يوم الغدير: بين الوهم والتضليل.
بقلم/ فضل حنتوس
نشر منذ: 4 أسابيع و يوم واحد و 17 ساعة
الخميس 12 يونيو-حزيران 2025 04:55 م
     

في كل عام، يحتفل الحوثي بخرافة تُنسب زورًا إلى الإسلام وتُحمّل زورًا على تاريخ عليّ بن أبي طالب، خرافة تُسمّى بـ"يوم الولاية" ليست إلا بضاعة مذهبية تم تصنيعها بعناية في أقبية السياسة الطائفية، ثم صُدّرت إلى الوعي الشعبي تحت غطاء ديني ثقيل، لتتحول إلى طقس إجباري في المناطق الخاضعة للحوثيين، حيث يُجبر الناس على حضور الفعاليات، وتُنتزع الجبايات من أفواه الجائعين، وتُكرّس هذه المناسبة الوهمية كأداة للنهب والتجهيل، في حين أنها لا تمتّ بصلة إلى جوهر الإسلام ولا إلى سيرة الإمام عليّ الذي برئ منها في حياته كما يتبرأ منها التاريخ الصحيح، بل إن الروايات التي استندت إليها هذه الخرافة تم اجتزاؤها وتحريفها وتأويلها على نحو يخدم مشروعًا سياسيًا عقائديًا لا علاقة له بالدين، بل هو جزء من منظومة كهنوتية تستهدف تجريف المجتمعات وتفكيك الأوطان باسم الطهر والوصاية، لقد جاء اختراع "عيد الغدير" في لحظة تاريخية دقيقة، حين كانت الإمامة تبحث عن غطاء ديني لإضفاء قداسة على مشروعها السياسي، فتم إخراج هذا الحدث المزعوم من سياقه، وتضخيمه حتى صار ركيزة لاختيار الحاكم بدلاً من الشورى والعدل والاختيار الشعبي، وتحول فجأة إلى معيار للإيمان من عدمه، واليوم يعيد الحوثي تدوير هذه البدعة بذات الأساليب التي استخدمها دعاة الإمامة القديمة، لكنه يُضفي عليها طابعًا أكثر عنفًا واستغلالًا، إذ يُجبر اليمنيين بالقوة على تمويل احتفالاتها، وتُفرض عليهم خطبها في المساجد، ويُعاقب كل من يرفضها بالتخوين وربما بالسجن والقتل، ولعل أخطر ما في هذه الخرافة أنها تُستخدم كأداة لإعادة إنتاج التمايز العرقي بين اليمنيين، وتصنيفهم إلى "أهل الولاية" و"العوام"، وتُقدّم كبرهان على أحقية السلالة الهاشمية بالحكم، بينما هي في الحقيقة نسخة محدثة من نظرية "الحق الإلهي" التي أسقطها الإسلام نفسه في أول لحظة أعلن فيها أن لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، الحوثي لا يحتفل بحدث ديني، بل يحتفل بتدشين الخرافة كآلية للهيمنة، وتحويل اليمن إلى مقاطعة تابعة لطهران، تُدار بعقلية الحوزات، وتُستنزف باسم الغدير والوصية والولاية، فكل خطبة تُلقى في هذا اليوم، وكل شعار يُرفع، وكل زينة تُنصب، إنما تُراد بها برمجة وعي اليمنيين على القبول بالطاعة العمياء، والانصياع لمشروع لا يعترف بوجودهم إلا كوقود ومصدر تمويل، وكل من يقرأ التاريخ بإنصاف، يعلم أن الإمام عليّ لم يطلب يومًا حكمًا ولا ولاية، وكان أزهد الناس في السلطة، وأشدهم نكوصًا عنها، لكنه اليوم يُستحضر كواجهة لمشروع سلالي يستخدمه الحوثي لتسويق حكمه القهري، ويجعل من اسمه مبررًا لإقامة طقوس الطاعة لأئمة السلالة الجدد، في مفارقة تاريخية فاضحة تُظهر إلى أي مدى يمكن أن يُستخدم الدين لتزييف الوعي، وتحويل الضحية إلى دليل إثبات بيد الجلاد، إن ما يجري ليس احتفالًا دينيًا، بل ممارسة قمعية مغلفة بالرموز، تُخفي خلفها مشروعًا عنصريًا هدفه تفتيت اليمن واستعباد شعبه واستبدال عقيدته بهالة من النصوص الملفقة التي لا تؤسس إلا للحرب الأبدية والتمييز الجائر، فلتسقط الخرافة، وليُكشف الزيف، ولينكشف الوجه القبيح لجماعة لا ترى في الوطن إلا مزرعة وفي الناس إلا عبيدًا وفي الدين إلا وسيلة.