آخر الاخبار

سعر ثابت للسعودي والدولار مقابل الريال اليمني ..تعميم ملزم لكافة شركات ومنشآت الصرافة ألمانيا تبلغ قبل نهائي بطولة أوروبا للسيدات بفوزها على فرنسا بركلات الترجيح قطاع غزة يقترب من مرحلة الموت الجماعي.. وإسرائيل تمارس سياسة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين المقاومة الفلسطينية تتوعد العملاء والعصابات في غزة بالمحاكمة تمهيداً للقصاص وسط صمت دولي وخذلان عربي .. مجزرة إسرائيلية جديدة بحق منتظري المساعدات في قطاع غزة آلاف المواطنين في مأرب ينفذون وقفة غضب تضامناً مع غزة وتنديداً بسياسة التجويع الإسرائيلية الإجرام الحوثي يطارد ما تبقى من صحفيين وكتاب في صنعاء .. تقرير حقوقي يوثق فضائع مليشيا الحوثي نقابة أكاديميي جامعة إقليم سبأ تطالب بألف دولار كحد أدنى للرواتب وإنقاذ العملة أشهر المنصات في واشنطن تفتح أبوابها للمليشيا الحوثية في تجارة الأسلحة الأمريكية والإتجار في تهريبها وسط تجاهل رقابي واسع .. كانت في أزرار ملابس نسائية.. واشنطن تشيد بنجاح الحكومة اليمنية في ضبط كمية كبيرة من المخدرات بمنفذ الوديعة

هل خرجت الشعوب العربية من قبضة الحكومات؟
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: أسبوعين و 3 ساعات
الأحد 06 يوليو-تموز 2025 06:14 م
      

استطاعت الأنظمة العربية منذ الاستقلال المزعوم السيطرة على الشعوب على كل الأصعدة تقريباً، لأنها صادرت كل السلطات وأحكمت قبضتها عليها بحيث بات كل شيء تحت إمرتها.

لقد كانت الدولة العربية، وخاصة الديكتاتوريات العسكرية والجمهورية، تتحكم بالإعلام والتربية والتعليم والثقافة والاجتماع وكانت حتى الآمر الناهي في المؤسسة الدينية. وللتذكير سريعاً، فقد كانت كل الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون تأتمر بأوامر وزارات الإعلام التي كانت مجرد عبد مأمور لدى أجهزة الأمن والمخابرات. وكلنا يعرف في بلد مثل سوريا (الأسد) كيف كان وزير الإعلام وكل المسؤولين الإعلاميين مجرد مخبرين لهذا الفرع الأمني أو ذاك، ولا أحد يستطيع أن يخرج عن الخط المخابراتي في إدارة المؤسسات الإعلامية، وبالتالي فقد كانت وسائل الإعلام أشبه بسوط يستخدمه الجلاد الأمني لتطويع المجتمع وتوجيهه وتربيته على خط أحادي في خدمة الدولة والديكتاتور. وبالرغم من أن النهج الإعلامي في الديكتاتوريات كان مفروضاً بالحديد والنار على الشعوب، فإنه مع ذلك فعل فعله، ونجح إلى حد بعيد في إخضاع الشعوب وتدجينها وجعلها تردد ببغائياً كل ما تتلقاه من الأبواق الإعلامية الرسمية. ونحن أبناء جيل الستينيات من القرن الماضي مثال ساطع على ما نقول، فبالرغم من أننا تثقفنا وتعلمنا وبحثنا ودرسنا، إلا أننا مازلنا في أعماق أعماقنا متضررين من ذلك النظام الإعلامي الأمني الذي تربينا عليه على مدى عقود، فطريقة التفكير التي زرعها أصبحت جزءاً من شخصية الشعوب وتفكيرها شئنا أم أبينا. صحيح أننا اليوم نكتب عنها بسخرية وتهكم ونهاجمها، لكنها مازالت تقبع في أذهاننا وتظهر في الكثير من تصرفاتنا اللاشعورية.

وحدث ولا حرج عن النظام التربوي والتعليمي الذي يقوم على التلقين والإخضاع والفرض، فقد كان مصمماً بطريقة تعمل على تدجين العقول وترويضها وإرهابها، بدءاً بالمعلم «الديكتاتور» وانتهاء بالمناهج المؤدلجة. لم نتعلم من المدارس سوى الطاعة العمياء والخوف والمداراة، والانصياع للدولة، والنظام القائم، والمجتمع. ولا ننسى أن النظام التعليمي كان يقوم بالدرجة الأولى على الحفظ وليس التفكير والبحث، وقد كان التلميذ الأفضل هو الذي يحفظ كل شيء عن ظهر قلب دون تدقيق أو تمحيص أو مساءلة. لم يكن مسموحاً لأحد أن يخرج عن الطوق أو السرب، فثقافتنا كانت مبينة على مبدأ: احفظ واخرس، والويل لمن يبدأ بالتفكير خارج الصندوق أو القطيع.

