اغتيالات ترفع حرارة المواجهة على الحدود اللبنانية
بقلم/ كلادس صعب
نشر منذ: أسبوعين و 6 أيام و 7 ساعات
الإثنين 27 أكتوبر-تشرين الأول 2025 05:34 م
 

تشهد الحدود الجنوبية حاليًا تصعيداً مستمراً ومتزايداً لم يسبق له مثيل، مع ارتفاع وتيرة الغارات الإسرائيلية المُركَّزة التي تستهدف قيادات وعناصر حزب الله، ولا تكتفي بالجنوب، بل توسع نطاق ضرباتها لتشمل مناطق في البقاع والسلسلة الشرقية. وقد شهد البقاع بالأمس عملية اغتيال للقيادي البارز في “حزب الله” علي حسين نور الدين الموسوي، عبر ضربة جوية بطائرة مسيَّرة استهدفت سيارته في بلدة النبي شيت. وبحسب التقارير، يُعد الموسوي شخصية محورية، حيث كان مسؤولاً عن تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان ويشرف على إعادة بناء القوة العسكرية في البقاع، ويُعتقد أن له صلات بالحرس الثوري الإيراني. هذا الاغتيال يمثل تصعيدًا نوعيًا كون العملية تمت بإشراف مباشر من وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس شخصياً. هذا التصعيد تبرره إسرائيل بأنه يهدف إلى منع “حزب الله” من استعادة قوته، معتبرة أن أي معدات تُستخدم للترميم العسكري هي أهداف مشروعة ضمن سياسة “الردع الاستباقي”. ومنذ وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024، وقع أكثر من 600 غارة، مما يدل على حجم الضغط العسكري المتواصل.

 

حزب الله يطور استراتيجيته سراً من تحت الأرض

 

في ظل هذه الضربات المكثفة والتي أسفرت خلال يومين عن اغتيال حوالي 10 عناصر من “حزب الله”، كشفت تسريبات نشرتها مجلة “لوفيغارو” الفرنسية، عن جهود سريعة ومحكمة يبذلها “حزب الله” لتعزيز ترسانته، بما في ذلك تطوير منظومات أسلحة دقيقة وتغيير تكتيكات التمركز والرد. وحسب التقرير، يعمل الحزب حاليًا بشكل شبه كامل تحت الأرض وبسرية مطلقة، حيث نجح في إنشاء بنية عسكرية جديدة تعتمد على قيادات شابة قادرة على مواكبة التكنولوجيا. لقد تم استبدال القادة القدامى، وإعادة توزيع الأدوار لزيادة السرية والمرونة في التحرك منعاً للخروقات. وفي سياق هذه المراقبة المستمرة، تُشير تقارير بحثية وإعلامية إلى أن إسرائيل تعتبر النقاط الجغرافية الخمس التي تحتفظ بها داخل الأراضي اللبنانية عناصر استراتيجية في منظومتها الدفاعية، إذ تقع في مواقع طبوغرافية تُتيح مراقبة محاور تسلل محتملة، خصوصًا تلك المرتبطة بوحدة “الرضوان” التابعة لحزب الله. كما تُوفر هذه النقاط حماية ميدانية للتجمعات الإسرائيلية القريبة من الحدود، وتُستخدم في تقييم القدرات العملياتية للخصم، بعيدًا عن الرهان على فهم النوايا أو تحقيق الردع. هذه التحركات تُظهر أن السلاح بالنسبة لـ”حزب الله” ليس شيئاً مؤقتاً، بل هو جزء أصيل من هويته. ومع ذلك، يُبدي الحزب صبرًا محسوبًا، يفسره المراقبون برغبته في استكمال عملية إعادة البناء بدعم إيراني، وتجنب الانجرار إلى حرب شاملة قد تعرقل هذه الجهود. بالتوازي، سبق ان قام الجيش اللبناني بتقديم تقريره للحكومة في السابع من الشهر الجاري، حول ما تم تنفيذه من المرحلة الأولى للاتفاق لناحية حصرية السلاح بيد الدولة، ومن المتوقع عرض التقرير الثاني في أوائل الشهر القادم.

 

التنسيق الأمريكي الإسرائيلي

 

في المقابل شهدت الحدود الشمالية لـ”إسرائيل” زيارة لافتة لوزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، برفقته وفد أمريكي رفيع ضم مبعوثة الرئيس الأميركي إلى لبنان مورغان أورتاغوس، حيث تم استعراض أنشطة “حزب الله” في المنطقة. وخلال هذه الجولة تحديداً، تم الإعلان عن تصفية عنصرين من الحزب، أحدهما الموسوي. هذه الزيارة عكست تنسيقًا أمنيًا عالي المستوى بين واشنطن و”إسرائيل”، ووجّهت رسالة مزدوجة لحزب الله وللدولة اللبنانية بأن ملف الحدود الشمالية بات تحت المجهر المشترك. من المقرر أن تبدأ أورتاغوس زيارتها لبيروت اليوم، لتلتقي بالرؤساء والقادة الأمنيين، وتشارك في اجتماع لجنة “الميكانيزم” الخاصة بالحدود، مما يضفي بعداً دولياً إضافياً على الملف.

هذه الزيارة اللافتة لأورتاغوس سبقتها استعدادات إسرائيلية، تمثلت بمناورات عسكرية في الشمال، شملت تدريبات على اقتحام الجبال، والرد على هجمات الصواريخ والمسيَّرات، وإخلاء المستوطنات، بمشاركة قوات أمريكية أحياناً، مما يؤكد استعداداً كاملاً لأي سيناريو حرب محتمل. في المقابل، برزت جهود إقليمية لافتة قد تدرج في خانة التحذيرات، حيث كان لافتاً اللقاء الذي أجراه رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد من خلال الزيارات المتتالية إلى إسرائيل وقطر، ومن المقرر أن تشمل جولته المقبلة زيارة إلى بيروت يوم غد الثلاثاء لبحث ملف الجنوب والتوتر، في إطار وساطة مصرية تهدف إلى منع توسع المواجهة.

كل هذه التطورات تشير إلى أن الوضع الحالي هو أشبه بهدوء حذر، لكنه لا يلغي احتمال المواجهة في أي وقت. ومع ذلك، تُجمع التقديرات على أن الحزب يمتلك قدرة عملياتية حاضرة، ويحتفظ بخيارات متعددة للرد، إذا ما قرر ذلك. المواجهة مستمرة، وإن كانت في حالة تأجيل للمواجهة. والحدود الشمالية تبقى ساحة مفتوحة لاحتمالات لا تُحصى، في انتظار قرار أو خطأ أو لحظة فارقة.