المقاومة الإسلامية ,, بشرى للمؤمنين
بقلم/ دكتور/محمد صادق
نشر منذ: 15 سنة و 10 أشهر و 13 يوماً
الأربعاء 07 يناير-كانون الثاني 2009 10:47 م

  

إن ما يحدث اليوم في غزة لمفرزة للأمة له ما بعده ؛ لأن نجاح المقاومة الإسلامية هو بداية زوال فسادٍ أحكمَ سيطرته على مُقَدَّرات الشعوب ، فنهب ثرواتها وزيَّف إرادتها وانصرف ولاؤه تماما للعدو ف بدلا من أن يتخذه عدوا كما أمر الله اتخذه نصيرا وحليفا ، ووجَّه كل سياساته في هذا المنحى، بل إنه ربط مصيره بمصيره ، فأصبحت العلاقة تبادلية ؛ لذا أصبح ينطلق في إقصاء من يخالف مشروعه الاستعبادي الاستسلامي ، وما كان لليهود أن يُقدموا على ما أقدموا عليه إلا بعدما اطمأنوا لحلفائهم . إذن الحرب على " غزة " عالمية في صورة من الصورفهل يستطيعون إنهاء المقاومة ؟ !

ها هي سورة (الأعراف ) تتحدث عن اليهود في سياق عرض مُصوِّر يكشف طبيعة اليهود ، وكيف أن الله تعالى أنجاهم من فرعون وقومه وكيف دمرهم وما كانوا يصنعون ، ثم أنعم الله تعالى عليهم بعيون الماء ، ثم أمرهم أن يدخلوا القرية فيدخلوا سجدا قائلين حطة طلبا للمغفرة من الله ، فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم ، وتمادوا في عتوهم فتحايلوا على شرع الله فلم يمتثلوا لنهيه إياهم عن الصيد يوم السبت فمسخم قردة ، وحلّ عليهم غضب الله ( وإذ تأذَّن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سؤ العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم)167الأعراف

فحوى هذه الآية بشرى بوعد الله : فالفئة المُسَلَّطة على اليهود موجودة ؛ لأنها مبتعثة لهذه المهمة خصيصا ،  والآن هيا نتتبع ما أورده العلماء في تفاسيرهم في هذه الآية:

 الآية وعد من الله تعالى بالانتقام من اليهود بعدما عتوا عن أمر ربهم ف( تأذن) فيها دلالة القَسم ، والقَسم من الله تعالى بعزته وعظمته وعلمه وقدرته ، فهو سبحانه يوجب على نفسه أن يسلط على اليهود ( من يسومهم سؤ العذاب) واستدل العلماء على أنه قسم باللام في جوابه ( ليبعثن) وتقتضي قوة الكلام أن ذلك الوعيد مقترن بالإنفاذ والإمضاء.

 والقَسم إعلام وإنباء للبشرية جمعاء و للمؤمنين خاصة بأن مشيئة الله قضت بالحكم الذي لا رادّ له ولا معقب عليه ، فلا يغتر غافل بما عليه اليهود من علو واستطالة فما هى إلا فترة في التاريخ عارضة سرعان ما يزيلها المؤمنون .   

قال ( ابن عباس ) في قوله تعالى ( من يسومهم سؤ العذاب) إنها إشارة إلى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمته ، وقال بذلك جلُّ المفسرين ، وأكد ( القرطبي ) بأنها أمة الإسلام لأنها الأمة الخالدة إلى يوم القيامة ، وذكر بعضهم أن الدلالة عامة ، فاليهود حال تقطعهم في الأرض أمما سلط الله عليهم ( من يسومهم سؤ العذاب) بشرا من أجناس عدة ، والسياق يؤكد أن تسليط من يمتهنهم ويًلحق بهم النَّكَال ، متحقق نافذ لاريب فيه عبر امتداد الأزمان وفي مختلف البيئات ، والتاريخ يؤكد ذلك ، ولكن لما أصبحت لهم بعد التآمر العالمي والعربي دولة ، يمدهم فيها أعوانهم بأسباب العلو والإفساد لم يعد لهم عدو إلا صالح المؤمنين فهم الفئة المسلطة عليهم بوعد الله تعالى .

ودلالة السياق تقتضي بعدما عرضت الآيات جحودهم بنعم الله تعالى أنهم استحقوا سخط الله عليهم فجاء الوعيد المقترن بالغضب ممدودا ( إلى يوم القيامة ) ، وأن الذل والصَّغار يلزمهم فلا قرار ولا وطن ( وقطعناهم في الأرض أمما )، وقوله تعالى ( إلى يوم القيامة )جعل أزمنة المستقبل كله ظرفا للبعث ، وهذا استغراق لأزمنة البعث أي أن الله تعالى يسلط عليهم من يسومهم سؤ العذاب خلال المستقبل كله ، وهذا كله بسبب عصيانهم وإفسادهم ، والذي سيكون آخره خروجهم مع الدجال أنصارا ، وهذا ما يجمعهم ومجموعة بوش المتطرفة .

