خالد الرويشان يتحدث عن تصرفات حوثية لن يتخيّلَها حتى الشيطان:عارٌ علينا أن نصمت اللواء العرادة يطالب المجتمع الدول بإتخاذ تدابير عاجلة تجفف منابع الدعم الخارجي للمليشيات مليشيات الحوثي تحول مدارس صنعاء إلى معسكرات تدريب للطلاب حزب الإصلاح يلتقي بعيدروس الزبيدي مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي يتحدث عن نقاط ضعف الحوثيين القابلة للاستغلال وحقيقة قدرتهم على تحديد هوية السفن وتعقبها وضربها سلاسل بشرية بمدينة مأرب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ودعما لقطاع غزة - صور وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية
مارب برس- الشرق الأوسط
قبل 28 شهراً، تحدث رجل سويدي أمام مجلس الأمن قائلاً: ليست لديّ أوهام حول صعوبة المهمة، ولن تكون هناك مكاسب سريعة.
الشاب نفسه الذي عمل سنيناً قبل أن يتولى منصبه الأممي سفيراً للاتحاد الأوروبي لدى اليمن، وقبلها داخل دهاليز وزارة الخارجية في استوكهولم؛ حصل بعد عامين ونيّف، على التزامات شكلت عناصر سوف ترسم خريطة السلام اليمني، أولها وقف النار وآلية تثبيته وآخرها عملية سياسية شاملة، وأكثرها إثارة خروج القوات غير اليمنية، وهو ما كشفه هانس غروندبرغ المبعوث الأممي لدى اليمن خلال حوار موسع مع «الشرق الأوسط» جرى كتابياً وأتبعته مكالمة هاتفية.
وتقول مصادر غربية ويمنية لـ«الشرق الأوسط»، إن خروج القوات غير اليمنية يرتبط بإنجاز المرحلة الأولى ومدتها 6 أشهر. وشرحت المصادر ذاتها مصطلح «القوات غير اليمنية»، وقالت إنه يشمل «قوات التحالف، وقوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، وقوات (حزب الله) اللبناني وعناصرهم».
هذه الالتزامات مقسمة بحسب المبعوث على مراحل، وستكون تفاصيلها واضحة في خريطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة. وسيبدأ تنفيذ الالتزامات بمجرد اتفاق الأطراف على الخريطة برعاية الأمم المتحدة، والتي ستشمل المراحل وآليات التنفيذ.
في المقابل، يجد المبعوث انتقادات مختلفة وشكوكاً في استطاعته على إنجاح المهمة.
يقول البراء شيبان، الزميل المشارك في المعهد الملكي البريطاني للدفاع والأمن (روسي)، لـ«الشرق الأوسط»: «يحتاج المبعوث الأممي إعادة ترتيب أولوياته حتى تتوافق مع احتياجات اليمنيين في تعزيز سلطات الدولة وإعادة بناء المؤسسات التي انهارت طيلة فترة الحرب».
يعي غروندبرغ أنه من الطبيعي أن تكون الثقة مفقودة بين طرفي الحرب، لهذا سيعمل على بنائها، ولكن ليس بالخطوات الإنسانية، أو الاتفاقات التي لا يمكن تنفيذها، بل بالهياكل أو البنى الحوارية (dialogue structures)، متكئاً على «مداخل السلام».
وقبل الاسترسال في القصة تجدر الإشارة إلى رسالة المبعوث لليمن واليمنيين بمناسبة العام الجديد، إذ قال: «أتمنى لليمن سلاماً يليق بصمود شعبه وبقدر المعاناة التي خلفتها سنون الحرب، سلاماً عادلاً وشاملاً ومستداماً يؤسس لمستقبل يأمن فيه اليمنيون واليمنيات على حيواتهم وحياة أبنائهم، ويُمَكِّنهم من التطلع لما هو أبعد من حد الكفاف، ويكفل كامل حقوقهم وحرياتهم».
عناصر الخريطة
ترمي الوساطة الأممية بحسب المبعوث، إلى حوار سياسي جاد يهدف بشكل واضح لإنهاء النزاع والتأسيس لسلام مستدام ومستقبل يلبي تطلعات اليمنيين في الحكم الخاضع للمساءلة والتنمية الاقتصادية والمواطنة المتساوية. يقول غروندبرغ إن «الأطراف التزمت بالفعل بالعمل معنا من أجل تحقيق هذه الغاية». مضيفاً: «نحرص على أن تتضمن خريطة الطريق الأممية التزاماً واضحاً من الأطراف بخطوات ملموسة نحو استئناف عملية سياسية شاملة وجامعة يملكها اليمنيون برعاية أممية».
