الخليج على أبواب حروب طائفية
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 15 سنة و 5 أيام
السبت 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 07:23 م

مثلما كان الحال خطيرا عندما سقط العراق تحت الاحتلال الأمريكي، تستيقظ من حين إلى آخر النعرة الطائفية بين السنة والشيعة، وبمجرد أن تحدث فتنة يتم الرجوع إلى الخطاب الطائفي لمعرفة أين يتموقع الشيعة وأين يقف السنة، ومع اندلاع الحرب السادسة في اليمن بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين، الذين ينتمون إلى المذهب الزيدي، وهو أحد فروع الشيعة، ويأتي الخطاب الذي يتحدث به الزيديون في مواجهة الحكومة اليمنية خطابا طائفيا بامتياز، من خلال بعض الدعوات التي يطلقونها كالعودة إلى النظام الإمامي الذي أطاحت به الثورة اليمنية قبل أكثر من أربعين عاما.

واليمن على غرار عديد الدول العربية الأخرى يضم طائفة شيعية، تماما مثلما تنتشر هذه الطائفة الإسلامية أيضا في العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج العربي.

وقد كان الشيعة في القرون الخمسة الأخيرة أقلية في البلاد العربية، ولكنهم في إيران كانوا يشكلون الثقل السياسي المهم منذ القرن السادس عشر الميلادي، وعندما انتصرت ثورة الخميني عام 1978، بدأ النظام الجديد يقدم نفسه على أنه وصي على الشيعة، لذلك يحاول أن يحشر نفسه في أي صراع داخلي، ويعمل على تأجيج النعرة الطائفية والأمثلة على ذلك كثيرة من العراق إلى اليمن إلى السعودية إلى لبنان والبحرين.

ولكن الشيعة ليسوا مذهبا واحدا أو طائفة متماسكة، فهم منقسمون مذهبيا وسياسيا وإثنيا، فهم في العراق والخليج ولبنان ينتمون إلى المذهب الاثناعشري السائد في إيران، وفي اليمن ينتمي معظمهم إلى الزيدية، وفي سوريا إلى العلوية، ويوجد دروز في سوريا ولبنان، وهناك إسماعيليون في اليمن والسعودية.

ويشكل العلويون حسب التقديرات التي أوردها المؤلف 13% من السكان في سوريا، ويمثل كل من الدروز والإسماعيليون 1% من السكان، وهي طوائف شيعية مختلفة عن الاثناعشرية.

كما ينتشر الشيعة على امتداد الخليج العربي، في الكويت والسعودية والبحرين وقطر وعمان، وبالطبع فإن النفط الموجود بكثافة في هذه المنطقة بالإضافة إلى التواصل الجغرافي والمذهبي والإثني بالنسبة لبعض الشيعة يجعل من المسألة الشيعية في هذه المنطقة تحديا سياسيا واجتماعيا كبيرا يتداخل مع العلاقات الدولية والإقليمية.

وفي اليمن يمثل الشيعة حالة خاصة فهم ينتمون إلى المذهب الزيدي غير المعادي للسنة، وقد حكم الأئمة الزيديون اليمن أكثر من خمسمائة سنة وإن تخللها كثير من الثورات والصراعات مع الدولة العثمانية، وعدد متبعي هذا المذهب يقدر بنحو خمسة ملايين فرد، غالبيتهم في اليمن.

ويوجد هذه الأيام خلط كبير بين الزيديين والحوثيين، إذ الحوثيون هم نسبة لمن يتبعون المتمرد يحيى عبد الملك الحوثي، وهم إن كانوا من الزيديين إلا أنهم لا يمثلون المذهب، فالرئيس علي عبد الله صالح نفسه من المذهب الزيدي ولكنه ليس حوثيا.

وأصبحت كلمة "الحوثيون" تعبيرة سياسية تطلق على هذه الجماعة التي انتهجت المنهج الشيعي وتأسست في محافظة صعدة بشمال اليمن وتنسب لحسين بدر الدين الحوثي الذي أسسها قبل عام 2003 وكانت تسمى قبل التمرد بحركة الشباب المؤمن، وهي حركة قامت على مبدأ العداء لأعداء الله وأعداء الإسلام من وجهة نظرهم، وهذه الحرب الدائرة هي السادسة التي تشنها الجماعة على السلطات اليمنية.

والزيدية أو الزيود هي فرقة من المسلمين تبلورت في أوائل العصر العباسي في القرن الثاني الهجري وسميت بالزيدية نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وهم أحد الفرق الإسلامية وأقرب المذاهب إلى أهل السنة، ليسوا من الشيعة ولا علاقة لهم بالشيعة كما يعتقد ويختلفون تماماً في مذهبهم وفكرهم عن الشيعة الموجودين في العراق وإيران والكويت والبحرين ولبنان ولا يمتون لهم بصلة، بل هم يميلون إلى السنة ويأخذون عنهم العلوم، وبعض العلماء يعد الزيدية من أهل السنة.

