الشمالي الرائع والجنوبي الانتهازي
بكر احمد
بكر احمد

بعد انسحاب الجنوبيين من المجلس الوطني الذي تم تشكيله من قِبل قادة اللقاء المشترك، كتبت إحدى الزميلات بأن هذه الانسحابات هي عملية ابتزاز ما كان لها أن تحدث و يأتي كاتب آخر ليبدى إعجابه بهذا الكلام ويخبر الجميع بأن هذا المجلس ليس للحكم ولكنه لقيادة الثورة نحو إسقاط النظام ثم تتوالي التلميحات بأن هذه الانسحابات هي لدعم النظام والسلطة وأنهم _ أي المنسحبين _ أدوات في أيادي إقليمية لدعم علي صالح وتفتيت الثورة وإنهائها، وأن هذه الانسحابات هي في حقيقتها انسحابات من مسئولية إسقاط النظام كما ورد في عنوان مقالة الأستاذ منير الماوري.

بطبيعة الحال علينا أن نحترم كل وجهات النظر مهما كانت دوغمائية وأن نقرأ ما بين السطور، لأننا في الأيام العادية نسمع كلاما جميلا عن عدالة هذه القضية ويبدون تفهما تاما لأسبابها، ثم تفاجأ بمثل تلك المقالات البعيدة كل البعد عن الفهم الذي كنا نسمعه، بل نكاد أن نلمس لغة متشنجة واتهامية لمجرد أن الجنوبيين اتخذوا قرارا بعيدا عن رغبتهم أو أنه جاء في وقت غير مناسب بالنسبة لهم.

هذا الأسلوب لا يجب أن يربكنا بقدر ما يجب أن يجعلنا نجيد التعامل معه ونفهم مسوغاته ومسبباته، وهو أنه هنالك من يتعامل مع القضية الجنوبية على أساس أنها طعم فقط يمكن أن يقدم للجنوبيين لتضمينهم ضمن المشروع العام، ومتى ما أنقضت المهمة بالإمكان إعادة النظر بكل تفاصيل تلك القضية ووضعها تحت مرجعية الوحدة، تلك الوحدة المشوهة والغير إنسانية على الإطلاق.

ولنا أن نعيد التذكير بأن الثورة الشعبية التي تقوم على سلطة مستبدة تضع في أهم وأول أهدافها هو تغير الوضع إلى حالة مختلفة نهائيا عما هو كائن، وهذا التغير يكون في الغالب وحسب وجهة نظر الثائرين أفضل مما كانت عليه أثناء الحكم السابق، أما من يحدد ما هو الأفضل وما هو الأسوأ فهذا عائد إلى الرغبة الشعبية التي هي وقود هذه الثورة، وليس من حق مثقف أو كاتب أو سياسي أن يصادر هذا الحق بحجة أنه الأكثر وعيا وتمسكا بالوطنية دون سواه، لأنه حتى الوطنية بمفهومها المكرس من قبل النظام السباق يجب إعادة النظر بها وتفكيكها وإعادة تركيبها من جديد بما يتواءم ومع المرحلة القادمة.

كما أن هذه الثورة تسقط وبالضرورة كل المسلمات والمقدسات والخطوط الحمراء التي كان يتمسك بهذا النظام السابق ويستخدمها لقمع معارضيه ويشدد قبضته على ثروات البلاد، لتعيد الثورة تشكيل ثقافة أخرى وليدة تليق بها أولا وتتواكب مع مقتضيات العصر ثانيا، وان أي ثورة لا تحمل في جوفها وعي تغيري جذري لا يمكن إطلاق مسمى ثورة عليها بقدر ما تتحول حينها إلى حركة إصلاحية رتيبة تريد نقل سلس للسلطة وفق منظومة ما كان سائد ونمطي في الفترة الماضية.

ولنعُد قليلا إلى شرح ما خفي عن إخواننا بشأن انسحاب الجنوبيين من المجلس الوطني والذي وعلى ما يبدوا شكل لهم صدمة ما كانوا يتوقعونها.

- الجنوبي أصبح يمتلك شخصية اعتبارية مستقلة، وأنه ومنذ فترة طويلة قرر أن يتولى زمام أمره وقام بحركة ثورية سلمية وقدم الكثير من الشهداء لأجل قضيته.

