احتقانات الجنوب ?
بقلم/ عبدالعزيز العرشاني
نشر منذ: 17 سنة و شهرين و 13 يوماً
الأحد 09 سبتمبر-أيلول 2007 08:34 م

في عدن يعرضون بـ»الدحابشة» وفي حضرموت يرفضون الاحتلال قبل أكثر من 3 سنوات كان الرئيس علي عبد الله صالح يلوح بيديه لتحية المشاركين في كرنفال الاحتفال بالعيد الـ14 للوحدة، استمع لفقرات الحفل المعدة سلفا : أغاني مبتهجة بالوحدة، وبالرئيس الذي حاز مساحة من الإطراء ربما مساوية للمنجز، وبدا الرجل باسما، ممتلئا بالكثير من الزهو.

كانت عدن آنئذ تحتفي بالمناسبة على الطريقة الرسمية: مهرجانات كرنفالية وعروض عسكرية وإعلام رسمي مكرس على مدار الساعة لبث الأغاني الوطنية، متزامنا مع برامج احتفالية تظهر البلد طافحا بالمنجزات فقط

لم يعد الأمر على ما يبدو مفضلاً الآن ، وقد كانت عدن على موعد مع احتجاجات قاسية « يا دحابشة يا يهود، علي ناصر بايعود»، شعارات رددها الآلاف من المقاعدين قسرياً منذ حرب 1994م ،عكست مشكلة عميقة في النفوس هي بالتأكيد نتاج ممارسات غير صحيحة على الأرض.

صباح السبت الفائت توافد الآلاف إلى ساحات العروض بمنطقة خور مكسر بعدن لتنفيذ ما كانوا وعدوا به : تنظيم عرض عسكر ي (بدون سلاح) للاحتجاج على سوء أحوالهم والمطالبة بإعادتهم للخدمة، وتسوية أوضاعهم المالية.

قبل خمسة أشهر بدأ الآلاف من المقاعدين من القوات المسلحة والأمن المنتمين للمحافظات الجنوبية والشرقية تنفيذ اعتصامات في محافظاتهم لكن السلطة لم تتجاوب مع مطالبهم إلا مطلع شهر يونيو الماضي بتشكيل لجنة مشتركة من الخدمة المدنية ووزارتي الدفاع والداخلية.

لقد أصروا على الاستمرار في الاحتجاج بتشكيل مجلس تنسيق يضم ممثلين عن كل المتقاعدين في المحافظات الجنوبية والشرقية وقرروا نهاية الشهر الماضي تنفيذ خطوة نوعية: تنظيم عرض عسكري حدد له تاريخ 7 يوليو، وهو اليوم الذي بدأت فيه مشكلتهم قبل 13 عاما بانتهاء حرب 94 لصالح قوات الرئيس.

خلال أيام فقط من الإعلان عن الخطوة التي أثارت على ما يبدو قلقا عاليا لدى مرجعيات الحكم أعلن عن قرار جمهوري بترقية 493 ضابطاً وإعادة 637 آخرين برتبهم السابقة من بين

مطالبات أكثر من 60 ألف مقاعد قسريا ، ودعوة من لديه تظلم إلى تقديمه للدوائر العسكرية المتخصصة.

بالتزامن مع القرار الذي بدا محاولةً من السلطات لفرملة تنظيم الاعتصام بعدن، وجهت وزارة الدفاع تحذيرا للمتقاعدين من لبس الزي العسكري واعتبرته مخالفة للقانون.

محافظة عدن هي الأخرى كانت في خط المواجهة إذ قررت اللجنة الأمنية برئاسة المحافظ عدم السماح بدخول المواطنين من المحافظات الأخرى للمشاركة في الاعتصام.

رحب المتقاعدون بقرار الرئيس لكنهم اعتبروا ذلك حلاً جزئياً وشددوا على ضرورة إيجاد حل جذري للمشكلة ليبدأ الطرفان مرحلة جديدة من التصعيد.

كثفت السلطات الأمنية بالمحافظة إجراءاتها المشددة على مداخل عدن وأقامت حواجز لمنع الوصول إلى منطقة العروض بخور مكسر، غير أن المشاركين كانوا قد دخلوا المدينة قبل يوم السبت وتمكن الكثير منهم من الوصول إلى المكان سيراً على الأقدام لمسافات تصل إلى خمسة كيلو مترات بحسب صحفيين حضروا الفعالية.

