حديث الهوية والإصلاح
بقلم/ باسم الشعبي
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 10 أيام
السبت 12 فبراير-شباط 2011 11:13 م

يبدي البعض قلقه من طغيان الهويات الصغيرة على الهوية الجامعة في ظل تنامي نزعة التعصب والتمنطق في بلادنا والناتجة عن أسباب عديدة لم يتم إصلاحها والتوقف أمامها بمسؤولية باعتبارها أخطاء فردية لا ضرر منها فأصبحنا فجأة محاصرين بنتائجها الكارثية المدمرة.

هذا يكشف أن الدولة التي تلبي تطلعات أبنائها على اختلاف انتماءاتهم وميولهم وألوانهم غير موجودة في الأساس وبالتالي يصبح النزوع نحو الهويات الصغيرة أمر لا مفر منه لدى البعض الذي يسعى للبحث عن ذاته الغائبة والمغيبة بفعل الإقصاء والتفرد.

لقد عجزت الأداة (السلطة) التي تدير الدولة عن إنتاج الأسباب الكفيلة باستمرارها موحدة في ظل هوية واحدة ولما أحست أن الهوية الجامعة أضحت مهددة وظفت أدوات غير عصرية وعبثية في محاولة للدفاع عنها فتوسعت الفجوة بصورة أكبر.

تسأل أحد الزملاء عن سبب تأخر نزول الأرقام الموحدة للسيارات شاكيا من الممارسات الخاطئة التي تحدث في عدد من المحافظات الجنوبية ومنها عدن تجاه السيارات التي تحمل الأرقام (1،2) تحديدا معتبرا السكوت عن ذلك أمرا خطيرا يعزز نزعة المناطقية والكراهية في ظل غياب الحلول الناجعة من قبل السلطة.. وفي الحقيقة أجد نفسي هنا متضامنا مع الزميل داعيا الجهات المسئولة بالإسراع في إنزال الأرقام الموحدة لعل وعسى أن تساهم في حل هذه المشكلة أو الحد منها.

تحدث أيضا أحد الزملاء عن ضرورة أيجاد بطاقات هوية (شخصية أو عائلية) موحدة تحمل أسم البلد الذي ينتمي إليها صاحب البطاقة وهي (اليمن) دون الإشارة إلى اسم المنطقة أو المحافظة التي ينتمي إليها صاحب البطاقة على أن يتم الاحتفاظ بالمعلومات كاملة في ملف خاص لدى الجهات المختصة يتم العودة إليه وقت الضرورة عبر الرقم الشخصي أو رقم سري في حال تشابهت الأسماء. الهدف من ذلك هو أن تستقيم معاملات الناس وتعاملاتهم مع بعضهم بناء على انتماءهم لهوية واحدة كبيرة ومشتركة وليس إلى هويات محلية وعصبية صغيرة بالإضافة إلى أن يكون الاختيار في الوظيفة العامة بناء على الكفاءة والقدرة وليس على الانتماء المناطقي والقبلي.

وإذا ما اعتبرنا ذلك أمرا جيدا لتعزيز الانتماء لبلد واحد أسمه اليمن لأنه في الأول والأخير يبقى هو القاسم المشترك بين كل المختلفين والمتخاصمين, وهذا ما يؤكده منطق العقل وليس منطق القوة مهما حاول البعض الهروب منه أو إنكاره على الآخرين. لكن هل يكفي ذلك لحل المشاكل التي تعاني منها البلاد بامتداد الجغرافيا شمالا وجنوبا؟ في تقديري الوضع الراهن يقتضي القيام بخطوات إصلاحية واسعة وسريعة لتجنيب البلاد الدخول في الفوضى وما يدفع إلى تعقيد الأوضاع أكثر مما هي عليه فيجد العقلاء أنفسهم عاجزين عن إيجاد الحلول التي تحافظ على البلاد موحد الهوية والجغرافيا بصورة ربما أسهل مما هي ممكنة اليوم.

الحل لا يزال ممكنا وفي متناول الأيدي, لكنه يتطلب شجاعة كبيرة وتقديم تنازلات تبدأ من السلطة المتشبثة بكل شيء وتنتهي بالأحزاب والحراكات الأخرى.

- الاعتراف بالقضية الجنوبية أمر هام وضروري ندعو السلطة إلى القيام بدون تردد وبصورة عاجلة.

- إطلاق صحيفة "الأيام" هو الآخر مطلب ملح يمنح الأمل بانفتاح البلاد على عهد جديد من الحرية والديمقراطية في ظل مشاركة الجميع.

- تقديم ضمانات حقيقية وعملية لإسقاط مشروع التوريث نهائيا وتحديد مدة الرئاسة بعشر أو ثمان سنوات فقط غير قابلة للتمديد.

- تشكيل حكومة وحدة وطنية تمنح كافة الصلاحيات ويشارك فيها الحراك والحوثيين إلى جانب المعارضة على أن يكون رئيسها من الجنوب ويحضى بقبول جميع الأطراف مهمتها تهيئة البلاد لمرحلة جديدة من الحكم اللامركزي (حكم محلي واسع الصلاحيات ومن ثم الحكم الفيدرالي تدريجيا), كما وتهيئ لانتخابات رئاسية قادمة نزيهة وشفافة.

هذه الخطوات وغيرها هي الضامن الوحيد للحفاظ على السفينة من الغرق, ولتحقيق التكافؤ والعدل وإنهاء الصراعات والمخاوف بين الفرقاء والخصوم, سواء على مستوى الأحزاب أو على مستوى الشمال والجنوب.

إن الحديث عن الهوية والحفاظ عليها مما تقدم نفهم أنه يتطلب القيام بعملية كبيرة وشاملة لا تقتصر على أرقام السيارات وتغيير بطاقات الهوية فحسب, رغم أهمية ذلك مرحليا, ولكن الأهم هو أن يجد الجميع أنفسهم في وطن واحد يلبي تطلعاتهم ويحافظ على مصالحهم ويحقق أحلامهم في العيش الكريم والمشاركة السياسية وفي كل المميزات الجديدة التي ستمنح لهم. بهذا نكون اقتربنا عمليا من المشكلة وعالجنا أسباب التعصب المناطقي ومحاولة البعض الهروب لخلق هويات تتصادم مع الهوية اليمنية الجامعة وأوجدنا أداة جديدة ومشتركة قادرة ومؤهلة لحمل المشروع الوطني لا مكان فيها للإلغاء والإقصاء والتهميش..

إننا بحاجة للتفكير بعقولنا وليس بعضلاتنا في هذه المرحلة.

والله من وراء القصد.

b.shabi10@gmail.com