إعلام الشرعية: قضية عادلة و محامٍ فاشل.! 
بقلم/ جلال المحمدي
نشر منذ: 6 سنوات و 8 أشهر و 4 أيام
الأحد 23 يوليو-تموز 2017 02:41 م

للإعلام (السلطة الرابعة) دور مهم في الحياة العامة للشعوب في الحرب والسلم. و تخطّى مؤخراً السلطات الثلاث التشريعية و القضائية و التنفيذية ليحل اولاً من حيث الأهمية و الأثر. فلقد غدا الإعلام اللاعب الرئيس في عملية الاتصال بالجماهير، و التي توسعت مداركها و آفاقها الفكرية، و اضحت تسأل ما، و لمَ، و كيفو تطالب بالإجابة، و ذلك مع بزوغ الثورة المعلوماتية وتعاظم وسائل الاتصال والإعلام – ومع جمهور بهذا المستوى لن يجدي نفعاً الخطاب الإعلامي الكلاسيكي العتيق و الذي تجاوزه الزمن. و لم تعد وسائل الاعلام الرسمية بخطابها التقليدي تروي ظمأ المتلقي و تشبع نهمه في المعرفه، فعزف عنها و غادرها الى مصادر ووسائل اعلامية اخرى اكثر حرفية، و بالتالي نجح في كسر الطوق.

 

و تاريخياً كان للإعلام اثراً بالغاً في الحروب، ففي الحرب العالمية الثانية لعب المذياع دور فاعل كوسيلة دعائية، بينما لعب التلفاز دورأ محورياً في حرب فيتنام، أما حرب الخليج الثانية فقد تزامنت مع بداية ظهور الفضائيات التلفزيونية و كانت شبكة سي ان ان الامريكية بطلها المطلق. بينما منحت الحرب الأمريكية على افغانستان الفرصة الذهبية ليلمع بريق قناة الجزيرة والذي ازداد توهجاً إبّان الغزو الامريكي للعراق و احتلاله في 2003م. و مؤخراً وتحديداً منذ اواخر العام 2010 و مطلع العام 2011 و بزوغ ثورات الربيع العربي لعبت وسائل التواصل الإجتماعي (فيس بوك و توتير و يوتيوب) دوراً محورياً في الهزات السياسية التي شهدها العالم العربي والتي لم يكن أحداً يتوقعها بتلك السرعة و بذلك القدر من التأثير، والذي لا تزال تفاعلاتها مستمرة حتى الآن.

 

و في خضم المعركة المصيرية التي تدور رحاها على أرض الوطن منذ سنتين و نيف و تستهدف هويته، يتبدى إعلام الشرعية باهتاً و هزيلاً و لم يرق لمستوى المعركة و عدالة القضية. تخبط و عشوائية و غياب رؤية و سطحية فجة و مستوىً إعلامي ركيك كادراً و مضموناً. و يكاد أغلبية جمهور المقاومة و أنصارها لا يتابعونه عوضاً عن ان يثقون به و ينصرفون لمصادر إعلامية اخرى، في الغالب غير يمنية، او إلى وسائل التواصل الإجتماعي (فيس بوك و تويتر و غيره) للحصول على المعلومة..!

 

لم تنجح الشرعية إلى الآن الى في تعريف ماهية المعركة الجارية. هل هي معركة وطنية ام دينية ام طائفية ام مناطقية ام كل ذلك مجتمعاً! معرفة ماهية المعركة يقتضى تحديد الأدوات والآليات الإعلامية المناسبة للمواجهة. فتارة تُقدم على انها معركة السُنة ضد \"الشيعة الرافضة\"، و اخرى على انها معركة تخليص اليمن من هيمنة و قبضة \" الهضبة و شمال الشمال\" و ثالثةً على انها معركة الشرعية الدستورية ضد \"الأنقلابيين والإماميين\" لتثبيت الجمهورية و تطبيق مخرجات الحوار الوطني. 

