اللواء علي محسن الأحمر : رجل وقائد

الحوار الذي نشرته يومية الجمهورية الرسمية يوم السبت 29 سبتمبر للواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية قائد الفرقة الأولى مدرع ورئيس هيئة انصار الثورة حوارا فيه الكثير من المعلومات السياسية والتاريخية المهمة ، والحوار مع رجل وقائد بحجم اللواء علي محسن الذي يعد شاهد (من موقع الفعل لا موقع المراقب ) على مرحلة زمنية من أهم مراحل التاريخ اليمني الحديث ، تناول تفاصيل وحقائق بعضها جديدة وبعضها جاءت منه لتأكيد صحتها ، الحوار كان على أهمية من الصراحة والشفافية التي لا يستطيع كثيرون على الكلام بهذه الشفافية ، كما ان اللواء علي محسن أظهر حقيقة مكانته في دائرة الحكم العليا للدولة خلال فترة حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح والذي كان يعتبر فيها كحاكم ظل أو حاكم موازي وبعبارة أدق أقوى رجل داخل دائرة الحكم الضيقة ، قوته هذه ليس لها علاقة بقرابته بالرئيس السابق وإنما بطبيعة تكوين شخصيته القيادية وذكائه السياسي وما يتمتع به من قوة وجاذبية أخلاقية وقيادية ترتكز على نسيج طويل من العلاقات المتينة مع فئات المجتمع وطبقاته المختلفة وخلق علاقات أكثر متانة مع طبقات \"النخب\" السياسية والفكرية والعلمية والإقتصادية والإعلامية والعسكرية ، وهو الرجل الأكثر تأثيرا ونفوذا وإحتراما عند مختلف مكونات المؤسسة العسكرية والأمنية ومثلها أيضا عند رجال الإدارة بمختلف مستوياتهم ، وهو الأكثر قبولا وولاء عند طبقة الشخصيات الاجتماعية ورجال القبائل على مستوى اليمن بأكمله ، وهو النافذ كرجل قيادي وشخصية مؤثرة عند رجال السياسية في الحكم والمعارضة ، ويعد الرجل \"نقطة\" يلتقي حولها الفرقاء وخط فاصل لكل التقاطعات والتباينات ومرجعية يأوي له الكل عند الأزمات والإختناقات السياسية والقبلية .

والرئيس السابق علي عبد الله صالح كان صادقا حين وصف موقف اللواء علي محسن الأحمر بإنضمامه للثورة وحمايتها من ظلم الرئيس السابق ، وصف موقفه \" هو من قصم ظهري \" ويعني بهذا موقف اللواء علي محسن الذي أنسلخ عن دائرة صالح ، وعلى غرار هذا الموقف أنسلخ صالح من حكم و\" خلع \" عن كرسي الرئاسة وتهاوى عرشه الذي ظل يبنيه لأكثر من ثلاثة عقود ، وهذا دليل على مكانة اللواء علي محسن الأحمر والحجم الذي كان شاغرا له في دائرة الفعل والتأثير وصناعة القرار ، ولا زال يشغل مكانة وحيزا كبيرا داخل دائرة الفعل والتأثير ، ومع أنه وراء صناعة كثير من رجال السياسة والقيادة يتمتع بنفوذ وسطوع قيادي رغم مكانته القيادية كقائد للمنطقة الشمالية الغربية وقائد الفرقة الولى مدرع إلاّ أنه يتجاوز - دون انتهاك – حدود هذا الموقع كحاجة ومتطلب يفرضه عليه الواقع وضرورة تقتضيها ظروف المرحلة ، وحين خرج اللواء علي محسن من دائرة الرئيس السابق أنعكس هذا الخروج سلبيا على طبيعة إدارة علي عبد الله صالح وظهر عجز الرئيس السابق علنا من خلال دخوله في مرحلة الشك والرهبة وصولا الى الإنهيار والتفكك ، وكان هذا جليا وواضحا حين \"أفترط \" المقربون من صالح وحاشيته ومقربيه كما ينفرط خيط المسبحة بعد إعلان اللواء علي محسن تأييده للثورة الشبابية الشعبية في 23 مارس 2011م وهو اليوم الذي يعد نهاية لحكم الرئيس السابق .

