الشباب العربي واليمني: طاقة سياسية تنتظر التفعيل
بقلم/ غسان الخيشني
نشر منذ: شهرين و 24 يوماً
الأربعاء 20 أغسطس-آب 2025 05:49 م
 

في المقالين السابقين، تحدثنا عن جيل ما بعد الربيع العربي، الذي يمتلك وعيًا سياسيًا متزايدًا ورغبة حقيقية في المشاركة. وقد ناقشنا أسباب فشل الأحزاب في احتضان هذا الجيل الجديد. واليوم نواصل النقاش لنقف أمام حقيقة واضحة، وهي أن طاقات الشباب العربي واليمني لا تزال غير مفعّلة بالشكل المطلوب، رغم أنهم يمثلون نحو نصف المجتمع تقريبًا.

الشباب اليوم أكثر إدراكًا لمستقبل مجتمعاتهم، وأكثر قدرة على التحليل والتفكير النقدي، وأكثر اتصالًا بالعالم من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، يواجهون تحديات كبيرة؛ فالأحزاب العربية واليمنية لا تمنحهم أدوارًا حقيقية في مواقع صنع القرار، وغالبًا ما تظل القيادة محصورة في جيل قديم يفتقر أحيانًا إلى رؤية تجديدية. كما أن برامج التمكين السياسي نادرة أو محدودة، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تقلل من فرص المشاركة العملية في العمل السياسي التقليدي.

وقد دفعت هذه العوائق الكثير من الشباب إلى الانخراط في المبادرات المستقلة والمنصات الرقمية والمشاريع المجتمعية، وهو مؤشر واضح على أن طاقاتهم لم تُستغل بالشكل المطلوب. والاستمرار في تجاهل هذه الحقيقة ليس خيارًا مستدامًا، خاصة في السياقات المعقدة التي تواجهها بعض الدول، مثل اليمن.

الشباب ليسوا تهديدًا، بل رافعة حقيقية للسياسات. وكنا قد أشرنا في مقالنا السابق إلى تجربة "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" في مصر، التي أظهرت كيف يمكن دمج الشباب في مواقع صنع القرار بشكل فعّال، وأنهم لا يشكلون تهديدًا للقيادات القائمة، بل على العكس، يمكنهم إدخال أفكار جديدة وطرق مبتكرة لحل المشكلات، مع الحفاظ على الخبرة والتجربة القديمة.

وتوجد تجارب عربية أخرى يمكن الاستفادة منها، مثل برامج الشباب والمشاركة السياسية في تونس بعد عام 2011، التي ضمّت مئات الشباب في مشروعات تشريعية ومبادرات مجتمعية، وساعدت على بناء قدراتهم في صياغة السياسات. وكذلك مبادرات الحوكمة المحلية في المغرب، التي أشركت الشباب في مجالس المدن لتقديم مقترحات تنموية وتحسين الخدمات، وبرامج البرلمان الشبابي في الأردن، التي منحت المشاركين تجربة مباشرة في التشريع وصنع القرار ضمن بيئة منظمة.

وحتى بعض المبادرات المحلية في اليمن، على الرغم من محدوديتها، أثبتت قدرة الشباب على إدارة مشاريع مجتمعية وتعزيز الحوار المدني. وهذه الأمثلة توضح بجلاء أن الشباب ليسوا تهديدًا، بل قوة قادرة على تجديد السياسات وإعادة الثقة بين المواطنين والأحزاب.

لكي تصبح طاقات الشباب فاعلة، تحتاج الأحزاب العربية واليمنية إلى خطوات واضحة وممنهجة، تشمل:

  • تجديد الهياكل الحزبية لتمكين الشباب من المشاركة الفعلية في مواقع صنع القرار
  • احتضان المبادرات المستقلة والاستفادة من أفكار الشباب بدلًا من النظر إليها كتهديد
  • إطلاق برامج تدريب وتأهيل مستمرة تشمل القيادة والتخطيط وإدارة المشاريع
  • إشراك الشباب في الحوار الوطني وصياغة السياسات العامة
  • تعزيز التواصل بين الأجيال لدمج الخبرة القديمة مع طاقة الشباب وحماسهم
  • ضمان شراكة قائمة على الاحترام المتبادل

الشباب العربي واليمني يمثلون قوة فاعلة يمكن أن تغيّر الواقع إذا أتيحت لهم الفرصة. وتجاهل هذه الحقيقة ليس مجرد خطأ إداري، بل يحمل مخاطر واضحة على استقرار المجتمعات وثقة المواطنين في مؤسساتهم. واستثمار هذه الطاقات يحوّل التحديات إلى فرص، كما أثبتت تجارب مصر وتونس والمغرب والأردن، ويمكن أن يكون نموذجًا للأحزاب اليمنية والعربية.

الشباب ليسوا تهديدًا، بل ضمانة لاستدامة المؤسسات السياسية، وخلق سياسات أكثر حيوية وواقعية تستجيب لتطلعات المواطنين. وتفعيل هذه الطاقات ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية لكل الأحزاب التي تطمح إلى مستقبل مستقر ومزدهر.