ما لا يغفره التاريخ، ولا يمحى من الذاكرة!!؟
عارف علي الإدريسي
عارف علي الإدريسي

حين لا يجد الإنسان من يعينه في طريقه النضالي للوصول إلى غايته المرجوة وهدفه المنشود، هذا لا يعني أنه لن يصل. كما أن الأمر قد لا يقف على ذلك بل قد يجد من يعيق طريقه ويحاول كبح مسيرته للحيلولة دون بلوغ مقصوده، وهذا مالايغفره التاريخ مطلقاً، ولا يمحى من الذاكرة. وهذا لا يعني أيضاً أنه لن يبلغ مراده.

ومع ذلك، وهو يسلك السبيل الصحيح وبالوسيلة السليمة فإنه لن يتوارى عن السير مهما كانت المعوقات التي تعتريه في طريقه والتحديات التي تواجهه في مسيرته.

خاصة أنه مؤمن بها إيماناً عميقاً كركن أساسي قد يضاف لأركان عقيدته التي من أهم مقاصيدها هو حفظ هذه الغايات التي تحقق للإنسان إنسانيته أياً كان جنسه ونوعه وعقيدته.

ولاشك أنه خلال هذه المسيرة تتضح العديد من الحقائق الغائبة، وينكشف المعدن الحقيقي لكل من له علاقة بهذه المسيرة سواء بالإيجاب أو بالسلب، بالتحفيز أو التثبيط بالمؤازرة أو الكبح.

ولا شك أن اليمنيين حينما ساروا في طريقهم النضالي الثوري الشعبي والسلمي بإرادة قوية لإسقاط نظام مستبد صادر حرية الإنسان اليمني، واستهان كرامته، لم يعوّلوا على نخبهم المعارضة كثيراَ، فاقدين الثقة بكل أركان هذا النظام،

ولم يعوّلوا على أي طرف خارجي لدعم ثورتهم السلمية، كما أنهم مدركين تماماً أن الحرية لا توهب من قبل دول صديقة لم تمنح الحرية لشعوبها لتهبها لشعوب غيرها، وليست صدقة من دول الغرب التي طالما رعت الأنظمة الإستبدادية في عالمنا العربي، ولم تتعامل إلا بلغة المصلحة - والمصلحة فقط، ولا يصنعها أشخاص في حركة إصلاحية أو انقلاب عسكري، ليتحولوا إلى أوصياء على بلدانهم غايتهم حكم الشعب لا تحريره. وإنما تخلقها إرادة الشعب المتعطش للحرية والكرامة بخيار ثورة سلمية لا رجعة فيها.

لكن مالم يكن متوقعاً ولم يكن في حسبان الثوار هو محاولة كبح جماح إرادة هذا الشعب الثائر ووئد ثورته السلمية، واغتيال طموح شبابه الأحرار، من قبل إخواناً لهم في ساحة الإرتزاق والذل (ميدان السبعين) ومن قبل قادة دول مجلس التعاون الخليجي بمبادرتهم الميتة.

فالشعب لم ولن يقبل التفافاً على ثورته السلمية التي حاولت دول الخليج عابثة بإرادة اليمنيين أن تحول الثورة الحقيقية والفعلية إلى مجرد أزمة سياسية.

وأعتقد أنه ليس هناك مبرر لخوف دول مجلس التعاون الخليجي من نجاح الثورة في اليمن، إلى درجة تجعلهم يحاولون إجهاضها باسم العلاج وبحجة خوفهم على أمن وسلامة هذا البلد، الذي جعلوا منه بتعاونهم مع الخائن لوطنه والفاقد للشرعية التي يتشدق بها، بلداً فقيراً غير مستقراً.