الحقيقة أن وضع ومكانة اللواء علي محسن الأحمر ومستوى تأثيره أكبر من ما يصوره اعلام الرئيس السابق وبعض الأوصاف التي يصفه بها صالح في بعض خطاباته أو تصريحاته ، مكانته كانت تتوقف عند حدود بقاء علي عبد الله صالح في الحكم من عدمه وتتوقف مكانة الرئيس السابق وقوته ونفوذه بحسب الحدود الذي يرسمها اللواء علي محسن للرئيس السابق ، حدثني قبل فترة وتحديدا خلال حملة الإنتخابات الرئاسية 2006م أحد الضباط الذين يعملون مع اللواء علي محسن الأحمر عن مكانة اللواء علي محسن وقوة تأثيره وضرورته لبقاء علي عبد الله صالح في الحكم حدثني عن مدى تمسك الرئيس السابق باللواء الأحمر وأنه – صالح – يعمل له ألف حساب وقال لي هذا الضابط لو خرج الأفندم علي محسن الأحمر عن \" طوع \" علي عبد الله صالح لأنتهى علي عبد الله صالح ، وأسترجعت هذه العبارات بعد موقف اللواء علي محسن الأحمر وإنضمامه لثورة الشباب الشعبية ، وأدركت فحوى كلام الضابط الذي لم ألتقيه خلال أيام الثورة الأولى وصادف أن أستشهد في مجزرة بنك الدم وحضرة تشييع جنازته رحمه الله ، كل هذا وغيره يعني ان اللواء علي محسن كان رجل الدولة ومسير كثير من أمورها لكنه لم يعني بنفسه ان يكون رجل الدولة الحاكم أي الرئيس وقد تهيأت له الظروف في أكثر من مرة لكنه وبدافع حقوق القربى وروابط الأسرة وسرائر مخفيه ظل ان يكون موقعه ومكانته ضمن دائرة القوة والتأثير دون ان يكون الرجل الأول لدواعي أخلاقية أو سلوكية أو زهد عن الكرسي .

أتوقع أن حوار اللواء الأحمر نزل كصاعقة من السماء على الرئيس السابق وحل عليه ككابوس أبدي - وهو بالفعل – هكذا نتيجة للمعلومات والحقائق الذي تضمنها الحوار والجرأة التي كان عليها اللواء في تناول مرحلة حكم الرئيس السابق ، وأكثر المعلومات جدلا التي تستحق ان يقف معها التحليل هو ما ذكره اللواء علي محسن بقوله : ( الرئيس السابق حكم اليمن بالعصبوية والتجهيل وهدم القيم ) والكلام للواء الأحمر وهذا الكلام عاشه الشعب كواقع لكن دون من يؤكده كسياسة تمارس على الشعب وأكدها لنا اللواء علي محسن ، ظهرت خلال فترة حكم الرئيس السابق تطورات ومتغيرات سلوكية وعادات جديدة على السلوك العام للناس وتخلل هذه الفترة نوع من التجهيل رغم وجود المدارس التي كان وجودها عبارة عن إسقاط الواجب وإقامة الحجة لكن كواقع ملموس التعليم تندت مستوياته وظلت على الدوام في التدني حتى اصحب الطالب يتخرج من الثانوية العامة وهو لا يستطيع أن يقرأ ويكتب بشكل يتناسب مع مستواه الدراسي إضافة الى اضمحلال في معلومات الطلاب العامة ، هذا نتيجة لسياسة الإنتكاس الممنهجه لتجهيل المعلم أولا وتدمير معنوياته واعتماده على منهج جامد لا يتناسب وأدغال أفريقيا ، فالتجهيل سياسة يستخدمها الحكام الديكتاتوريين لأن فرص بقائهم في الحكم تعتمد على مدى اتساع نسبة الجهل والأمية في صفوف المجتمع ، ونحن نعرف عمليا مستوى التعليم في المدارس وخاصة الأرياف التي تساهم المدارس في تلك المناطق على صناعة متعلمين دون علم وشهادات دون تحصيل ، ومثل التعليم في المدارس يواكب تعليم الجهل ونشر الأمية التعليم الجامعي الذي وصل خلال السنوات الأخيرة إلى مستويات مخجلة وتزامن مع هذا التدهور السماح بمزاولة بيع الشهادات الجامعية وبأرخص الأثمان وطال كل أنواع الأكاديميات الجامعية وكم من الجامعيين المزورين حصلوا على شهادات بكالوريوس وماجستير ودكتوراه ، وتحت علم وسمع إدارات الدولة المعنية ولم يتخذ ضدهم أي إجراء ما عدا الأشخاص أو أصحاب المحلات التي لم يوفوا بإلتزاماتهم في تقديم الجزية المقررة عليهم كحق مقابل هذا التجهيل ، ومن أعرفهم في حصولهم على مؤهلات جامعية كثيرون وعند متابعة الموضوع والتقصي عن كيفية الحصول على هذه المؤهلات نلاقي ان المراجع سليمة في توثيق خطوات التزوير بدءا من القسم والكلية والجامعة ثم الكشف المقدم إلى وزارة التعليم العالي التي بدورها تضع ختمها على شهادات المؤهل ، وأمامي نماذج من الجهلة هؤلاء اغلبهم لا يعرف مكونات الماء .

