بقنابل وصورايخ خارقة للتحصينات… ضربة جوية قوية في قلب بيروت وترجيح إسرائيلي باغتيال الشبح عربيتان تفوزان بجوائز أدبية في الولايات المتحدة قوات كوريا الشمالية تدخل خط الموجهات والمعارك الطاحنة ضد أوكرانيا هجوم جوي يهز بيروت وإعلام إسرائيلي: يكشف عن المستهدف هو قيادي بارز في حزب للّـه مياة الأمطار تغرق شوارع عدن خفايا التحالفات القادمة بين ترامب والسعودية والإمارات لمواجهة الحوثيين في اليمن .. بنك الاهداف في أول تعليق له على لقاء حزب الإصلاح بعيدروس الزبيدي.. بن دغر يوجه رسائل عميقة لكل شركاء المرحلة ويدعو الى الابتعاد عن وهم التفرد وأطروحات الإقصاء الانتحار يتصاعد بشكل مخيف في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.. طفل بعمر 14 عاما ينهي حياته شنقاً تقرير دولي مخيف....الإنذار المبكر يكشف أن اليمن تتصدر المركز الثاني عالميا في الإحتياج للمساعدات الإنسانية حرب المسيّرات.. التكنولوجيا التي أعادت تشكيل وجه النزاعات العسكرية
ركب دماغه في (البداية).. لكنه لم يجد ما يخرجه من ورطته في (النهاية).. إنه الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، صاحب النهاية المأساوية. ركب دماغه في البداية بعدم الاستجابة لمطالب شعبه..اغتر بقوة أجهزته البوليسية وبصرامة قوته الأمنية وبجبروت سيطرته الطاغية، غير أن كل هذا تحول إلى قصاصات من ورق، فأسقطه شعبه الجبّار كما تسقط أوراق الشجر اليابسة، لا تجد من يلتقطها.
خلال ساعات فقط قدّم بن علي كل التنازلات السياسية لشعبه في يومه الأخير، علّه يهدئ من روعه.. أقال الحكومة، حلّ البرلمان، تنازل عن الترشّح مرة أخرى للرئاسة، وضع حدا للرئاسة مدى الحياة، وعد بمحاسبة الفاسدين، وأعلن إجراء انتخابات استثنائية بعد ستة أشهر، غير أن كل هذه الإغراءات السياسية لشعبه لم تنفعه لتثبيت عرشه بعد أن اهتزت الأرض من تحت أقدامه.
إلى قبل أيام فقط كانت تونس برمتها تحت القبضة الحديدية لزين العابدين بن علي، غير أنه في يوم الجمعة التاريخية لم يجد في تونس موطئ قدم تحتويه أو تؤوي أسرته، ولم يجد ما يغادر به البلاد سوى 4 مروحيات عسكرية هرّبته إلى جزيرة مالطا، كما أن طائرته المدنية التي استقلّها من هناك لم تجد بلدا يقبل هبوطها فيه، بما في ذلك البلدان الحليفة معه والداعمة لنظامه.
عرش عظيم كان بيد بن علي في تونس إلى يوم الجمعة، غير أن غروره بقوته وجبروته وسلطانه حوّلته إلى (أعمى بصيرة) لا يدرك قوة الشعب إذا انتفض، وعاصفة الشارع إذا ارتعد.. وتعامى عن هذا اليوم الذي تزلزل فيه عرشه وتحول إلى ركام، لم تمكنّه حتى من الصمود لساعات، عقب إلقاء خطابه الأخير، للملمة ما خفّ وزنه وغلا ثمنه من مكتنزاته التي نهبها من قوت شعبه طيلة 23 عاما.
كان يمكن لزين العابدين بن علي أن يتفادى مصيره القاتم الذي واجهه يوم الجمعة بأقل التكاليف، بالتنازل عن السلطة مثلا، بالاستجابة لمطالب شعبه مثلا، بإزالة أسباب الاحتقانات مثلا، بمحاسبة الفاسدين مثلا، بالتوزيع العادل للثروة والسلطة مثلا، بتوفير العدل والعيش الكريم للجميع مثلا، و.....إلخ، لكنها لعنة الكبرياء ولعنة الغرور، التي أطاحت قبله بمن هو أقوى منه وأكثر جبروتا من سلطانه.
رسالة الشارع التونسي لرئيسه بن علي، الذي خلعوه غير مأسوف عليه، وجهت إشارة قوية لكل زعاماتنا العربية، علّها تتّعض وتعتبر بمضمونها، وتدفعها إلى قراءة رسالة الشارع التونسي بعمق، قبل أن يقرأها الغير عليها وتكون هي رسائل أخرى لغيرها.