أعتقد أن القلق على الثورة والوضع لما بعد الثورة هو الذي يجعل النخبة المعارضة في اليمن والمتمثلة باللقاء المشترك وقادة دول مجلس التعاوان الخليجي أن تستمر بالحوار مع النظام محاولة عبر المسار السياسي للثورة أن تحقق هدف الثورة الأول وهو إسقاط نظام صالح. كما أن حالة القلق هذه هي موجودة أيضاً لدى الثوار من أبناء الشعب، والقلق هنا لا يعني الخوف، لأن مرحلة الخوف انتهت ولن تعود إلى الأبد وهذا أول مكسب من مكاسب الثورة، ولكن القلق هنا أمر طبيعي خاصة أمام نظام همجي يحاول أن يحول مسار الثورة إلى أزمة سياسية، ويجلب أنصاره بوسائل عدة يعرفها الجميع...! كمسيرات مؤيدة لنظام فاقد لشرعيته لمواجهة مسيرة وتظاهرات الثورة الشعبية السلمية، ويحاول بذلك أن يخلق عداءً بين أولئك الفئة التي مازالت أسيرة شخص بعينه، وبين السواد الأعظم من الشعب التي تملأ ميادين الحرية وساحات التغيير، وبهذا العداء الذي يحاول النظام وإعلامه اللا أخلاقي أن يغذيه بأساليبه القذرة ويرويه بأكاذيبه المفضوحة ظناً منه أن هذا سيضعف من عزيمة الثوار واهماً أنه سيصيبهم بالوهن والخوف، أو ربما يحاول بذلك أن يجر الشعب إلى حرب أهلية كما يقول ويتوعد!!؟ غير مدركاً أن الحالة الثورية التي اتسعت لتعم اليمن، قراها ومدنها ريفها وحضرها، شبابها وشيوخها، رجالها ونسائها، أطفالها وكبارها، والتي خلقت نضجاً لديهم ووعياً بأن ما هو واقع لا يمكن أن يستمر، ليتحقق ذلك بخروجهم تحت راية واحدة هي راية الوطن لا راية الرئيس أو الشخص الأوحد، يجمعهم شعار واحد هو الشعب يريد لا الرئيس يريد، توحدت قلوبهم وعقولهم بعد أن باعد بينها ذلك النظام. 

ولذا كان لزاماً على دول الخليج الضغط المباشر على نظام صالح إن كانت اليمن تعنيهم، وإن كانوا جادين فعلاً بالوقوف إلى جانب الشعب ومطالبه بالأخذ بأيدي أبنائه ومساندتهم للحفاظ على أمن واستقرار اليمن.

ولزاماً على إخواننا في ميدان السبعين والمؤيدين لنظام صالح أن يعوا أن الثورة ثورة الشعب وأنها لهم لا عليهم، كما أن الثورة ليست عداءً بين الثوار ومؤيدي النظام بل هي سبيل شرعي لإسقاط نظام أثبت فشله وعدائه للوطن، وهي مسار تصحيحي لبناء دولة قائمة على الحرية العدالة.

كما أنه من الواجب على إخواننا في الجيش والقوات المسلحة والحرس الجمهوري الإنظمام إلى ثورة الشعب، وليعلموا أن القسم الذي أقسموه هو قسم بالوطن وللوطن لا بالرئيس وللرئيس، قسم بالحفاظ على أمن وسلامة المواطنين، وحماية حقوقهم وممتلكاتهم، لا للحفاظ على نظام بشخص ومجموعة، وأنهم مسؤولون أمام الشعب وسيقفون بين يدي الله ويحاسبون على ذلك.

ولزاماً على النخب المعارضة أن تعلن باعلى صوتها بانتهاء فترة الحوار والمبادرات والمبادرة الوحيدة هي خروج صالح ورحيله وهو من يعلنها وهو من تعنيه، أما الشعب فقد اختار طريقه للوصول إلى أهدافه ولن يرجع عنها مهما كلف ذلك من تضحيات.

 إن الحيادية في هذا الظرف الراهن، والصمت في هذه اللحظات الحاسمة، والتأييد لنظام فاقد لشرعيته، أو محاولة التعاطف مع مثل هكذا نظام، والوقوف إلى جانبه، هي خيانة عظمى للوطن وللشعب وللواجب الديني والوطني والحقوقي والمهني، وهي مشاركة صريحة في القتل والظلم والفساد الذي تعاني منه بلادنا وأقطار عربية أخرى.

وهذا ما لا يغفره التاريخ ولا يمحى من ذاكرة الأيام!!!؟


في السبت 21 مايو 2011 06:07:47 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=10324