هذه الالتزامات تشكل عناصر خريطة السلام التي يتحدث عنها المبعوث، وقال إنها تسعى لتفعيل وتنفيذ التزامات الأطراف التي تشمل «وقف إطلاق نار في عموم اليمن، وفتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات، ودفع رواتب القطاع العام بجميع أنحاء البلاد، واستئناف تصدير النفط، والمزيد من تخفيف القيود على مطار صنعاء وميناء الحديدة، وإطلاق سراح المحتجزين لأسباب ترتبط بالنزاع، والتحضير لعملية سياسية جامعة يملكها اليمنيون برعاية أممية. كما التزمت الأطراف برحيل القوات غير اليمنية (وهي التي قالت المصادر إنها تشمل التحالف، وفيلق القدس، وقوات حزب الله وعناصره)، وإعادة الإعمار، والانخراط في عملية سياسية جامعة للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم. وقد تعهدت الأطراف بهذه الالتزامات تجاه الشعب اليمني، وليس فقط تجاه بعضهم».
ويؤمن المبعوث بأن هناك كثيراً من المعوقات التي تقف حائلاً دون بدء مفاوضات سياسية شاملة للتوصل إلى حل مستدام للنزاع، ويرى أن أولها انخفاض مستوى الثقة بين الأطراف بعد سنوات طويلة من الحرب. ويقول: «أنا مدرك لصعوبة الأمر وتعقيده الشديد». ويعتقد بأن الحل يكمن في استدامة الحوار كوسيلة لبناء الثقة وحل الخلافات وإحراز التقدم، وهو هدف رئيسي لخريطة الطريق الأممية التي نسعى لتحقيق التوافق حول بنودها مع الأطراف. «إذا وُجِدَت الإرادة السياسية لاستدامة الحوار بحسن نية، وصَدَقَ مقصد إبداء مصلحة الشعب اليمني على المكاسب السياسية والعسكرية قصيرة النظر، فالتغلب على كل المعوقات ممكن واستئناف العملية السياسية والتوصل إلى تسوية سياسية جامعة هي أهداف ممكنة التحقيق».
توضيح «الالتزامات»
لم تكتمل الخريطة لدى غروندبرغ، إذ يبدو أن الدبلوماسي الأممي لا يفضل تعليب الحلول، أو تجزئتها، وإنما جعل الحل يصيغه اليمنيون ويكتبونه بأنفسهم، وإن كانت الطريق طويلة وشاقة.
وبسؤاله عن إعلانه نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عن التوصل إلى التزامات وما جاء بعد ذلك من ردود، أجاب غروندبرغ: «اسمح لي بتوضيح بعض ما التبس بخصوص ما تم التوصل إليه الآن، وما نحن بصدده في الفترة المقبلة. أدت النقاشات التي دارت على مدى الأشهر السابقة لتوافق الأطراف حول عدد من الالتزامات. وأنا ممتن للدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان من أجل الوصول إلى هذه النقطة، فقد كان هدف الدعم الإقليمي والدولي في الفترة السابقة تقريب الأطراف من الاجتماع تحت رعاية الأمم المتحدة للتقدم نحو الدفع بتسوية سياسية جامعة ومستدامة. وبالفعل، توصلت الأطراف إلى عدد من الالتزامات بخصوص وقف إطلاق للنار يشمل عموم اليمن، وعدة إجراءات لتحسين ظروف المعيشة، واستئناف عملية سياسية جامعة برعاية أممية. ووافقت الأطراف أيضاً على أن أعمل ومكتبي معهم من أجل تفعيل تلك الالتزامات من خلال خريطة طريق أممية. فالمقصد من خريطة الطريق الأممية أن تكون وثيقة لتفعيل ما توصلت الأطراف إليه من التزامات بالفعل من خلال تحديد آليات التنفيذ اللازمة للإيفاء بتلك الالتزامات، كما سترسم خريطة الطريق أيضاً الخطوات المقبلة بما يشمل التحضير من أجل استئناف عملية سياسية جامعة بقيادة يمنية ورعاية أممية».
