اليمنية أفضل من المصرية.. اليوم
عبد الرحمن تقيان
عبد الرحمن تقيان

Ataqi2003@yahoo.com

  في عدد من الجلسات مع عدد من المثقفين، كنتُ الأكثر تفاؤلاً بنتائج ثورة شباب اليمن ومؤمناً بأفضليتها من مثيلتها المصرية، وكانت لي مبرراتي رغم وجود مخاطر حقيقية هائلة تقف أمام تحقيق نتائج ثورة اليمن مثل تقسيم الجيش والتسلح والموازنة الصفرية ومشاكل القاعدة أعمال العنف الأخرى والاختلال الأمني والتنموي الأوسع بالاضافة الى استحقاقات أكثر تحدياً مثل الحوار الوطني وإعادة هيكلة الجيش والتعويضات..الخ. كما كانت عوامل مثل توحد صف المعارضة اليمنية ووجود المبادرة الخليجية المدعومة بقرارين لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن ودعم المجتمع الدولي وانعدام أي من ذلك للشقيقة مصر كانت تُعد مميزات بارزة للوضع اليمني عملت وستعمل على ضمان سير المبادرة كما هو مقرر لها وعدم تأثرها كثيراً بالظروف الأخرى، أما الآتي المصري فلا يعلم أحد كيف سيتم التعامل معه وخاصةً مع تشتت المعارضة وتباينها على بعضها بشكل واضح. كان الكثيرون من اليمنيين يقررون بأفضلية الأوضاع في مصر بسبب مرور المصريين بعدد لا بأس به من الخطوات المهمة لبناء دولتهم، إلى أن قلبت المحكمة الدستورية العليا المصرية الطاولة على الجميع هناك. فبعد حكمي المحكمة الأخيرين لا سيما حكم حل البرلمان تم إعادة الوضع هناك إلى نقطة البداية، بل الى ما قبل الثورة المصرية وكأن شيئاً لم يكن، ليبدأ المصريون اليوم فقط ببناء خطة عمل مستقبلية جديدة وبمواعيد جديدة سيسبقها أو يوازيها تحسن أداء الاجراءات الهيكلية والمؤسسية العليا في اليمن إن لم يستجد فيها جديد مماثل بالرغم من شدة تعقيد الوضع اليمني. من الناحية الأخرى، بدت أفضلية وضع الأوضاع السياسية في اليمن بسبب وضوح وتزمين بنود المبادرة الخليجية ودستورية تسليم السلطة العليا بشكل مؤقت وبقاء شباب الساحات ضماناً لتنفيذ البنود كورقة مراقبة وضغط على طرفي تنفيذ المبادرة.

لقد تسبب حكم المحكمة المصرية في حل البرلمان وتأجيل انعقاده الى ما بعد عام بعد تعديلات قانونية تتعلق بآلية الانتخاب، كما استحال انعقاد الانتخابات الرئاسية المرغوبة بعد ذلك الحكم وبات على المصريين انتخاب رئيس مؤقت تتحدد مهمته فقط في إدارة شؤون فترة انتقالية جديدة في البلاد لعام واحد مع حكومة وحدة وطنية (وليس تكنوقراط) مع حتمية استمرار المناخ السياسي في الالتهاب الحاد إلى أن تنعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد أن يتم وضع دستور جديد تكون فيه صلاحيات الرئيس والبرلمان واضحة.. وفي اليمن، قد يستغرق الأمر وقتاً أطول قليلاً حتى انتخابات الرئاسة والبرلمان، لكن الوضع السياسي حتى وقتذاك سيكون أكثر هدوءاً ووضوحاً كما سيتم تعديل الدستور خلالها وليس إعادة انتاجه وسيتضمن ذلك توتراً أقل حدة من مصر.

الدستور المصري المؤقت الذي صممه وأخرجه ووافق عليه المجلس العسكري، والقائم على الشرعية الثورية على أساس إعلان المجلس إلتزامه بأهداف ثورة 25 يناير، سبّب هذا البحر من المشاكل والتخبط المصري وسيستمر، كما ان نقل السلطة إلى المجلس العسكري لم يكن دستورياً بحسب الدستور المنحل القديم، لكن ما جعل نقل الصلاحيات ممكناً هي الشرعية الثورية وليس الدستور التي قام المصريون بالثورة على مبادئه أصلاً عكس اليمن التي لم تتم الثورة عليه. ففي اليمن وفي إطار الدستور، نقل الرئيس السابق سلطته الى نائبه ثم تم عقد انتخابات رئاسية مؤقتة، وبذلك تم تجنب مشكلة دستورية.

كانت إحدى أخطاء الثورة المصرية مشاركة كوادر الحزب الحاكم سابقاً في الحياة السياسية وعندما مثلوا خطراً حقيقياً على بقية القوى السياسية، ولم يكن عليهم الاستعجال في عقد هكذا انتخابات قبل التأكد من عدم شرعية تلك الكوادر، وقد يكون الحكم مؤشراً قوياً لأحقية مشاركة أعضاء النظام القديم في الترشح في استحقاقات أخرى مستقبلية ليتشابه الوضع مع نظيره اليمني.

في هذه العجالة، أود التنويه بتجربة هامة وهي وحدة جبهة المعارضة اليمنية التي أعتبرها تجربة تجردية فريدة تنم عن التجرد عن الحزبية الضيقة ولم يقف أمامها الايدلوجيا ولا التطرف الأمر الذي لم تستطع الاتيان بمثلها أي دولة أخرى حتى الثورة السورية الذبيحة وهي في أسوأ حالاتها. فينبغي على التجربة اليمنية أن تمضي على الأمام دون الإلتفات إلى الأصوات المربكة والمشاريع الصغيرة. لكن في ذات الوقت، ينبغي على الجميع التعلم من الدروس والتجارب المحيطة لتقوية تجربتهم وإكمال قصة النجاح.


في السبت 16 يونيو-حزيران 2012 08:13:31 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=16080