احتفالات الحراك...تناقض بين الشكل والمضمون
بقلم/ احمد طلان الحارثي
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و يوم واحد
الإثنين 18 فبراير-شباط 2013 04:21 م
أنا لست حراكي ولكنّي حركي وأنا جنوبي ولكنّي لست انفصالي وأنا متسامح ولكنّي لن أسامح القتلة والمجرمين ومصاصي الدماء وأنا متصالح مع من أختلف معهم على أساس الشراكة فيما اتفقنا عليه والمعذرة والتجاوز فيما اختلفنا فيه وأنا مناضل وثائر ضد الظلم والطغيان والاستبداد والفساد ولكن بالنضال السلمي الذي يبني ولا يهدم ويعمر ولا يدمر ويحترم وجهة نظر الآخرين في حقهم في الحرية ونيل الحقوق بالطرق المشروعة وأنا أحب اللف والدوران ولكن مع القيم والمبادئ التي آمنت بها وتيقنت من جدية العاملين في سبيل تحقيقها القادرين على حملها حتى نهاية المطاف وأنا لست في القضية ولكني منها وإليها ، منها في وجهها الحقيقي والحقوقي وسائرين لحلها انطلاقاً من رؤية وطنية شاملة من خلال المؤتمر الوطني للحوار إن شاء الله.

أما بعد

فقد نظرت بعين الفحص والتدقيق فيما يحتفل به إخواننا في الحراك الجنوبي من مناسبات ، فوجدت أن هناك فجوة كبيرة بين الشكل والمضمون لتلك الاحتفالات المناسباتية مع أنها مناسبات جليلة ذات دلالات عميقة في مجرى حياتنا الثورية المنصرمة من عمر النظام الوطني التقدمي الذي شيدناه على مداميك واهية وضع تصاميمها غيرنا ونفذناها بالطرق الهندسية الخاطئة ، فلم تقوى على مواجهة عوامل التعرية ومؤثرات الطبيعة.

11 فبراير الجهل بالأساس والمنطلق

فالاحتفال بمناسبة (11 فبراير) كان يجب أن تظهر فيه معاني الفداء والتضحية مقترنة بمقادير عالية من التقدير والاحترام والوفاء لدماء شهداء الثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 أكتوبر) باعتبارهما الأساس الذي انطلقت منه هذه المناسبة العظيمة التي احتفلنا بها عقود من الزمن كمناسبة بحجم الوطن الذي فرقته أنظمة الجور والطغيان والاستعمار البغيض ، حتى جاءت الثورة لتضع حداً لهذه التفرقة والتشرذم وإعادة الاعتبار لوشائج الدم والقربى المتأصلة في ضمير ووجدان الشعب اليمني ، غير أن الداعي للأسى والحزن والباعث على الضيم والحسرات أن يكون الاحتفال بهذه الذكرى الغالية مناسبة لبث السموم والهموم في أوساط المجتمع من خلال الدعوات الانفصالية القائمة على النزعات التسلطية والمنطلقة من الروح الأنانية العدوانية المقيتة ، وهذا يتناقض مع أبسط معاني الوفاء والعرفان لدور شهداء الثورة اليمنية المجيدة.

أقول هذا وأنا ممن تشرفوا بالمشاركة في إحدى المناسبات ضمن ثلة من حرس الشرف التي وضعت أكاليل من الزهور على النصب التذكاري للشهداء في ساحة الجندي المجهول بحديقة الشهداء في مدينة التواهي العاصمة السياسية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً والعاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن الموحد ، كما لا أخفيكم سراً أنني كنت أخطط لإقامة حفل زواجي في هذا التاريخ قبل أربعين عاماً بالوفاء والتمام غير أن ظروف خاصة كانت السبب في تقديم الحفل عن هذا اليوم بثلاثة أيام فقط.