 

كما لا تزال وسائل إعلام الشرعية تسلك الطريقة التقليدية في تناول الأخبار و تحليلها و لم تقدم عملاً خلاقاً يشكل اختراق على المستوى الإعلامي و الثقافي على الإطلاق. فلا تكاد تخلو نشرات الأخبارات من برقيات التعازي و التهاني التي يبعثها الأخ/ رئيس الجمهورية و نائبة و رئيس الوزراء و التي تتصدر نشرات الأخبار الرسمية. و لا تزال مضامين البرامج التلفزيونية و المادة الاعلامية المقروءة يغلب عليه الإنطباعية و الرأي على المعلومة و الرسالة. كما لا يزال الاعلام الشرعي يستنسخ و يحاكي الاعلام المُعادي و يتأثر و لا يُؤثر، حتى على مستوى الأناشيد و الاغاني الوطنية، فلقد تجاهل إعلام الشرعية التنوع الثقافي الموجود في البلد و راح يجاري الحوثيين حتى في زواملهم، و يرد على الزوامل بزوامل مضاده. لا مشكلة لدينا مع الزوامل فهي تمثل ثقافة مناطق يمنية معينة و لكن لمَ لا يلتفت الى الألوان الفنية الأخرى و التي تمثل كافة المناطق اليمنية و هو ما تم استغلاله بذكاء لافت خلال احداث ثورة 11 فبراير. هذا مجرد مثال للتخبط الحاصل. كما انه لا يزال أغلب المُحررين و مقدمي البرامج و الكُتاب هم من حملة مباخر علي صالح و نظامه البائد. منهم من غادر مركب صالح عندما رأه آيلاً للغرق فألتحق بمركب الشرعية او تم زرعه فيها. ثم لقي كل هؤلاء الترحاب وتم إعادة تدويرهم وضعهم في مراكز صناعة القرار في الملف الإعلامي و هي خطوة مريبة و لا يمكن لعاقل تفسيرها! فإن كان هؤلاء فعلاً قد تبرأوا من جرم المشاركة في تلميع صالح و تبرير فساده، ورأت الشرعية ان الوقت غير ملائم لمحاسبتهم و ارتأت ان الظرف يستلزم التسامي و التسامح، فلا بأس. فليتركوا و سبيل حالهم و يُعطون رواتبهم و يحالون للتقاعد. و ليترك إعداد و تنفيد الملف الأعلامي لأيادٍ وطنية نقية، ناضلت منذ أمدٍ بعيد ضد فساد نظام صالح و ضحّت و لا تزال من اجل الوطن، و تملك من الكفاءة و الخبرة و الوطنية ما يجعلها الأجدر لشغل هذا الدور. لكن هذا لم يحدث للأسف..!!

 

حاولت بعض وسائل الإعلام الخاصة المؤيدة للشرعية و للمقاومة خوض غمار المواجهة مع الانقلابيين و نجحت الى حدٍ ما في ذلك و لكنها و عند تحليل و دراسة مضمونها و رسالتها الأعلامية لا نجدها تتفق تماماً و الخط العام للشرعية بل لها أجنداتها الخاصة بها و تصورها الذاتي لماهية المعركة. و هي ايضاً لا تزال تعاني من ركة الكادر و ضعف المضمون حتى انه و في كثير من الأحيان لا يستطيع مقدمي البرامج في بعض القنوات التلفزيونية الخاصة المؤيدة للشرعية نطق اسماء المناطق اليمنية بشكل صحيح.. !

 

كما ان هناك مجهودات محمودة لبعض الشخصيات و الكُتّاب الوطنيين و الذين يبلون بلاء حسناً، لكنهم و للأسف يعملون منفردين، و لن يكون لمجهوداتهم الأثر المرجو مالم يجتمعوا معاً و بالتنسيق مع قيادة الشرعية لبلورة مشروع إعلامي وطني واضح تسير عليه كل وسائل أعلام الشرعية بمختلف انواعها.!

