المواطن لا يجب ان يغرق
بقلم/ غسان الخيشني
نشر منذ: شهرين و 15 يوماً
الجمعة 29 أغسطس-آب 2025 07:28 م

في أحد أيام أغسطس، وبينما كانت السماء تمطر بغزارة فوق اليمن، لم يكن المواطن اليمني ينظر إلى المطر كنعمة، بل كإنذار. لم يكن الأمر مفاجئًا، فكل عام تتكرر المشاهد ذاتها: سيول تجرف البيوت، شوارع تتحول إلى أنهار، وأسر تُجبر على مغادرة منازلها بحثًا عن مأوى مؤقت. لكن هذه المرة، كان الغرق أعمق، ليس فقط في الماء، بل في الإهمال.

في الأحياء الشعبية، حيث لا توجد شبكات تصريف، كانت المياه تتراكم بسرعة، تدخل البيوت بلا استئذان، وتخلّف وراءها خسائر لا تُحصى. المواطن هناك لا يسأل عن كمية المطر، بل عن غياب التخطيط، عن الطرق التي لم تُعبد لتقاوم، وعن البيوت التي بُنيت فوق مجاري السيول دون أي رقابة. يقول أحد السكان: “نحن لا نغرق فقط بالماء، بل بالإهمال. كل عام نفس المشهد، ولا أحد يخطط لما بعد المطر.”

التقارير الدولية لم تكن بعيدة عن هذا الواقع. الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر نشر في أبريل 2024 أن الفيضانات أثّرت على أكثر من 655,000 شخص، وتسببت في مقتل 240 شخصًا وإصابة 635 آخرين. أما صندوق الأمم المتحدة للسكان، فقد أشار إلى أن نصف مليون شخص اضطروا للنزوح، بينهم آلاف النساء الحوامل اللواتي فقدن الوصول إلى الرعاية الصحية. وفي تقرير نشرته الأمم المتحدة عبر منصة أهداف التنمية المستدامة، جاء أن الفيضانات دمرت مصادر المياه النظيفة، مما زاد من خطر تفشي الكوليرا وحمى الضنك، خاصة في المناطق التي تعاني أصلًا من ضعف الخدمات الصحية.

وسط هذا كله، كانت الاستجابة الرسمية بطيئة، مشتتة، وغالبًا ما تصل بعد فوات الأوان. المواطنون أنفسهم نظموا حملات إغاثة، أنقذوا الجرحى، وزعوا الطعام، لكنهم كانوا وحدهم. المنظمات الدولية حضرت، لكنها قدمت مساعدات مؤقتة، لا تعالج جذور المشكلة، ولا تبني مستقبلًا آمنًا.

السؤال الذي يتردد في كل بيت يمني اليوم ليس عن الطقس، بل عن غياب الدولة. لماذا لا تُبنى البنية التحتية قبل أن تنهار الأرواح؟ لماذا لا توجد خطة وطنية لإدارة الكوارث؟ لماذا لا تُخصص ميزانية للطوارئ تُستخدم للوقاية لا فقط للإغاثة؟ المواطن لا يطلب معجزة، بل يطلب أن يُعامل كإنسان، أن تُبنى مدينته لتقاوم، لا لتنهار، أن يُسمع صوته قبل أن يُغرق.

الفيضانات في اليمن لم تكن مجرد حدث طبيعي، بل كانت مرآة تعكس عمق الأزمة التي يعيشها المواطن. حين يقول “لماذا ننتظر الكارثة؟”، فهو لا يشكو من المطر، بل من غياب من يسمعه قبل أن يغرق.