شتّان بين المقاطعة الديمقراطية .. والتقطُّع
نبيل العطفي
نبيل العطفي

وأنا أتابع ما يدور من جدل حول المشاركة في الانتخابات القادمة في بعض المناطق الجنوبية ، إذ بي أسمع رأياً شاذّاً وغريباً تتناوله بعض القيادات المحسوبة على الحراك الجنوبي ، يتحدثون فيه عن ثقتهم بأن الشعب الجنوبي سيقاطع هذه الانتخابات وأنه يُكِنُّ كل الولاء للحراك الجنوبي ولهذه القيادات بالذات ، ولكنهم مع كل ثقتهم تلك يتحدثون عن نيتهم منع لجان الانتخابات من الوصول إلى أماكن عملها بأي طريقة ومهما كان الثمن ، لذلك قررت أن أرسل إليهم بهذه الرسالة :

إذا كنتم تثقون بأن المواطنين الجنوبيين ولاءهم لكم وللفكرة التي تحملونها ، وأنهم سيقاطعون هذه الانتخابات وأنهم لا يعترفون بها ، فلماذا إذاً تنوون منع اللجان من الوصول إلى أماكن عملها ، طالما هي ستجلس في مواقعها دون أن يأتي إليها المواطنون كما تزعمون .

أم أنكم تخشون أن يُقبل المواطن الجنوبي على الانتخابات بقوة ، بفعل تأثره بالثورة اليمنية العظيمة والتي هو جزء منها ، وقد رأى كيف تفاعل العالم أجمع معها ، ورأى التنظيم المتقن ، والقيادات الحكيمة التي تقود هذه الثورة ، ورأى كيف كُللت بجائزة نوبل للسلام ، وكلها صفات افتقدها في ثورته التي سبقت الربيع العربي ، فإذا كنتم تخشون ذلك ، فإنكم لعمري مصيبة الجنوب الكبرى ، التي ابتلاه الله بها .

فكيف تدّعون أنكم تبحثون للجنوبيين عن الحرية والديمقراطية والعيش الكريم ، ثم تكممون أفواههم وتقيدون حريتهم ، وتقولون لهم ، لا نريكم إلاّ ما نرى ولا نهديكم إلاّ سبيل الرشاد .

أمّا قولكم لو تركنا اللجان تعمل لتم ملأ الصناديق و إعلان نتائج غير صحيحة ، ليقال بأن المواطنين الجنوبيين شاركوا في هذه الانتخابات بقوة .

فاعلموا أن مراقبين دوليين وعرب سينقلون هذه الصورة الفاضحة التي تتحدثون عنها ، والتي ستكون بمثابة استفتاء جنوبي غير مباشر ، أليس ذلك أفضل للجنوب وللجنوبيين ، إذا كانت ثقتكم هذه حقيقة ؟

وهل تعيشون في القرن التاسع عشر حتى تقولون هذا الكلام ؟ ألا تعلمون أن العالم اليوم أصبح بيتاً صغيراً لا تخفى فيه شاردة ولا واردة ، وأنكم تستطيعون باستخدام الجوال فقط ، أن تنقلوا للعالم بالصوت والصورة عمليات الاقتراع ، ومدى مشاركة الناس في هذه الانتخابات وخلوِّ مراكز الاقتراع من الناخبين؟

ثم هل حسبتم المكاسب والخسائر السياسية والاجتماعية التي ستنتجها عملية منع اللجان من الوصول إلى مقراتها وممارسة عملها ؟ وإذا منعتم اللجان من الوصول إلى مقراتها ، هل الرسالة التي ستصل إلى العالم هي أن الشعب الجنوبي قاطع الانتخابات ؟ أم ستعطي حجة للطرف الآخر ليقول أن المواطن الجنوبي مُنع بالقوة من التصويت ، وأنه لو لم يُمنع لأقبل على الانتخابات بكل قوة ، ثم ما هي الصورة التي سينقلها المراقبون للعالم عن عمليات التقطع للجان ومنعها من الوصول إلى أماكن عملها ؟ ألن يصوِّروا من يقوم بهذه الأعمال على أنهم عصابات إرهابية تمنع حرية المواطنين الجنوبيين وتمارس عليهم الإرهاب ؟.