رسالة تونس عميقة، كشفت كيف أن الأنظمة السياسية ـ تظل رغم جبروتها ـ أنظمة هشّة، يمكن أن تطيح بها أي عاصفة شعبية إذا لم تستمد هذه الأنظمة قوتها من شعبها، وكيف أن المواطن البسيط البوعزيزي، صاحب عربة بيع الخضار في تونس، أطاح بنظام بن علي الجبّار!!!.
رسالة تونس عملية، كانت غائبة عن أذهان زعاماتنا العربية، لكنها حضرت بقوة لتفرض نفسها على واقعنا، وأربكت كل حسابات أنظمتنا العربية، ليس حساباتها السويسرية فحسب ولكن حساباتها السياسية أيضا، فما عاد التأبيد في الحكم حلم سهل المنال وما أضحى التوريث للكرسي مخطط ممكن التنفيذ، إلا إذا ركبوا أدمغتهم كما ركبه بن علي.
رسالة تونس قاسية، تمثل إنذارا مبكرا لكل قياداتنا العربية، تدفعها نحو الالتفات بعناية لهموم شعوبها، وعدم غض الطرف عن مطالبهم أياًّ كانت، قبل أن تطالها أمواج التغيير من الشارع لتجتثهم من مضاجعهم، كما اجتثت بن علي وانتزعته من براثن أركان حكمه، رغم أن نظامه كان وبدون منازع أكثر قوة وأكثر صلابة من كل الأنظمة العربية الأخرى.
رسالة تونس معبّرة، تعطي مؤشرا قويا بأن الشعب قد يُقهر، قد يجوع، قد يُعاني، قد يتشرد، قد يصمد، قد ينحني، قد يحرم من حقوقه، قد يصبر على بلاءه، لكنه لا ينسى وفي الأخير يكون مصيره الانفجار، لأن كثرة الضغط لا يولّد إلا (الانفجار).
رسالة تونس بليغة، تؤكد أن الشارع هو الشعب، والشعب هو البسطاء من العامة وهو موظفي الدولة وهو رجال الجيش وهو رجال الأمن وليس قيادات أحزاب (المعارضة)، التي يعتقد الحاكم أنه إذا ضمّها تحت إبطه، فإنه سيرتاح من إذوتها ومن أذيّة الشارع، لكي يضمن مستقبله من بعدها.
رسالة تونس قوية، تكشف أن (تفصيل) الدستور والقوانين يفترض أن يكون على مقاس البلد، على مقاس الشارع، على مقاس الجميع وليس على مقاس الحاكم، حتى لا يضيق به وبمن معه.
رسالة تونس بسيطة، مفادها أن أموال الدولة يفترض أن تسخر لرفاهية الشعب، لا لرفاهية الأسرة الحاكمة، لتنمية البلد لا لتنمية الجيوب الجشعة، لإشباع جوع الشعب لا لتخمة العصبة المستولية على الحكم.
رسالة تونس مباشرة، معنونة لكل الأنظمة العربية، لكنها قد تكون معنونة بتحديد أدق نحو النظام اليمني والمصري والسوري والسوداني والجزائري، لتشابه الوضع السياسي والاقتصادي في تونس مع أوضاع هذه الأنظمة، بل قد تكون هذه الأنظمة مهترأة وأوضاع بلدانها أكثر رداءة من تونس، وفي بلدانها عربيات لبيع الخضار أكثر مما في تونس، وفيها خريجين عاطلين عن العمل أضعاف ما هو في بلاد بن علي، ويسودها احتقان شعبي أكثر بكثير مما هو عليه الحال في المدن التونسية، وقد لا يحرقوا أنفسهم كما فعل البوعزيزي التونسي بنفسه، ولكن سيحرقون أنظمتهم ليعيشوا لحظة النصر ويستمتعوا بلذة الحياة بعده.
رسالة تونس واضحة، وهي أن زين العابدين بن علي قد لا يكون الزعيم العربي المخلوع الوحيد، بل المخلوع (رقم واحد)، ولهذا الرقم ما بعده، إذا لم تبادر القيادات العربية بخلع نفسها قبل أن تخلعها شعوبها، وقد تكون إضافة جديدة لهذا الرقم "إذا لم تحلق رؤوسها قبل أن يحلقها لها الآخرون"، كما قالها صاحبنا عليه السلام من قبل.