والقضية الأخطر في حوار اللواء علي محسن هو سياسة هدم القيم ، هذه تكفي أن احصل على معلومة وشهادة من رجل له علم بكيفية إدارة الدولة وعليم بخبايا وأسرار سلوكيات صياغة وتوجيه الرأي العام ، كلنا نعرف أن السلوكيات والقيم المتوارثة والمكتسبة في اليمن تغيرت وتحولت من مفاهيم وسلوكيات ايجابية تساهم في التنشئة الاجتماعية السليمة إلى سلوكيات منبوذة وغير فعالة وتصاعد السلوكيات السلبية والتي كان يتعامل معها المجتمع كنوع من العيب المنهي عنه ومن هذه السلوكيات مثلا السارق واللص والمخالف أصبح يطلق عليه \" أحمر عين ، أسد ، وحش ، رجال \" برغم انها سلوكيات مجرمة وفق الأعراف الاجتماعية والدينية والقانونية إلاّ أنها صارت سلوكا يعني خاصية من الناس وأصبح الرشد والوقار والحكمة والصبر سلوكا سلبيا بنظر الطبقة الجديدة التي استحدثت على نوع من التربية الخطأ ، وكان لعلي عبد الله صالح صلة مباشرة بترفيع وتقريب الأشخاص الذين يحملون هذه السلوكيات ويبتعد عن الأشخاص الذين يحملون مفاهيم وقيم أخلاقية رفيعة ، الاعتماد على سياسة هدم القيم يجعل من الحاكم مسيطرا الى حد ما على فئات المجتمع من خلال من تم تأهيلهم على مستوى من الدونية والحقارة وضعف البنية الأخلاقية والقيم السليمة وهذا كان واقعا حين سلم نظام الرئيس السابق زمام الأمور لكثير من هؤلاء لتحقق له هدف صناعة جيل جديد يتقبل كل شيء ويطيع بدون مناقشة او تفسير وهذا فرض كواقع للحاجة الملحة عند الرئيس السابق لضرورة تمرير الوريث احمد الى كرسي الحكم ، المسار الذي كان عليه الرئيس السابق في سنوات حكمه الأخيرة كانت كلها مسارات فشل على كل المستويات وترافق معها صحوة سياسية وحقوقية أدت الى نتيجة حتمية وهي الفهم والخروج على هذه الساسة حتى اندلعت الثورة واقتلع الحاكم الذي يعد من أكبر الخطايا التي نالها اليمن .

اللواء علي محسن تناول قضايا كثيرة وأرسل رسائل بعضها مفهوم وبعضها غامض وبعض منها يفهمها المعنيون بها ، ما يهمنا في هذا الحوار أن الرجل أظهر شجاعة نادرة ومعهودة وكان على مستوى عالي من الشفافية في تناول المواضيع الحساسة والتي تثير جدلا وتساؤلات مثل أسباب انضمامه للثورة وأكد أن مواقفه لن تتعارض مع قضايا الوطن والناس ، وتطرق لضرورة هيكلة الجيش على أسس وطنية وانه من الداعمين لإخلاء المدن من المعسكرات وهذه قضية تلاقي معارضة من الحرس الجمهوري الذي لا زال تحت سيطرة صالح وأولاده.

اللواء الأحمر في حواره كان واثقا من مكانته ومصدر قوته وانه مع اليمن الجديد ودولة القانون وانه سيظل مساندا للشرعية المتمثلة في الرئيس هادي ويعمل على دعم الثورة الشبابية وان الشباب هم قادرون على صناعة مستقبلهم .

الجديد في الحوار هو قدرة اللواء علي محسن العمل على نصرة المظلومين ومن تضرروا من حكم الرئيس السابق من خلال تقديم شهادته باعتباره شاهد على جرائم صالح وهو الذي يملك الأدلة التي تنصف المظلومين ليتمكن هؤلاء من الوصول إلى العدالة ، كما يمكنه أن يقدم خدمة جليلة لليمن بمساعدته ومساهمته في الوصول الى الأموال المنهوبة التي صادرها علي صالح ، وهذه هي الأشياء التي ستعزز من مكانته عند الناس ، وعلى نفس مستوى الشجاعة التي تحلى بها في مواقفه السابقة وفي صراحته وتكللت بدعم خلع صالح وكان سببا داعما لإقتلاعه من الكرسي يمكن أن يكون سببا لإيصاله إلى المحاكم ليقضى فيه عدلا وينال جزائه ، شجاعة اللواء تجعلنا على أمل أن يكون خير شاهد وأنا متأكد من إمتلاكه الأدلة التي تشنق الرئيس السابق وعلى أقل تقدير أن تودعه خلف القضبان بالمؤبد ، شكرا للجمهورية ورئيسها وطاقمها على محافظتهم على أن تكون هذه الصحيفة ملكا للشعب ، وشكرا للواء علي محسن على هذه الصراحة وسيظل رجلا وقائدا في وفائك بالإنضمام لثورة الشعب ومناصرتها ووفيا بعدم خيانتك لها كما خانها بعض الذين انضموا إليها !! ،، والعاقبة للمتقين ..


في الإثنين 01 أكتوبر-تشرين الأول 2012 05:51:39 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=17535