تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية عاجل: وزير الدفاع الأمريكي: سنعمل على انتزاع قدرات الحوثيين في اليمن مليشيا الحوثي تحول محافظة إب لقادتها ومشرفيها القادمين من صعدة وعمران عاجل:حريق هائل يلتهم هايبر شملان العاصمة صنعاء نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل ''أكد أنه لا أحد فوق القانون''.. أول مسئول كبير يحيله رئيس الحكومة للتحقيق بسبب قضايا فساد ومخالفات الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين حضرموت.. وزير الدفاع يشدد على مسئولية المنطقة الثانية في تأمين السواحل ومكافحة التهريب أوتشا باليمن: نحو 10 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية
قد يخفّف قرار محكمة العدل الدولية إلى حد ما من الشعور العام بالظلم الفادح المسلط على الفلسطينيين في غزة بعد زهاء الأربعة أشهر من الجحيم، وربما يكون من المأمول كذلك أن يخفّف، ولو نسبيا، من عمى الألوان الذي أصاب معظم القوى الغربية التي تدافعت لتأييد العدوان الإسرائيلي بعد ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي متجاهلة عن عمد السياق الذي جاء فيه.
ومع ذلك، فإن ما استقر من قناعات لدى الرأي العام الفلسطيني والعربي، وكذلك جزء من الرأي العالمي المتفهّم والمتعاطف، من الصعب أن يزول بسهولة بمجرد قرار محكمة لاهاي، على أهميته وتاريخيته، وهو الذي تنتظره تحديات كثيرة لتطبيقه خاصة وأنه لم ينص عن وقف لإطلاق النار وإن كان من المفترض أن يقود الانصياع الإسرائيلي له ضمنيا إلى ذلك.
يمكن إيجاز هذا القناعات في ثلاثة مستويات:
لا أمل على الإطلاق في أن تفهم الحكومات الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وحشية العدوان على الفلسطينيين مع أنه جلي وصارخ، فموالاة إسرائيل وتبرير ممارساتها والتعامي الدائم على جرائمها بات مستفزا وصارخا لدى هذه الحكومات، ولدى النخب السياسية والإعلامية هناك، ما قاد في النهاية إلى إيمان بأن مجمل هذه الأطراف، عدا استثناءات قليلة، إنما هي ملّة واحدة منافقة وساقطة أخلاقيا، الشيء الذي أيقظ إلى حد كبير رؤية «الفسطاطين» التي روّجت في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وما تلاها، مع عودة قوية للبعد الديني في متابعة كل ما جرى ويجري.
الكفر بخيار التسوية فقد يؤدي مستقبلا إلى إعاقة أي توجه تفاوضي قد يصل اليه الصراع مع الاحتلال في أي مرحلة من المراحل، ومهما كانت صيغته ومرجعيته
لا أمل على الإطلاق في نصرة الحكومات العربية للفلسطينيين، بل بات المطلوب أن يكفوا أذاهم عنهم لا أكثر، فهذه الحكومات توزّعت ـ في نظر أغلب الشارع العربي ـ بين مطبّع مع إسرائيل لم تعد تعنيه القضية في شيء وليس مستعدا حتى لسحب سفير ناهيك عن قطع العلاقات، وبين مساهم أصلا في الحصار الخانق على غزة بدواع اختلط فيها الوجيه بالمفتعل، وبين تأييد حنجري لم تعد له أية مصداقية حتى صار مبتذلا وثقيل الظل. ولم تشذ عن كل ذلك سوى أطراف «غير رسمية» بغض النظر عن دوافعها وحساباتها، كالحوثيين في اليمن، وهم يربكون الملاحة الدولية حتى يتوقف العدوان عن غزة ويغاث أهلها، أو حزب الله اللبناني ضد الإسرائيليين أو بعض الفصائل في العراق أو سوريا.
لا أمل على الإطلاق في خيار التسوية والحل السلمي للقضية الفلسطينية وأن الاحتلال لا يرتدع ولا يفهم سوى لغة القوة، ومن هنا جاء هذا التأييد القوي للمقاومة المسلحة في غزة والإعجاب الجارف بأدائها. وما يزيد من ترسّخ هذه القناعة أن ما تتعرض له الضفة الغربية من اقتحامات واعتقالات وقتل وهدم بيوت وتجريف شوارع وقطع أشجار، مع عربدة المستوطنين بحماية قوات الاحتلال، يتم رغم كل الاتفاقات الموقعة التي لم تراع إسرائيل أيا منها أقله احترام مناطق السلطة الفلسطينية المعروفة بمناطق (أ) والتي لم تعد لها أي اعتبار، ما أعاد عمليا كل الضفة إلى أرض محتلة بالكامل.
مثل هذه القناعات الواسعة الانتشار حاليا في الشارع العربي، بغض النظر عن مدى اتفاق الجميع بشأنها، لا يجوز التعامل معها بخفة أو سوء تقدير لأن لكل منها تداعياته المستقبلية القريبة والبعيدة، فقناعة «الفسطاطين» أصابت في مقتل أي احترام للغرب والقيم التي يتشدّق بها وزادت من شعور العرب والمسلمين، بمن فيهم المقيمون في الغرب، بالمظلومية التي تستدعي القطع الكامل معه، ولكل ذلك تكلفته الثقافية بل وحتى الأمنية التي يجب عدم استبعادها. أما «رمي طوبة» الحكومات العربية نهائيا فطبيعي ألا يؤدي سوى إلى زيادة الاحتقان ضدها فهي، في نظر من نفض اليد منها بالكامل، حكومات ليست فقط «متخاذلة أو متواطئة أو متآمرة» ضد الفلسطينيين، وإنما هي أيضا ضد مواطنيها أنفسهم في لقمة عيشهم وحريتهم وكرامتهم ما يغذي نوازع التمرد عليها. أما الكفر بخيار التسوية فقد يؤدي مستقبلا إلى إعاقة أي توجه تفاوضي قد يصل اليه الصراع مع الاحتلال في أي مرحلة من المراحل، ومهما كانت صيغته ومرجعيته، حتى وإن ذهبت إليه حركة «حماس» وفصائل المقاومة الأخرى في لحظة من اللحظات.
وإذا ما أراد العالم ألا تترسخ أكثر هذه القناعات وألا تزداد الهوة اتساعا بين الغرب والعرب والمسلمين عموما، فلا بد من إعادة الاعتبار إلى القانون الدولي والشرعية الدولية التي ارتضاها الجميع حكما لإدارة هذا العالم وسلاح الضعفاء فيه بالخصوص، لا بد من فرض قوة القانون بديل قانون القوة الذي جعل إسرائيل «دولة بلطجية» فوق المحاسبة يُبرّر لها الأقوياء كل ما تقترفه.
من هنا قد يكون قرار محكمة العدل الدولية بداية يمكن البناء عليها لإعادة الاعتبار للقانون الدولي وإلزام إسرائيل بمقتضياته، التي لم تحترمها أبدا، أما إذا بقيت الأمور على حالها (مسارعة دول غربية لوقف تمويل «الأونروا» مؤشر هام في هذا الاتجاه للأسف) فالقناعات السابقة ستزداد رسوخا وحدة حتى تنفجر في وجوه الجميع.
كاتب وإعلامي تونسي