إعتقاداً بوجود جهة تحرك قضية المقاعدين اتهمت السلطة أطرافا حزبية في إشارة للإشتراكي والمشترك (باستغلال قضايا حقوقية لأهداف سياسية)، وربما كان مطلوباً من نائب الرئيس عبدربه منصور هادي بصفته جنوبياً أن يفعل شيئاً حيال الأمر فاعتبر الرجل في تصريح صحفي «تحويل مطالب المقاعدين إلى مسار سياسي .. وموضوع للمكايدة السياسية .. يؤدي إلى تعكير الأجواء وخدمة أعداء اليمن».

صبيحة الاعتصام كان المتقاعدون يستغربون الفصل الرسمي بين الحقوق والسياسة.

«إصلاح السياسة كان دائما الضمانة الحقيقية لاحترام حقوق الناس وفرض سيادة الحق» قال بيان لمجلس تنسيق جمعيات المتقاعدين، منددا بما آلت إليه ظروف المسرحين، مشيراً إلى وجود مشاكل كثيرة تتجاوز أفراداً محدودين.

وأضاف البيان: ما نعانيه ونشكوا منه اليوم ظاهرة حقوقية ولكنه سياسي الأصل وبامتياز.

مقابل الإجراءات الأمنية المشددة واعتقال رئيس مجلس تنسيق المتقاعدين ناصر النوبة قبل الإفراج عنه أفرغ المعتصمون بعض احتقانات كامنة غلب عليها النفس التشطيري «برع برع يا زيود علي ناصر با يعود»، وتارة يرددون «يا دحابشة يا يهود، علي ناصر با يعود» فتصدى بيان ختامي لهم ربما لترميم المشهد للدعوة إلى «إعلاء أصوات العقل والحق لتعلو فوق الأصوات التي تدفع الناس جميعا إلى التهلكة».

رغم كثافة الحضور قدرته بعض المصادر بخمسة آلاف وأخرى بأربعة آلاف إلا أن موقع وزارة الدفاع قلل من حجم الحضور وقدرهم بالعشرات.

بحسب المصادر فإن أعداداً من المشاركين من مناصري المؤتمر الشعبي العام والبعض يقول إنهم من رفقاء المتقاعدين حاولوا المشاركة بلافتات منددة بما وصفوه الخطاب الانفصالي، غير أن تلك اللافتات تعرضت للتمزيق.

موقع 26 سبتمبر نقل عن المشاركين استهجانهم تنظيم المهرجان من قبل المعتصمين «بعد استجابة القيادة السياسية لمطالب المتقاعدين والتوجيه بتسوية أوضاعهم»، بالإضافة إلى «التنديد بالشعارات الانفصالية الجوفاء».

بعد التقليل من شأن احتجاجات المعتصمين والشعارات المرددة حرصت تغطية موقع وزارة الدفاع على التأكيد بأن «الجميع يدينون بالولاء المطلق للقيادة السياسية الحكيمة ممثلة بفخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح».

ربما كان الأمر أشد وطأة على المستوى السياسي وإن خفت الاهتمام الإعلامي به، وكان على رئيس الوزراء الدكتور علي مجور المنتمي لمحافظة جنوبية (شبوة) الاستهجان أيضا بواسطة من وصفته وكالة «سبأ» الحكومية بمصدر مسؤول بمكتب رئيس الوزراء وجهت الاتهامات إلى البعض لم يتم تسميتهم بالوقوف وراء هذا التصعيد لأهداف سياسية»، مستهجناً «ما شهدته ساحة العروض بعدن من شعارات مناطقية ومذهبية مقيتة».

وحذر المصدر في تصريح نشر الأحد « من خطورة الاستمرار في هذه الأعمال التي تسيء إلى الوحدة الوطنية».

في عدن بلغت الاحتقانات ذروتها بالإفصاح عن مشاعر عدائية كانت تتويجا لمشاكل وأحداث أخرى مازالت تغلي في المحافظات الجنوبية والشرقية.

خلال شهر واحد شهدت محافظة الضالع خمس مظاهرات احتجاجية تنوعت دوافعها بين الاحتجاج على أزمة المياه وتعرض مواطنين لاعتداءات على يد الأجهزة الأمنية بينهم عضو محلي المحافظة، والمتقاعدين فضلا عن الوضع العام المتدهور.

وشهدت أبين حوادث متفرقة خلال يونيو الماضي: اشتباكات بين مواطنين ولواء عسكري بسبب خلاف على أرض ، اختطاف حافلة عسكرية و14 جندي من عقيد سابق في الأمن السياسي بسبب إيقاف مرتباته ، لجوء عقيد متقاعد يدعى سعيد شحتور محبطا من الطرق السلمية إلى جبال المحفد مدشنا مقاومة عسكرية مرشحة للتصاعد فضلا عن حوادث أخرى مشابهة بدأت بمطالب حقوقية وانتهت بالعنف .

