلية وممارسة وإكراهات وطفح منتن اجتياز مؤامرات ومهيضات ما تحيكه لنا قوى العدو المتربص بثورتنا وشعبنا وأرضنا.
وقولي هذا لا يحمل على نية التثبيط ولكنه يحاول أن ينأى عن مغبة السكوت عن وقائع يحاول البعض أن يتعامى عنها بحجة وحجاج أو يرحلها إلى أجل ينوي حلها فيه وهو الأخطر في الأمر مما يعطيها فرصة للتغول والتسرطن في الجسد الثوري عدا عن الجسد الجنوبي بشكل عام وأن التعايش معها مضاضة أو التعامي عنها وعدم مواجهتها في اللحظة الراهنة ونحن ندرك أنها لحظة مخاض مفصلي في تاريخ الجنوب القادم وعدم فضحها وإسقاط الأقنعة عن وجوهها ومن يقف خلفها وخلف أدواتها .. هذا الغض أو التعامي يشكل الحاضنة التي ستقوم الثورة - بادراك منها أو بدونه - بتغذية وتربية خلايا النسخة الجديدة من لحظة 67م
في الثلاثاء 18 يونيو-حزيران 2013 05:34:41 م