|
أتى إعدام القذافي سحلا وضربا بالأحذية ليشكل مشهد صادم في نهاية الثورة الليبية لا يقل مفاجئة ولا غرابه عن مسار هذه الثورة التي واجه فيها المجنون - وهو اللقب غير الرسمي والأكثر انتشارا لمن كان يدعو نفسه ملك الملوك- المظاهرات السلمية لشعبة بقصف الطائرات معطيا الذريعة الأخلاقية والمسوغ المنطقي لبدء حرب شاملة ضده لم يتورع الليبيون بكافة فئاتهم حتى المحسوبين علي الإسلاميين والقاعدة من تلقي مساعدات عسكرية من الشيطان الأكبر الأمريكي ومن الاوربيين الشركاء الأعداء للعقيد سابقا ,لقد كسر المجنون كل الحواجز في نوبة سعار افرغ فيها جنون العظمة مدافعا عن ملك در عليه وأولاده انهار من النفط والدولارات التي تمرغوا في خيرها.
بعد كل المعاناة التي قاساها الليبيين قد يتم تفهم التعامل مع هكذا طاغية وقاتل بتلك الوحشية من قبل أبناء شعبه أو جزء منهم للتنفيس عن غضبهم وثارا لمن فقدوا من أهلهم بوحشية كتائب العقيد ,,ولكن السؤال يطرح نفسه لمصلحة من قتل ألقذافي وأولاده بتلك الطريقة من الذي يريد إخفاء معلومات معينه أو حرق مراحل معينه وهل قام بذلك مباشرة أم حرض الجموع الهائجة لتودي ما عليها فيبدوا الإعدام عفويا وفي نوبة غضب طلبا للقصاص.
التلفزيون اليمني المصدوم فضل تجاهل أن القذافي انتهي ممثل به حيا وميتا وان كل أساليب القتل والدمار لم تنجح في مواجهة الثورة وان هناك سيناريو أخر لانتصار الثورة غير السلمية وفيه يدفع رموز النظام والعائلة الحاكمة ثمنا باهظا قد يبدو معه الفرار إلي جده او حتى السجن خيارا معقولا .
ليأتي إعلان وفاة ولي عهد البيت السعودي ممثلة مخرج لهذا الجهاز الإعلامي المنهك بالكذب الذي استغل الفرصة وأعلن الحداد موقفا كافة برامجه التي أضناها التزوير والزيف والتدليس مشغلا بدلا منها القران علي روح المتوقي كفرصة ذهبية للتواري هربا من هذا المأزق ,,لكنهم لم يعوا وأنهم بغير قصد واتساقا مع دور سلطان بن عبد العزيز وبشكل منطقي يجب أن يتم إعلان الحداد عليه من قبل النظام اليمني المتهالك فهذا الشخص كان ولي الأمر لولاة أمورهم وصاحب ملف اليمن في دولة آل سعود المهيمنة علي جزيرة العرب وإذا كان هناك مكان يجب أن يعلن فيه الحداد عليه فهو اليمن الذي كان إقطاع لسلطان يتبعه فيه مندوبون من الدرجة الثانية وان حاول احدهم التمرد يتم تصفيته,,إلا أن المفاجئة غير السارة تتمثل في السؤال من المسئول الآن عن هذا الملف فقد ألف سفاحنا سيده واعتاد التعامل معه ,,قبل فترة كتبت مقال جزء من عنوانه طرطور سلطان واليوم وقد مات سلطان وبقى الطرطور مغمسا بالدم هل يوجد من سيقبل انتعاله .
