الثورة في عين الحكومة !!
بقلم/ أحمد محمد عبدالغني
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 5 أيام
الأربعاء 21 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:13 م

Ahmdm75@yahoo.com

في إطار متابعة أول اجتماع لحكومة الوفاق الوطني بعد أداء اليمين الدستورية (السبت 10/12/2011م) وقف الناس يستمعون لمؤشرات ومبشرات هذه الحكومة التي تم تشكيلها في ضوء مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية.

في البداية تحدث الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي، ثم تبعه الاستاذ محمد سالم باسندوة رئيس الوزراء، وقام التلفزيون الرسمي بأخذ تصريحات صحفية لبعض الوزراء، حيث غلب على كلام الجميع اللغة الدبلوماسية المعتادة عن الوفاق وأهميته لحاضر ومستقبل الشعب اليمني.

لم يتحدثوا عن الثورة كعنوان رئيسي للتغيير، ولم يشيروا إليها كحدث فرض نفسه على واقع اليمنيين جميعاً، ولم يعيروا هذه الثورة اهتماماً في سياق ما يطرحوه، وكأنها لا تعنيهم، وكأن مجيئهم إلى هذه المواقع وتحملهم لهذه المسئولية لم يكن مرتبطاً بالثورة ولا للثورة أي دور أو علاقة تذكر. ولم يتحدثوا عن التغيير كضرورة ملحة فرضته السياسات الخاطئة للنظام السابق، وبالتالي أهمية العمل لاجتثاث الفساد بكل أشكاله وأنواعه كشرط أساسي ومقدمة لازمة لإحداث التغيير المنشود.

أما الصدمة الأخرى التي تلقاها الناس من بعض وزراء المعارضة تحديداً، فهي قيامهم بمنح نظرائهم السابقين المتهمين بالقتل أو التحريض عليه، حفلات توديع وأوسمة تكريم بصورة مستفزة لمشاعر الثوار والثائرات في كل ميادين وساحات الحرية والتغيير. فهذا العمل في حد ذاته بدا وكأنه شكل من أشكال الاستهانة بأرواح الشهداء ودماء الجرحى وعذابات المعوقين، ولم يجد المتابعون لهذه الخطوة من مبرر سوى أنها صك براءة قدمها من لا يملك إلى من لا يستحق.

وإذا كان أمراً جميلاً أن يتجه الجميع إلى الحديث عن التسامح والتصالح كضرورة أخلاقية لتصفية النفوس من الشحناء والبغضاء وزرع عوامل الثقة والاطمئنان بين مختلف شرائح المجتمع، فمن الغريب أن أي طرح يقدم لهؤلاء عن أهمية اجتثاث الفساد، يُقابل بالحديث عن أن هذه الحكومة ليست حكومة ثأر أو انتقام. ولا أدري ما دخل موضوع الثأر والانتقام بموضوع مكافحة الفساد سوى أن هذا الشعار يمكن أن يرفع مستقبلا كسيف مسلط في وجه كل من يطالب بالحقوق أو يبحث عن مظلمة أو يؤكد على ضرورة إجراء الإصلاحات الملحة.

وفي ظل هذه المؤشرات غير المطمئنة فإن التساؤل الذي يفرض نفسه ما هي أولويات حكومة الوفاق الوطني؟، وكيف ستتعامل هذه الحكومة مع أبرز القضايا الماثلة في واقع الحياة السياسية والاقتصادية والإدارية العامة.

- هل تستطيع هذه الحكومة أن تضع في أولوياتها، ولو على استحياء، العمل على تحقيق أهداف الثورة الشعبية السلمية في بناء دولة مدنية مؤسساتية حديثة؟ أم ستحاول مواصلة تجاهلها، وتعتبر أن الحديث عن تحقيق أهداف الثورة هو شطط شبابي، لأنه يمثل صورة من صور الانتقام الذي لا يجوز البحث فيه مراعاة للمشاعر والأحاسيس؟

- ثم ما هي رؤية الحكومة لموضوع إرساء قواعد النظام والقانون وترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية؟ وكيف ستعمل على إعادة الاعتبار لكل من شملهم ظلم النظام السابق، سواء في الجانب الوظيفي أو الجانب الحقوقي العام والخاص؟.

- وأخيراً ما هي القواعد التنفيذية التي ستعتمدها الحكومة للالتزام الفوري بمعايير الحكم الرشيد وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان؟ وذلك في ضوء المحددات التي أكدت عليها الآلية التنفيذية وقرارات مجلس الأمن ومجلس حقوق الانسان، والأعراف والمواثيق الدولية ذات الصلة.

وبالتأكيد فإن الإجابة على مثل تلك التساؤلات وغيرها، تظل من اختصاص الحكومة نفسها، وهي إجابات لم يعد مقبول فيها ومنها الصياغات اللغوية المنمقة، وأساليب الحذلقة والمراوغة السياسية التي كانت سائدة فيما سبق.

ولم يعد مقبولاً أن تقدم الحكومة – أية حكومة – مصفوفة من الوعود والأمنيات والأحلام الوردية التي تملأ صفحات البرامج والخطط والاستراتيجيات النظرية. فالناس اليوم غير مستعدين لسماع الأقوال والخطب الرنانة، ولكنهم يريدون فقط أن يروا أمام أعينهم أفعالاً حقيقية تلامس همومهم وحاجاتهم، ويريدون أيضاً أن يروا انجازات تبني حاضرهم وتصنع مستقبل أجيالهم.

وهنا ستظل جذوة الثورة هي المحرك والدافع والحارس الأمين حتى وإن حاول البعض التواري أو المواربة.