عندما كان المعتصمون في عدن ينفذون ما عزموا عليه ، كان أكثر من 60 شخصية حضرمية تعبر عن احتجاج مشابه بلغة مناطقية ، وعقب اجتماع شمل مثقفين وسياسيين وشخصيات اجتماعية أصدروا بيانا متضامنا مع مطالب المعتصمين في عدن، يؤكد بأن الجنوبيين «لن يكونوا هنوداً حمر». وتحدث البيان عما أسماه رخصة نهب الجنوب التي قال أنها مستمرة منذ حرب 94.

بعد التعريج على الأوضاع العامة بما فيها نهب الأراضي وما اعتبره محاولة تمييزية ضد أبناء الجنوب في الوظيفة العامة، ووضع علامة استفهام بشأن استخراج النفط وعائداته، دعا البيان ما سماه «نظام 7يوليو إلى الاستماع لصوت العقل وإعادة قراءة التاريخ .. ومعالجة الاختلالات التي لحقت بالوحدة نتيجة حرب 94 وإرجاع الحق إلى نصابه.

واعتبر البيان وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت قبل اندلاع المواجهات في 94 بين طرفي الحرب، ما زالت تمثل وثيقة الإجماع الوطني، وفي القلب منها حكم محلي واسع الصلاحيات».

في ما يشبه نصيحة وداع ، قال نائب السفير الأمريكي المنتهية فترته نبيل خوري إن مكافحة الفساد بالنسبة لليمن يجب أن يكون في مقدمة أولويات البلد قبل مكافحة الإرهاب .

« حل مشاكل اليمن في الشمال والجنوب يأتي بمحاربة أباطرة نهب الأراضي وتجار السلاح « قال ذلك خوري لصحيفة الأيام مطلع يوليو الجاري، مؤكدا على أهمية توسيع المشاركة الديمقراطية عن طريق اللامركزية.

هو اقتراح ربما لا يبعث على الزهو .

نضال المتقاعدين السلمي حقق نتائجه

استطاع المتقاعدون بعد نظال سلمي دام قرابة 4 أشهر اجبار الحكومة على الاستجابة لمطالبهم بموجب قرار رئاسي رقم 42 لسنة 2007م .

وترجع قضية المتقاعدين من أبناء المحافظات الجنوبية إلى ما بعد حرب 94 حين اتخذت الحكومة موقفاً حيال بعض الأفراد والضباط في القوات المسلحة والأمن الذين يرى بعضهم أنها اضمرت لهم ترتيبات هدفت من خلالها إلى إبعادهم دون أن تحسب عواقب مثل هكذا سياسات؛ ستؤدي إلى خلق حالة من المعاناة والبؤس الذي ربما يدفع إلى ما هو أبعد من ذلك مستقبلاً..

ستون ألف متقاعد هو إجمالي عدد المتقاعدين الذين لم ينالوا مستحقاتهم ولم تسوى مطالبهم.

يتوزعون على سبع محافظات هي (عدن - الضالع - أبين - شبوة - حضرموت - المهرة).

وبالرغم من توالي الاعتصامات والفعاليات الاحتجاجية من قبل المتقاعدين في هذه المحافظات، إلا أن هناك كما يرى البعض مماطلة واضحة في إيجاد حل لمشاكلهم من قبل وزارتي الدفاع والداخلية التي قال البيان الأخير الصادر عن جمعيات المتقاعدين التي يبلغ عددها 18 جمعية منضوية تحت ما يسمى مجلس التنسيق لجمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين، بأنها تماطل وتسوف في البت في قضاياهم ومطالبهم المشروعة، وأنه بغير قرار جمهوري تنهي قضية المتقاعدين لن تقبل تلك الجمعيات أية معالجات أو حلول بعد يوم السابع من يوليو الجاري الذي كان نفذ فيه المتقاعدون تنظيم عرض احتجاجي في ساحة العروض بخور مكسر. ما دامت إحالة هؤلاء المتقاعدين إلى التقاعد قد تم بقرار جمهوري.

