وسائل الطواغيت للسيطرة على شعوبهم !!
بقلم/ د شوقي القاضي
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 20 يوماً
الخميس 07 إبريل-نيسان 2011 05:08 م

•عندما توافق كسوفُ الشمس مع وفاة إبراهيم ابن رسول الله محمد صلى الله وسلَّم عليه وآله وصحبه ـ الرضيع الذي لم يتعدى العامين من عمره ـ قال قومٌ من عوامِ الناس‏:"‏ إنَّ الشمسَ انكسفت لموته " ، وتأتي مقولتهم هذه منسجمة مع ذهنية المواطن المأسور ونظرته لولي العهد وصاحب السمو ، الأمير الذي ربما توكل إليه مقاليد البلد ، حتى وهو رضيع أو طفل يحبو على النمارق والمفارش الملكية ، طبعاً بعد موت أبيه الملك ، بعد عمر طويل إن شاء الله ، لكنَّ رسولُ الله صلى الله وسلَّم عليه وآله وصحبه سارع إلى تصحيح معتقدهم وتصويب تفكيرهم والسمو بتصوراتهم عن الحياة والأحياء بقوله:‏" ‏إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللهِ ، لا يخسفان لموتِ أحدٍ ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك ، فافزعوا إلى ذكرِ اللهِ والصلاة ‏"‏‏.‏ موقف عظيم من نبيٍّ وقائد عظيم لا يرغب في أن يصنع الناس له هالةً من خرافة أو وَهْم ، ويعلنها لهم بحزم " إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللهِ ، لا يخسفان لموتِ أحدٍ ولا لحياته " ، وقال للأعرابي الذي ارتعد رهبةً منه صلى الله وسلَّم عليه وآله وصحبه:" هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ " ، ونهى أصحابه عن المبالغة في مدحه بقوله صلى الله وسلَّم عليه وآله وصحبه:" لا تُطْرُوني كما أطْرَت اليهودُ والنصارى أنبياءَهم ، إنَّما أنا عبدٌ فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه " ، إنَّه المنهج النبوي العظيم في الرفض القاطع لصناعة الوهم وتزييف الوعي واستخدام الخرافة والدجل والشعوذة ، ولو كانت نتيجتها لصالح الحاكم وتعظيمه ، وفي ذلك مصلحة لصالح الوطن وهيبته كما يروِّج له بعض الواهمين.

•إن للطواغيت في سبيل البقاء والديمومة على كراسي حكم شعوبهم وسائل وأساليب متعددة ومتنوعة ، ومن ذلك العيش على الخرافة وصناعة الوهم والهالة والتعظيم ، ولقد كان إمام اليمن قبل الثورة ـ كما يقولون ـ يًرَبِّط الجِّن والعفاريت عندما يغضبوه ، ولما أمر الناس بأن يطلوا أنفسهم بالقطران سارع الناس لتنفيذ ذلك دون تردد أو سؤال ، وقصص هالات وخرافات وأساطير الزعماء والحكام كثيرة ، تتنوع حسب الزمان والمكان ومستويات ثقافة وتعليم شعوبهم وطول فترة حكم زعمائهم ، ولم تنقطع هذه السياسة في اليمن بعد الثورة بل استمرت فيما بعد ، حتى وصل الحال ببعض زملائنا من أعضاء مجلس النواب يوم ترشيح رئيس الجمهورية إلى الخوف من أن يعلم ( الرئيس ) بمن اختاروه وأشَّروا عليه وراء ستارة الاقتراع !! ولن أنسى ـ في هذا المقام ـ موقف ( والدة أحد أصدقائنا ) التي توجهت لترشيح صاحب الذكر الحسن رمز النزاهة ( فيصل بن شملان ) فلما أمسكت القلم ارتعدت وخافت وأشَّرت لصالح

( علي عبد الله صالح ) هكذا فاجأت ولدها جميل وهي تحكي له الحقيقة.

