ميلاد الفجر وبزوغ شمس الحرية إب نموذجاً
بقلم/ مختار الرحبي
نشر منذ: 12 سنة و أسبوع
الإثنين 19 مارس - آذار 2012 07:22 م

لم يكن يعرف أحد أن "الحلم" في طور التكوين ومراحله التاريخية سوف تجتاح الذاكرة الجمعية تسجل أزهى وأنصع المنعطفات الكونية حيث يولد الفجر من همم الثوار وتسطع شمس الحرية من حنايا زمجرة الثوار وهتافاتهم الرنانة.. كانت الساحرة "إب" على موعد مع النور صبيحة يوم الـ18 من فبراير 2011م حيث أوقفت الزمن وأناخت كارزمية التاريخ ووثقت أول خروج ثوري لأبناء هذه المحافظة الأبطال.. لم يكن أحد يتوقع أن أربع ساحات ثورية ستخرج من رحم محافظة بعيدة عن عمق العاصمة صنعاء.. محافظة متوارية عن أعين عدسات الإعلام والصحافة...

كانت البداية كالعادة عبر التواصل المستمر عل صفحات "الفيس بوك" ومواقع التواصل الاجتماعي وحدد مكان الانطلاق ووقته وموقع أداء صلاة الجمعة، لكن المفاجأة كانت أن "بلاطجة" المؤتمر وأنصار "صالح" كانوا قد احتلوا المكان وهم يحملون الهراوات والأسلحة النارية، لقد كان المكان بالتحديد هو أمام أستاد إب الرياضي وقد ظل فيه أنصار صالح عدة أشهر لكنهم لم يصمدوا حتى انفض المخيم بجرائم قتل وجرائم أخلاقية أخرى..

تولى الشاب أحمد الشريف مهمة تنسيق الموعد لانطلاق أول مسيرة تاريخية والذي كان من أشد الشباب حماساً للخروج، وكذلك الثائر عرفات حمران، حيث كان دوره في إعداد الشعارات الثورية الأولى التي كانت بمثابة طاقة كسرت في داخلنا نوازع الخوف، وأضيف إلى المجموعة المصور الرائع عصام الكمالي.. أتذكر بجلاء لحظات البداية الأرجوانية.. إنها تتراءى أمام ناظري... رتب لنا الثائر احمد الشريف أول لقاء، كنا جميعاً وزاد علينا الشاب الصغير ياسر البناء الذي ظل يراقب المخطط الأول لاندلاع فجر الحرية.. كان الهم الشاغل لنا كيف نحضر شباب "إب" للخروج المطلوب رغم الإمكانيات المتواضعة، إلا أننا نجحنا في عمل ذلك.. لقد استطعنا تحفيز الشباب للبدء في ثورة تجرف نظام الأسرة لمزبلة التاريخ.. للبداية قصص وحكايات لم تكن مرحة.. بالطبع.. كانت مريرة لكنها تحمل في طيها طعم سعادة الهدف وحلو بلوغ المرام.. أتذكر إشهار أحدهم مسدسه في وجه عرفات حمران مهدداً إياه بالقتل.. كنت بجواره أثناء قيام مدير مكتب رئيس المؤتمر في المحافظة بفعل ذلك، بل زاد المذكور على ذلك بأنه صوب فوهة بندقيته نحوي ونحو الشاب قائلاً : "نحن في إب ولسنا في صنعاء... عندنا ما به إلا قتل".. قالها بلهجته المحلية وعلق الرائع "عرفات" على الحادثة فيما بعد: "لقد كان هذا أول اختبار لي.. كان عندهم علم أنني أقوم بالتجهيز مع الشباب للخروج لذلك حاولوا استفزازي وإرهابي لكن هذا ما زادني إلا إصراراً على مواصلة المشوار"..

أعود لأذكر أن الشباب خرجوا في نفس ذلك اليوم الجمعة 18 فبراير ولكن إلى أمام مبنى السلطة المحلية "المحافظة" حيث شرعوا في أداء أول صلاة جمعة وصلّوا على شهداء الثورة الشبابية السلمية ورددوا عقب ذلك شعارات مزمجرة وهم متراصين في موقف مهيب وفي لحظات تاريخية هذه الشعارات: "يا علي يا خسيس.. دم اليمني مش رخيص.."، "إذا الشعب يوماً أراد ال حياة.. فلا بد أن يستجيب القدر"، "يا حمدي عود عود ... شعبك يقتل في الحدود"، ورفعوا وقتذاك صور وعبارات مكتوب عليها "نريد رئيس متعلم"، "ما يكفيك 33عام ارحل وريحنا"، لقد خطها الشباب بأيديهم.. وفي تلك الأثناء كان الشباب ينتظرون مجموعة شبابية أخرى كانت قد خرجت في نفس اللحظات من منطقة "مفرق جبلة" لكن الطريق كانت بعيدة وهو ما حدا بالشباب إلى إعلان موعد جديد للخروج حدوده في اليوم التالي.

