آخر الاخبار
الصراع الخفي بين الرئيسين
بقلم/ عبدالله بن عامر
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 29 يوماً
الجمعة 24 مايو 2013 06:29 م

يبدع "تيس الضباط" في المناورة والخداع للبقاء أكثر كرمز ومركز نفوذ إجتماعي وسياسي , وكعادته لا يؤمن بالإستراتيجيات قدر إيمانه بالتكتيك فصالح برغماتي من الطراز الأول جعلته يتخطى الكثير من الحواجز والعوائق التي رافقت مسيرة حكمه الممتدة لثلاثة عقود عمل فيها صالح بأسلوبه الخاص مستخدماً العديد من الأدوات ومعتمداً على ضرب الخصوم ببعضهم البعض حتى يضمن لنفسه البقاء على عرش اليمن طوال تلك الفترة .

ما يدل على ذلك هو أن صالح أستطاع الخروج بشروط جيدة بالنسبة لوضعه والفرص السانحة أمامه من أزمة سياسية كادت أن تعصف به وتقضي عليه لكنه خرج رغم الهيجان الشعبي والثورة الشبابية من السلطة فقط ولم يخرج من الحياة السياسية محتفظاً بأمواله وبعض نفوذه داخل الجيش والجهاز المدني.

لقد أدرك خصماء صالح كم كانوا أغبياء عندما سارعوا الى التوقيع على المبادرة الخليجية التي ساهم صالح في صياغتها تاركاً لنفسه مساحةً من الحرية كالعودة الى اليمن والبقاء على رأس حزب المؤتمر في الوقت التي حاولت فيه دبلوماسية المشترك الضغط حينها لإخراجه من اليمن إلا أنها خرجت بوعود خليجية كنوع من الترضيه في إطار التسوية السياسية , وعلى ما يبدو أن المشترك وعلى رأسه الإصلاح مازال حتى اللحظة يرى في بقاء صالح كرئيس للمؤتمر الشعبي العام محل خطر محدق على مشروعهم الذي يرفع شعار التغيير والمنبثق من ثورة الشباب وبالتالي فيجب إبعاد صالح وإزاحته تماماً عن آخر معاقله السياسية ومناصبه الحزبية التي تحفظ له البقاء بل وتؤمن له قدراً من الحماية ضد أغدار الزمن .

فالرئيس السابق يخوض معركة ليست بالسهلة كما يظن البعض مع مناوئيه الذين أحتشدوا وتجمعوا تحت لافتة الثورة ومازالوا كذلك مستخدمين كل أوراقهم في سبيل إزاحته عن الحياة السياسية برمتها فخروجه من المؤتمر لم يعد يكفيهم رغم أن الصراع الحالي تطورت أدواته وأساليبه لتنتقل الى داخل أروقة المؤتمر الشعبي العام نفسه بعد أن فشل الطرف الآخر في الدعوة الى إقالة صالح من منصبة في المؤتمر بسبب سذاجة الطرح والمقترح لأن المسألة برمتها شأن مؤتمري محض ولا علاقة لبقية الأحزاب بذلك وأعترف بذلك الدكتور ياسين الذي قال إن الدول الراعية للمبادرة لا توافق حتى اللحظة أو بالأصح لم تقتنع بخروج صالح من الحياة السياسية بدواعي التوازن السياسي , وبعد أن كسب صالح تلك الجولة الإعلامية مع المشترك سارع قادة المعارضة الى الإستقواء بمجلس الأمن مستعينين بالرئيس هادي نفسه الذي بات أقرب للمشترك منه للمؤتمر ما جعل الكثير من المتابعين يتوقعون تحالف إخواني مع الرئيس هادي وهو ما تأكده الأحداث الأخيرة في المحافظات الجنوبية .

الرئيس السابق سارع بعد إعلان بيان مجلس الأمن بساعات الى إرسال وفوده المتكرره للرئيس هادي بعد أن كادت تعصف بالمؤتمر خلافات كبيرة بين قيادات أفصحت مؤخراً عن مطالبها في رحيل صالح وإن كان بمبررات العلاج والإستشفاء في الخارج وبين قيادات لا تزال مؤيدة بقاء صالح كرئيس للمؤتمر وهي نفسها التي دفعت بالجماهير الى أمام منزل صالح لتطالبه بالبقاء بعد أن كاد بيان مجلس الأمن أن يشق صف القيادة المؤتمرية .

صالح سارع الى إحتواء الموقف بدهائه المعروف حيث قطع الطريق على الرئيس هادي المتطلع لقيادة المؤتمر وإزاحة صالح من طريقة تماماً وحتى يصبح معه حزب يقوده بنفسه ويكون سنده ضد الآخرين لكن صالح سارع الى الإجتماع بقيادات مؤتمرية أيدت تأجيل المؤتمر العام للحزب بعد ان كان قد أعلن عن موافقته للرحيل من رئاسة الحزب شرط أن يكون ذلك وفق النظام الداخلي وهو ما يستدعي عقد مؤتمر عام وبالتالي أستطاع صالح أن يمدد لنفسه عاماً آخر في الوقت الذي أنتقل فيه هادي الى عدن لمتابعة آخر الأحداث هناك وبعد أن فشل في الوصول الى مبتغاه في صنعاء .