مجلس النواب الذي كان كلف بتاريخ 10/ 4/ 2007 لجنة الدفاع والأمن بتقصي الحقائق بشأن اعتصامات المتقاعدين العسكريين والأمنيين من المحافظات الجنوبية عقب حرب 1994م بعد طلب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني، يبدو أنه لم يقم بدوره كما يجب في اتجاه الضغط على الجهات الرسمية المعنية بسرعة تنفيذ مطالب المتقاعدين، الذين بدأت اعتصاماتهم بتاريخ 24/3/ 2007م، والذين لا يطالبون بغير تحسين مستوياتهم المعيشية مع من احيلوا إلى التقاعد عقب حرب 1994م وتمكينهم من مستحقاتهم بموجب قانون الأجور رقم 43 لعام 2005م، وتسوية رواتبهم برواتب زملائهم لعام 2007م، كما يطالبون بتمكين الضباط والافراد من التسوية المستحقة لهم وفق سنوات الخدمة لكل من احيل إلى التقاعد، وعدم اسقاط أي منهم بفعل ظروف خارجة عن الإرادة مثل الحروب، ومنح كل متقاعد متوفي ما يعادل معاش 4 أشهر من صندوق التقاعد كمراسيم دفن بحسب القانون، وتمكينهم من نسبة 15% بمقتضى قانون الأجور اعتباراً من يوليو 2005 وتطبيق قانون التقاعد على كل أبناء الوطن دون استثناء لأي محافظة ومنح راتب شهري عن كل سنة خدمة إضافية وبنسة 12%.

وكل هذه المطالب مشروعة لها ما يؤيدها في القانون، إلا أنها لاقت كما يرى تجاهلاً مستفزاً أدى إلى التصعيد السلمي المستمر لتدخل الاعتصامات شهرها الرابع، وكان آخرها اعتصامي محافظة الضالع التي يبلغ عدد متقاعديها 20 الف متقاعد، ومديرية الحبيلين وقد شاب هذين الاعتصامين نوع من الملحوظ حين رفع المعتصمون الرايات السوداء والزي والرتب العسكرية، وارتدى البعض الملابس السوداء ورفعوا الشارات واليافطات السوداء. 

أما في محافظة الضالع أكد رئيس مجلس التنسيق لجمعيات المتقاعدين العسكريين العميد الركن ناصر النوبة أنهم قد يقبلوا باللجان التي ستشكلها السلطة إذا كانت هناك وساطة وإشراف دولي، لأن السلطة حد قوله استمرأت الكذب وعدم الوفاء بالوعود وحتى التوجيهات الرئاسية المتكررة لا معنى لها؛ وقد اعتبر البيان الصادر عن بيان اعتصام المتقاعدين، قرار التسريح من القوات المسلحة والأمن والدوائر المدنية، سياسياً أكثر من كونه تقاعدياً قانونياً، ولذلك لا بد أن يكون حل قضية المتقاعدين جماعياً وبقرار سياسي ومن عمل اللجنة التي شكلت بتوجيه رئيس الجمهورية لإعادة النظر في موضوع حقوق المتقاعدين قال مدير دائرة شؤون القيادة العامة العميد محمد العيسي: عملت على مراجعة حالات التقاعد خلال الاعوام 96- 99م كون هذه الفترة شهدت إحالة اعداد كبيرة وكان فيها بعض الحقوق لم تمنح للمتقاعدين في مختلف المحافظات وأن الاتجاه الثاني بدأ بالمراجعة مع دائرة التقاعد للمستحقات المالية وفقاً للقانون وبحسب الزيادة التي أقرها قانون المعاشات رقم (33) للقوات المسلحة والخدمة القانون رقم (43) الخاص باستراتيجية الاجور والمرتبات، الذي استثنى قانون المعاشات في القوات المسلحة والأمن بحيث تكون الزيادة 50% لسد الفجوة التي حدثت أثناء تطبيق استراتيجية الأجور . وعن الفجوة في المرتبات التقاعدية قال العنسي: «أنه تم عمل حسبة منطقية ستكلف حوالي 71 مليون ريال شهرياً زيادة في المرتبات بخلاف نسبة الـ50%» .

وقال: «إن الإجراءات التي تم اتخاذها ستصل ما نسبته 85% من التعاون الناتج عن استراتيجية الاجور والمرتبات ، وأنه سيتم إعادة 914 ضابطاً إلى الخدمة برتبهم السابقة قبل الإحالة السنوية وتسوية أوضاعهم والاستفادة من خبراتهم .

كما أن السلطة تتحمل كل هذه الأوزار والمآلات لأنها أنتجت هذه الأوضاع وعملت على تنمية البيئة المناسبة لظهور أصوات ناشزة، ما كان لها لترتفع لولا الأداء المختل لسياستها القائمة على القمع والتخوين لكل من ينادي بمطالب مشروعة وحق مكتسب، فإفساد الحياة العامة برمتها أنتج فساداً في توجهات البعض ولد شعوراً بالتمايز، كما أن استحواذ بعض متنفذيها على حقوق الناس قسراً وقهراً أوجد ردة فعل معادية ، فالحياة لم تعد تطاق في ظل هكذا وضع مزرٍ وممارسات لا قانونية أو وطنية، وغلاء فاحش ومعيشة صعبة.. وانقاذ الوطن من مآلات الانقسام والتطاحن يحتاج إلى مكاشفة واضحة وتلمس لمكامن الخلل بعيداً عن لغة التخوين ونظريات المؤامرة، فمن غير المنطقي توجيه هذه الاتهامات لقطاع واسع من ابناء الشعب ورميهم بما لا يجب بقدر ما يعزز من حالة القطيعة.

