الفيدرالية الخيار المر في اليمن
إلهام محمد الحدابي
إلهام محمد الحدابي

برزت العديد من الأصوات في الساحة اليمنية المطالبة بالفيدرالية دون أن تدرك أبعاد هذا الخيار، ففي البداية كانت الأصوات المنفردة تبرز كحل ثانوي، ثم سرعان ما صارت قشة الأمل التي يتشبث بها الشعب، بعد ذلك صارت الحل الذي يطالب به السياسيون أنفسهم متناسين خطورة تنفيذ هذا الحل في الوضع الراهن.

القضية تكمن في أن الفيدرالية صارت الحل المفروض أمام مختلف القوى السياسية في اليمن،رغم أن هناك حلول أخرى يمكن أن تكون أكثر فاعلية وأقل ضرراً لوضع اليمن،كما أنها صارت المادة الإعلامية الأولى التي تتغنى بها المسيرات والمحافظات اليمنية بأطيافها مما حدى بكثير من السياسيين لأن يتبنوها في خطبهم السياسية متناسين وظيفتهم الأخلاقية في أن يقودوا- هم – الشعب لما فيه مصلحة للبلاد والعباد وليس العكس.

وينظر الشعب والسياسيين على حد سواء للفيدرالية على أنها الحل الأمثل بسبب الضغوط الجنوبية من أجل الإنفصال، من ناحية أخرى تهدف الثورة إلى تغير نظام الحكم في اليمن والحل الفيدرالي يصب في ذلك.

السؤال الذي يضع نفسه أمام وجه الواقع اليمني ، هل الفيدرالية هي الحل الأنسب لدولة مثل اليمن كانت تعتمد على النظام البسيط الأحادي بحيث اعتمدت معظم المحافظات على نفسها في إدارة شؤونها الخاصة ، بل وصل الأمر إلى تكوين قوى عسكرية خاصة كما في صعدة، أو الرضوخ لقوى عسكرية أخرى كما في بعض المحافظات الجنوبية.

تحديات على أرض الواقع

الفيدرالية تعني استقلال إداري واقتصادي وعسكري وسياسي بتشكيل برلمانات خاصة ودستور لكل محافظة،فعلياً معظم المحافظات اليمنية تنعم بهذا الاستقلال الإداري والاقتصادي، إذ أن الدولة المركزية في الفترة السابقة عمدت إلى تكريس الثروة والإدارة في أوساطها وحسب ، وإعطاء صلاحية واهتمام للمناطق القريبة منها فقط، وكلما ابتعدنا عن محور العاصمة قلت نسبة الاهتمام واختفى شكل الدولة تدريجياً، بحيث نصل إلى محافظات لا تعرف ما معنى دولة!

القرار الفيدرالي في وضع كهذا يعتبر بمثابة قطع السلك الأخير للروابط التي كانت تجمع بين مختلف المحافظات اليمنية، فمعنى أن تستقل تلك المحافظات سياسياً وعسكرياً معناه أن نخلق يمنات داخل اليمن الواحد وهذا يعني أننا في الفترة القادمة لن نعاني من إشكاليتين وحسب كما هو حاصل الآن، بل من عدة إشكاليات حسب تلك الأقاليم المزمع تدشينها.

تصور الفيدرالية المطروح للنقاش يضم سبعة أقاليم مقسمة بشكل متوازن، لكن الإشكالية لا تكمن في التوازن الذي حرص عليه واضعو التصور بل في التقسيم نفسه،فالإقليم أو المحافظة تحتاج إلى بعد ثقافي وسياسي واقتصادي من أجل أن تقوم ككيان مستقل في النظام الفيدرالي، لكن وفق الأقاليم السبعة لا تراعى خصوصية مختلف المناطق اليمنية، لان التقسيم حرص على التوازن وحسب وأغفل مسألة الاندماج والتفاعل بين مختلف المحافظات التي ستدشن ضمن إقليم واحد، وقد تكون الحجة بأن تلك المحافظات عاشت لأعوام إلى جوار بعضها دون أن يكون هناك أي إشكالية، هذا صحيح، ولكن السبب في ذلك السلام القائم هو نظام الدولة السابق الذي اعتمد على العشوائية في إدارة أمور البلاد، لكن لن تتكرر حقبة السلام تلك بعد أن تدخل المحافظات في إشكالية توزيع المناصب، وتخصيص المقدرات، لأننا نرى في الواقع مدى الاختلاف الكبير بين مختلف الفصائل اليمنية من أحزاب معارضة وجهات مختلفة وهي بذلك تمثل طبيعة اليمن.

التنافس بين المحافظات في بناء الوطن حجة جميلة لإقرار نظام الفيدرالية، لكن الأجمل منه أن نتأكد من إمكانية حدوث ذلك، لأن الواقع يخبرنا أن مفهوم التنافس السياسي والإداري والاقتصادي في اليمن لا يزال ابن عهده، بمعنى لن يتغير كثيراً لمجرد أن نغير نظام الحكم أو لتنفيذ أهداف الثورة بطريقة عشوائية، بل أن علينا أن نبحث في تجارب الدول الأخرى والتي مرت بنفس التجربة أو استخدمت نفس الحل لنتعلم منها بدل أن نقع في ذات الهوة، فأندونيسيا طبقت الحل الفيدرالي في 1948 ثم ما لبثت أن تخلت عن شكل حل الفيدرالية، وأكبر سبب لفشل تلك التجربة هو التقسيم العشوائي للأقاليم كما نفعل حالياً.


في الإثنين 27 مايو 2013 04:12:31 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=20595