الإدارة الأمريكية تدعو إلى قطع إمدادات الأسلحة عن قوات الدعم السريع في السودان
شيخة إماراتية يتم تعيينها أميناً عاماً لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة
محمد بن سلمان يزور أميركا... وقمة اقتصادية تبحث رفع الاستثمارات إلى تريليون دولار
فضيحة مراهنات تضرب الدوري التركي: إيقاف مؤقت لـ102 لاعب بينهم دوليون
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن تنظم ندوة حول الإتيكيت والبروتوكول الدبلوماسي
الحوثيون يرفعون سقف التهديدات ضد السعودية.. تصعيد إعلامي وعسكري بعد توقف العمليات في غزة
العميد الأشول: الإرهاب لا وطن له والتحالف الإسلامي يجسد رؤية استراتيجية لمحاربته
نقابة المحامين في مأرب تشكل فريقاً قانونياً لمساندة جرحى الجيش المعتصمين
الحوثي يعلن الجاهزية للحرب مع إسرائيل... ويعبئ القبائل نحو جبهات اليمن.. تحشيدات مسلحة في خمس محافظات
بيان للدول السبع الكبرى بشأن التطورات في السودان وغزة
في الصباح، يعلو الهتاف: "تحيا الجمهورية!"، وفي المساء، الصوت ذاته ينقلب: "تبًّا للجمهورية!"
مشهد عبثي يعيشه اليمني يوميًا مع المجلس الانتقالي الجنوبي؛ حركة تقول شيئًا في العلن وتفعل نقيضه في الخفاء، تبيعك شعارًا في النهار وتنفّذ أجندة في الليل.
منذ اللحظة الأولى، كان واضحًا أن هذا المجلس لم ينشأ من رحم الشارع، ولم ينبثق من معاناة الناس وحدهم. لقد تشكّل بأموال وسلاح ودعم إقليمي، ليكون أداة بيد قوى تبحث عن موطئ قدم في عدن وسواحل الجنوب، وتحتاج إلى غطاء محلي يشرعن وجودها. باختصار: صُنع ليخدم غيرنا، لا ليخدمنا.
تتذكرون عدن في 2019، حين انفجرت المعارك بين الانتقالي والقوات الحكومية، وتحولت المدينة إلى ساحة حرب. لم يكن ذلك دفاعًا عن الناس ولا حماية لحقوق الجنوب، بل استعراض قوة لصالح طرف خارجي أراد فرض كلمته. ثم جاء "اتفاق الرياض" كمسكّن، لكنه لم يعالج أصل المرض: أن المجلس أداة، لا مشروع وطن.
وفي 2020، أعلن الانتقالي "الحكم الذاتي" في خطوة أحادية، فُرضت وكأن مصير الناس يُقرر في ليلة وضحاها. لم يُسأل الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، ولم تُستفتَ الأمهات اللواتي يبعن ذهبهن ليشترين دواءً لأطفالهن. كانت خطوة سياسية بحتة، تعكس صراع نفوذ لا صراع حقوق.
وحتى في الداخل الجنوبي، كم من صوتٍ جرى قمعه أو تهميشه لمجرد رفضه الانصياع لخط المجلس؟ سجون سرية، اعتقالات، تضييق على المعارضين. بالله عليكم، أي مشروع وطني يبدأ بقمع الناس الذين يُفترض أنه يمثلهم؟
وهنا يجب أن نقولها بوضوح: الظلم ليس جنوبيًا فقط. تهامة عانت، وصعدة عانت، وإب وتعز والحديدة وصنعاء... كل اليمن تجرّع الظلم على يد أنظمة متعاقبة لم تعرف سوى الفساد والتسلط. فهل نُجزّئ الوطن إلى كيانات كلما شعرنا بالظلم؟ إن فعلنا ذلك، سنفتح أبوابنا للاحتلال بأيدينا. انظروا إلى جوارنا: دول تشظّت، فدخلها الأجنبي يرفع شعار "الحماية" وينهب في الخلفية كل ثرواتها.
أين المبرر إذن؟
يقولون إن الجنوب مظلوم، وكأن بقية اليمن يعيش في نعيم. لكن الحقيقة أن رؤساء ووزراء جنوبيين تولوا السلطة: عبد ربه منصور هادي كان رئيسًا، ورؤساء الوزراء الحاليون والسابقون جنوبيون، والوزراء الجنوبيون حاضرون في كل الحكومات المتعاقبة. فهل غيّر ذلك من واقع الناس؟ لا.
المشكلة لم تكن يومًا في الهوية الجغرافية، بل في فساد السلطة نفسها. السلطة التي ظلمت صعدة هي نفسها التي همّشت تهامة، وهي نفسها التي أفقرت عدن وتعز وصنعاء.
فأين المبرر إذن للانفصال؟
إن كان المقياس هو "نحن مظلومون"، فاليمن كله مظلوم. وإذا فتحنا الباب لكل مظلوم أن ينشئ له دولة خاصة، فلن يبقى من اليمن شيء، وسنقدم وطننا على طبق من ذهب للاحتلال الخارجي.
أيها القارئ، اللعبة مكشوفة. المجلس لم يأتِ ليبني دولة، بل ليمهّد لتدخلات إقليمية أوسع. أرادوا أن يجعلوا من الجنوب منصة نفوذ، لا مشروع عدالة. وإن صدقنا أن الانفصال سيجلب لنا الحرية، فنحن نخدع أنفسنا. الانفصال سيجلب المزيد من التبعية، وسيجعلنا أوراقًا صغيرة على طاولات كبيرة لا مكان فيها لأصواتنا.
اليمن يستحق شيئًا آخر: وحدة عادلة، لا وحدة بالقوة، بل وحدة تقوم على توزيع عادل للثروة، ومشاركة حقيقية في السلطة، وعدالة اجتماعية تشمل تهامة والجنوب والشمال وكل قرية في هذه البلاد. إن أردنا مستقبلًا آمنًا، فلا بد أن نغلق باب الوصاية الخارجية، ونفتح باب العدالة للجميع.
الخيار أمامنا بسيط لكنه مصيري: إما أن نستمر في لعبة الصباح والمساء، نضحك على أنفسنا ونترك غيرنا يقرر مصيرنا، أو نقطع الخيط ونقولها بوضوح: اليمن واحد، والعدالة للجميع، وأي مشروع يناقض ذلك فهو سرطان يجب استئصاله قبل أن ينهش جسد الوطن بالكامل.