 

فلدينا وزارة إعلام تملك جيش جرار من الوكلاء و المدراء و الموظفين و لكنها تقف عاجزة عن رسم استراتيجية واضحة لإدارة المعركة إعلامياً، ليس لعدم عدالة القضية بل لفشل المدافعين عنها إما لفساد متأصل فيهم او لعقولهم الصدئة التي تفتقر للخيال و تعجز عن الأبداع...!

 

أين دور رئيس الجمهورية في الملف الإعلامي ؟ و لم لا يخاطب شعبه كل شهرٍ على الأقل، ليطمأنه على مستقبله و يضعه في صورة الأحداث؟ اين خطابات رئيس الوزراء ومؤتمراته الصحفية، والذي اكتفى بدوره مؤخراً بمنشورات على صفحات الفيس بوك و توتير؟ اين المتحدث بإسم رئاسة الجمهورية و المتحدث بأسم الحكومة و المتحدث بإسم الجيش و المتحدث بإسم المقاومة؟ لم لا يتم تصوير المعارك بشكل إحترافي لتوثيق بطولات الرجال و لرفع معنويات المقاتلين في كل الجبهات و استخدامها في الحرب الدعائية و النفسية ضد العدو؟؟!! 

 

في المقابل لا يكاد على صالح يفوت مناسبة إجتماعية إلاّ وحضرها وسط المخاطر المحيطة به و في ظل رصد و استهداف الطيران له، و كذلك يفعل محمد على الحوثي و الصماد، الذي زار مؤخراً الحديدة برفقة وزير دفاعه ورئيس اركانه و ابحروا جميعاً الى جزيرة كمران في تحدٍ واضح للحصار البحري الذي يفرضه التحالف العربي. و قد زار قبلها قواته في جيزان..! 

 

ماذا لو فكر هادي بزيارة مدينة تعز و لو حتى بشكل سري، و لا يعلن عن الزيارة الا عقب عودته. فقط يأتي الى اي موقع عسكري، مرتدياً الزي العسكري الوطني و يقابل المقاومون ثم يطلق رصاصة في الهواء كرسالة رمزية لإلتحام القائد بجنوده. و ماذا لو زار تعز نائب الرئيس او رئيس الحكومة. لم لا يتناوبون على زيارة كافة الجبهات. هل تتوقعون حجم الإلتفاف الشعبي الذي سيلقنوه و كم سيكون الاثر بالغاً لدى معنويات المقاومون و من بدأ اليأس يستلل الى قلبه و بدأت ثقته تهتز بمشروع الشرعية..! 

 

ماذا لو تم تثويق جرائم الإبادة الجماعية و جرائم ضد الانسانية التي ارتكبت و لا تزال على المدنيين في تعز و في غيرها من المناطق، و تم تقديمها للعالم بشتى الصور و على كل المستويات (حكومات و منظمات دولية و منظمات حقوق انسان و محاكم دولية) و في كل الفعاليات. و لتشارك في ذلك كل سفارات الجمهورية اليمنية ليرى العالم جرائم الأنقلابين. تلك الجرائم التي إن سُلط عليها الضوء كما يجب لأيقظت من ضميره نائم و أحيت من ضميره ميت، و لشكّلت رأي عام (داخلي وخارجي) ضاغط على الانقلابيين و من يقف ورائهم. 

 

قائمة إخفاقات الشرعية في الملف الإعلامي طويلة جداً و لا يتسع المقام لسردها، لكنها دعوة مخلصة للوطنيين و الأحرار في هذا الوطن بأن يتم الألتفات لهذا الملف الهام و إعطائة ما يستحق من الأهتمام فالخطب جلل و الكوارث تُحيط بالوطن من كل صوب و لن يكون احداً منا بمنأىً عن تبعات ما يجري فلا بد من المجابهة على مختلف الأصعدة