•يساعدهم في صناعة هذا الوهم والهالة والتعظيم الخرافي انتهازيون وصوليون ومرتزقة من الشعراء والخطباء والصحافيين والسَّاسة والوجاهات ، يقود ذلك كله الإعلام الرسمي والمتزلِّف الذي يسخِّره الحاكم ومرتزقته لتمجيده والتسبيح بحمده ، وما نشرات الأخبار المملَّة [ التي دخل فيها الرئيس وخرج ، واستقبل وودَّع ، وأبرق واتصل ، وقاد السيارة ولوَّح بيديه ، وافتتح وقصَّ الشريط ، وخلع الجاكت ولبسه و ... ] إلا جزء من سيناريو مُعَد بعناية حتى يبقى الزعيم ـ بثقل دمه ـ جاثماً على صدورنا ومُصَدِّعاً لرؤوسنا وذاكرتنا ، لا يفارقنا في حِلِّنا وترحالنا ، وفي يقظتنا وكابوساً في أحلام منامنا ، حتى وصل هذا التمجيد وصناعة الوهم ، ما يتذكره المتابعون في شطر البيت الشعرية التي قالها أحدهم:" عليٌّ .. لولاك لما كان للحياة وجود " والعبارة التي كُتِبَت في مدخل مدينة عدن " عليٌّ .. قبلك عدم ، وبعدك ندم " وغيرها .. وغيرها كثير ، ويندرج في ذلك الكمَّ الهائل من صور الزعيم ـ بأحجامها المختلفة ـ المعلَّقة في كل مكان بِدءاً بالشوارع والمباني والمؤسسات ومداخل المدن وانتهاءً بمكاتب القطاع الخاص والمتاجر والمطاعم وبأوامر وتوجيهات أمنية وبلدية ، ورئاسية كمان إذا لزم الأمر ، ويتسابق الوزراء ورؤساء ومديرو الهيئات والمصالح الحكومية والمختلطة إلى تهنئة الزعيم بكل مناسبة ـ أو حتى بلا مناسبة ـ على صفحات الجرائد الملونة مقابل عشرات الآلاف من الريالات اليمنية ، وإن لزم الأمر فبالعملة الأجنبية ، وعلى نفقة الجهة ورصيدها في الموازنة العامة التي تعاني من عجز دائم ، ومن أموال الشعب الغلبان الذي يعاني من الفقر والبطالة وغياب التنمية وتدهور أوضاعه المعيشية والاقتصادية ، لكن ذلك لا يهم ما دام صاحب الفخامة سعيداً بهذه المناسبة وراضياً عن مسؤول هذه المؤسسة.

•وينخرط في زفَّة التعظيم لصاحب الفخامة ـ وبطل النصر والسلام وصانع المنجزات ومحقق المعجزات وفارس العرب ومن أتى بما لم تستطعه الأوائل ـ أفراد المجتمع الذي يصنع رأيه الإعلام المزيف ، ويبلغ الأمر منتهاه عندما تنقل لنا الفضائية اليمنية أن مواطناً انتحر عندما علِمَ أن فخامته سيقدم استقالته ، وبعيداً عن التصديق والتكذيب ، يبقى أثر التضليل والخرافة التي نُسِجَت للحاكم والرئيس حاضرةً ، وبنسب متفاوتة مرتبطة بدرجة التعليم وانتشار الوعي ، ولا غرابة حين تسمع أحدهم يقول مفجوعاً :" إذا ذهب الزعيم منَ سيحكمنا ؟! " نعم قد يقولها مرتزقة مدسوسون بين الناس لترسيخ هذه الخرافات ، ولكن لا تستبعدوا أن يقولها مواطن بريء ترسَّخت في ذهنه الخرافة فاعتقد أن " الشمس كسفت لموت إبراهيم " ، وأن " عليٌٌّ .. قبله عدم ، وبعده ندم ".

•ثاني وسائل الطواغيت للسيطرة على شعوبهم تكريس السلطة المطلقة وممارستها حتى على مستويات دنيا من الهيمنة والسيطرة والاستحواذ ، فالرئيس هو رئيس الجمهورية ، وهو رئيس السلطة التنفيذية ، وقائد القوات المسلحة ، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء ، ورئيس استراتيجية محو الأمية ، وهو صاحب القرار الحقيقي على وزارة النفط والمالية والداخلية والخارجية ، وهو صاحب الفصل في قرار هيئات المزايدات والمناقصات ، والمتصرف الأوحد في المشروعات الكبيرة ، والمحدِّد الذي لا شريك له على من ترسو مقاولاتها ، والشريك الأهم في مشاريع الاستثمار ، ويبقى مسؤولو الأجهزة والمؤسسات في نظام الزعيم ( كمبارس ) يرقصون على معزوفته ، ويخطبون ودَّه ، ويشترون رضاه ، وموظفين لدى شركته الخاصة لا يقدمون ولا يؤخرون إلا بتوجيهه وأوامره ، فلا صلاحيات لهم إلا ديكوراً يبقيهم أمام الآخرين أصناماً بلا روح ، خاصة تلك المواقع الحساسة والأجهزة المفصلية ومنها البرلمانات ومجالس الشورى وأجهزة الرقابة والمحاسبة والنيابة العامة وأجهزة القضاء ووزارات المالية والنفط وغيرها ، وقد قيل (السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ) ، والمتتبع لمسيرة الرئيس علي عبد الله صالح يجد هذه الوسيلة ظاهرة وجليَّة ، ولا يستطيع أحد من المقربين له أن ينكرها ، ومن مظاهر السلطة المطلقة ولوازمها يجمع الرئيس بين مكونات الهيمنة والتأثير الكبرى [ السلطة والمال والإعلام والجيش والأمن ] حتى توزيع الجاه والمشيخات تخضع لسياسة النظام الذي يمكن له أن يهبها لمن يشاء وينزعها عمن يشاء.