- أن الجنوبي سعد كثيرا بهذه الثورة ضد النظام ودعمها ووافق أن يتنازل مؤقتا عن شعاراته ليُصدم بعدها أن ثوار المنصة في صنعاء قاموا بمصادرة حق الجنوبيين وقضيتهم وإنهائها بشكل مهين عبر تصريحاتهم المكررة بان القضية الجنوبية انتهت بسبب هذه الثورة ! في وقت يرى الجنوبي أن قضيته ستكون أكثر قوة بعد الثورة.

- أن الجنوبي حين يطالب بنسبة 50% في المجلس الوطني فهو لأنه يختلف عن أهل البيضاء أو تعز أو ذمار، لأنه قدم وطن كان معترف به دوليا ومتقدم بمراحل كثيرة عن الدول المحيطة به وانه خسر كل هذا مقابل سوء معاملة وفقر وتهميش.

- أن الجنوبي ونظرا لانعدام الثقة بينه وبين مكونات الطيف الشمالي السياسي سواء كان معارضا أو حاكما أو مثقفا أو رجل دين، كان من الطبيعي أن يطالب بحق متساوي في المجلس الوطني كإقليم داخل دولة أستطاع أن يفرض وجوده عبر نضاله.

- أن الجنوبي ومثلما قدم كل شيء لأجل الوحدة فهو لن يتردد عن تقديم كل شيء لأجل فك الارتباط ما لم يتم احترامه والتعامل مع قضيته بالشفافية المطلوبة البعيدة عن الفهلوة ورمي المشدات.

كما أن الجنوبيين يعلمون قبل غيرهم بأن المجلس الوطني ليس مجلسا للحكم أو لإدارة البلاد وأنما مجلس لضم وتوحيد أطياف ومكونات الثورة اليمنية والعمل سويا من أجل التخلص من نظام اسري متخلف، لكن هذه المعرفة لا تقتضي بالضرورة أن يتم التعامل مع الجنوبيين كأنهم أفراد بينما من الواضح أنه هنالك تكتلات سياسية أخرى مثل اللقاء المشترك والحوار الوطني، فما هي المشكلة لو تم قبول ما طلبه الجنوبيين والتعامل معهم ككتلة واحدة وتم إعطائهم نسبة متساوية في هذا المجلس مادام الجميع يدعي بأن الجنوب قضية الكل معترف بها!

الغريب والمؤذي فعلا أنه وبعد انسحاب الجنوبيين ثم تلاهم الحوثيين والكثير من المستقلين والذي يعني ماديا بأن هذا المجلس فاشل ولم يحقق أقل أهدافه، يكتب البعض منتقدا المنسحبين دون التطرق إلى من تسبب في انسحابهم، بل نجد مكابرة غير مبررة بأن هذا المجلس سيستمر، ومن يعترض عليه أن يقوم بتشكيل مجلس آخر...يعني هذا المجلس حقنا وانتم أعملوا لكم مجلس ثاني!!!!

عمليا المجلس الوطني سقط سواء اعترفوا بذلك أو لم يعترفوا، وان القائمين على تشكيل هذا المجلس عجزوا عن تحقيق معادلة سهلة جدا ما كانوا سيقعون بهذا المأزق لو تخلوا عن عقلية النظام السابق وقرروا أن يندمجوا في الوعي الثوري نحو التغيير الكلي والاعتراف بكل القضايا الملحة والخطيرة والتعامل معها بندية لا بتعالي.

ومع ذلك لا يعني هذا أن نهاية الكون قد حانت، فأمر المجلس الوطني لا يجب أو يسقط ولا يجب أن يترك بهذا الوضع، وان يولى أمره إلى قيادة أخرى لتقوم بإعادة تشكيله من جديد، قيادة قادرة على استيعاب اللحظة وفهمها وتجاوز الأخطاء التي حدثت للملمة هذه الثورة ووضعها في إطارها الصحيح نحو المضي قدما إلى وطن أكثر اتساعا واحتراما لنا.

Yazn2003@gmail.com


في الجمعة 26 أغسطس-آب 2011 12:20:04 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=11422