ودلالة الفعل المضارع المؤكد ( ليبعثن) إنما تحصر الزمن للدلالة المستقبلية ، ( والبعث ) تقتضي دلالته المعجمية الإرسال المًخَصَّص المًوَجَّه ، وكأنه كان كامنا حتى ابتعثته أسباب واقتضت تحركه موجبات جدَّت ما كانت قبل ، فإن ( من يسومهم سؤ العذاب) هم قضاء الله وقدره ( سيفه المُسَلَّط ) للانتقام من اليهود ؛ لذلك جاءت ( عليهم) أي على اليهود ، كقوله تعالى ( بعثنا عليهم عبادا لنا أولي بأس شديد) 5 الإسراء.

وتناسب الفعل المؤكد ( ليبعثن) مع فعل الوعيد بالانتقام ( تأذَّن) الذي يوحي بشدة الغضب ، ووقوع لفظة ( ربك) بين الفعلين مضافة إلى المخاطب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمته ، يدل على أن تسليط الله تعالى فئة تنتقم من اليهود إنما هو رحمة ونعمة منه سبحانه على هذه الأمة ، وخصوصية تكرمة إذ يقضي بهم الله على إفساد اليهود .

ولما كان السياق للعذاب وموجباته عُلِّل ذلك مؤَكَّدا بقوله ( إن ربك لسريع العقاب )فهذا إخبار يتضمن سرعة إيقاع العذاب بهم وأن الله لهم بالمرصاد ، ولا يتوهم أحد أن هذا كان خاصا باليهود قديما فهذا اختزال لدلالات الآيات وإقصاء لعمومها وبقائها حية حتى يوم القيامة، فالقرآن يواجه اليهود في كل زمان ومكان بوصفهم أمة متصلة الأجيال ، وصفاتهم تتوارثها أجياهم فهم امتداد لأسلافهم ، فهم أهل الغدر والخيانة وهم قتلة الأنبياء ، ولا عهود لهم ولاميثاق ، واقرأ القرآن تعرفهم .

والبشرى يستدعي بعضها بعضا ، فهاهي آية ( آل عمران ) 112 ( ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله ومن الناس .. )هذه الآية تتضام مع آية ( الأعراف ) حيث إن الدلالة المعجمية ( للحبل ) كما بيَّنها ( الطبري ) في تفسيره : أنه السبب الذي يأمنون به على أنفسهم ، وذكر ( الراغب ) في ( المفردات ) أنه سمي كل ما يتوصل به إلى شئ سببا ( وآتيناه من كل شئ سببا فأتبع سببا )84، 85 الكهف ، ومعناه أن الله تعالى آتاه من كل شئ معرفة وذريعة يتوصل بها " . وقال ابن منظور في ( اللسان ) : تأويل البعث : إزالة ما كان يحبسه عن التصرف والانبعاث ، ... والحبل : السبب " ، وقال الزمخشري في ( الأساس ) في تعريفه السبب : وكانت بينهم حبال فقطعوها " ، وأصل الحبل في كلام العرب يتصرف على وجوه منها العهد وهو الأمان .

فحبل الله الذي أمده لبني إسرائيل هو منحهم أسباب البقاء والوجود على الرغم من الذلة التي ضربت عليهم ، وهذا الوجود وليد أسباب أوجدها الله تعالى ابتلاء للمؤمنين ولعصيان المسلمين وابتعادهم عن منهج الله فإذا ما عادوا لربهم عاد إليهم الانتصار ( وليتبروا ما علوا تتبيرا) ، وتمكين اليهود وجعل الكَرَّة لهم على المسلمين يدور في طور الابتلاء وليس الدوام ، والدليل : قيدية العدد والزمن في سورة ( الإسراء) " ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين.... فإذا جاء وعد أولاهما .... ثم رددنا ... فإذا جاء وعد الآخرة ... وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة )،وسيكون لنا مع بشرى سورة ( الإسراء ) وقفة بعد النصر إن شاء الله . 

إذن ف( حبل من الله)هو تهيئة الأسباب ومدها لبني إسرائيل ، (وحبل من الناس )هو حلفهم ونصرتهم ، وانظر أوروبا وأمريكا والمتهودين كيف يلهثون طلبا لرضاهم ، فإذا ما أراد الله تعالى إنفاذ قضائه بإنهاء علوهم والقضاء على إفسادهم أرسل عليهم من يستأصل شأفتهم ويزيل دولتهم ، وهذا موضعه سورة ( الإسراء) .

والحبل من الله لا يزيل ضرب الذلة ، ذهب إلى ذلك ( ابن عطية ) في تفسيره ، فالذلة ملصقة بهم كالشئ يضرب على الشئ فيلصق به ، وعلة هذا كفرهم بآيات الله وقولهم على الأنبياء غير الحق بافترائهم على مريم البهتان ، وقتلهم الأنبياء والمصلحين ، والإفساد في الأرض .

إذن خلال زمن مد أسباب وجودهم وغلبتهم المسلمين بذنوبنا وغفلتنا ـ وعلى الرغم من هذا العلو ـ فإنهم أذلة ، واقرأ القرآن تر صفاتهم جلية ، فالذي وصفهم وفضحهم هو خالقهم عز وجل ، وليس كما يدعي طواغيتً جهلة بالقرآن أو لا يؤمنون به أصلا :أن اليهود أهل سلام .  