كما أن الذهاب من قبل البعض باتجاه آخر واختيار الحلول المستحيلة التي لن يتجاوب معها احد، حلاً غير مجدٍ لأن الوحدة قدر ومصير الشعب اليمني والتخلي عنها من المستحيلات.

القرار الذي صدر لاقى ترحيباً من المتقاعدين وفتح لهم باباً جديداً للأمل لعله يعمل على تحسين مستواهم .

شعار «الوحدة او الموت» يواجه احتقان الجنوب

يتذكر اليمنيون جيدا عبارة «الوحدة او الموت» للرئيس علي عبد الله صالح اثناء الأزمة التي سبقت حرب صيف 94م والتي انتهت في 7يوليو من ذات العام بدخول القوات الى عدن. ومع ان الحديث من يومها لازال يعتبر الوحدة كخط احمر يستحيل التراجع عنه، مؤكدا ديمومتها وعدم قابلية عقدها للانفراط مجددا، الا انه طرأ خلال الشهور القليلة الماضية على الاقل عدة متغيرات ومستجدات جعلت الحديث حول الموضوع مدعاة للخوف الشديد ودق اجراس الخطر. بل ان البعض يذهب الى ابعد من ذلك عبر القول ان التحديات التي تواجه اليمن اليوم لا تهدد الناس فقط بالعودة إلى ما قبل 22 مايو، ولكنها تهدد اليمن بأكمله بالبلقنة، بمعنى التجزئة والتفكك.

كتب/ شاكر احمد خالد

هذه الرؤية التي اثارها الدكتور عبد الله الفقيه- استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء- في احدى اوراقه المقدمة الى ندوة «الوحدة اليمنية.. المنجز والتحديات» جاءت منتصف العام الماضي، اي قبل زيادة الاحتقان السياسي الذي نشاهده حاليا في المحافظات الجنوبية تحديدا وبعض المحافظات الشمالية، وظهور حركة العقيد المتقاعد شحتور والكبدة والنوبة.

ومع ذلك من المهم الاشارة الى ما جاء في ورقة الفقيه من تحديات آنية ومستقبلية تهدد الوحدة اليمنية باعتبارها لازالت قائمة، واضيفت اليها احتقانات اخرى تؤدي الى نفس المخاوف التي تنتاب كثير من المراقبين والمتابعين للشأن اليمني.التحديات

اول هذه التحديات واهمها يأتي تحدي بناء الدولة المكونة من ثلاثة اركان هي الشعب والاقليم والسلطة، وبما ان هناك ثلاثة عوامل تتصل بالشعب وتؤثر على تماسك الدولة وهي حجم الشعب مقارنة بالموارد والتجانس والرغبة في التعايش، فإن الورقة اكدت على وجود فجوة تاريخية تتطلب تبني سياسات تعمل على خلق موارد جديدة، وتحقق توزيع أكثر عدالة بالنسبة للعلاقة بين حجم الشعب والموارد.

وفيما يخص موضوع التجانس، تقول انه «رغم شعور اليمنيين بانتمائهم إلى هوية واحدة وهي الهوية اليمنية إلا أن المجتمع اليمني يتميز بوجود انقسامات عديدة قابلة للتفجر في أي وقت، واهم تلك الانقسامات هي الانقسام القبلي، الانقسام المناطقي، والانقسام المذهبي.»

غير ان «أكثر الانقسامات خطورة في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب هو الانقسام المناطقي إلى شمال وجنوب.» وتبدو خطورة هذا الانقسام في ثلاثة جوانب اولها انه يستمد شرعيته وقوته من حداثة التوحد بين الدولتين الشطريتين، وثانيا انه يقوم في صورته الضمنية على الرفض المطلق للتعايش ويطرح مطالب شطرية، واخيرا انه وبسبب بعض السياسات الخاطئة التي يتبناها النظام يكتسب أتباعا يوما بعد آخر.

