رثاء شعب..
بقلم/ محمد محمود الزبيري
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و يومين
الثلاثاء 19 مارس - آذار 2013 06:34 م
ما كنتُ أحسِبُ أني سوفَ أبكيهِ   وأنّ شِعْري إلى الدنيا سينعيهِ
وأنني سوف أبقى بعد نكبتهِ   حيّاً أُمزّق روحي في مراثيه ِ
وأنّ من كنتُ أرجوهم لنجدتهِ   يومَ الكريهةِ كانوا من أعاديهِ
ألقى بأبطاله في شرّ مهلكةٍ   لأنهم حقّقوا أغلى أمانيهِ
قد عاش دهراً طويلاً في دياجرهِ   حتى انمحى كلُّ نورٍ في مآقيهِ
فصار لا الليلُ يُؤذيه بظلمتهِ   ولا الصباحُ إذا ما لاح يهديهِ
فإن سلمتُ فإني قد وهبتُ لهُ   خلاصةَ العمرِ ماضيه، وآتيهِ
وكنتُ أحرص لو أني أموت لهُ   وحدي فداءً ويبقى كلُّ أهليهِ
لكنّه أَجَلٌ يأتي لموعدهِ   ما كلُّ من يتمنّاه مُلاقيهِ
وليس لي بعده عُمْرٌ وإن بقيتْ   أنفاسُ روحيَ تفديه، وترثيهِ
فلستُ أسكُنُ إلا في مقابرهِ   ولستُ أقتاتُ إلا من مآسيهِ
وما أنا منهُ إلا زفرةٌ بقيتْ   تهيم بين رُفاتٍ من بواقيهِ
إذا وقفتُ جثا دهري بكَلْكَلِهِ   فوقي وجَرّتْ بيافوخي دواهيهِ
وإن مشيتُ به ألقتْ غياهبُهُ   على طريقي شِباكاً من أفاعيهِ
تكتّلتْ قوّةُ الدّنْيا بأجمعها   في طعنةٍ مزّقتْ صدري وما فيهِ!
أنكبةٌ ما أُعاني أم رؤى حُلُمٍ   سهتْ فأبقتهُ في روحي دواهيه ِ
أعوامُنا في النضال المرِّ جاثيةٌ   تبكي النضالَ، وتبكي خطبَ أهليهِ
بالأمسِ كانت على الطغيان شامخةً   تجلوه عاراً على الدنيا وتُخزيهِ
وارتاع منها طغاةٌ ما لها صلةٌ   بهم، ولا كان فيهم من تُناويهِ
لكنهم أَنِسوها شعلةً كشفتْ   من كان عُريانَ منهم في مخازيهِ
فأجمعوا أمرَهم للغدر، وانتدبوا،   لكيدنا كلَّ مأجورٍ، ومشبوهِ
واسْتَكلبتْ ضدّنا آلافُ ألسنةٍ   تسُومُنا كلَّ تجريحٍ، وتَشْويهِ
من كلِّ مرتزقٍ لو نال رشوتَنا   أنالنا كلَّ تبجيلٍ، وتنويهِ
وكلِّ طاغيةٍ لو نرتضي معهُ   خِيَانَةَ الشعبِ جاءتْنا تهانيهِ
وكلِّ أعمًى أردنا أن نردّ لهُ   عينيه، فانفجرت فينا لياليهِ !
وكلِّ بوقٍ أصمِّ الحسِّ لو نَبَحَتْ   فيه الكلابُ لزكّاها مُزَكيّهِ
وألبّوا الشعبَ ضدَّ الشعبِ واندرأوا   عليه من كلّ تضليلٍ وتمويهِ
ياشَعْبَنا نصفَ قرنٍ في عبادتهمْ   لم يقبلوا منكَ قُرباناً تُؤدّيهِ
رضيتَهُمْ أنتَ أرباباً وعشتَ لهم   تُنيلُهم كلَّ تقديسٍ، وتَأليهِ
لم ترتفع من حَضيض الرقِّ مرتبةٌ   ولم تذق راحةً مما تقاسيهِ
ولا استطاعت دموعٌ منكَ طائلةٌ   تطهيرَ طاغيةٍ من سكرة التّيهِ
ولا أصختَ إلينا معشراً وقفوا   حياتَهم لكَ في نُصحٍ وتوجيهِ
نبني لك الشرفَ العالي فتهدِمُه   ونَسْحَقُ الصَّنَمَ الطاغي فتبْنيهِ
نَقْضي على خصمكَ الأفعى فتبعثُهُ   حيّاً ونُشْعُلُ مصباحاً فتُطْفِيهِ
قَضَيْتَ عُمْرَكَ ملدوغاً، وهأنذا   أرى بحضنكَ ثُعباناً تُربّيهِ
تشكو لهُ ما تُلاقي وَهْو مُبتعثُ الشْـ   ــكْوى وأصلُ البَلا فيما تُلاقيهِ
أحْلى أمانيهِ في الدنيا دموعُكَ تُجْـ   ـريها، ورأسُكَ تحت النّيرِ تُحْييهِ
وجرحُكَ الفاغر الملسوعُ يحقِنُهُ   سُمّاً، ويعطيه طِبّاً لا يداويهِ
فلا تُضِعْ عُمْرَ الأجيالِ في ضعة الشْـ   ــكوى فيكفيكَ ماضيه، ويكفيهِ
فما صُراخُكَ في الأبوابِ يعطفُهُ   ولا سجودُكَ في الأعتاب يُرضيهِ