وفي غضون الأسبوع الماضي سبق هذين الحدثين حدث لا يقل أهمية وهي الصفقة بين حماس المقاومة والكيان الصهيوني الغاصب لاسترداد جزء من الأسرى مقابل الجندي شاليط ,,تلك الصفقة التي تمثل مؤشر علي انتصار الثورة في اليمن لمن يقرا جانب أخر فيها اقل وضوحا ,فمع استغراب العرب عن سر هذه التنازلات الكبيرة والتي لا يمكن تفسيرها فقط بقيمة الإنسان لديهم والاهتمام غير العادي الذي أبدته عدة حكومات إسرائيلية لهذا الجندي الذي لا يتعدى رتبة صف الضابط وقيام إحدى الحكومات بحرب شاملة واسعة المدى سقط فيها عدد من إقرانه وضباط أعلى منه رتبة ناهيك عن خسائر الفلسطينيين والموقف الدولي الإنساني المدين لتلك الحرب والحصار الذي أتى علي إثرها واشترك فيه الأشقاء والأعداء لتأتي بعد ذلك هذه الصفقة التي رغم ضخامتها وما قدمته إسرائيل من تنازلات إلا أنها أنقذت الائتلاف الحكومي الإسرائيلي .
شاليط كفرد ليس فيه شيء مميز فهو جندي عادي ليس جنرال أو عالم نووي أو خبير يخشى علي ما يمتلكه من معلومات , لكن المميز فيه فعلا هو أن عقيدة الجيش الإسرائيلي والمجتمع الصهيوني القائم علي هذه العقيدة العسكرية لا يمكن أن تفرط في أي جندي لان ذلك سيشكل خرق لهذه الأسس التي يقوم عليها الجيش ومن ثم الدولة وهنا يأتي الاهتمام بهذا الفرد آي كان دوره لان الجيوش التي تنهار عقيدتها العسكرية هي جيوش مهزومة سلفا عندما تفقد الرابط الذي يجعلها متماسكة والدافع الذي يحثها علي القتال لأجله , فالجندي عندما يقاتل للدفاع عن الوطن والأرض والشرف هو أولا في قرارته يدافع عن نفسه وعائلته ومصالحه التي ترتبط مع مصلحة الوطن ككل .
والحاصل من ذلك ان جيوش المحتل الداخلي في اليمن وهي تتمترس وراء أسلحتها ألحديثه وتدريبها الأمريكي وإمكانياتها الضخمة قد فقدت أهم عوامل النصر والتماسك وهي العقيدة العسكرية والقوة الأخلاقية للشرف العسكري فتصبح عندها مجرد مليشيات من المرتزقة التي تقاتل ودوافعها الطمع والنهب والكسب المباشر وهذه الميلشيات لا يمكن أن تستمر في القتال إذا هدد وجودها جديا ويمكن أن تصل إلي بيع سلاحها وذخيرتها لأجل المال وهو ما بدئت بوادره.
في اليمن كان هناك جندي حاول التمسك بالحد الأدنى الأخلاقي والإنساني عندما رفض أن يلوث شرفه العسكري وإنسانيته بتوجيه سلاحه لصدور متظاهرين سلميين عزل , فتم تصفيته بطريقة بشعة وإلقاء التهمة علي من رفض أن يطلق النار عليهم لإثارة النعرات القبلية والمناطقية وافتعال نزاع أهلي هم بحاجة , هم قتلوا فيه فيه صورة الضمير الإنساني التي تدينهم .
لتمر سنوات قليلة قبل ان يعود هؤلاء القتلة المأجورون المتخفين تحت زيهم العسكري ومناصبهم الرسمية ليقتلوا طفله الذي لم يتجاوز أعوامه الثمانية كأنه الانتقام من والده الذي عرى في يوم ما زيفهم وكذبهم , لتأتي قذيفة استباقية تقتل الأطفال كي لا يكبروا يوما ويواجهوا منطقهم الدموي بإنسانيتهم وبراءتهم وببذره الشرف والكرامة التي ورثوها عن أبيهم.
هذا الشهيد الطفل شهاب ابن الشهيد فواز الكمالي الجندي الإنسان البطل الذي رفض اطلاق النار علي مسيرة سلمية في الجنوب فتم ذبحه والتمثيل به ومحاولة إلصاق التهمة بالحراك عام 2009م ليلحقه طفله شهاب في العام 2011م بيد هؤلاء القتلة لتكون شهادته طريق للنصر والاقتصاص له ولأبيه ممن قتلهم وهو يحاول أن يقتل وطن بأكمله .
في السبت 29 أكتوبر-تشرين الأول 2011 03:27:50 م