ومعظم أتباع المذهب الزيدي موجودون حالياً في اليمن، وهم أقرب فرق الشيعة إلى أهل السنة، لهذا يُطلق عليها اسم الفرقة العدلية. حسب الموسوعة اليمنية فان اسم الزيدية لم يطلقه زيد بن علي على اتباعه، كما لم يطلقه أتباعه على أنفسهم، إنما أطلقه عليهم حكام بني أمية ولكنهم أقروا به واعتزوا.

وفكرهم يقوم على أسس تتفق مع أسس المعتزلة، وقد نشأت المعتزلة في قرب الزيدية، بل ويعد المعتزلة الإمام زيد بن علي أحد مفكريها، وملامح هذا الاتفاق النابع من مصدر واحد، بين الزيدية والمعتزلة، هو ما يعرف بـ "الأصول الخمسة" وهي، التوحيد والعدل والوعد بالوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بجانب ما تميز به الزيدية من وجود فقه متكامل بينما كان المعتزلة إما أحناف أو شافعية أو زيدية.

تشعبت الفرقة الزيدية إلى عدة فرق، وقد اختلف المؤرخون في عددها، فعدهم الأشعري ست فرق وهي الجارودية والسليمانية والبترية والنعيمية، وحصرهم المسعودي بثماني فرق وهي الجارودية والمرئية والابرقية واليعقوبية والعقبية والابترية والجريرية واليمانية. وهذه الفرقة لم يعد لها اعتبار حاليا ولم يكن لها أي تأثير كبير سابقا، وإنما تعود لأشخاص كانوا على علاقة بالإمام زيد بن علي أو بأحد من أتباعه، وما يروى عن هذه الفرق في بعض كتب الفرق والمذاهب يحتاج لتدقيق، وتزخر الزيدية بمؤلفات في الفقه وأصول الدين،على أن مصادر الفكر الزيدي قديمة وقد توفر الكثير منها مع حركة تحقيق نشطة سادت الأوساط مؤخرا.

ويعتقد الزيديون بأن الإمامة تجوز في كل حر تقي عادل عالم من آل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهم لا يرون العصمة شرطا لصحة الإمام، كما أنهم لا يكفرون الصحابة ولا يسبونهم.

وترى الزيدية بصحة إمامة صحابة النبي محمد: أبي بكر وعمر وعثمان، بخلاف الشيعة الأمامية، كما يرون جواز الإمامة في أولاد الحسن والحسين ولا تجد مندوحة لحصرها بأولاد الحسين، ولا يعــرف الإمام عندهم سوى من شهــر سيفه، وقاتل أعــداءه ولا يميلون إلى التقية.

ولا ترى الزيدية في استخلاف علي بن أبي طالب سوى النص الخفي وأنكرت البترية الزيدية مثل هذا النص ومن الزيدية من قال إن طريق الإمامة الإختيار أو الدعوة.

كما تعتقد الزيدية أن المسلم إذا إرتكب كبيرة فإن ذلك لا يخرجه عن الإسلام، فهو مسلم وإن كان فاسقاً بما فعل من الكبائر والآثام أيضـــاً، وبذلك وافقوا أهل السنة، كما قصــرت الزيدية العصمة على الرسول وحــده.

وينتشرغالبية المذهب الزيدى في شمال اليمن وقلة في منطقة الحجاز بالمملكة العربية السعودية وعدد متبعي هذا المذهب يقدر بنحو خمسة ملايين فرد.

وعندما نقارن بين مقومات المذهب الزيدي وأسسه وبين ما يدعو إليه الحوثيون، ستتم ملاحظة أن ما يروجون له لا يمت بصلة للمذهب، بل إن ادعاءاتهم هي بوق لما يدعية الشيعة الإثنا عشرية التي تكفر أهل السنة وتصفهم بـ "النواصب" وتسب صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتكرم من يسيئون إليهم.

وتؤكد محاضرات كان يلقيها مؤسس جماعة الحوثية حسين بدر الدين الحوثي الذي قتل عام 2004، أن دعوته هي زرع الفتنة ويذهب مناحي متطرفة، من ذلك ما يسرده في هذه الفقرة في إحدى محاضراته"لنفهم أن ما نحن عليه ليس هو الاسلام الصحيح.. ولو كان الاسلام على هذا النحو الذي نحن عليه لما كانت له قيمة، ولما كان له ذوق ولا طعم.. وعنده ان الاسلام اليوم الذي نحن عليه اسلام لا ينكر منكراً ولا يعرف معروفاً ولا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً ولا يواجه مبطلاً.. اسلام لا يبذل صاحبه من اجل الله ديناراً واحداً.. ولا يوالي فيه الناس آل البيت.. ويقرأ قوله تعالى: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" ثم يذهب الى القول إن "الذين آمنوا" في هذه الآية ليس هؤلاء المسلمين الذين يوالون اليهود والنصارى، المسلمون الذين ارتدوا.. فالآية لا تخاطب من يرون انفسهم داخلين تحت هذا الاسم من المسلمين اليوم بكل طوائفهم،بل المقصود بـ"الذين آمنوا" هو علي عليه السلام.. الآية تقول إنما وليكم الله ورسوله وعلي.. ولكن المفسرين حرفوا معنى "الذين آمنوا" عن مدلولها الحقيقي إرضاء لأبي بكر وعمر، لأنهم لو اعترفوا بمعناها الحقيقي لاعترفوا ان علي افضل منهم".

