|
كثيراً ما قرأنا في التاريخ عن قيادات مازالت الشعوب تدين لها بوجودها على الخارطة الحضارية.. وكثيراً ما نقرأ عن قيادات تُدين لها المدنية الحديثة بعظمتها ,وإن كنت أنسى فلا يمكن أن أنسى (المهاتما غاندي) (ومهاتير محمد) الذينِ حفرا إسميهما في وجدان شعبيهما وحجزا مكانهُما في أنصع فترات التاريخ البشري الحديث بياضا, فلا يُمكن أن تُذكر الهند بدون غاندي ولا غاندي بدون الهند, ولا يمكن أن تُذكر ماليزيا بدون مهاتير محمد ولا مهاتير بدون ماليزيا, هذا الذكر هو غاية الكمال البشري وأقصى ما يُمكن أن يصل إليه العُظماء على مر التاريخ الوجودي للبشرية برمتها؛لم يكُن يمتلك غاندي حين أدخل الهند التاريخ لا دبابات ولا طائرات ولا جيش ولا قبيلة تحميه, كُل ما كان يمتلكه حُبهُ الجارف لأمَّته وإخلاصهِ المُطلق لها فالتفَّت حوله الهند بكل إمكانيتها البشرية والمادية, لم يكن حريصاً غاندي على إمتلاك أسباب القوة لكنَّهُ امتلك شُعاع الحُب الذي سيطر على مكامن القوة وأجاد بإحتراف فن إيحاء إخضاع القوة لصالح الأمة الهندية فأتته مَكننةَ القوه صاغرةً ولم يسعَى إليها هو, وكذلك فعل مهاتير محمد سخَّر كُل إمكانياته الذاتية لصالح ماليزيا ولم يسعى لإخضاع ماليزيا لصالحه, لم يكُن مهاتير يمتلك جيشاً ولا حرساً خاصاً ولا قبيلة, لكنَّه كان يحوز بين جُدران أضلُعه قلباً يعشقُ ماليزيا فسخَّر أفكاره لها فسكنت لهذه الأفكار وخشعت لها وأدارت لها كُل إمكانيتها المادية والمعنوية وأصبحت قوة ماليزيا بذلك مُلتفَّة حول أفكار مهاتير مُحمد الوطنية ؛وبذلك يتضح أن سِرَّ عظمة الشعوب يكمُن في قلوب قياداتها المُمتلئة حُباً وعشقاً لها وما القوه المادية إلا تابعاً ونتاجاً لهذا العشق والحُب لتحمي الأمم ومشاريعها لا لتستهلكها؛ أقول هذه الكلمات وأنا مُدرك تماماً لطبيعة المُعطيات الداخلية والخارجية ليمننا الحبيب الذي يُعاني في هذه المرحلة التاريخية من ضبابية المشهد السياسي والإجتماعي, فمُعطيات الحاضر تكادُ تقترب من المجهول والمستقبل قاتمْ يصلُ إلى حد العتمةِ المقيتة, كُل هذا والرئيس مازال حائراً متردداً في اتخاذ قرارات هامة على الصعيد السياسي...! عامٌ مضى منذ توليه الرئاسة ولم نلمس عملياً أي تغيُّر على كُل المُستويات خاصةً المستوى السياسي, فلم يصدُر بعد وفقاً للمبادرة الخليجية قانون العدالة الإنتقالية ولم تُعاد الحقوق لأهلها في الجنوب ولا في الشمال ,والحوار الوطني تحوَّل إلى أجندات مفتوحة مُضحكة مُبكية ومعظم المتحاورين تحوَّلواْ إلى رُسل مُعبره عن مشاريع خارجية مدنية وسياسية, وبذلك تحول الحوار الوطني إلى حوار لا متناهي أقل ما يُمكن أن يُقال فيه أن الوطن مطيةً لهُ لا مُرتكزة؛
وإشكالية الجنوب مازالت كما هي, وإشكالية الحوثيين مازالت كما هي, والأخطر من ذلك كله أن الأداء السياسي على المستوى الرئاسي والحكومي في تراجُع سلبي مُخيف أفقد مؤسسات الدولة هيبتها على المستوى الإجتماعي وعلى المستوى الدولي ؛كل هذا والرئيس مازال متردداً حائراً في اتخاذ قرارات هامه تُخرج البلد من حالة الركود التي تحيا فيه, ونتيجةً لهذا الوضع المأساوي ظهرت على السطح المشاريع الصغيرة ذات البعد المناطقي والطائفي بشكل مُتزايد مُقلق أثَّرت على الناس وعلى شبكة علاقاتهم الإجتماعية, وفي ظاهرة غريبة قل ما تجد لها نظيراً في هذه الدنيا عادت القيادات التي أصبحت خارج نطاق التاريخ مرةَ أخرى إلى المسرح السياسي بأجندات خارجية مشبوهة ,تستهدف تمزيق الوطن مُستغلةً حاجة الناس وفاقتهم الاقتصادية, وبِتنا نسمع نغمةً غريبةً منهم مضمونها نُصلح الجنوب ونُربك الشمال..! كُل هذا والرئيس مازال حائراً ولسان حاله يقول لا حول لي ولا قوة.., مًتناسياً أو غائباً عن ذهنه أن الشعب حمَّلهُ مسؤولية تخَّرُ منها الجبال ,وأن هذا الشعب الذي حمَّلهُ هذه المسؤولية مُلتفٌ حوله وهذا الإلتفاف أقوى من كُل الأسلحة ومن كل الجيوش.. مُتناسياً أن عظمة الإنسان ذاتيه وليست مُتعلقة نسبياً بالغير ولا بقوة الغير وأن الله سيكون معه إذا حزمَ أمرهُ وعمل لما فيه مصلحة الشعب،أيُّها الرئيس.. لا أجدُ لك اليوم أو غداً عُذراً لا أمام الله ولا أمام الشعب ولا أمام التاريخ إذا دخلت البلاد في أتون صراعٍ أهلي مُخيف نلمحُ بوادره في الآفاق..ذلكَ أنك امتلكت أقوى ما يُمكن أن يمتلكه رئيساً ما في هذه الأرض الشرعية وحُب الشعب وتأييد المُجتمع الدولي المُطلق لك فماذا بعد..؟!
في الأحد 25 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 08:39:33 م