الورقة البحثية الآنفة الذكر اوردت امثلة للسياسات التي تتبناها الحكومة المركزية في اليمن والتي تعمل، وفقا لبعض الدراسات، على تعميق الانقسام المناطقي وإضعاف شرعية الحكومة المركزية في أعين الجنوبيين، ومن اهمها تعيين بعض العناصر الشمالية ذات النفوذ القبلي في مواقع سياسية واقتصادية في الجنوب رغم أن تلك العناصر غير مؤهلة للقيام بمهام المناصب التي تولتها، وإعادة قبلية الجنوب وذلك عن طريق إحياء الروابط القبلية، ونمو حركة أصولية متشددة في الجنوب تعمل على ملئ الفراغ الذي لم تستطع الدولة المركزية أن تملأه، وكذا سيطرة عناصر شمالية على قوات الجيش والأمن وبشكل يجعل تلك القوات تظهر وكأنها قوى احتلال للمناطق الجنوبية.

الحقوق أولا

هذه الرؤية تبدو اليوم مجسدة اكثر من اي وقت مضى في المحافظات الجنوبية، فبعد الحديث همسا ومن خلال الصحافة المكتوبة وعدة مواقع الكترونية شطرية في الداخل والخارج حول ذات الموضوع، اصبحت هناك حركة شبه منظمة تعمل في الميدان وتكسب الى صفوفها انصارا يوما بعد يوم.

وحتى ماقبل شهور قليلة مضت لم يكن احد يعلم عن العقيد شحتور او الكبدة والعميد الركن ناصر النوبة وجميعهم ثاروا احتجاجية ضد اقصائهم من وظائفهم العامة قسرا وعدوانا، وبالرغم من ان مطالبهم بدت حقوقية ومطلبية بحتة، الا ان تجاهل السلطات المعنية لنداءاتهم المتكررة حول تلك المطالب الحقوقية الى حركة احتجاجية عنيفة، فالعقيد شحتور اتخذ من جبال المحفد نقطة انطلاق للتعبير عن مطالبه بلغة قانون البلاد الحقيقي، واستطاع تكوين جبهة مناصرة له ما برحت مطالبها ترتفع يوما بعد يوم، وقد اطلقت العديد من الالقاب على حركته كـ»ثورة الجنوب الحر» و»ثورة ابناء الجنوب « و»ثورة رفع المظالم عن الجنوب «، فيما نظيره الملقب ب»الكبدة « وهو نائب مدير الامن السياسي الاسبق في محافظة ابين اختطف حافلة عسكرية كان على متنها 14 فردا قالت المصادر انه تم الافراج عنهم فيما بعد بوساطات قبلية، جاء ذلك بعد ان نفد صبر الكبدة على ايقاف راتبه لأكثر من ثلاث سنوات من قبل شخصية امنية كبيرة رفضت توجيهات المسؤلون بمن فيهم توجيهات رئيس الجمهورية .

ومثلت حركة المتقاعدين العسكريين في الجنوب الحدث الأبرز والاكثر تنظيما وصخبا، اذ شكل في هذا السياق مجلس تنسيق لجمعيات المتقاعدين يقوده العميد ركن ناصر النوبة، ونجح هذا التنسيق من تصعيد الاحتجاج بشكل متواتر لمدة اربعة اشهر.

لكن وكما يبدو فإن السلطة ادركت مؤخرا خطورة مايجري فسارعت الى الاعلان عن قوائم الظباط العائدين برتبهم السابقة قبل الإحالة الى التقاعد وترقيتهم بقرار جمهوري بعد ان اتهموا بالانفصالية، وبعد اشهر من الاعتصمات والفعاليات الاحتجاجية. ومع ذلك لم يمنع هذا الاعلان المتقاعدين العسكريين من تنظيم تظاهرتهم في ساحة العروض بعدن يوم السبت الماضي وهو يوم ذكرى دخول القوات العسكرية الى مدينة عدن التي انهت حرب صيف 94م، مرددين هتافات وشعارات مناطقية من قبيل «يا دحابشة يايهود علي ناصر بايعود»، و»برع برع يازيود.. على ناصر بايعود». ومؤكدين ايضا على استمرار الاحتجاجات حتى يتم تسوية حقوق المسرحين والمتقاعدين خلافا للقانون.

وفي كل الاحوال كانت تلك المطالب تقابل إما بالوعود العرقوبية، او التجاهل والتهميش والتبسيط، وعبر المناكفة السياسية واستدعاء الماضي حينما تأتي تلك المطالب الحقوقية مؤازرة من اطراف معارضة.

الأحزاب في الصورة

وقبل اسابيع شن الامين العام للمؤتمر هجوما حادا على تصريحات القيادي الاصلاحي محمد قحطان التي تحدث فيها عن ظلم طال ابناء الجنوب. وقال باجمّال معلقا على ذلك: «إن أغرب ما في الأمر أن الذين أفتوا ليس فقط بأن الحزب الاشتراكي خارج الدين الإسلامي وجرى تكفيرهم بل أغرقوا أبناء الجنوب بنفس التهمة يتبنون اليوم موقفاً آخر، لافتاً إلى أن القضية سياسية، وعليهم أن يقرؤوا كل بياناتهم السابقة، وكل علاقاتهم السابقة، حتى يدركوا أن الشعب واع وأنه لا يمكن أن ينطلي عليه فكر مصبوغ بصبغة آنية مؤقتة»، معتبرا ان اي طرح يتعلق بالوحدة اليمنية مسارٌ غير وطني وغير مقبول.