كما يقول أيضا"ان اليهود الذين عاشوا زمن الرسول لم يقتلوا أنبياء.. ومع ذلك قال عنهم القرآن "فلم تقتلون انبياء الله".. لماذا.. لأن اليهود الذين عاشوا في زمن الرسول يوالون اجدادهم الذين قتلوا الانبياء قديماً.. لذلك انطبق عليهم حكم "قاتل" وصار حكمهم حكم اسلافهم اليهود.. وهكذا ايضاً الحال مع من يهتفون اليوم انهم يوالون السلف الصالح "أبوبكر وعمر وغيرهم" ممن قتل علي وفاطمة والحسن والحسين".

هذا الخطاب المليء بالحقد الطائفي لا يتأسس على مطالب اجتماعية أو حتى سياسية، وإنما هو خطاب طوباوي مفارق، وهو غير ما يؤمن به الزيديون، بل هو ينسجم مع خطاب غلاة الشيعة مثلما هو حاصل في ايران.

والتمرد الحوثي في شمال اليمن كان قد انفجر عام 2004، أي بعد أشهر قليلة من احتلال العراق، وظهور أحزاب شيعية تروج لادعاءات وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، من ذلك الحديث عن قرب عودة المهدي المنتظر وما شابه ذلك، كما أن هذا التمرد تزامن مع اندلاع الشرارة الكبرى للمشروع الصفوي الخطير في المنطقة، وهو المشروع الذي وجد فرصته الذهبية في التحالف العملي بين آيات قم و"آيات"المحافظين الجدد، الذين أطاحوا بأكبر خصمين لطهران"نظام صدام في الغرب وطالبان في الشرق"، وقد اضطر بعض الساسة العرب إلى الحديث عنه علانية، لاعبر التحذير من"الهلال الشيعي"، مثلما أعلن ذلك العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عام 2005.

وخلال السنوات الأخيرة نشطت إيران في اتجاه نشر المذهب الشيعي حتى في الدول التي لاتوجد بها أقلية شيعية‏، لأسباب ذات أبعاد سياسية، لا علاقة لها بالإسلام، تمهد الطريق لبعث أحلام الصفويين‏.، وهذه المساعي كما يقول أحد المعلقين "لم تعد تخفى على أحد‏، ولم يعد مقبولا محاولات البعض الدفاع عنها أو تبريرها‏.‏ فهي كما يصفها البعض تعيث في الأرض فسادا في كل الاتجاهات‏.‏ وهناك أيضا من يراها أحد عناصر الفوضى غير الخلاقة في منطقتنا‏،‏ ووصل الأمر ببعض أصحاب الخيال الجامح أو الذين يرون أن مايحدث في الشرق الأوسط مؤامرة كبرى إلى أن يشيروا لوجود تحالف خفي بين الدورين الأميركي والإيراني‏.‏ وبأنهم لايستطيعون تفهم أن حجم الأخطاء أو الكوارث الكبرى في السياسات الأميركية قد أوصلها الى هزيمة نفسها في أخطر منطقة - كما حدث- أو تسليم المنطقة إلى أعدائها أو للفوضى أو جعلها على شفا الحروب أو الانهيار وما يستتبعه من كوارث عالمية‏،‏ وانتشار العمليات الإرهابية على نطاق واسع لا يمكن التحكم فيه"‏.

ومن خلال مجريات التمرد في شمال اليمن فإن الأجندا الايرانية الساعية إلى هز استقرار اليمن والتحرش بالسعودية ودول الخليج الأخرى بدا واضحا ولا يحتاج إلى دليل.

هذا التمشي يخفي أيضا تحالفا غير معلن مع الكيان الإسرائيلي الذي يسعى بدوره إلى إشعال الفتنة بين العرب وخصوصا الدول المحيطة به حتى تتفتت وتنهار مثلما حصل للعراق، وضعف الدول العربية خصوصا الرئيسية منها، هو خدمة جليلة للمشروع الايراني، وأيضا للمشروع الإسرائيلي، على الرغم من العداء المزعوم بينهما واستعدادهما للمواجهة العسكرية.

وفي ضوء هذه الخارطة يدخل الصراع القائم في شمال اليمن والذي امتدت نيرانه إلى السعودية، ومع اليقين من أن هذه الفتنة سيتم إخمادها، إلا أنها في المقابل فرصة سياسية تمكن أي عربي سواء كان مسلما أو شيعيا من معرفة عدوه، فالمسلمون سنة وشيعة بمختلف مذاهبهم وفرقهم عاشوا أمة واحدة قرونا طويلة، وهذه حقيقة أنصع من أي فترة عصيبة قد تكون الطائفتان قد عاشتهما.

*العرب اون لاين