في كواليس المشهد السياسي المصري !!
بقلم/ د.طارق عبدالله الحروي
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر
الأربعاء 21 أغسطس-آب 2013 02:50 م

-لعل الدافع الرئيسي الذي يقف وراء تعمدي في الشكل والمضمون الكتابة تحت هذا العنوان في أول محاولة لنا للإطلالة على إرهاصات هذا الحدث الذي هز الاستقرار السياسي الهش في المنطقة العربية، هو أن لنا رؤية تحليلية خاصة شبه متكاملة نستطيع من خلالها إعطاء تفسيرات شبه منطقية في كل ما يجري حولنا من حراك سياسي ضمن نطاق الدائرة العربية وما يجاورها منذ العشر سنوات الماضية على أقل تقدير، مبنية على تراكم معرفي متواضع جدا في حقل العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية؛ هو حصيلة اجتهاد بحثي علمي أخذ من عمرنا ما يقارب الـ 23 عاما من الدراسة والبحث والمتابعة المتأنية والدؤوبة لحركة المشاريع الأمريكية– الغربية في نطاق حدود المنطقة العربية وما يجاورها عمود الارتكاز الأساسي للمشروع الكوني الأمريكي- الغربي برمته.

-وكي ندخل مباشرة في صلب الموضوع نستطيع من خبرتنا بطبيعة حركة ومسارات هذه المشاريع أن نؤكد إلى حد كبير أن اليمن مثلت محور الارتكاز الأساسي في حركة إرهاصات المشهد العربي الحالي والنموذج الذي سوف يتم البناء عليه والتعديل للكيفية التي سوف يتم من خلالها معالجة أوضاع المنطقة العربية ليس هذا فحسب وإنما هي الأساس الذي سوف يستند عليه لمعالجة أوضاع المنطقة العربية قاطبة؛ من خلال معالجة الجذر نفسه الذي تمثله اليمن باستخدام مجمل الخبرات الدولية بهذا الشأن كمدخل لمعالجة باقي جذوع وأفرع الشجرة الضخمة التي تمثله باقي الدول العربية كلا بحسب وزنه، مراعاة من المجتمع الدولي والإقليمي صاحبة المصلحة الحيوية المشتركة بهذا الأمر لعامل الوقت والسرعة والكلفة الذي لم يعد يسير في صالحه على عكس ما كان يتم العمل عليه.

-فالشجرة بالرغم من كل التقنيات المتاحة التي يمكن توظيفها لإحيائها دون البدء باستخدامها من الجذر ومرورا بالجذع ومن ثم الفروع تظل معالجات وقتية مرحلية ليس لها طائل ولا تؤتي الثمار المرجوة منها، وهذا ما يحصل الآن باعتقادي على وجه التقريب، بصورة تعطي المصداقية لتأكيد ان ما يحصل من حركة للمجتمع الدولي والإقليمي بهذا الشأن ليس مجرد ردود أفعال يغلب عليها الطابع المرحلي لتجاوز هذا الظرف الطارئ حفاظا على مصالحه الحيوية كما كان عليه الحال في الخمسين عاما الماضية وإنما استطيع الجزم أنها الأفعال بنفسها التي يغلب عليها الطابع الاستراتيجي، يحكم هذا التوجه عظم المصالح الحيوية له فيها بالاستناد إلى ما تمثله المنطقة العربية من أهمية عظمى في مشروعه الكوني.

-وهو الأمر الذي يعطينا مؤشرا حقيقيا بمصداقية حقيقة التوجه الدولي وبالتالي جديته وموضوعيته إلى حد كبير لأهمية لا بل وضرورة إصلاح أوضاع هذه المنطقة بما يتفق ومصالحها دفعة واحدة، فالمشهد المصري الحالي إن كان مفاجئا للكثيرين من المراقبين وفئات الرأي العام إلا أنه لم يكن بالنسبة للبعض الأخر ونحن منهم أمرا غير متوقعا لا بل كان تطورا طبيعيا جدا، وقد أشرنا إلى ذلك في الكثير من كتابتنا فما يحدث في مصر حاليا لا يخرج باعتقادي عن كونه أحد أهم المختبرات المتقدمة لهذه العملية برمتها التي يقف عليها أعظم مهندسو العالم وخبرائها وعلمائها...، لان هذا هو باعتقادي الذي يفسر لنا أهم تساؤل يدور في العقول والأذهان طرأ من أول لحظة الذي تدور مضامينه حول ذلك التشابه والتقارب إلى حد كبير في مجريات الأحداث بعمومها وتفاصيلها بين المشهدين المصري واليمني في الفترة (2011- 2013م).

