بين تقييم وتقويم
عُلا رجاء
عُلا رجاء

وضع الله لكل شيء بيانه ثم هدى ، فالإسلام قبل أن يكون ديانة شعائرية تعبدية ، هو منهج وسلوك وعقيدة ، فنجد الأكثر فهماً وفقهاً في هذا الدين يضربون للإسلام أروع الصور ويفقدون التعبير الحي لوصفه على حقيقته ويجدون فيه كامل السعادة التي إن وُزعت على من في الأرض جميعاً لكفتهم .

بل أن من فَهِم دين الله اكتشف أسراراً ليست ظاهرة للعامة .. فيعيشون حياتهم باختلاف عن غيرهم ممن أساءوا فهمه بجهلٍِ أو بقصد .

وإن صح التعبير هم يعيشون بمستوى آخر وطبقة أخرى بعيداً عن ما اعتادت العرب قديماً وحديثاً قياس الناس به من عصبية ممقتة ( حسب ونسب ومال ولون وغيره كثير ... ) .

فالإسلام لديهم هو دين الله المهداة إلى نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم - ، عقيدة وشريعة تُرفع بإقامته أمة محمد ، وتتأخر أو تنتكس حين الابتعاد والإعراض عنه بتقديم أو تفضيل ما جاءت به البشرية من عادات وممارسات تظلم حقوقهم وتسلب منهم إنسانيتهم وكرامتهم .

ولو نظرنا لحال واقعنا اليوم لوجدنا أنًا فعلاً أمة الإسلام في مؤخرة الركب ناقضةً للأمانة التي كلفها بها نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، بعد أن كانت القائدة الصانعة الآمرة الناهية .

ولو طلبنا من أحدهم أن يصف لنا حال دولة الإسلام اليوم ، لوضع مباشرة "مقارنة" نصب أعيننا دولة من دول الغرب - كونها مارست سلوكيات أساسية وطبقت منهج أتى به الإسلام – بغض النظر عن جانب الشريعة لدينا ، فحقيقة عقيدتهم تصلح أن تكون عقيدتنا فقط بتطبيقنا لديننا وليس تقليداً لهم أو إعجاباً لحضارتهم ورُقيهم .

وإن دل ذلك على شيء فإنما هو دليل واضح أن الإسلام حضارة ورُقي ونهضة وتقدم منذ أن نزل منهاجاً قائماً على الأرض ، رغم المحاولات المتكررة لتشويه صورته وإنكار عظمته المطلقة عبر الزمن .

بينما حقيقة المقارنة أن لا نبتعد كثيراً فنقارن أنفسنا بأمة نتمنى أن نكون أمثالهم لكنًا لا نستطيع أن نفعل ، لهذا السبب أو ذاك .

وإنما لنفعل ونكون كما أراد لنا رسولنا – عليه الصلاة والسلام – أن نكون ، بتطبيق هديه وتبليغ رسالته كما كان هو – عليه الصلاة والسلام - وصحابته الكرام ابتداءً بضعفهم وقلتهم وشِحة إمكانيتهم وصولاً لأستاذية العالم .

ونظراً إلى جانب الدعوة في عهده - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يمر بمراحل متدرجة تبدأ بتربية الفرد المسلم بهدف أن يكون للإنسان إنسانيته وكرامته ، موضحاً له معالم الخير ومعالم الشر قبل أي شيء آخر ، مُراعياً مصلحته الخاصة والعامة في هذا الجانب .

مُرحباً ومرغباً ومحبباً لتلك الرسالة العظيمة التي تواجه نفوس لم يسبق لها معرفة جزء أو جانب من هذا الدين لتكون في آخر المطاف رسالة عالمية تمتد أحقاب زمنية طويلة حتى يومنا هذا .

في عصرنا الحالي نجد من يبدؤون دعوتهم بأسلوب الترهيب لا الترغيب ، أسلوب التهديد والوعيد عوضاً عن التشويق والتيسير والتخفيف والوسطية القائمة على أساس هذا الدين .

وكأن دين الله أتى ليفرض سنناً ليست من الحياة في شيء ، أو كأنها لا تمتد ولا تراعي قدرات الفرد وإمكاناته ومحدود تعايشه مع هذا الكون الفسيح .

البعض بأسلوبهم يوهمون أن الله لم يخلقنا إلا ليبتلينا بما فوق طاقتنا وبما يخالف رغبات الإنسان وحاجياته ، أو أنه لم يخلقنا إلا ليعذبنا .

بينما الدعوة في حقيقتها المسندة إلى رسول الله في دعوته أنها فن لها أسلوبها الخاص ، منطوية تحت سقف روحي وجانب نفسي فريد .

وإن نظرنا لجانب الفُرقَة في حاضر المسلمين.. لوجدنا أن الأسباب تتعدد ولعلي سأكتفي بذكر أكثرها تأثيراً وهي :

(العصبية والحدود الفاصلة التي ابتلى المسلمون بها أنفسهم ، وكذا انشغال أو ( تشاغل ) الفرد بذاته عن أمته).

العصبية في واقعنا سبب رئيس في تفكيك رابطة المسلمين ببعضهم وضعف تماسكهم وقلة حيلتهم على أعدائهم .

وكذا في الجانب الآخر المذكور سلفاً ، في تشاغل الفرد بذاته عن أمته ، فلا يُلقي لها بالاً ولا يستفيض عطاءه لأخوته وقت حاجتهم إليه ، فيخسر بذلك نفسه وأمته وكرامته ، كونه عاش لذاته فعاش ذليلاً ضعيفاً، فآخر ما يفكر به أن يصل رحمه أو يُحسن إلى جاره أو يُحسن لمن حوله في مجتمعه .

وإن كنا تجاهلنا أمور كهذه فما بالنا ننتظر العزة والتمكين لنا ونحن أصلاً لم نعز ونكرم أنفسنا!، فيعيش بعض أفراد المجتمع المسلم في متاهات وضياع بين تخاذل وإعراض ، يتطلع للأفضل ويفقد القدرة في الحصول عليه ، كونه انطلق بتفكيره بعيداً عن الإسلام عقيدة وشعائراً ومنهجاً قويماً تغنيه عن أي شيء آخر .

وحقيقة الأمر أن ديننا لا يحتاج لأي دعم غيرنا ، فلنبدأ بأنفسنا لنعيد لأمتنا القيادة والريادة، ولنرفع للإسلام رايته بأفعالنا لا بأقوالنا.


في الأحد 30 سبتمبر-أيلول 2012 09:59:56 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=17523