وتابع بالقول: «سأعقد وفريقي حواراً مع الأطراف حول عناصر خريطة الطريق الأممية في الأيام المقبلة تفعيلاً لما التزموا به. فمهمتنا في الفترة المقبلة تركز على بناء توافق حول آليات التنفيذ، وحول كيفية البناء على التزامات الأطراف من أجل استئناف العملية السياسية».
مداخل السلام
مفاتيح غروندبرغ لا تشبه أسلافه، لم يستخدم اتفاقاً إطارياً أو سعى تجاه فسيفساء من الاتفاقات التي يستحيل تنفيذها على الأرض، ولم يصل إلى نقطة توافق كبيرة كتلك التي كادت تنهي الأزمة في مشاورات الكويت، ولم يُصِغ اتفاقات سلام وشراكة تنتهي بتمكين طرف من الانقلاب، لعله استفاد من تلك الدروس، أو على الأقل اتخذ من استراتيجية النفس الطويل مساراً هادئاً. يقول المبعوث: «جزء مهم من تركيزنا في المرحلة الحالية، وفي سياق بناء التوافق حول خريطة الطريق منصب على تأمين مشاركة الأطراف في بُنَى حوارية على المسارات السياسية والاقتصادية والعسكرية تدعم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من إجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن على المدى القصير، وتبتدئ النقاش حول القضايا طويلة الأمد التي تضمن استدامة تلك الإجراءات، وتمهد للوصول إلى تسوية سياسية جامعة».
وللاستدلال على ذلك، يستحضر المبعوث تفعيل تلك المنصات الحوارية منذ الهدنة، «كانت أولاها لجنة التنسيق العسكري التي جمعت ممثلين للأطراف عملوا معاً أثناء شهور الهدنة على خفض حدة التوترات والتعامل السريع مع أي مخالفات حتى لا تنفلت الأمور وينهار الاتفاق... استمر عملنا مع أعضاء اللجنة حتى بعد انتهاء الهدنة لضمان استمرار خفض التصعيد وللنقاش حول محددات اتفاق وقف إطلاق النار المأمول وطرق المضي قدماً نحو إجراءات أمنية انتقالية مسؤولة وواقعية. ونسعى الآن للتوصل إلى اتفاق حول إنشاء آلية يقودها الأطراف بتيسير أممي لإدارة وقف إطلاق النار المرتقب بناءً على تجربة لجنة التنسيق العسكري».
وتقول الأمم المتحدة إنها مستمرة في الدفع نحو الجمع بين الأطراف في منصات حوارية مماثلة اقتصادية وسياسية كلبنة أولى في طريق التوصل إلى حل شامل، وهو أمر يسانده الفاعلون الإقليميون والدوليون في إطار دعمهم لجهود الوساطة الأممية. وهناك يقين لدى غروندبرغ بأن «استدامة الحوار هي الضمان الرئيسي لاستمرار الحركة في اتجاه الحل السياسي ولتجنب النكوص عن الالتزامات. وتقع على عاتق الأطراف مسؤولية الالتزام بمواصلة العمل بشكل بناء معنا، ومع بعضهم، لضمان الحفاظ على الزخم واستمرار التقدم».
وتصف هانا بورتر وهي باحثة في «إيه آر كي»؛ وهي مؤسسة دولية تعنى بالتنمية والأبحاث، الخطوات، بأنها «حاسمة نحو تحسين سبل عيش اليمنيين والحصول على السلع الأساسية والرعاية الصحية. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن هذه هي القضايا المحددة التي واجهت تحديات متكررة في الجولات السابقة من المفاوضات. ومن غير الواضح كيف سيتم حل هذه المشاكل، أو مدى الالتزام الذي سنراه من كل طرف في دفع الرواتب فعلياً أو فتح الطرق».
شبح البحر
حقق ملف السلام اليمني في عام 2023 اختراقات عديدة. سعت إيران إلى عودة العلاقات مع السعودية وجاء اتفاق بكين برعاية صينية، وزار وفد سعودي صنعاء، وزار وفد من صنعاء الرياض. ونعم اليمنيون بأطول سنة هادئة منذ انقلاب سبتمبر (أيلول) 2014. صحيح أن التهدئة بدأت في الشهر الرابع من عام 2022، لكن العام الماضي كان بأكمله عام خفض التصعيد (باستثناء هجمات تتهم الحكومة الحوثيين بتنفيذها في أكثر من محافظة).