-لدرجة ان الكثيرين ذهبت بهم الظنون وهم يفسرون ما جرى ويجري بالقول عن وجود غرفة مشتركة بين الجانبين لإدارة الأزمة المصرية الحالية يقف عليها نظامي البلدين والأزمة اليمنية السابقة تقف عليها أحزاب المعارضة في البلدين وحركة الأخوان خاصة، سيما أن هذا الأمر برز واضحا في إرهاصات الأزمة السياسية المصرية منذ مطلع العام 2011م وانعكاسها جملة وتفصيلا إلى حد كبير على إرهاصات المشهد اليمني آنذاك وأخص بالذكر هنا تلك المتعلقة بكيفية إدارة المعارضة وحزب الإصلاح الاخواني للأزمة مع النظام اليمني باستخدام الساحات أكثر منها النظام، واليوم يحدث الأمر نفسه إلى حد كبير ولكن هذه المرة تتعلق حول كيفية إدارة النظام المصري للأزمة مع المعارضة وتنظيم الأخوان منها بوجه خاص، بالاستناد على مدخلات ومخرجات مفردات إدارة النظام اليمني للأزمة مع المعارضة.

-ولكن الأمر المهم بهذا الشأن الذي يؤكد ما ذهبنا إليه من تفسيرات حول طبيعة حقيقة ما يجري في مصر ضمن هذا السياق هو أن الجانب المصري يسير على نفس الخطى التي سار عليها الجانب اليمني أثناء إدارته للأزمة أي لم يبدأ من حيث توقف الجانب اليمني ليواصل عملية الفعل بالبناء على الايجابيات ومعالجة السلبيات وأوجه القصور أو تجاوزها، وإنما خاض غمار الإرهاصات نفسها إلى حد كبير بحسب ما تطلبه الأمر ذلك لإنجاح الغاية من ولوج هذه التجربة من الأساس بحيث تأتي مخرجاته المنشودة متسقة مع المدخلات.

-فالحلقات التي توقفت اليمن عن ولوجها منذ ما يقرب السنة ضمن إطار استراتيجية إصلاح النظام والواقع السياسي لاعتبارات متعددة ليس مجالا هنا لذكرها؛ مثل (تغيير الرئيس، تعيين نائب الرئيس، تغيير الحكومة كليا أو جزئيا، ضبط المعايير أثناء الاختيار بين البدائل، إظهار حزم وهيبة الدولة في الضرب بيد من حديد ضد كل العناصر والقوى التي يعزى لها تعطيل وإبطاء وحرف مسارات المرحلة الانتقالية،.....الخ)، قد ولجتها مصر من أوسع أبوابها وفي زمن قياسي جدا؛ بهدف الوصول إلى أدق النتائج المرجوة منها (ايجابيات وسلبيات هذه التجربة) قبل الشروع بولوجها على الجانب اليمني.

-سيما أن مصر كانت ومازالت وستظل الدولة الأقرب الأكثر تأثيرا وتأثرا بما يجري باليمن، بحكم صلة العلاقة العضوية التي تربطهما ببعض كدولتين شاءت لهما الأقدار أن تقعان في نفس مسرح العمليات (حوض البحر الأحمر) ليس هذا فحسب، لا بل وتشتركان بنفس ملامح وخصائص الجهاز الإداري للدولة وصولا إلى الواقع السياسي الذي يهيمن عليهما منذ خمسين عاما مضت، بصورة تجعل من أية عملية حراك في أحدهما له نتائج متقاربة إلى حد كبير على الأخر.

-إلى جانب أن مصر باعتقادي هي الجذع الرئيسي للشجرة الضخمة التي تمثلها الدول العربية وبما أن اليمن هي النموذج الأمثل على الصعيدين السياسي والتنموي الذي يتم إعداده لكي يتم تعميم أجزاء حيوية منه كلا بحسب أهميته على باقي الدول العربية، يصبح عند ذلك مفهوما لدينا أيضا الاعتبارات التي تقف وراء اختيار مصر لإحداث هذه النقلة في النموذج اليمني الذي تشرف على صياغة وبلورة معالمه الرئيسة والتفصيلية مئات الخبرات العالمية المؤهلة تأهيلا عاليا من العلماء في كافة المجالات- أولا.

-وفي نفس الوقت يمكن عد هذا مؤشر مهما جدا من مؤشرات العملية الدولية الجارية برمتها، فخيار إشراك مصر وفقا لذلك يؤشر لنا بدء أول عملية اختبار للنموذج اليمني ببعده السياسي سواء في كيفية السيطرة على انفلات الشارع والقوى السياسية المستهدفة المندسة فيه التي تهدد بقائها أمن البلاد أو حول ولوج بعض الحلقات المهمة في بناء هذا النموذج بطابعه السياسي التي رجحت الآراء تجربته في دولة أخرى قريبة الشبه من اليمن ووقع الاختيار على مصر التي تتمتع بميزات عدة بهذا الشأن في ضوء ما حققته من نجاحات مهمة نسبية في تمدين جهازها الإداري في العقود الماضية- ثانيا.

-مقارنة باليمن التي حالت العقبات التي تواجهها في المرحلة الانتقالية الحالية من تحقيق ذلك المستوى من الانجاز المنشود وفقا ما كان مخططا له، بصورة تؤشر أنها سوف تحتاج إلى مزيد من الوقت لتعويض ما فاتها وكذا إلى مزيدا من الأجواء المواتية.... .

والله من وراء القصد وبه نستعين