هل في خلال زمن مد الأسباب لهم يبعث الله تعالى عليهم ( من يسومهم سؤ العذاب )، والحبل ممدود ؟ نعم . وهم في إفسادهم ؟ نعم . وهم في علوهم وكَرَّتهم على المسلمين ، والمسلمون ضعفاء بل كالغثاء ؟ ، نعم .

تذكر تاريخ الكيان المحتل منذ أن جاء فلسطين ، هل استقر به المقام منذ أن اُبتُلى بهم المسلمون في فلسطين ؟ ، هل مر زمن شعر فيه اليهود أنهم مُرحبً بهم بيننا ؟ هل آمن اليهود في عمومهم في ديارنا ؟ لماذا يريدون التطبيع مع الحكام ومن ثمَّ يصبحون نسيجا من مكونات المنطقة ، وهذا أخطر شئ يسعون إليه ، ولا تنس السوق الشرق أوسطية ، واتفاقيات حوض البحر المتوسط ، والجات وغير ذلك .

 وانتهاء زمن المد ( الحبل ) هو جزء من ( يسومهم سؤ العذاب ) ، لكن انقطاع الأسباب ( الحبل ) إيذان بزوال دولتهم ، كما في (الإسراء ) .

من هذا كله نخلص بما يلي : ـ

1ـ أن الفئة التي توعد الله تعالى بها بني إسرائيل ( من يسومهم سؤ العذاب) هي المقاومة الإسلامية ، حيث لم يعد في العالم كله معاديا لليهود غيرهم ، ومن التزم بمثل ما التزموا به .

2ـ بناء على أن وعد الله يقتضي وجود من يُسَلَّط على اليهود ، وأنها فئة تحتَّم بقاؤها ( إلى يوم القيامة) بهذه الدلالة الزمنية الممتدة ، فإن العمل على إزالتها والقضاء عليها محكوم عليه بالفشل والهزيمة حتمية .

3ـ بناء على الوعد بتسليط ( من يسومهم سؤ العذاب )وامتداد زمن التسليط ( إلى يوم القيامة )، وانحصار العداوة بين ( اليهود والمؤمنين ) " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا "وهل يمد يد العون لليهود إلا الذين أشركوا ؟ ، وهذا تحذير لمن يتعاون مع اليهود فهو بولائه إياهم بمنزلة المشرك  يستوجب من أحكام الشرع ما يستوجبونهبدليل نص الآية ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )وقوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) ، فالتسليط إلى يوم القيامة منحصر في المؤمنين ، إذن الفئة المؤمنة هي ( من يسومهم سؤ العذاب) وهي التي تعاصر انتهاء ( حبل من الله وحبل من الناس )وهي التي ( ليسوءوا وجوهكم و ليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) .

4ـ إن وعد الله ( ليبعثن) ، و ( إن الله لسريع العقاب )، وانتهاء المد لهم ( إلا بحبل من الله وحبل من الناس) ، وفق فحوى الخطاب ، و( فإذا جاء وعد الآخرة ....) هنا الزمن سريع التتابع والتعاقب ، وكلٌ في سياقه ( وفق السورة التي فيها الآيات ) والآية الوحيدة التي امتد فيها الزمن جاءت في (الإسراء )" ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا" وهذه الآية تفسير مفصللقوله تعالى  ( إلا بحبل من الله وحبل من الناس ).

5 ـ الوعد بالنكال باليهود وتسليط من يسومهم سؤ العذاب يختلف عن الوعد بالقضاء على دولتهم ( وليتبروا ما علوا تتبيرا )، فالتسليط تقوم به فئة تنال من اليهود وتذيقهم الويلات ، أما إزالة كيانهم الغاصب فستقوم به الأمة حيث تُحشد الطاقات ويُستنفرالمجاهدون ، أما إفناء الجنس اليهودي وتطهير الكون منهم فهذا يكون علي يد المؤمنين إذ ينادي الحجر والشجر ، ويقتل عيسى بن مريم عليه السلام المسيخ الدجال الذي يتبعه يهود آخر الزمان .

6ـ إن انتصار المقاومة في غزة هذه المرة يحمل دلالات : أولها : قرب زوال الكيان اليهودي لكن بقوة الأمة مجتمعة ؛ لأن ( حبل من الناس ) لن تُبتر عُراه إلا بذلك الحشد ، ولأن الكيان إنما هو إفراز تآمر دولي ، فستكون حربا ضروسا يفرح بالنصر فيها المؤمنون . ثانيا : من دواعي ومقتضيات زوال دولة اليهود زوال كافة الأنظمة التي تحارب المقاومة وترفض المشروع الجهادي . ثالثا : لا قدر الله ـ إن تأخر النصر الميداني فستشهد المنطقة مزيدا من الفساد والديكتاتورية الفرعونية المباشرة والاتجاه نحو اليهود بمدى يخرج الأنظمة عن طورها وطبيعتها مما يستلزم وضعا مختلفا .      


* كاتب مصري