الجنس لأجل البقاء:
بقلم/ دنيا الوطن
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 18 يوماً
الجمعة 04 يناير-كانون الثاني 2008 08:35 م

تتراقص شابات عراقيات يرتدين ثيابا ضيقة وبراقة في ملهى ليلي وسط نظرات نهمة لمواطنين خليجيين يجلسون على موائد قريبة.

وتعزف الفرقة اغان عراقية حتى الساعات المبكرة فيما ينضم شبان الى الرقص او يستدعون الشابات للجلوس معهم دون محاولة تذكر لاخفاء حقيقة ما يحدث في الملهى الذي يقع شمالي دمشق على بعد رحلة نصف ساعة بالسيارة.

ولا ترغب الراقصات وبعضهن في بداية سن المراهقة في الحديث ولكن واحدة قالت انها الوسيلة الوحيدة لاعالة اسرتها وقالت الفتاة ذات الشعر الاسود وهي ترتدي ثوبا من اللونين الاسود والفضي "قتل والدي في بغداد ونفد مالنا".

وتطلق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة على ذلك تعبير "جنس من اجل البقاء" وهو وسيلة يائسة لجأت لها لاجئات عراقيات نفدت مدخراتهن بعدما فررن من اعمال العنف في بلادهن كي يمكنهن مواصلة الحياة في دمشق.

وينفر كثيرون من بين 1.5 مليون عراقي في سوريا من الفكرة، ولكن الصراع من اجل توفير متطلباتهم اضطر البعض للاقامة مع عائلات اخرى في شقق صغيرة في الاحياء الفقيرة في دمشق ودفع اطفالهم الى العمل او تزويج بناتهم المراهقات.

وتقول هناء ابراهيم رئيسة هيئة ارادة المرأة العراقية انه في بعض الاحيان تكون مثل هذه الزيجات المبكرة غطاء لممارسة الدعارة اذ سريعا ما تجري المتاجرة في الزوجات الشابات.

واشارت الى تزايد الزيجات المؤقتة المقبولة لدى الشيعة كوسيلة اخرى شائعة لتجارة الجنس وتضيف "زواج المتعة (المؤقت) عند الشيعة فقط ولكن من قال انه ليس لدى السنة سبل اخرى".

ويقول لوران جوليس ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ان الجنس من اجل البقاء يتناسب بشكل مباشر مع فقر اللاجئين بصفة عامة.

وأضاف "نرى امثلة متزايدة لشابات أو نساء قررن من تلقاء انفسهن او من خلال اسرهن الانخراط في ملاه ليلية لتكملة دخل الاسرة او لمجرد اعالة اطفالهن".

وينتهي الحال باحتجاز بعضهن ومن يخرجن يسدد من يستغلهن كفالتهن في اغلب الاحوال ليعدن للشارع من جديد.

وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ان الفقر هو ايضا العامل الرئيسي الذي يدفع اللاجئين للعودة لديارهم اذ يعبر نحو 1500 الحدود للعودة للعراق يوميا مقابل وصول ما يصل الى 500 كل يوم.

واظهر مسح في نوفمبر/تشرين الثاني أن 46 في المئة يعودون بسبب مصاعب مالية و26 في المئة لانتهاء تأشيراتهم. وفي الاونة الاخيرة شددت سوريا اجراءات الدخول والاقامة.

وبين عشرات الالاف من الاسر العراقية اللاجئة التي سقطت في براثن الفقر عقد عدد كبير العزم على عدم التضحية بالشرف.

وتقول رقية فضل (34 عاما) وهي تبتسم رغم الواقع الكئيب الذي يحيط بها "لا نفكر في مستقبلنا (..) فقط في مستقبل اطفالنا".

ويتعين عليها ان ترعى زوجها فلاح جهيل المصاب بالشلل في النصف الاسفل من الجسم اثر اصابة بعدة رصاصات في متجره للهاتف المحمول في بابل جنوبي العراق قبل ثلاث سنوات.

 

 

وباع الزوجان منزلهما لسداد قيمة علاج جهيل في أول سبعة اشهر قضاها في المستشفى وفي النهاية فرا الى سوريا مع طفليهما (7 و11 عاما) واقامت الاسرة لمدة عام في حي السيدة زينب في دمشق المزدحم بالعراقيين.

وبعد ان نفدت مدخرات الاسرة اعتمدت على المعونات واي مساعدة يمكن الحصول عليها من وكالات الاغاثة الاجنبية وتأمل أن تحصل يوما على أموال للذهاب الى الخارج حتى يمكن حصول جهيل على علاج متقدم ربما يمكنه من السير مرة اخرى.

وتقدم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ووكالات مشاركة لها الغذاء والمال للاسر العراقية الاكثر عوزا التي يمكن الوصول اليها.

وتنوي تقديم عبوات غذائية لما لا يقل عن 200 الف في الشهرين المقبلين مقارنة مع 51 الفا في الوقت الحالي. وستحصل نحو سبعة الاف اسرة على مئة دولار شهريا.

واحيانا ما يصيب بشرى (39 عاما) التي احجمت عن ذكر اسم عائلتها اليأس جراء حياتها المهينة كلاجئة وكفاحها لرعاية اسرتها في بلد اجنبي.

وتوضح ان مشاكلها بدأت حين قتل اشقاؤها الثلاثة بامر من الرئيس العراقي السابق صدام حسين مما دفع زوجها للتخلي عنها وهجرت ارملتا الشقيقين المتزوجين اطفالهما.

واضحت بشرى مسؤولة عن رعاية تسعة اطفال احدهم فقط طفلها وام مريضة وقتل احد الصبية على ايدي الميليشيات الشيعية في العراق وعذب سفيان الاكبر سنا (21 عاما) واصبح عاجزا عن العمل ويكتفي بمشاهدة التلفزيون.

وتقول بشرى القوية عادة بعدما غالبتها الدموع في حجرة رطبة بدون تدفئة تنام فيها الاسرة "انا متعبة جدا، اصابني الكلل. ما هذه الحياة؟ لم نعرف الحياة في ظل حكم صدام ولم نعرف الحياة بعده".

وتتذكر والدتها حياة أكثر راحة في بغداد في وقت سابق وتقول ان مساحة شقتهم في دمشق اقل من مساحة رواق في فيلا كانت ملكهم في وقت ما.

وتضيف "اعيدوني الى بغداد. اريد ان اموت هناك".

وبشرى التي عملت كمصورة فوتوغرافية ومصففة شعر في بغداد لم تجد عملا في دمشق اذ يحظر رسميا على اللاجئين العراقيين العمل في سوريا. ويعمل احد الابناء البالغين من آن لاخر في مواقع بناء مقابل نحو ثلاثة دولارات في اليوم.

ونجحت بشرى بشكل ما في المحافظة على تماسك اسرتها ولكن من السهل ادراك السبب الذي يدفع بعض المهاجرين في نفس الموقف الصعب لارسال اطفالهم للعمل او التسول او تجاهل المحظورات الاجتماعية والدينية ودفع نسائهن لنواد ليلية او زيجات مشبوهة.