اليوم التالي في الثورة واختيار ساحة الاعتصام

رغم التواصل الكثيف والمستمر على "الفيس بوك" إلا أن أمر إيجاد مكان مناسب ودائم للاعتصام كان أمر صعب وكان دائماً يواجه باحتلال بلاطجة "النظام". لقد كانوا يتربصون في جميع الأماكن التي نقرر الاعتصام فيها حتى تقرر أخيراً نقطة التموضع في "خليج سرت" الذي يقع في قلب المدينة وبجوار السوق المركزي كما كان يشكل ذلك المكان نقطة التقاء لجميع الشوارع في "إب". تحرك الشباب في حركة تمويهية صوب استاد إب الرياضي وواصلوا المشوار إلى نقطة الارتكاز حيث نصبوا الخيام في "خليج سرت" مما شكل ذلك القرار صدمة قوية لبلاطجة النظام وأنصار "صالح". وأضحى يوم الأحد 20/2/2011م هو اليوم التاريخي الذي نصبت فيه خيام ساحة الاعتصام في إب وإطلاق على ذلك المكان في حينه "خليج الحرية"، بعد ذلك وصلت الوفود الشبابية وشكلت اللجان وكان دور بعض الشباب جمع تبرعات من أجل نصب خيام أكثر... إنها لحظات لا تنسى.. لقد ترجح الشباب جل تفاصيل حياتهم وأعمالهم ودراساتهم واتجهوا نحو الساحة التي وجدوا فيها الحل الوحيد للتخلص من أوزار نظام جثم على صدورهم طويلاً...

يقول الصحفي "عادل عمر" الذي كان من الشباب الذين نظموا وجهزوا للخروج الأول: "إن الحديث عن لحظات الخروج الأول للتظاهر والمطالبة برحيل علي صالح وما صاحب تلك اللحظات من ترقب وتفاؤل يصعب وصفه إلا أنني ومن خلال مشاهدتي للشباب شعرت بالأمل الكبير وكأن شيء في أعماقي حينها يحضرني ويقول (استمر)" تحدث كثيراً "عادل عمر" وأسهب كانت لحظات دقيقة وحساسة سنفرد لها حلقات تذكارية في المستقبل.

مشاركة أبناء المديريات

كنا لا نزال في البداية وكانت مجموعة الخيام الموجودة في الساحة قليلة والمنصة كانت مهددة بالانهيار من وقت لآخر.. كان الدعم محدود جداً لكن مشاركة أحزاب المشترك أضافت نوعية للساحة حيث تم ترتيب الوضع وزادت الأعداد وتم رفد الساحة بكل ما يجعلها ساحة ثورية قوية، وبعدها مباشرة اكتض الآلاف من أبناء المديريات إلى عمق الساحة ونصبوا خيامهم وغصت الساحة بالجميع فعند زيارتها ستجد حتماً الحزبي المتعصب، والمستقل المجرد من الحزبية، ستشاهد الإسلامي، واليميني، واليساري، والقومي، والسلفي، والجميع موجود بكل الفئات والشرائح الاجتماعية.

منظمات في ركب الثورة

"هود" أول إسم يتبادر إلى قعر الذاكرة عند الحديث عن المنظمات المساندة للثورة في إب كانت هي أول منظمة أعلنت انضمامها للساحة وتبعتها على الفور رابطة الصحافيين في المحافظة –– التي كانت بمثابة الحاضن الوحيد للصحافيين والإعلاميين في المحافظة ودعت وقتها الرابطة إلى نقل فعالياتها بالساحة وتلتها نقابة المعلمين اليمنيين، والصيادلة، والعديد الذي لا يحصى من منظمات المجتمع اليمني وشخصيات بارزة لعل أبرزها الشيخ عبد العزيز الحبيشي مستشار رئيس الجمهورية وكذلك مشائخ المحافظة وأعضاء مجلس النواب والجميع شارك في صنع التاريخ لليمن الحديث...

اعتداءات متكررة... ومحافظ مفاجأة

رغم الحراك الثوري النشط في المحافظة إلا أن الاعتداءات ليست مهولة خاصة إذا قورن الوضع مع بقية المحافظات لكنها بالطبع لم تخرج خالية الوفاض وعزا مراقبين ذلك إلى بروز مواقف مشرفة من محافظ المحافظة القاضي احمد عبد الله الحجري الذي أدهش الجميع، هذا ويسجل التاريخ مشاركته لشباب الثورة إحدى جمعهم التي كانت تنتظر قوات الحرس الجمهوري لتحويلها إلى مذبحة لولا مشاركته وإخماده نار الفتنة.. كما هي الأمانة الصحفية ملزمة لنا جميعاً فإن المحافظ كان يفتح قنوات مباشرة للتواصل وحل إشكاليات تواجهها الثورة عن طريق قيادات اللقاء المشترك بالمحافظة، وهنا نستعرض أهم وأبرز الاعتداءات التي طالت الشباب والساحة:

1- أول اعتداء كان في 18/3/2011م وأصيب في الحادثة 18 جريح.