لم يكد ينتهي العام الهادئ حتى خرج الحوثيون بهجمات قال مناهضو الجماعة إنها تستهدف الملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر. نفذ الحوثيون عشرات العمليات العسكرية من صواريخ موجهة وقرصنة ومسيرات مفخخة، وفي المقابل شكلت واشنطن «حارس الازدهار»، وهي تحالف بحري (وصل حتى الآن إلى 22 دولة) وأرسلت رسائل إعلامية، وأخرى عسكرية بصد هجمات وإغراق زوارق، فضلاً عن خطوات ناعمة تتمثل في تصنيف ممولين ومحركي أموال إيرانية تذهب للحوثيين في قوائم العقوبات الأميركية.
سألت «الشرق الأوسط» محمد عبد السلام المتحدث باسم الحوثيين، حول ارتباط تأثير تلك العمليات على السلام الداخلي في اليمن، فأجاب: «نعتقد أن مسار الشأن اليمني لا يتأثر بما يجري في البحر الأحمر والبحر العربي من عمليات محدودة تستهدف إسرائيل فقط».
وتتوسط السعودية بمشاركة عمانية بين الحكومة اليمنية والحوثيين ونجحت في مشوار طويل وطريق ليست مفروشة بالورد من التوسط بين الأطراف وتحقيق اختراق يمهد السلام اليمني برعاية الأمم المتحدة.
وقال عبد السلام إن «العمليات في البحر الأحمر والبحر العربي لا علاقة لها بالملف اليمني أو مسار السلام والنقاش مع الأشقاء في المملكة برعاية عمانية، كون تلك العمليات مرتبطة بشكل محدد واضح؛ وهي تستهدف السفن الإسرائيلية أو التي لها علاقة بها أو متجهة إلى موانئ الكيان الإسرائيلي كموقف داعم للشعب الفلسطيني، ولتخفيف الحصار الخانق عليه، ولا تستهدف العمليات في البحر الأحمر والبحر العربي أي دولة أخرى في العالم غير إسرائيل، وهذه قواعد اشتباك فرضها الإسرائيلي من خلال فرضه حصاراً خانقاً يستهدف الغذاء والدواء، فضلاً عن القتل الوحشي اليومي للأطفال والنساء».
أمام ذلك يرى البراء شيبان أن هناك إشكالية ستؤثر على عملية السلام في اليمن، وقال إنها «شبيهة بمشكلة حزب الله وعلاقته بالدولة اللبنانية». ويشرح الزميل في معهد «روسي» ذلك بالقول: «يعتقد الحوثيون أن بإمكانهم اتخاذ قرارات متعلقة بأمن البحر الأحمر والسياسة الخارجية لليمن من دون التوافق مع المكونات اليمنية... السياسات الخارجية للدولة لا يتخذها طرف معين، هذه يجب أن تحظى بإجماع وطني وتكون متوافقة مع التزامات اليمن الإقليمية والدولية».
وعند سؤاله: «كيف ترى استمرار الهجمات في البحر الأحمر والتهديد المستمر للملاحة البحرية بباب المندب؟ كيف سيؤثر ذلك على جهود الأمم المتحدة في التوصل إلى خريطة طريق؟»، أجاب غروندبرغ قائلاً: «يراقب الأمين العام للأمم المتحدة والهيئات المختصة بالأمم المتحدة عن كثب، تقارير الهجمات على السفن في البحر الأحمر وباب المندب. وأكّدت الأمم المتحدة مراراً أهمية ضمان احترام القانون الدولي بالكامل فيما يتعلق بالملاحة البحرية وضرورة ضمان حرية الملاحة. كما حذر الأمين العام مراراً من خطورة توسع العنف الذي يستمر في الأراضي المحتلة، وشدد على الحاجة العاجلة إلى وقف إطلاق النار فوراً لأسباب إنسانية لإنهاء المأساة التي تتكشف في غزة. وهنا أود أن أضم صوتي لصوت الأمين العام لدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بتوسع رقعة العنف وتهديد أمن وسلامة المنطقة».
وأضاف بالقول: «يظل تركيزي منصباً على اليمن، واليمن يستحق فرصة لتحقيق السلام. ومن أجل هذه الغاية سنحتاج إلى أن تظل البيئة مواتية لاستمرار الحوار البنّاء حول مستقبل اليمن».
