الشيخ والقديس 1-2
بقلم/ طارق عثمان
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 7 أيام
الإثنين 18 فبراير-شباط 2008 09:25 م

مأرب برس -خاص

هاجمنا الشيخ فؤاد دحابة ودافعنا ( ضمنيا ) عن القديس فالنتين . لماذا ؟

الإجابة اعمق في نظري مما نعتقد وهي تتعلق بالصورة النمطية التي تكونت في أذهاننا عن الشيخ ( عموما ) وليس دحابة وعن القديس ( عموما ) وليس عن فالنتين .. صورتان تقييمهما في مصلحة القديس فهو يهيمن على مخيلتنا واذهاننا ..

القديس يتسلل الى منازلنا ، الى مخادعنا ،الى قلوبنا، الى ابتساماتنا ، الى دموعنا ، ويأتينا كما لا يأتينا احد غيره ، يتردد علينا باستمرار .حتى صرنا نعرفه اكثر مما نعرف انفسنا ...

نعرفه وردة حمراء وقلب ينبض بالحب في عيد الحب عيد القديس فالنتين نرقبه هديه في شتاء كانون القارس يحملها بابا نويل او القديس " سانتا كلوز ". ياتينا حاملا حبا في الام تريزا ...ياتينا فرحة راس سنةٍ ميلاديه ، ياتينا " ميري كريسمس " ."

... ياتينا فيلما كرتونيا للأطفال يغرس قيم التثليث وحب الرب ، يأتي صليب يتدلى في صدر فنانينا المحبوبين ، ياتينا فلما هوليوديا يتحدث عن الرب يسوع ، او فلما عاديا يغرس مفهوما لاهوتيا في اعماق اللاشعور ... يأتي بأشكال عده فهو مقطع بلوتوث ورسالة SMS ، نغمة جوال ، وإعلان بين الفقرات الدينية الاسلامية ، 

يأتينا استاذ لغات متمكن ، ومذيع مفوه ، و فيلسوف متحذلق تبهرنا درجاته العلمية ومناصبه الرفيعة وشعره المنفوش ، أحيانا يأتي فنان تشكيلي متجول ، لاعب كرة متمرس نعشقه اكثر مما يفعل حتى ذووه وبعد كل هدف نشكر الرب مثله ، فننقل يمنانا ، بين الكتفين وبين الرأس ، الاب والابن والروح القدس .

يرقبنا القديس بعيني مذيعة فاتنة عبر الاوربت والجزيرة والام بي سي او ال بي سي وكذا عبر ال سي ان ان

لاينسى القديس ان ياتينا عملة ورقية او حتى بنكا ربويا ياخذ أكثر مما يعطي ، ويعطي اكثر مما نطمح .

 ياتي مصطلحا ، ومدرسة في الفن ، ورقصة غربية ، وبرنامج مشهور ، ومذيع محبوب .

يأتي ثقافة يأتي ابداع يأتي جهازا ووسيلة عصرية ، وقرص دواء ...

القديس عولمة وحرية وديمقراطية وصندوق اقتراع ، وحزب ، وجمعية .

لا ينفك القديس يطاردنا في كل مكان ..

بكل هذه الطرق ينساب القديس الى تلافيف ادمغتنا الى خيوط ملابسنا الى عدسات ابصارنا الى قنواتنا السمعية والدمعية الى كل حواسنا .

اما الشيخ الذي ساهمت ريشة القديس في رسم صورته في مخيلتنا فأن صورته تأتينا ملغومة ، مزروعة بعبوة ناسفة ..

 يأتينا الشيخ متمنطق بحزام ناسف ، وصاروخ محمول فوق الكتف ، وقذيفة ار بي جي ، يأتينا قائمة ممنوعات ومحضورات ، وسوط جلاد .

هكذا ننظر للقديس الغربي او( لنتاج الثقافة الغربية ) وللشيخ الذي يسكن فينا ( لثقافتنا ) فنتنكر لذواتنا ونتبع قول القديسين .

هذه الصورة رسمتها سنوات من التراجع والانهزام وسيطرة ثقافة الأخر وهيمنة مفاهيمه وقيمة وتسيده على العالم .و في ظل هذا الانهزام قدم الاخر ثقافته على انها مقدسات وأخذناها كذلك حتى صارت رموزه هي رموزنا وصار بعضنا يعرف نيتشه وكانت و هيدجر وهيغل اكثر من الكندي والفارابي وابن سينا ، ويعرف عن جورج كالوني وجوليا روبرتس وتوم كروز اكثر من سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب و نسيبة . ويعرف عن بيكهام اكثر من الانجليز انفسهم ... والبعض على استعداد كامل ليخوض معركته مع الشيخ انتصارا للقديسات نانسي ، وهيفا وروبي ، معركة ينافح فيها عن شرفهن الرفيع ولكنه لا يتوانى عن ان يثلم عرض الشيخ ، ويتلقف كل مامن شأنه ان يسىءاليه ويبقى يلوكه شهور بل قد يستغل البعض نفس المقال الذ يعطي فيها اي من الراقصات المعروفات شهادة عفة ليطعن في عفة الشيخ .

لقد استطاع القديس ان يرسم لنفسه صورة جميلة في اذهاننا تخفي صورته القبيحة ففي حين ان بابا نويل يقنعنا انه يجوب بين الثلوج على عربة تجرها الغزلان ليسعد الاطفال بهداياه ويفاجئهم بالنزول من مدخنة المنزل يكون هو ذاته سانت كلوز في نفس الوقت يرمينا بصواريخ توم كروز ويلقي علينا هدايا عنقودية ويهدم المنزل كله على رؤوس الصغار ويحولهم الى رماد .

رغم ان حرية القديس تتطاول على نبي لمليار مسلم وتضيق بحجاب فتاة . 

لقد غطى على وجهه القبيح فما عدنا نرى الا جماله الرباني الأخاذ وحينما ننتقده فاننا نتقد ساسته ونحب كل شىء اخر فيه .

من حق القديس ان يفعل هذا واكثر لاننا نعيش الهزيمة التاريخية . ولانه يغزونا عبر الاقمار الصناعيه ، وعبر الموجات ، والاسلاك ، والشبكات ، والهامبرجر ، وقنينة الدواء ، في حين ان الشيخ الجليل مازال يغزل بقلمه خطبة عصماء ... ويلهج لسانه بدعاء ، يدعو فيه بفناء كفار بلاد القمح والسكر والارز وبلاد الصلبان . وحينما ينفتح على السياسة تراه يتبتل في كاتدرائية القديس المسماة " برلمان " بعيدا عن واقع الناس وتفاصيل حياتهم اليومية .

المسؤليه بالتأكيد ليست مسؤلية الشيخ لوحده ، بل هي مسؤلية امة فالقديس يقف للشيخ دوما بالمرصاد وبمؤازرتنا جميعايقصيه عن مواقع التأثير ويتولى هو بمعيتنا رسم صورة شائهة عنه ، نحن ألفنا خذلان الشيخ ( خصوصيتنا الثقافيه ) بل نتسابق من سيكون يهوذا الاسخريوطي الذي سيسلم الشيخ الى القديس ليصلبه في جوانتنامو او في احد زنزاناتنا الشرقية .

سيظل الشيخ منبوذا والقديس محبوبا حتى نستعيد ذواتنا .. ونصنع حضارتنا ونبرز رموزنا بطريقة مختلفة واكثر عصرية .