2- اعتداءات على معلمين معتصمين أمام مكتب التربية بالمحافظة مطالبين بحقوقهم ورواتبهم المنقطعة بسبب مساندتهم للثورة.

3- في 13/4 إصابة 34 طالب في اعتداء بلاطجة على طلاب جامعة إب كانوا يطالبون بإيقاف الدراسة.

4- في 27/3 اعتداء على مسيرة نسائية في منطقة المدينة القديمة نتج عنه إصابة 14 شاب وامرأتين.

5- في 6/3 إصابة 42 أثناء هجوم على ساحة الاعتصام.

6- في 25/4 إصابة 20 شاب في اعتداء بلاطجة على مسيرة شبابية.

7- في 13/5 سقوط 3 شهداء وعشرات الجرحى في اعتداءات قوات الحرس الجمهوري على شباب الثورة في جمعة الحسم بينهم شيخ الشهداء "العرومي".

8- في 7/7 الاعتداء على الساحة والذي سقط على إثره الشاب مياس المهلل ونجم عن ذلك الحادث المأساوي عشرات الإصابات.

شيخ الشهداء حكاية لا تنسى

لم تؤثر على الرجل السبعيني قهقهات الجنود وسخريتهم ومناداتهم له بالمجنون إزاء ترديده شعارات ثورية في شوارع المحافظة بل زادته تلك التصرفات إيماناً بمواصلة الدرب وكان له ما طلب. الحاج علي بن علي ناجي العرومي البالغ من العمر 73 عاماً استشهد في جمعة الحسم من قبل ميليشيات تابعة لصالح بعد ان كان الأكثر والأشد تعلقاً بساحة الحرية وقد سماه شباب الثورة بعد ذلك بـ "شيخ الشهداء".

مصورو الثورة

أعداء النظام السابق كثر لكن الأكثر عداوة أولئك الشباب الذين يحملون سلاح من نوع خاص، سلاح أرعب البلاطجة وفضح القتلة والمجرمين، إنه "الكاميرا" ومصورو الثورة الذين كان النظام بجعلهم أول مرمى في أهدافه وبعدهم الصحافيين، وقد قدم هؤلاء خدمة جبارة للثورة من خلال التوثيق والبث عبر الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية وأبرز أولئك الشباب "عصام الكمالي، سلمان سلام، محمد محروس، حمود صديق، محمد المعلمي، محمد الجحافي" وها أنذا أقلب في إرشيف المصور "محمد المعلمي" الذي كان حاضراً بقوة.. يقول "المعلمي": "بدأ مشواري في التصوير بالصور الفوتوغرافية بكاميرتي العادية لكنني كنت أرفع الفعاليات الثورية بعد تغطيتها بدقائق مما جعل صوري تنتشر في أغلب المواقع الإخبارية والصحف الورقية والقنوات الفضائية كسهيل والجزيرة مباشر و BBC .

كانت السعادة تغمرني عند رؤيتي للحشود المليونية المهولة في مسيرات "إب" وكنت أستمتع كثيراً عندما أشرع في تغطية المسيرات والأطفال يلتفوا حولي لتوثيقهم وتصويرهم وكنت أشعر بقمة السعادة عندما تبث القنوات الفضائية كالجزيرة وسهيل أعمال عبر شاشاتها.

لقد تأُثرت كثيراً عند تغطيتي لأحداث جمعة الكرامة التي تمر علينا الذكري الاولي للمجزرة ومازل القتلة خارج السجن اثناء ماكان الشباب يتساقطون جثث عندها لم أتمالك نفسي وأجهشت بالبكاء ولكني أصررت على مواصلة التغطية

المرأة والثورة في إب

فاجأت نساء "إب" الجميع في مساندتهن للثورة الشبابية بل إنه منذ الوهلة الأولى بدأن بإرسال الطعام والمال وتقديم الدعم المعنوي وقد شهدت الساحة مشاركة فاعلة لهن حتى أنهن تبرعن بالذهب والمجوهرات ومقتنيات ثمينة وشاركن بعمل أكبر مائدة طعام لساحة خليج الحرية بطول 250 متر ورغم أنهن لم يسلمن من بلاطجة النظام إلا أنهن شاركن بمسيرات عظيمة سطرن من خلالها دورهن التاريخي الكبير.

أخيراً

هذه حكاية قصيرة جداً جداً في مجلد الثورة العظيم... إنه اختزال تاريخي ذاتي لمنعطف تاريخي عملاق وفي الغد للحكاية فصول وفصول ولها أبطال ومشاهد مثيرة.. إنها الثورة العظيمة ننهل من فيضها ولن تجف أو تنضب.