واقع المحاكم
بقلم/ المحامي/ أسامة عبد الإله الأصبحي
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 3 أيام
الأربعاء 21 إبريل-نيسان 2010 09:42 م

كنت لا أريد أن أكتب عن واقع المحاكم في وطننا الحبيب ولكن ماأشاهده يومياً من أداء العاملين فيها ومن معاناة المواطنين ونحن أيضاً المحامين هو ماجعلني أغير نيتي وأكتب عن الواقع المرير التي تعيشها .

فطريقة أداء القضاة وأمناء السر والكتاب والموظفين لأعمالهم، وكيف أنهم لا يحضرون إلى العمل في الأوقات المحددة مما يؤثر سلباً على معاملات المواطنين فتتأخر كثيرا، بالاضافة الى سوء المكان وعدم نظافته وقلة العناية به.

أن تلك المظاهر التي أتحدث عنها ليست محصورة على محكمة محددة فهي تتكرر في معظم محاكم الجمهورية اليمنية والأقسام التابعة لها، صحيح قد تتفاوت هذه الظاهرة بين محكمة وأخرى أو بين قاض وآخر ولكنها في نهاية المطاف تكاد تجتمع على معظم الظواهر التي أشرت اليها.

التذمر يبدو واضحاً بين المواطنين من أداء المحاكم، والتذمر ـ أيضاً ـ يبدو واضحاً من القضاة من كثير من الإجراءات الإدارية المفروضة عليهم، وكذلك من كثرة القضايا التي تعرض عليهم.

ولهذا فإن أي خطوات جادة لإصلاح المحاكم لابد أن تراعي حال القضاة ـ أولاً ـ ثم حال الأنظمة المعوقة لعملهم - ثانيا -.

القضاة - أو معظمهم - يؤخرون أو - تتأخر - قضايا الناس عندهم ولفترة طويلة، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها فلدي قضية محجوزة للحكم مايقارب السنة لاأدري لماذا كل هذا التأخير..

ولو سئل معظم الذين يراجعون المحاكم لتفقوا على ذكر معاناتهم مع المحاكم وتأخير قضاياهم.

ولكن من المسؤول عن هذا كله؟ هل هم القضاة أم القانون الذي يلتزمون بتطبيقه؟ أعتقد أن القضاة وقانونهم يتحملون هذه المسؤولية التي يشتكي منها معظم أصحاب القضايا..

بطبيعة الحال لا أستطيع - ولا سواي - إعطاء حكم دقيق على جميع القضاة ولكن الحديث يتجه إلى الأغلبية، فالملاحظ أن معظم القضاة لا يتخذون مواقف قوية وسريعة من قضايا تبدو شديدة الوضوح مع أن هذا جزء من واجبهم وليس هناك ما يمنعهم من ذلك قانوناً، ولكن أذكر شواهد كثيرة في بعض القضايا التي اترافع فيها كقاضي الذي لم يكن حازما في إعطاءأمرأه وأبنائها نفقة من زوجها التي لاينفق عليها مدة طويلة تحت ذرائع تافهة لا يصدقها أحد، وما فعله ذلك القاضي من المماطلة في عدم إحضار المدعى عليه سريعا - وهذا حقه القانوني - يفعله كثير من القضاة في أماكن أخرى مما يتسبب في ضياع حقوق الناس.

هناك قضايا في غاية الوضوح ولا تحتاج إلى وقت طويل لإنجازها ولكنها تتأخر وتضر أصحابها وتسيء إلى سمعة القضاء فلماذا يقع هذا كله ولمصلحة من؟ القضاة يشتكون من قلة أعدادهم وكثرة القضايا التي تحال إليهم، ويقولون إن هذا الوضع من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى تأخير القضايا المحالة إليهم، وهذا القول حقيقة واقعة فأعداد القضاة في بلادنا لا تتفق مع أعداد السكان ومساحة الوطن الكبير، ولكن هذه الحقيقة ما كان لها أن تستمر كل هذه السنوات، وسبيل القضاء عليها من أيسر الأمور ولكن مجلس القضاء لا يريد لها أن تحل!!

أعداد الخريجين من كليات الشريعة والقانون وكليات الحقوق كبيرة، ففي صنعاء كلية شريعة وقانون ومثلها في عدن وتعز وحضرموت والحديدة بالاضافة الى كليات القانون في الجامعات الخاصة كلها وأعداد خريجيها بالمئات، فلماذا لا يعين منهم الأعداد الكافية ويدربون بشكل جيد على طبيعة أعمالهم وعلى طريقة التعامل مع الناس - وهذا مهم - لأن الكثيرين منهم يفتقدون هذه الآلية؟ إن التعلل بعدم وجود وظائف كافية، فسمعة القضاء وقضاء حاجات الناس أمر لا ينبغي التلاعب به أو إهماله.

ومن الحاجات الأساسية التي ينبغي النظر فيها تحسين الوضع المادي للقضاة، فرواتبهم - خاصة المعينين حديثا - لا تكاد تفي بحاجاتهم الأساسية، وقد عرفت من بعضهم أنه كان يستدين من الآخرين لقضاء حاجاته الضرورية بسبب قلة راتبه .

إن وضع القضاة يجب أن يهتم به أكثر من الوضع الحالي في مكانة لا يليق بهم كقضاة إن من أبسط الحقوق للقاضي أن يكون في وضع مادي جيد وأن يكون سكنه مناسبا، وإن من ينظر إلى وضع القضاة في بعض الدول المجاورة يأسى على وضع قضاتنا.

هذه المسألة أيضا يجب أن يتولاها مجلس القضاء الاعلى، هذا إذا أرادت أن تعالج مشاكل محاكمها بصورة جادة.

فلابد من اعطاء رؤساء المحاكم الاستئنافية والابتدائية بعض الصلاحيات لتقويم القضاة العاملين في اطار محاكمهم والموظفين لديهم.

رئيس المحكمة - كما أعرف - لا يملك أي صلاحية لمحاسبة القاضي - إدارياً - فهو إذا تأخر عن عمله أو أساء لمراجعيه أو فعل أشياء مشابهة لذلك فلا يملك رئيس المحكمة شيئا لتقويمه، فالواجب على القضاة أن يكونوا أول الحاضرين الى قاعات الجلسات.

أما قضايا المرأة وشهودها ومواصفاتهم فهي وحدها مأساه أخرى ما كان لها أن تستمر كل هذا الوقت، وكان بإمكان مجلس القضاء ووزارة العدل أن توظف امرأة في كل محكمة لتحل إشكالاً يتكرر باستمرار بسبب عدم قدرة بعض كتاب المحكمة على التعامل مع قضايا المرأة وتعطيل معاملاتها دون وجه حق.

وأخيراً وللأسف فإن كثيراً من محاكم الجمهورية تقبع في مبان سيئة لا تليق بالقضاء ومكانته كما أن طريقة العمل فيها تحتاج إلى كثير من التحديث والتطوير وليت مجلس القضاء يلتفت إلى هذه الاحتياجات ويقوم بإصلاحها.

الحديث عن المحاكم طويل ومهم لأن القضاء يحتل مكانة مهمة في حياتنا وحياة كل الشعوب وكم أتمنى أن يسارع كل المسؤولين بإصلاح كل النواقص التي توجد فيه.

لأن القضاء العادل من أهم أسس حفظ التوازن بين الناس وبقدر ضعفه أو فساده يكون ضعف المجتمع كله أو فساده.

*محامي وناشط حقوقي يمني

-رئيس مؤسسة العدالة للمحاماة والاستشارات والتدريب