القولون العصبي وخفقان القلب.. علاقة خفية تثير قلق المرضى
تقرير صادم: الحوثيون ارتكبوا أكثر من 24 ألف جريمة في ذمار خلال عقد من الزمن
فوضى في مطارات أمريكا و إلغاء 1200 رحلة ونقص حاد في المراقبين الجويين.. تفاصيل
بعد 26 ألف عقوبة غربية.. الاقتصاد الروسي ينهض من تحت الركام ويتحدى حصار الغرب!
لقاء حاسم في الرياض.. العليمي للمبعوث الأممي: لن يتحقق السلام ما لم تتوقف جرائم الحوثيين
الحوثيون ينقلون العودي والعلفي إلى معتقل جديد بصنعاء.. واتهامات بتصفية فكرية ضد دعاة المصالحة
أحزاب مأرب تطالب العليمي بسرعة صرف مستحقات الجرحى وتؤكد أن إنصافهم واجب وطني.. عاجل
مسؤولون أوروبيون: خطة ترامب تحتضر والأمر الواقع يفرض تقسيم غزة
الناطق العسكري للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي يعلن تقاعده قبيل إنهاء خدمته
الحوثيون يبلغون كتائب القسام تجميد هجماتهم على إسرائيل وفي البحر الأحمر
“حينما يشرع الإنسان في التفكير، يبدأ العالم في التغيّر.” — فولتير
في زمن تاه فيه الوعي بين ضجيج السياسة وضباب الحرب، يبرز مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين في مدينة اسطنبول — الذي نظمته مؤسسة توكل كرمان — كخطوة في الطريق الصحيح، تعيد الاعتبار للعقل وللبحث العلمي في زمنٍ استهلكه الصراع والشعارات.
اطلعت علي منشورات العديد ممن لا يتفقون مع الأستاذة توكل في خطها السياسي ، لكن الانصاف يقول ليس المهم من يقف وراء المؤتمر، بقدر ما هو مهم ما ينتجه من وعي ومعنى. فحين تتراجع السياسة عن دورها الإصلاحي، ويغيب صوت الفكرة، وتصدر التافهون المشهد ، وتتكرر احتفالات البرع والرقص ، يصبح دور الباحث والأكاديمي ضرورة وجودية لا ترفًا فكريا . إنهم الذين يضيئون الطريق حين تنطفئ بوصلة السياسة وتبهت الشعارات.
لقد أنفقت سنوات الحرب أموالا طائلة على شخصيات تافهة ومنابر إعلامية مشبوهة، كرّست الكراهية بدل المعرفة، والانقسام بدل التفكير. واليوم، يأتي هذا المؤتمر ليمنح الكلمة للعقول التي بقيت تعمل في صمت، تراقب المشهد بعين الباحث، لا بعين المهرج أو الموالي.
نحتاج من اليوم وصاعدا إلى أن نسمع الصوت الذي يقول لنا ماذا نملك من ثروة فكرية وإنسانية، وان يقود تفكيرنا نحو المنطق والمعني العليمي ، فنرى اليمن بعين العقل ، وقيمة الثروة البشرية التي نمتلكها ، كل فكرة تنقذ وطنا أكثر من ألف بندقية ، سمعنا كثيرا ممن صنعهم المال السياسي ، ودعاهم الي حضرته ، فلم نجد منهم سوى استهانه بالاوطان ، وايتخفاف بقضايانا الوطنية والاجتماعية والتاريخية رغبة ان يخطى بعدد اكبر من الإعجابات على الشاشات.
لقد علمنا التاريخ أن الباحث هو الضمير الحيّ للأمم، والعقل الذي يسبق النهضة ويؤسس لها.
فما من حضارة قامت إلا وكانت الفكرة فيها أولا.
أوروبا لم تنهض بالسيوف، بل بأقلام فولتير وروسو وديكارت وكونت، الذين حرّروا الفكر من وصاية الكهنة والسلاطين، ومهّدوا لعصرٍ أعاد للإنسان كرامته وللعقل حريته.
الباحث الحقيقي لا يعيش على هوامش الأحداث، بل يغوص في عمقها ليفهم، ويحلل، ويقترح، ويحوّل الألم إلى معرفة، والمعاناة إلى وعيٍ نقدي يُصلح الواقع بدل أن يُجمله.