ولنفترض أنكم منعتم اللجان في كل المحافظات الجنوبية من أداء عملها ، ألا تعلمون أن الانتخابات الرئاسية ستجرى بنظام الدائرة الواحدة للجمهورية كلها ، وهذا يعني أن المواطن يمكنه أن يصوت في أي محافظة ، وأن النتيجة عندما تعلن لن يسأل العالم لا عن المحافظات الجنوبية ولا الشمالية ، وإنما سيسأل عن النسبة المئوية التي حصل عليها مرشح الرئاسة ؟.

وهنا يجب أن تتذكروا أشياءً مهمة جداً ونتائج متوقعة إذا أقدمتم على هذا العمل ، منها :

أولاً : أنكم تكونون قد بدأتم في تدمير مكاسب النضال السلمي الجنوبي الذي خاضه الشعب الجنوبي خلال الأربع سنوات الماضية ، وأول ما ستهدمونه بأعمالكم غير المدروسة هذه ، هو لبنة التصالح والتسامح التي لطالما تفاخرتم بها ، أم أنكم نسيتم أو تناسيتم أن الرجل الذي تنوون منعه من الوصول إلى كرسي الرئاسة بمنع الناس من الوقوف بجانبه وانتخابه ، هو جنوبي من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه ، فهل توقعتم ردة الفعل الطبيعية لأسرته وقبيلته وربما محافظته وكل محبيه في الجنوب أم لا ؟.

ثانياً : هل تصورتم للحظة واحدة كيف يكون شكل المشهد الذي تحاولون رسمه بأيديكم ، حين يتضح للرئيس القادم أن أبناء المحافظات الشمالية شاركوا وصوتوا له جميعاً ، بينما أبناء أهله وأبناء منطقته مُنعوا من مناصرته ومؤازرته ؟ فهل يبقى في قلبه كجنوبي مكان للتصالح والتسامح الذي تدَّعونه ؟ .

ثالثاً : أنتم تعلمون جيداً أن عبدربه منصور هادي مرشح توافقي أجمع على ترشيحه الأحزاب والمستقلين ودول الإقليم والعالم ، وكل ذلك للخلاص من الطاغية المستبد الذي عانى اليمنيون من ظلمه وطغيانه شمالاً وجنوباً، فهل ستكونون شواذّ الأرض فتقفون ضد مرشح التوافق الداخلي والخارجي ليبقى عفاش رئيساً ، فأنتم تعلمون أن انتهاء عهد الطاغية مرهون بانتخاب رئيس جديد ؟.

رابعاً : تذكروا أن من المصائب المتوقعة ، أن يصطدم أصحاب هذه الخطوة المجنونة مع الحراسات الأمنية للجان ، وهذا يعني إراقة الدماء ، مع العلم أن جميع أعضاء اللجان من نفس المناطق التي ستعمل فيها اللجان ، أي أن من ستواجهونهم جنوبيون ، فإذا حصل هذا الصدام فماذا سيكون موقفكم أمام أسر الضحايا من شباب الجنوب وهل يبقى للتصالح والتسامح مكان في قلوب أقارب ضحايا هذه المواجهات المفتعلة .

خامساً : إنكم تنشرون بين شباب الجنوب ثقافة (الغاية تبرر الوسيلة) بالتقطع والفوضى واستعمال القوة للوصول إلى الغايات ، و ثقافة العنف تستطيعون اليوم أن تزرعوها في عقول الشباب بسهولة ويسر ، لكنكم لن تستطيعوا تخليصهم منها ، حين تحتاجون للنضال السلمي كسائر شعوب العالم .

سادساً : إن النتيجة الواحدة التي يفهمها كل عاقل في هذا العالم ، أن مقاطعة الانتخابات تصرُّف ديمقراطي وحضاري من حق الشعوب أن تمارسه حين تدعو الحاجة إلى ذلك ، أمّا منع اللجان من الوصول إلى أماكن عملها ، فيعني ممارسة الاستبداد والوصاية ومنع الشعب من التعبير عن رأيه بحرية.

ألستم من يفاخر بأن الجنوبيين أكثر علماً وتحضُّر من غيرهم ، فهل شعب بهذه الصفات يحتاج لوصاة يعلمونه كيف يفرق بين الحق والباطل وبين ما هو في مصلحته وما هو دون ذلك ..

 
في الأحد 29 يناير-كانون الثاني 2012 08:02:13 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=13503