وترجل فارسنا: العقيلي باجمال
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 26 يوماً
السبت 31 يوليو-تموز 2010 06:25 م

جاءني الخبر .. اتصال من أخي ( أبي شيماء) بالرياض قال : أعزيك ! قلت في من ؟! قال في أخينا صالح العقيلي .. تبلدت لحظات كانت كافية ليمر أمامي في غمضة عين شريط سنين من الذكريات .. ضحكات .. نقاشات .. مواقف متعددة .. قلت متسائلا وكأنما أريد أن اقنع نفسي أنه غير من عناه : صالح العقيلي هو .. أخونا ؟! قال : نعم .. حادث سير في العاصمة صنعاء .. رددت : إنا لله وإنا إليه راجعون .. وعاد شريط الذكريات يتتابع ملايين الصور في لحظات ..

صالح العقيلي باجمال من أبناء مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة قارب الخمسين عاما أو دخلها .. إذا رأيته لم تلق له بالا .. لا يؤبه له .. وأظنه لو أقسم على الله لأبره ( ولا أزكيه على الله ) .

ذهب ليعالج زوجته في صنعاء فخرج ليجلب الدواء قاطعا الشارع إلى الجهة الأخرى فجاءه قدر الله الذي لا مفر منه .. خرج لتعيش المريضة فكان هو الميت .. خرج ليجلب الدواء فسبق إليه الداء .. خرج متعبدا ربه في علاج من أحب فأحبه ونقله إلى زمرة العابدين برحمة منه ورضوان صالح العقيلي .. عرفته منذ زمان .. قارئا للكتب .. محاضرا خطيبا .. مربيا فاضلا صاحب حضور رباني .. وأتحسر أني لم ألازمه طويلا ظنا مني أن الحياة ممتدة وفيها سعة لاجتماعات قادمة ..

ولست هنا بصدد نقل سيرته العطرة أو التعريف بمراحل حياته وإبداعاته ولكني أحببت أن انقل مشاعري فقط تجاه أخ كريم لدي معه ذكريات قليلة في ساعاتها كثيرة في معانيها وأهدافها .. كنا نأخذ على يديه دروس السيرة وربما التفسير .. وهاهو الشريط يعرض علي صورته وهو يردد بقوة خلاصة الدرس ليغرس فينا أسمى القيم .. مشددا على ضرورة أن نكون دائما في المقدمة لكل خير .. أن نكون الصفوة في زمان الرويبضات وأهل التميز والعلو في عصر الانحطاط .

لم يكن يحمل شهادة جامعية ولكنه ربى حملة الشهادات على أجمل معاني الأخوة والتواضع وسلامة الصدر ومكارم الأخلاق .. حملها بجدارة.. شهادة التميز في السمع والطاعة وحسن الأداء برغم كبر السن وضعف البصر وكثرة متطلبات الحياة .. فليتعلم الشباب منه معنى الولاء .

سأفتقدك يا بن العقيلي .. ومعي كثيرون سيفتقدونك .. تلاميذك الصغار .. طلاب التحفيظ والدار ستفتقدك النساء اللائي كنت لهن معلما لمعاني الإسلام وآدابه ومرشدا لروح العمل في الميدان ولكأني بها ستفتقدك جمعية التحفيظ وجدران دار القرآن فقد كنت مؤسسا وصانعا ( بفضل الله ) لنجاحه وليته يحمل اسمك وله كل الفخر أن يكون منتسبا لك .. ستفتقدك مجموعة المفاتيح العديدة المرتبطة بحزامك (الكمر) وحتى بعد أن تتناقلها أياد أخرى ستظل تذكر اليد الحانية التي كانت تداعبها كل صباح ومساء .. ستفتقدك دفاتر الحسابات وتتساءل بأسى أي يد ستقلبنا بعدك ستفتقدك عمارة الإصلاح الصفراء .. ودرجات سلالمها البيضاء تتساءل فيما بينها : أين أقدام العقيلي الرقيقة لم تعد تطأنا ؟! ستفتقدك المرتبة الحمراء في الغرفة الصغيرة التي تتربع عليها معلما ومتعلما أين جسده الحاني لم يعد يتكئ علينا ؟! سيفتقدك كرسي المحاضرات وسارية المسجد ومنبر الجمعة .. هل تروني بالغت ؟ لا .. فذلك أراه اقل القليل فيمن له في الدعوة الأثر الجميل .. ذهب العقيلي وبقيت ذكراه في قلوبنا وأعماله من منجزات كياننا وبنياننا .. ولكن عجلة التاريخ تدور وستذهب السنون المتوالية بالذكريات فالعقل ينسى وضابطه القلم وما دَّون وجرى , فلذا من سيتصدر لهذه المهمة العظيمة بجمع لبنات الأعمال المتناثرة ومواقف الأسماء اللامعة من منجزات ولطائف وبطولات .. ليصنع لنا كتبا ومجلدات تحوي تاريخا ناصعا . حتى إذا جاء بعد 100عام أخ شاب في مستهل الطريق ليقرأ في كتاب تاريخ الحركة الإسلامية في محافظة شبوة باليمن وجد في إحدى صفحاته تحت عنوان كبير : جيل المؤسسين .. ( صالح العقيلي باجمال ) فقرأ سيرته كاملة ثم قال : رحمه الله من رجل .. وأثابه واسكنه فسيح جناته .