•ثالثها: اتِّباع سياسة فَرِّقْ تَسُدْ بين مكونات المجتمع وفئاته وطوائفه وأحزابه ومؤسساته ، وهي السياسة الفرعونية التي أشارت إليها الآية الحكيمة في قول الله تبارك وتعالى:{ إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } 4 القصص. ولقد عاشت مكونات مجتمعنا أسيرة رهن هذه السياسة ، وتقاطعت فئاتنا وأحزابنا وجماعاتنا ومذاهبنا وتدابرت ، بل وتآمرت على بعضها ، وكلما أُكِلَ منها ثورٌ صرخ الذي يليه ( أُكِلْتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيض ) وهكذا دواليك ، فلا الثيران استوعبت الدرس ، ولا الوحش توقف عن سياسته في التفريق والتحريش بينها لافتراسها ، بل وصلت سياسة فَرِّقْ تَسُدْ إلى التفريق بين الأشخاص في الوزارة الواحدة والمؤسسة الواحدة والبيت الواحد ، ولقد عانت بعض مجتمعاتنا ـ في محيط أمتنا العربية والإسلامية ـ من فَقْدَ الثقةِ بين الأسرة الواحدة ، فالأب يخاف من ابنه ، والأخ من أخيه ، والشريك من شريكه ، والزوج من زوجته ، قاتلهم الله { يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } ، ولم تقف سياسة تحريش الزعيم فقط بين الأحزاب السياسية والمكونات الفكرية ، وإنما تعدتها إلى إثارة الفتن والاحتراب بين القبائل والطوائف والمناطق ، مما أدخلها في ثارات ونزاعات يذهب ضحيتها سنوياً آلاف البشر ، وملايين الريالات ، وتعطلت بها التنمية ومشاريع الاستثمارات ، وتوقف بسببها التعليم والدراسة ، ولأن ( المخرج عايز كده ) فشلت كل محاولات وبرامج وقف الثأر والحد من آثاره في اليمن.

•رابعها: انهيار القيم المُوَجِّهة المتمثلة بالشجاعة والشفافية والصدق والأمانة والنزاهة ، فيعمل الحاكم المستبد على ترسيخ ثقافة النفاق والكذب ونشر سلوك الفساد وممارسته في المجتمع ومؤسسات الدولة على أوسع نطاق ، وأصبحت السمة الغالبة لـ ( أغلب ) المقربين والمصطفين لنظام ( الرئيس ) الذي لم تشهد فترته حالة واحدة من محاكمة المفسدين رغم الاعتراف الصارخ من الرئيس وحتى أصغر موظف بكثرة الفساد وتغوُّل المفسدين وعبثهم وللتذكير العودة لتقرير ( هلال ـ باصرة ) ، وتقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، وهيئة مكافحة الفساد ، وتقرير لجنة البرلمان بشأن نهب أراضي الحديدة ، وتصريح النائب عبد ربه هادي منصور عن مهربي النفط الذي لوَّح بالكشف عنهم وأن عددهم لا يتجاوز أصابع اليدين ، فما هي القوة الجبارة والركن الشديد الذي يحتمي به الفاسدون المفسدون ؟! إنها سياسة النظام ومنهجه وحمايته ، والأدهى والأمَر أن الفاسد إذا زاد شاكوه وقَلَّ شاكروه ، وتَعَفَّنَت ممارساته الفاسدة ، كلما زادت حظوته لدى رأس النظام ، وكلما حماه من أي إجراء ، وربما ينقله من موقع إلى آخر ، إذا أراد أن يذرَّ الرماد على العيون ، وبالإمكان الرجوع إلى الحالات التي لاحقتها المجالس المحلية فباءت بالفشل أمام تعنت وتدخل الرئيس شخصياً لحماية هذه الحالات.