من ناحيتها، تقول هانا بورتر إن «هناك قلقاً إضافياً من أن هجمات الحوثيين الأخيرة في البحر الأحمر ستؤدي إلى تقويض عملية السلام». تكمل هانا بالقول: «هذه هي اللحظة التي يشعر فيها الحوثيون بالتمكين بشكل خاص، لذلك قد نرى تردداً منهم في تقديم أي تنازلات خلال المفاوضات».
القضية الجنوبية
«المسألة الجنوبية قضية محورية»، يقول المبعوث: «أؤكد على ضرورة التوافق بشأنها بشكل سلمي يعتمد على الحوار في إطار عملية سياسية تشمل الأصوات الجنوبية على تنوعها، وتوفر الدعم لجميع اليمنيين للتوصل إلى اتفاق حول مستقبل اليمن بصورة تشاركية».
ويعتقد غروندبرغ أن الوساطة السياسية في كثير من الأحيان تتمثل في «الاستفادة من المداخل المتوفرة التي يتوافق الأطراف بشأنها... لقد دعمنا وصول الأطراف إلى الالتزامات التي وافقوا عليها على مدار الأشهر الماضية، وركزنا جهودنا على ضمان أن يكون واحداً من هذه الالتزامات هو الدخول في عملية سياسية جامعة. فبينما تتعدد المداخل، هدفنا ثابت ولم يتغير. وكانت الهدنة بالنسبة لنا أحد هذه المداخل، كما يشكل اتفاق الأطراف على هذه الحزمة من الالتزامات نقطة دخول أخرى. ونحن في الأمم المتحدة سنعمل من خلال أي نقطة بداية متاحة وصولاً إلى حل سياسي مستدام يلبي تطلعات اليمنيين واليمنيات، والذي ينبغي أن يشمل قضية الجنوب».
في هذا السياق، والحديث للمبعوث، «سنعمل مع الأطراف لوضع خريطة طريق لتفعيل الالتزامات التي توافقوا حولها بالفعل. تلك هي نقطة البداية التي ارتضتها الأطراف لنفسها، وعملنا الآن منصب على تفعيل تلك الالتزامات من خلال خريطة طريق أممية، ودعم الأطراف في تنفيذ هذه الالتزامات بعد الاتفاق على خريطة الطريق، والتقدم نحو عملية سياسية. فخريطة الطريق خطوة على مسار السلام، ولن تكون اتفاقاً شاملاً للسلام، ومنها ستبدأ الاستعدادات للعملية السياسية»، متابعاً: «تهدف تلك المرحلة التحضيرية إلى أن تكون منفتحة وجامعة إلى أقصى حد ممكن، وستشكل العملية السياسية المنبر لمعالجة القضايا السياسية طويلة المدى التي تهدف إلى حل النزاع بشكل مستدام».
المرأة... الشباب... النسيج الاجتماعي
سألت «الشرق الأوسط» المبعوث الأممي: «لماذا لا نرى الشباب ممثلاً في الحكومة ومختلف الكيانات السياسية؟ ونعني الشباب هنا الشبان والفتيات»، فقال: «هذا سؤال وجيه للحكومة ومختلف الكيانات السياسية. المشاركة السياسية للشباب والشابات تمثل قيمة أساسية ومبدأ أساسياً في المنظومة القيمية للأمم المتحدة، وهو موضوع ركز عليه كثير من قرارات مجلس الأمن».
وتابع غروندبرغ بإسهاب: «إلى جانب الإطار القانوني والقيمي، دعنا نفكر في الأمر بمنطقية. شباب اليمن هو مستقبله، ونساء اليمن هن نصف شعبه، إقصاء النساء والشباب من دوائر صنع القرار إقصاء لنصف اليمن وكامل مستقبله. وإشراك الشباب والنساء بشكل فعال أمر أكثر تعقيداً من مجرد التمثيل، إلا أن التمثيل جزء بالغ الأهمية من المعادلة. وندعو الأطراف باستمرار لإشراك النساء والشباب في اجتماعهم بالأمم المتحدة ووفود التفاوض وفي دوائر صنع القرار».