كل ذلك يؤكد أن هناك خلافات بين الرئيسين بل وحرباً خفيه فمن يصمد أكثر فبعد أن لوح صالح بضرورة إجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها سارع هادي عبر أدواته وتحالفه مع المشترك الى التلويح عبر وسائل إعلامية برفع الحصانة عن صالح وإعادة فتح ملفات كجمعة الكرامة مثلاً وهذه ليست هي المرة الأولى التي يستخدم فيها هادي لغة التهديد الصريح ضد صالح فقد سبق وأن أستخدمها أمام جمع من القادة العسكريين والأمنيين لكن صالح حينها تعامل معها بهدوء مفضلاً إرسال مبعوثين منه الى هادي للوقوف على حقيقة تلك التصريحات والإكتفاء بالوساطات القبلية في حل الإشكاليات ليظل الصراع خفياً وإن تغير نحو الظهور بعد بيان مجلس الأمن ليصبح معروفاً أمام الجميع فصالح يتهم هادي بالوقوف خلف التحريض ضده لدى مجلس الأمن وإتهامه بالوقوف خلف عرقلة مسار التسوية السياسية .

صالح مازال ممسكاً بالمؤتمر الشعبي العام ومتحكماً بكافة أدواته الجماهيرية والإعلامية والمالية أيضاً فموقف المؤتمر من الأحداث المختلفة وتعاكسه مع موقف الرئيس هادي دليل على ذلك فالمؤتمر الذي يقوده صالح ندد واستنكر ما يحدث في عدن وهو نفسه الذي ما زال يهاجم ويشن حملات إعلامية ضد حكومة الوفاق منذ اليوم الأول لتشكيلها حتى ان الرئيس هادي قال في إحدى لقاءاته مع أعضاء من اللجنة العامة أن المؤتمر يهاجم الحكومة ويهاجمه شخصياً في قنواته الأربع شاكياً اليهم ما يقوم به صالح لكن شكوى هادي لم تغير في الواقع شيئاً وعلى ما يبدو أن فشل هادي في السيطرة على المؤتمر دفعته الى قبول التحالف مع قوى أخرى كالإخوان الذين مارسوا ضغوطاً معروفة على الرئيس في مرحلة سابقة ففي الوقت الذي كان فيه هادي يقترب من المؤتمر كان الإصلاح يستخدم ضغوطاً شتى ضد الرئيس منها الإيعاز الى جماهيريه الثورية بإقامة مسيرات الى أمام منزل الرئيس تطالبه بتحقيق التغيير وإستكمال تحقيق أهداف الثورة وهذا لم يعد خافياً على أحد إستخدام الإصلاح الثورة كوسيلة ضغط على هادي حتى ينصاع لمطالبهم وأهدافهم وعندما يقوم هادي بذلك تصل اليه التكريمات من شباب الثورة والدروع المختلفة وكأن هادي بين مطرقة المشترك وسندان المؤتمر .

صالح يدير المعركة من منزلة جنوب العاصمة فيما خصومه باتوا يسيطرون على القوة الأكبر سواءً في مستوى التحالفات القبلية أو النفوذ الذي ضاعفته الثورة سيما في الأجهزة الأمنية والجيش والمال العام أيضاً لكن هؤلاء الخصوم رغم إحتشادهم لم يستطيعوا القضاء على صالح تماماً فمازال الرجل يشكل لهم رعباً حقيقياً ما دفع الحكومة الى رمي فشلها على بقاء صالح في البلاد وهو ما بات محل سخرية لدى الأطراف المحلية والدولية.

ورغم أن الإمكانيات باتت اليوم لدى الطرف المناوئ لصالح الذي بدوره سارع في إستخدام الكثير من الأوراق تارةً للتهديد والوعيد ضد صالح كالرسائل الإعلامية المتكرره عبر وسائل الإعلام وعلى رأسها صحيفة الجيش الرسمية وتارةً عبر التصريحات التي تعيد كل أزمات اليمن السابقة والحالية واللاحقة أيضاً للرئيس السابق وتحمليه مسئولية كل الأخطاء لكن ورغم تفوق صالح بحكم دهائه ولعبه على حبل التناقضات ومعرفته بالجميع وإعتماده على أخطاء الآخرين إلا أن كل ذلك لن يستمر طويلاً فصالح في النهاية قد يترنح ويسقط لكن الأفضل بالنسبة لشباب الثورة هو أن صالح يشترط سقوطه بسقوط حلفائه التقليديين السابقين وهم جميعهم في نظر شباب الثورة يمثلون فريقاً واحداً يجب التخلص منه لإقامة الدولة المدنية لكن ومع ضعف أدوات شباب الثورة وإفتقارهم للإمكانيات سيظل الصراع بين حلفاء الأمس وشركاء اليوم في السلطة ويبدو أن هذا الصراع سيتسمر وليس له مدة محددة وهذا ما يجعلنا امام مرحلة صراع الخاسر الوحيد فيها هو الشعب اليمني .