فيما كان قحطان قد تحدث عن ضرورة إزالة ما لحق بالمحافظات الجنوبية من معاناة، وطالب أحزاب اللقاء المشترك بالخروج إلى الناس ودعم وتشريع المطالب الدونية للمبعدين الذين هم بالآلاف من أبناء مدينة عدن. وقال: «إننا اليوم كأعضاء وقيادات أحزاب اللقاء المشترك بحاجة إلى نضال دؤوب حتى نحقق مشروعنا الذي وقعنا عليه والذي يعد برنامجا عمليا لتأسيس الدولة اليمنية ابتداءاً بمصالحة وطنية، وإزالة آثار حرب صيف 94م، وإعادة الاعتبار للمحافظات الجنوبية، وانتهاء بإقامة مؤسسات 22 مايو 1990م، مشيراً إلى أن الحرب التي أعقبت الوحدة لم يكن أحد يريدها وأنا على يقين بأنه حتى علي سالم البيض نفسه لم يكن يريد تلك الحرب، غير أن الظروف دفعتنا جميعا إلى هذه الحرب».

ونوه إلى أن مطلب إزالة آثار حرب صيف 94م هي قضية وطنية تمس شرف الوطن وليست مسألة أو مطلبا حزبيا للاشتراكي أو للإصلاح كما تحاول السلطة وصفها، وقال: «إنها تقتضي إعطاء الأولوية لمعالجة آثار الحرب «وإزالة ما لحق بالمحافظات الجنوبية من معاناة».وقال قحطان: «إن أبناء عدن يئنون اليوم ومن غير المعقول أن نلوم الذي يئن ويتألم، ولكن الملوم هو الفساد الذي يريد أن ينتزع القسمة المتكاملة وأن يمنعنا النوم الهنيء» .

ومع ان معظم تصريحات قياديي المعارضة وبعض السياسيين تتوزع في هذا الاتجاه الى اعتبار ان الظلم الذي يقع على ابناء المحافظات الجنوبية هو نفسه الموجود في المحافظات الشمالية، لكن الاصوات زادت ارتفاعا في الفترة الاخيرة في تحذير السلطات من مغبة التعامي على حقوق الجنوبيين خصوصا، وتجاهل حدة الاحتقانات المتصاعدة، محملة السياسات الحكومية مسؤولية ما قد يحدث من ضرر للوحدة اليمنية.

وعلى سبيل المثال طرح البعض مؤخرا موضوع الصورة المتكررة للرئيس علي عبدالله صالح في التلفزيون لحظة رفع علم الوحدة اليمنية من دون رؤية شريكه الثاني علي سالم البيض. وطالب هؤلاء بضرورة أن يعاد الاحتفاء بالبيض الذي تنازل عن دولة بكاملها بعلمها وشعارها. موضحين بأن أحداً لا يستطيع أن ينكر بأن البيض كان هو صاحب القرار الأول في صنع منجز الوحدة بعد ان تنازل عن منصبه من أجلها، وان من العدل والإنصاف أن نعطي الرجل حقه.

لكن في المقابل هناك من رأى ضرورة ان يعاد للوحدة اليمنية جوهرها وقيمتها الاصلية قبل اي شيء آخر، معتبرين ان الوحدة اساسا ليست مجرد شعار يرفع بقدر ما هي ممارسة عملية وبرامج على أرض الواقع، وان ما أكثر الناس الذين يتكلمون عن الأشياء الجميلة، ويمارسون القبح في قرارة أنفسهم.

مؤكدين على وجوب الاعتراف بأن حرب 94م أفسدت ما أتت به الوحدة وأحدثت تراجعاً فظيعاً ليس فقط في الوحدة كمنجز وحدوي سياسي، ولكن في مواضيع اخرى كالتنمية والحريات والتحول الديمقراطي والتراجع الذي شهدته الحياة اليمنية بعد الحرب. واعتبروا ايضا أن هذه الحرب أنتجت لغة الإقصاء، وخطاب التخوين، وقسمت الناس إلى انفصاليين ووحدويين، ووطنيين وخونة. ويرى فريق آخر أن من يرفع اليوم شعار الوحدة أو الموت يعني أن الوحدة لم تعد في مأمن، وان ما يحميها هو الموت والقتل والدم، معتبرا انه لابد للوحدة من أن تكون في مأمن وأن نكون جميعاً في مأمن، ولنا مصلحة فيها، وان لاتكون ملكاً لطرف على الأقل من حيث الشعور، وأيضاً من حيث الممارسة.