وأوضح المبعوث أن مكتبه بدأ في مجهود توسيع نطاق التشاور بشأن العملية السياسية المرتقبة في اليمن، «عقدنا في الأشهر الماضية عدداً من المشاورات مع ناشطات ونشطاء سلام وخبيرات وخبراء يمنيين في الأردن وعدن ومصر، كما تشاور فريقي مع مجموعة من الإعلاميين وناشطي المجتمع المدني في عدن ومأرب وحضرموت، بالإضافة للمشاورات المستمرة مع ممثلي السلطة المحلية والفاعلين الأمنيين والأحزاب السياسية والوسطاء المحليين على الأرض. ونسعى لتوسيع نطاق تواصلنا مع المجتمعات اليمنية بشكل مباشر لإثراء جهود الوساطة الأممية برؤى وأولويات واهتمامات اليمنيين على تنوعهم، وللتوصل إلى صيغ تشاركية وجامعة في تصميم العملية السياسية المأمولة في اليمن».
برز سؤال آخر: «لطالما أسألك كلما تقابلنا عن النسيج الاجتماعي اليمني وكيف يستطيع اليمنيون في ظل صراع كبير، وهناك صراعات أخرى ليست أصغر تفجرت من رحم هذا الصراع، فهناك مشاكل شمال وجنوب، وهناك صراع آيديولوجي، وهناك اتهامات لحركات قومية وعنصرية بدأت تتسلل وتجد جمهوراً كبيراً، فكيف يستطيع اليمنيون الحفاظ على النسيج الاجتماعي اليمني في ظل تلك العوامل؟»، أجاب غروندبرغ بالقول: «كلما طال أمد النزاع، استمرت الظروف المواتية لتأجيج الاستقطاب والتشرذم. طريق المصالحة والتعايش السلمي طريق شاقة وطويلة لا تنتهي بالتسوية السياسية، بل تبدأ بها. وأكرر مجدداً أن السبيل هي استدامة الحوار على كل المستويات الوطنية والمحلية مهما بلغ قدر الاختلافات للتوصل إلى تفاهمات توافقية وصيغ تشاركية وتقريب وجهات النظر. بالرغم من طول سنوات الحرب وتعقيد المشهد السياسي والاستقطاب الذي صاحب تلك الظروف، فإن هناك قدراً ملحوظاً من التكافل والتعاضد في المجتمعات اليمنية وجهوداً مشكورة من منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص اليمني لسد بعض الفجوات المتعلقة بالخدمات الأساسية وللمساعدة في جهود الإغاثة الإنسانية. كما أن صمود اليمنيين وعمل المجتمع المدني الدؤوب من أجل الحفاظ على النسيج الاجتماعي والتصدي للنعرات الطائفية والمناطقية رغم التحديات؛ كل ذلك يعد أمراً ملهماً ويستحق الإشادة».
الأوضاع الاقتصادية
التعثر والتشرذم الاقتصادي من مسببات المعاناة الرئيسية في اليمن، يقول غروندبرغ: «إنه مجال شهد قدراً كبيراً من التصعيد في الآونة الأخيرة. تسليح الاقتصاد على هذا النحو أمر مكلف للغاية بالنسبة للمدنيين ويجب أن يتوقف. وقد توصلت الأطراف بالفعل إلى عدة التزامات في الملف الاقتصادي؛ منها دفع رواتب القطاع العام واستئناف صادرات النفط. وستعمل خريطة الطريق الأممية على إطلاق لجنة اقتصادية مشتركة بتيسير الأمم المتحدة من أجل دعم تنفيذ تلك الالتزامات وتوفير مساحة للحوار في حال ظهور الخلافات أثناء عملية التنفيذ، وبناء الثقة وبدء المناقشات حول الأولويات الاقتصادية طويلة المدى».
يضيف المبعوث أنه «لا يمكن فصل المسار الاقتصادي عن المسار السياسي أيضاً»، إذ كشفت الأشهر الماضية «عن حجم المعاناة التي خلفتها سنوات الحرب، والذي ظهر جلياً، ومُؤكِداً بما لا يدع مجالاً للشك أن الحلول الجزئية والمؤقتة لا تكفي، وأن عملية سياسية شاملة هي السبيل الوحيدة لمعالجة القضايا المتعلقة بالتعافي الاقتصادي والإنساني بشكل مستدام». ويرى أن «معالجة الأعراض الآنية للقضايا السياسية العالقة أمر مهم في سبيل تخفيف المعاناة الإنسانية لليمنيين واليمنيات، وهو ما نحن بصدده الآن». إلا أن الحلول لن تكون كافية أو مستدامة دون أن يصاحبها تقدم حقيقي على المسار السياسي.