النظام الديني بدوره كان مؤمماً لصالح الديكتاتوريات، فهي التي تقوم بتعيين المفتين والواعظين والأئمة الذين يتحكمون بعقول الشعب لصالح الدولة. ولعلكم لاحظتم أن كل مفتي يكون عادة صدى للنظام الذي عيّنه، فإذا كان النظام مثلاً يدعي العلمانية كالنظام السوري الساقط، فإن المفتي كأحمد حسون كان يزايد على العلمانيين والليبراليين، وكان أقرب للماركسيين منه إلى الإسلاميين، فهو يستطيع أن يغلف أي فكرة يريدها النظام بغلاف ديني، حتى لو كانت من بنات أفكار سبينوزا أو لينين. باختصار، فإن المؤسسة الدينية فعلت أيضاً فعلها بالمجتمع وأدلجته وقولبته حسب النظرة الرسمية.

أما الأسرة فكانت نفسها صناعة النظام، فهي تطبق وتنفذ كل المطلوب مع أبنائها داخل المنزل بناء على التوجيه الذي تلقته في المدرسة والجامع والإعلام، فمهما حاول البعض الخروج عن التقليد داخل العائلة، فهو يبقى محاصراً ومنبوذاً إذا تمرد على العادات والتقاليد المفروضة.

 

كل نظام ينتج المجتمع الذي يشبهه. لكن هل بدأت الأنظمة تفقد سيطرتها على المجتمعات يا ترى في عصر السماوات المفتوحة، ومواقع التواصل والاتصال؟

 

باختصار، فإن المجتمعات العربية التي تربت على أيدي الأنظمة الحاكمة منذ ما يسمى بالاستقلال هي نتاج الأجهزة التعليمية والتربوية والدينية والاجتماعية والإعلامية لتلك الأنظمة. نحن باختصار ضحايا أو شعوب مسيّرة لا مخيّرة، فكل نظام ينتج المجتمع الذي يشبهه. لكن هل بدأت الأنظمة تفقد سيطرتها على المجتمعات يا ترى في عصر السماوات المفتوحة، والطوفان الإعلامي، ومواقع التواصل، والاتصال؟ هل خرجت الشعوب من قبضة الأنظمة التعليمية والتربوية، والدينية، والاجتماعية، والإعلامية؟ الجواب بالتأكيد فإن الشعوب لن تكون عجينة طيعة بأيدي الحكومات كما كانت في الماضي. ما مدى تأثير وسائل الإعلام الرسمية اليوم على الناس يا ترى؟ هل مازالوا يتابعونها أصلاً أم أصبحت مهجورة، ومنبوذة، ومحط سخرية، وتهكم؟

كم عدد الذين يتابعون الأخبار اليوم من الإعلام الرسمي؟ ألم تصبح مواقع التواصل أقوى من وسائل الإعلام التقليدية حتى في البلدان الديمقراطية، فما بالك بالأنظمة الديكتاتورية التي تعاني من عزلة إعلامية قبل الثورة الإعلامية أصلاً؟ ألم تصبح مواقع التواصل أيضاً أقوى من البرلمانات ومجالس الشعب المزعومة؟ ألم يصبح الكل ناشراً في هذا العصر؟ ألا تلاحق سياط الشعوب على مواقع التواصل كل المسؤولين في أي دولة؟ ألم تصبح الدولة بكل مؤسساتها تحت الأضواء ليل نهار بفضل الإعلام المفتوح للجميع؟

هل تستطيع اليوم أن تمنع أولادك من امتلاك أجهزة موبايل ليتواصلوا ويتفاعلوا مع العالم أجمع في عصر العولمة؟ هل يمكن أن تمنعهم من التعرف على عادات وتقاليد ومفاهيم جديدة غريبة بعد أن كنا في الماضي أسرى للإعلام الواحد الذي لا يُريكم إلا ما يرى؟ لقد أصبحت الشعوب حرة حتى في اختيار عقائدها، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك اليوم نسبة كبيرة من الملحدين أو اللاأدريين في بلادنا، لأن المؤسسات التوجيهية فقدت أنيابها ولم تعد قادرة على التحكم بالناس والمجتمعات.

وللأمانة، فهذا لا ينطبق فقط على الديكتاتوريات العربية، بل ينسحب أيضاً على الديمقراطيات التي أيضاً خسرت الكثير من سلطاتها على الشعوب رغم أن مؤسساتها الإعلامية والتربوية والاجتماعية أكثر حرية وانفتاحاً من مجتمعاتنا المغلقة.

لا شك أن الخروج من تحت ربقة الأنظمة الشمولية أمر إيجابي جداً، لكن أيضاً فإن غياب التحكم بالمجتمعات كلياً ليس إيجابياً تماماً.

ما العمل؟ صحيح أن السيطرة على الأبناء لم تعد يسيرة أبداً، لكن مع ذلك، فلا بد لكل أسرة أن تضع قيوداً معينة على أفرادها لا بالطريقة الديكتاتورية القديمة، بل بما يتناسب مع المجتمعات الجديدة، فالديكتاتورية التقليدية بالتأكيد ممقوتة، لكن الفلتان الشامل مرعب أيضاً، ويجب ألا يكون سيد الموقف. فكيف نطبق إذاً المثل الشعبي: لا يموت الذيب ولا يفنى الغنم