ويؤكد هؤلاء ان الخطاب المفرط نحو الاخلاص للوحدة اليمنية هو الخطاب الأكثر ضرراً من خلال الحديث عن الوحدة كأنها مغنم لطرف ما ويجب أن يفديها بالدم أو أن يواجه الآخرين. وزيادة على التأكيد يشير انصار هذا الرأي الى انه عندما لا يقر خطاب المعارضة بالمنجزات فإنه لا يعني خطاباً ضد الوحدة، إذ على العكس فإنه يدعو «لأن تحقق الوحدة أهدافها، وهو ضد السياسات القائمة، وخطاب الاشتراكي والإصلاح ضد سياسات المؤتمر ليس خطاباً ضد الوحدة.» وبالتالي فإن الجهر بإعلان التذمر من المسار الذي تسير فيها البلاد وعدم تحقق الآمال التي كانت يجب أن تتحقق من وجهة نظر الكثيرين يعني بأن هناك شعوراً بانتهاك الوحدة من طرف معين.

الوحدة الوطنية

الخلاصة التي يدعو اليها هؤلاء تطالب بضرورة الكف عن الاتكاء وتغطية العيوب بمنجز الوحدة، والانتقال الى شرعية الإنجاز والأداء والفاعلية.

ويأخذ كثيرون على تعامل السياسات الحكومية مع قضايا الوحدة الوطنية من خلال المزاج والذاكرة المثقوبة، ويقول احمد الشرعبي في احد اوراقه البحثية انه لاحظ مع هذا التقلب في مزاج الحكومات أمرين: أولاهما حدة خطابها السياسي والإعلامي في مواجهة النزعات المناطقية التي تظهر بعض بواعثها من وقت لآخر بدوافع مطلبية أو احتجاجية، بيد أن ردود الفعل الحكومية تواجه تلك النزعات الافتراضية بالوصم والتخوين إلى درجة المبالغة التي تضفي على تلك النزعات بعض المشروعية بما هي الآخر المغاير للسياسات العامة للحكومة وهي تستأثر بحق التعبير عن الوحدة الوطنية. موضحا أن السياسات الحكومية تفعل ذلك تهرباً من مسؤولياتها إزاء المطالب المطروحة.

الأمر الثاني: برأيه تبدو هذه السياسات الحكومية وكأنها معنية بإحياء النزعات المناطقية واعتبارها عنواناً عريضاً للمشاركة السياسية في هرم السلطة المركزية. مستدلا على ذلك بتكريس الوعي لدى المواطن عند الاعلان عن تشكيلة حكومية جديدة والنظر اليها على اساس مناطقي.

وللخروج من هذه الحالة ما فتئت الكتابات الصحفية المستقلة والمطالب البحثية تتوجه نحو ضرورة بناء مؤسسات الجيش والأمن بناءاً وطنيا وإبعادها عن السياسة وجعل قياداتها ممثلة لمختلف الفئات والمناطق في اليمن مع العمل خلال الأجل المتوسط على وضع الآليات المناسبة للترقية والتعيين في تلك المؤسسات وذلك وفق معايير دقيقة تحقق العدالة بين الأفراد والأخذ بمبدأ الكفاءة. كما يتم العمل على تحديد حجم الجيش ومهامه ونقاط انتشاره في الجمهورية بما يحقق ضبط الحدود مع الدول المجاورة ومحاربة التهريب بكافة أشكاله والجريمة العابرة للدول والإرهاب، وبما يحقق كذلك بسط نفوذ الدولة في المناطق التي يضعف نفوذها فيها. وكذا إصلاح الجهاز الإداري للدولة عن طريق تبني استراتيجية تخفيض حجم عدد الموظفين وإعادة نشر الفائض على مختلف نواحي الجمهورية، وإعطاء الوحدات الإدارية صلاحيات واسعة في مجال التوظيف والترقية والعزل وفقا للقانون. وتشير المصادر السابقة الى ان الحفاظ على الوحدة الوطنية وترسيخها لا يحتاج إلى معجزات خرافية قدر ما يستدعي الحرص على تأمين العدالة في كل شيء والمساواة بين كل أبناء الوطن والحرص على تكافؤ الفرص، والاتجاه نحو بناء الدولة الوطنية دولة القانون والنظام والعدالة الاجتماعية وإحلال قيم العصر.

عن الأهالي