ومن هنا، فإن هذا المؤتمر لا ينبغي أن يكون حدثا عابرا ، بل لحظة تأسيس لوعيٍ يمني جديد، يعيد النظر في مفاهيمنا عن الدولة والمجتمع، وعن العلم والمعرفة، وعن علاقتنا بالذات والآخر.
فلنجعل منه بداية لمسار من المؤتمرات الأعمق، التي تتناول القضايا الوطنية والاجتماعية والقانونية برؤية علمية مسؤولة، بعيدا عن المناكفات السياسية وضجيج الولاءات.
لكن الخشية — وهي خشية مبررة — أن تختطف هذه اللحظة الفكرية كما اختطفت من قبلها كثير من المنابر، لدي مخاوف من خلال تحارب ان تسعي دولا ، ومؤسسات في ظاهرة موتمرات علمية ، ونحب وفي جوهرة تصفية حسابات لمؤتمر مثل هذا ، فتحر النخب الأكاديمية إلى دوامة الاصطفاف السياسي ، ومصالحها الاقليمية حيث تتحول العقول إلى ادوات لتبرير المواقف لا لتصويبها.
كم خسرنا من الطاقات حين استبدل المفكر دوره النقدي بدور الناطق باسم هذا الطرف أو ذاك، وكم ضاعت من فرص الإصلاح لأن النخبة انشغلت بالخصومات الصغيرة بدل بناء الرؤية الكبرى.
إنّ استعادة صفاء المعرفة لا تتم إلا بتحريرها من سطوة السياسة والمال، فالمعرفة التي تتباع في سوق الولاءات لا تثمر وعيًا، بل تُنتج جهلًا مؤدلجًا
الثروة الحقيقية لليمن ليست في مناجمها أو موانئها أو جبالها، بل في عقول أبنائها: أولئك الذين ما زالوا يؤمنون بالعلم، ويدافعون عن الفكرة، ويحرسون المعرفة من التلوث بالمال والسلطة.
هذه النخب هي الضمانة الأخيرة لوطن يحاول أن ينهض من ركامه، وهي الأمل الذي يُعيد تعريف اليمن بوصفه فكرة حضارية، لا مجرد جغرافيا ممزقة أو تركة حرب.
لكن يبقى التحدي الأكبر هو العبور من الفكرة إلى الفعل: كيف نعيد ترميم الذات الجمعية بعد الحرب؟ كيف نستعيد مفهوم الجماعة الوطنية، لا كتحالف عابر، بل كهوية حية تجمعنا على معنى الحرية والكرامة والعقل؟
هذا هو السؤال الذي يجب أن ينشغل به الباحثون أكثر من غيرهم، لأنهم الذين يملكون مفاتيح الإجابة في زمن فقدت فيه السياسة بوصلتها.
وفي النهاية، إن الباحث الحقيقي لا ينتظر تصفيق الجماهير، بل يعمل في صمت لأن إيمانه بالمعرفة أكبر من إيمانه بالشهرة.
فكل فكرةٍ تزرع اليوم بصدق ستثمر غدا نهضة.
ثقتي كبيره في هذه اللحظة ، ، فالمشاركين في هذا المؤتمر تتميّز بالأصالة والجِدّة؛ فهي نخب واعية جمعت بين المعرفة والانتماء، وبين البحث والالتزام الوطني. الثقة فيها كبيرة، والتطلّع اليمني إليها متزايد، لأنها تمثل الجيل الذي يرى في الفكر سبيل الخلاص، وفي العلم طريق استعادة اليمن إلى مساره الحضاري.
وشكرا لمؤسسة توكل كرمان، ولكل من آمن بأن الكلمة العلمية والفكرية يمكن أن تكون بذرة التغيير الكبرى، ولكل القائمين على هذا المؤتمر الذين اختاروا أن ينحازوا للفكر بدل الضجيج، وللعقل بدل الولاء.
كنت أتمنى أن أكون حاضرا بينكم، فشكرا لدعوى الكريمة ، لكن الأقدار شاءت غير ذلك. ومع ذلك، فالقلب والعقل معكم، والأمل لا يزال يتقد بأن يكون هذا المؤتمر بداية استعادة الوعي، وبداية الطريق نحو يمن جديد يستحق أن يُفكر فيه قبل أن يُقاتل من أجله.
