هل ستنجح روسيا في تدمير الغرب وتفكيكه
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: 3 سنوات و 5 أشهر و 22 يوماً
الأحد 04 أكتوبر-تشرين الأول 2020 07:14 م
 

قد تبدو روسيا في رأي الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بأنها مجرد قوة إقليمية غير جديرة بالمنافسة، وبأنها مهما حاولت إظهار عضلاتها فهي تبقى تحت السيطرة الأمريكية، خاصة وأن دولة صغيرة جداً ككوريا الجنوبية أقوى من روسيا اقتصادياً، مع العلم أن مساحة كوريا لا تساوي منطقة صغيرة من مساحة روسيا التي تعتبر الأكبر عالمياً.

للعلم، فإن روسيا تمتلك سبعة عشر مليوناً ومائة ألف كيلو متر مربع من الأرض، بينما لا تمتلك كوريا سوى مائة ألف كيلو متر ونيف من المساحة. لكن على ضعفها الاقتصادي، فإن روسيا التي ما زالت تحصر نفسها في دائرة التصنيع العسكري، تحاول بشتى الطرق الملتوية أن تثأر من الغرب، وخاصة من أمريكا، لا سيما وأن الأمريكيين لعبوا دوراً محورياً في تفكيك الاتحاد السوفياتي وتدمير المنظومة الشيوعية التي كانت تسيطر على نصف العالم،

وكانت تشكل التهديد الأول للغرب عسكرياً وأيديولوجياً. ربما قد تتفاجأ عندما تسمع محللين وباحثين على قد كبير من المعرفة والاطلاع وهم يتهمون روسيا بأنها تحاول الآن تفتيت الغرب الأوروبي والأمريكي وتدمير الديمقراطيات الغربية بنفس الطريقة التي فتت فيها أمريكا الاتحاد السوفياتي. ويقارن كثيرون الآن بين ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس سوفياتي وبين دونالد ترامب الرئيس الأمريكي.

روسيا تعمل جاهدة على تقوية الأحزاب اليمينية الأوروبية ودعمها لضرب الديمقراطيات الغربية وإحداث صراعات وخلل اجتماعي وسياسي وحزبي داخل أوروبا ولا شك أننا نتذكر كيف دق غورباتشوف المسمار الأخير في نعش المنظومة السوفياتية من خلال برنامجه السياسي الشهير الذي صفق له الغرب وقتها والقائم على «البيروسترويكا» و»الغلاسنست» أي التفكيك وإعادة التركيب والانفتاح. وعلى عكس كل الزعماء السوفيات الذين سبقوه، فقد حظي غورباتشوف باهتمام غربي منقطع النظير، لا بل إن رئيسة الوزراء البريطانية وقتها مارغريت ثاتشر استقبلته استقبالاً حاراً ووصفته بأنه الزعيم السوفياتي الذي يمكن أن نعمل معه ونعقد الصفقات.

ولا شك أن ثاتشر كانت تعمل ضمن المخطط الأمريكي طويل الأمد الهادف إلى تفكيك وتدمير الإمبراطورية السوفياتية. وقد نجح الغرب بأذرعه الإعلامية والسياسية والأمنية والاقتصادية في ضرب الاتحاد السوفياتي عبر غورباتشوف وتحويله إلى دولة عصابات ومافيات لسنوات وسنوات حتى جاء بوتين ليعيد لروسيا بعض التماسك والقوة، مع التركيز في الآن ذاته على أن الاتحاد السوفياتي كان في زمن غورباتشوف جاهزاً للانهيار بعد أن نخره الفساد والاستبداد وسوء الإدارة. ويبدو أن الروس لم يغيروا عقيدتهم المعادية للغرب رغم أن روسيا تحولت إلى النظام الرأسمالي وأصبحت تسبح في المدار المالي والاقتصادي الغربي.

ولو قارنت التغطية الإعلامية الروسية للشؤون الغربية اليوم بالتغطية السوفياتية سابقاً لما وجدت فرقاً كبيراً. مازالت روسيا تنظر للغرب كعدو مبين، ومازالت تعمل على الانتقام. ويبدو أن الرئيس السوفياتي الحالي بوتين قد رسم خطة جهنمية للثأر من الغرب. هل تعلم أن أكبر حليف وداعم للأحزاب الفاشية المتطرفة في أوروبا الآن هو بوتين؟ هل تعلم أن روسيا تعمل جاهدة على تقوية الأحزاب اليمينية الأوروبية ودعمها لضرب الديمقراطيات الغربية وإحداث صراعات وخلل اجتماعي وسياسي وحزبي داخل أوروبا؟ انظر إلى أي حزب يميني فاشي في أوروبا ستجد أن قادته من أصدقاء بوتين. وهذه الأحزاب لم تعد هامشية، بل تلعب دوراً خطيراً، وخاصة في بريطانيا. وقد وصفت الأوساط البريطانية ذات يوم روسيا بأنها باتت تشكل أكبر خطر على الأمن القومي البريطاني.

وهناك من يرى أن روسيا لعبت دوراً شيطانياً في إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبر الأحزاب والنشطاء المتطرفين، وطبعاً عبر التلاعب بنتائج التصويت، التي أصبحت روسيا بارعة جداً فيها. ولا ننسى أن الأمريكيين أنفسهم وجهوا أصابع الاتهام لروسيا واتهموها بالتلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أوصلت ترامب إلى البيت الأبيض. وما زال التحقيق جارياً في هذا الأمر على أعلى المستويات في أمريكا. ولا ننسى العلاقة المشبوهة بين ترامب وبوتين بشكل خاص، حيث يعمل الروس منذ زمن بعيد على إيصال غورباتشوف أمريكي إلى سدة الحكم في أمريكا كي يدمر الاتحاد الأمريكي كما دمر غورباتشوف الروسي الاتحاد السوفياتي.

وهناك من يرى بأن الروس وجدوا ضالتهم في الرئيس الأمريكي الحالي ترامب الذي يعتبر الرئيس الأمريكي المفضل بالنسبة لموسكو، وهو على ما يبدو سيغير وجه أمريكا وربما تركيبتها إلى الأبد، كما أنه مرشح للفوز مرة ثانية رغم كل كوارثه السياسية والاقتصادية والصحية، وذلك بفضل الحليف الروسي الذي يتوقع أن يلعب بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة كما لعب في سابقتها. وإذا كان الروس فعلاً لهم دور ما في تفكيك الاتحاد الأوروبي، فإنهم بدأوا ينجحون تدريجياً من خلال إخراج بريطانيا من الاتحاد، ولا شك أن المسبحة الأوروبية كلها ستفرط لاحقاً. ولو فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، ستختفي أمريكا التي كنا نعرفها. وما يفعله ترامب حتى الآن يشير إلى أن أمريكا القديمة في طريقها إلى الاندثار ربما على الطريقة السوفياتية. هل يدخل ترامب التاريخ فعلاً كغورباتشوف أمريكا بتخطيط ودعم روسيين؟ أم إن روسيا تبقى مجرد مشاغب صغير على الساحة الدولية لا يخطو خطوة واحدة في أي مكان دون ضوء أخضر أمريكي؟ لننتظر ونرى. كاتب واعلامي سوري