|
يجب على أبناء الأمة اليوم القراءة الواعية المتأنية للواقع المعاصر ، وفي ذلك من المنافع ما لا يحصيه إلا الله تعالى. وقراءة الواقع تكون بتحصيل معارف الماضي ،والنظر في عوائق الأيام الحاضرة ،والتمعن في ملامح الأخطار والمزالق التي غفل عنها الناس ، والاعتبار بها . ومن الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس نسيان أحداث الماضي والتشاغل بواقعهم وأحوالهم ، ظناً منهم أن الأحداث السالفة بليت ولا تتكرر. قال الله تعالى :("لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)" (يوسف : 111 ) وقال سبحانه :" (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ") ( يوسف : 109) وهذه الآية وردت في القرآن في ستة مواضع ، تنبيهاً على عدم الغفلة عن استلهام الدروس والعبر من التاريخ.
ومن واقع المسلمين اليوم الذي يندى له الجبين ما يحدث في اليمن السعيد الذي بات تعيساً بأيدي أعدائه وبعض أيدي أبنائه !. لقد عانى اليمن من العوز والألم دهراً طويلاً منذ حقبة الأئمة الزيديين الذين حكموا اليمن أكثر من ألف سنة ، مروراً بقلاقل الحملات العثمانية ،والاستعمار البريطاني في بعض مناطقه ،والفتن التي نشأت في الحراك الجنوبي قبل الوحدة اليمينية منذ عشرين عاماً مضت تقريباً . وحال اليمن اليوم أشد بؤساً بسبب الفساد الذي قضى على الأخضر واليابس ، وبسبب قلة الوعي وانتشار الأمية .
إن الغرب الفاجر يسعى إلى صوملة اليمن لجعله بين نارين إما التمزق والتفرق وتشتيت القوى ، أو تقليم أظافره ، ويكون ذلك بزرع الطائفية والحصار الاقتصادي وحجب المساعدات الدولية ، ونحوها من ألوان المكر والكيد.
لا يشك أحد أن في اليمن فئة من أهل الإيمان والحكمة الذين بشر بهم الرسول ، لكن ذلك لا يصلح حال الناس إذا اختاروا التنازع والفرقة ونبذ النصيحة والإخلال بالأمن . إن الدماء البريئة التي تسفك يومياً في لودر و أرحب و أبين و إب والضالع وجعار وغيرها لن تبني لليمن مجداً ولا عزاً ولا سؤدداً ، ولو كانت كذلك لحفظت عرش أئمة اليمن الذي سقط قبل ستين عاماً تقريباً . وكذلك الثورات المسلحة التي تقوم على البطش والقتل والتنكيل لن تكون لها عاقبة ولا أمن ولا استقرار، بل هي بوابة للفتن التي تدع الحليم حيراناً .
إن الظلم والفساد اللذان نخرا في جسد الأمة اليمنية عقوداً طويلة ،خلفا جراحاً لا زالت تنزف إلى أيامنا هذه . منها الفقر والجهل وقلة الوعي وضعف الوازع الديني . ولن يستفد من تلك الجراح إلا أعداء الإسلام الذين يحيكون المؤامرات وينفثون الأحقاد بلا كلل أو ملل .
يا حكام اليمن : إن رفات ملوك اليمن ورؤسائه تحت أقدامكم لم يبل إلى اليوم ، فاتقوا الله في شعوبكم ، واتقوا سهام الليل من الضعفاء والمظلومين والمقهورين ، فإن الله قادر على نزع السلطة منكم كما نزعها من سبأ وفرقهم في البلاد وضربت فيهم الأمثال كما قال سبحانه : (فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) ( سبأ : 19 ) .
لن يخرج اليمن من النزيف الذي يرتع فيه إلا بالعودة إلى الحكمة ولزوم الجماعة وتحقيق العدل وتقوية الرابطة الإسلامية ومعالجة ظاهرة الفقر والبطالة والأمية .
إن التراخي الذي يعاني منه ولاة الأمر في اليمن ، سببه سباتهم عن النفوذ الأجنبي الذي بدأ يضرب بأطنابه في الديار اليمنية براً وبحراً وجواً ، ولم يشمر الأعداء في بلد إلا ذلوا أهلها وأبنائها . وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : ما غزي قوم قي عقر دارهم إلا ذلوا.
يحسب بعض أهل السياسة أن تجويع الشعوب والمجتمعات يجعلهم ينقادون بلا أدنى صلابة طوعاً أو كرهاً ، وهذا المعنى مخالف للأدلة الشرعية ، لما رواه قال : من اقتطع حق امرئ أبو أمامة رضي الله عنه أن رسول الله مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ، فقال له رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله ، قال : وإن كان قضيباً من أراك .أخرجه الامام مسلم في صحيحه .
ومن حق أهل اليمن : أن ينعموا بالصحة والعافية وأن يأمنوا على أموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم . ومن حقهم أن ينعموا بخيرات بلادهم وأن يحكمهم من يخاف الله فيهم .
إن سياسة التجويع والتكبيل لن تُخلف مع الأيام إلا الحقد وسخائم الصدور التي لا يعلم عواقبها إلا الله القوي العزيز. والجمر إذا توهج يصعب إخماده ، والحمد لله رب العالمين .
في الخميس 17 مايو 2012 05:33:41 م