لا عنقُكَ الراكعُ المذبوحُ يُشْبِعُهُ   بطشاً، ولا دمُكَ المسفوحُ يُرويهِ
فامْدُدْ يديكَ إلى الأحرارِ متّخذاً   منهمْ ملاذَكَ من رقٍّ تُعانيهِ
ماتوا لأجلكَ ثم انبثّ من دمهم   جيلٌ تؤججُهُ الذكرى، وتُذكيهِ
يعيشُ في النكبةِ الكبرى ويجعَلُها   درساً إلى مُقْبِل الأجيالِ يُمليهِ
لا يقبلُ الأرضَ لو تُعطى له ثمناً   عن نهجه في نضالٍ، أو مَباديهِ
قد كان يخلُبُهُ لفظٌ يفُوه به   طاغٍ، ويخدعُهُ وعدٌ، ويُغْويهِ
وكان يُعْجبه لصٌّ يجودُ لهُ   بلقمةٍ سَلّها بالأمْسِ من فِيهِ
وكان يحتسِبُ التمساحَ راهِبَهُ الْـ   ـقِدّيسَ من طولِ دمعٍ كان يجريهِ
وكان يَبذُلُ دنياه لحاكِمِهِ   لأنه كان بالأُخرى يُمنّيهِ
وكان يرتاعُ من سوطٍ يلوحُ له   ظنّاً بأن سلامَ الرقّ يُنجيهِ
واليومَ قد شبَّ عن طوقٍ، وأنضجَهُ   دمٌ، وهزّتْه في عنفٍ معانيهِ
رأى الطغاةُ بزن الخوف يقتلهُ   وفاتهم أن عنفَ الحقدِ يُحييهِ
قالوا انتهى الشعبُ إنا سوف نقذفهُ   إلى جهنّمَ تمحوه، وتُلغيه ِ
فلينطفئْ كلُّ ومضٍ من مشاعرهِ   ولينسحقْ كلُّ نبضٍ من أمانيهِ
وليختنقْ صوتُهُ في ضجّة اللهبِ الْـ   أَعْمى وتحترقِ الأنفاسُ في فِيهِ
لِنْشربِ الماءَ دَمّاً من مذابحهِ   ولنحتسِ الخمرَ دمعاً من مآقيهِ
ولنفرحِ الفرحةَ الكبرى بمأتمهِ   ولنضحكِ اليومَ هُزْءاً من بواكيهِ
ولنمتلكْ كلَّ ما قد كان يملكهُ   فنحن أولى به من كلّ أهليهِ
وَلْينسَه الناسُ حتى لا يقولَ فَمٌ   في الأرض ذلك شعبٌ مات نرثيهِ
ويحَ الخياناتِ، مَن خانت ومن قتلتْ؟   عربيدُها الفظّ يُرديها وتُرديهِ
الشعبُ أعظمُ بطشاً يومَ صحوتهِ   من قاتليه، وأدهى من دواهيهِ
يغفو لكي تخدعَ الطغيانَ غفوتُهُ   وكي يُجَنَّ جنوناً من مخازيهِ
وكي يسيرَ حثيثاً صوبَ مصرعهِ   وكي يخر َّوشيكاً في مهاويهِ
علتْ بروحي همومُ الشعبِ وارتفعتْ   بها إلى فوق ما قد كنتُ أبغيهِ
وخوّلتْني الملايينُ التي قُتِلتْ   حقَّ القِصاص على الجلاّد أَمْضِيهِ
عندي لشرِّ طغاةِ الأرضِ محكمةٌ   شِعري بها شرُّ قاضٍ في تقاضيهِ
أدعو لها كلَّ جبّارٍ، وأسحبهُ   من عرشه تحت عبءٍ من مساويهِ
يحني ليَ الصنمُ المعبود هامتَهُ   إذا رفعتُ له صوتي أُناديهِ
أقصى أمانيه منّي أن أُجنّبَهُ   حُكْمي، وأدفنه في قبر ماضيهِ
وشرُّ هولٍ يلاقيه، ويسمعهُ   صوتُ الملايينِ في شعري تُناجيهِ
وإنْ يرى في يدي التاريخَ أنقلهُ   بكلّ ما فيه للدنيا وأَرويهِ
يرى الذي قد تُوفّي حُلْمَ قافيةٍ   مني فيُمعن رعباً في تَوفّيهِ!!
وليس يعرف أني سوف ألحقهُ   في قبره ازْدادَ موتاً، أو مَرائيهِ
أُذيقه الموتَ من شعرٍ أُسجّرهُ   أشدُّ من موتِ «عزريلٍ» قوافيهِ
موتٌ تجمّعَ من حقد الشعوبِ على الـ   ـطُغيانِ فازداد هولاً في معانيهِ
يؤزّه في اللظى غمزي، ويُذهلُهُ   عن الجحيم، وما فيه، ومَنْ فيهِ
سأنبش الآهَ من تحت الثرى حِمَماً   قد أنضجتْه قرونٌ من تلظّيهِ
وأجمع الدمعَ طُوفاناً أُزيل بهِ   حكمَ الشرورِ من الدنيا وأنفيهِ
أُحارب الظلمَ مهما كان طابعُهُ الْـ   ـبَرّاقُ أو كيفما كانت أساميهِ
جبينُ «جنكيزَ» تحت السوطِ أجلدهُ   ولحمُ «نيرونَ» بالسفّود أشويهِ
سِيّان من جاء باسم الشعبِ يظلمهُ   أو جاء من «لندنٍ» بالبغي يَبغيهِ!
«حَجّاجُ حَجّةَ» باسم الشعبِ أطردهُ   وعُنْقُ "جنبولَ "باسم الشعبِ ألويهِ