قد يتفاجأ البعض وأنا أسوق لكم الأسباب التي دعت إلى اختيار يوم (11 فبراير) كيوم للشهداء ويحتل هذه الأهمية الكبيرة في تاريخ النضال الثوري في الشطر الجنوبي من الوطن ، ولكن المرجو عدم الاندهاش أو الاستغراب لأن أصالة الشعب اليمني مرتبطة بمصيره الموحد وكفاحه الشامل ضد الظلم والطغيان ، انطلاقاً من إيمانه العميق بحق الأخوة والقيام بواجب النصرة والمؤازرة من أجل تحقيق الأهداف ونيل الغايات ، ولتعلموا أيها الإخوة المحتفلون بيوم (11 فبراير) كيوم للشهيد الجنوبي أن هذا اليوم هو يوم استشهاد المناضل البطل {مهيوب علي غالب سعيد مقبل العزوبي} واسمه الحركي (عبود) المولود في قرية الحيانة عزلة الدعيسة شرعب محافظة تعز والذي استشهد يوم (11 فبراير 1967م) في مدينة الشيخ عثمان محافظة عدن وهو يقاوم قوات الاحتلال البريطاني ، وشيعت جنازته في يوم (15 فبراير 1967م) من مسجد حسين الأهدل في حافة حسين بمدينة كريتر وتوجه محمولاً على الأعناق حتى مقبرة القطيع حيث ووري جثمانه الثرى دفاعاً عن مبادئ وأهداف الثورة اليمنية الخالدة ، وقد تم تخليد اسمه عند ما أنشأت وزارة الدفاع إحدى الوحدات العسكرية عام 1971م وسمي باسمه (لواء عبّود) كما أطلق اسمه على أحد مستشفيات محافظة عدن ، فما حقيقة احتفالاتكم بهذه المناسبة في الوقت الحاضر ؟؟ وأنتم تمارسون شتى أنواع القطيعة والانفصال وتمنعون أبناء محافظة تعز الباسلة من زيارة عدن الأبية التي أراقوا دماؤهم فداءً لأبنائها وبناتها الذين تعرضوا للبطش والتنكيل على يد قوات الاحتلال البريطاني الغاشم.

13 يناير سيطرة واستحواذ

كما أن الاحتفال بذكرى يوم 13 يناير 1986م تحت مسمّى التصالح والتسامح هو الآخر لا يمت إلى جوهر الدعوة التصالحية بأية صلة ، حيث لا يوجد التصالح والتسامح إلاّ عبر الكلمات المنمقة والخطب الرنانة التي لا يتجاوز أثرها منصة الخطابة في لحظة نشوة تصالحية مؤقتة تنبثق عنها طاقات هائلة من الحقد والكراهية للغير ، وهذا ما تعبر عنه بوضوح تلك الممارسات القمعية المتكررة التي يمارسها بعض الحراكيون ضد الفعاليات السلمية التي ينظمها ويدعو إليها الآخرون الذين لا يروق لأصحاب فكرة التصالح والتسامح الوهمي قيامها على غير النمط الذي يودون قيامها عليه ، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن التصالح والتسامح لا يكون بالتهريج والإدعاء ولكن بالمودة والوفاء والأداء ، فماذا فعل المتصالحون وماذا أداء المتسامحون من الحقوق والالتزامات المادية والأدبية تجاه ضحايا عنف المجزرة المذكورة وغيرها من المجازر ، ولو افترضنا أن هناك تصالح وتسامح فإنما تم ذلك بين بعض الجلادين فقد ــــ مع أن الواقع لا يشهد بشيء من ذلك ــــ أما الضحايا فلا مكان لها في هذا الشأن ، وما عليها إلاّ أن تردد الشعارات وتشارك في حضور المهرجانات وكفى ، وهذا أكبر قدر من نصيبها في ذلك التصالح والتسامح المزعوم.

30 نوفمبر تعميق التشطير

وتعود بنا الذاكرة إلى الوراء قليلاً حيث اُحتفل بيوم الاستقلال المجيد في 30 نوفمبر الماضي كرمز للتحرر والانعتاق والخلاص من ويلات الحكم الاستعماري المتسلط وكيوم وطني بارز ، دلالته الأساسية في قيام (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) على أنقاض عدد كبير من السلطنات والمشيخات والإمارات التي كان يتألف منها (الجنوب العربي) الذي تتردد الشعارات والهتافات للعودة إليه في ساحات الاحتفالات الموهومة بذكرى يوم الاستقلال والتوحد في الثلاثين من نوفمبر 1967م ، وإنها لمفارقات عجيبة أن يُحتفل بمناسبة لا يُعترف بما أفرزته من نتائج ، وإلاّ كيف نفهم معنى ذلك الاحتفال وتمجيد المناسبة في حين تنهال اللعنات والشتائم على مخرجاتها الأساسية في واقع الأمر.

إن دعاة العودة إلى ما كان يُسمّى (الجنوب العربي) ليس لهم علاقة بمناسبة يوم الاستقلال ولا كان ينبغي لهم الاحتفال بها زوراً وبهتاناً في ظل مخالفتهم لمقصودها ومعانيها السامية ومناوأتهم لمدلولاتها الوطنية على صعيد الواقع ، والأسوأ من هذا كله أنهم يتنكرون لهذه المناسبة الغالية ويجردونها من صفاتها الوطنية التي عمقتها على مدار سنوات النضال التحرري للوصول إلى غاياتها المنشودة في تحقيق الوحدة اليمنية باعتبار الاستقلال أولى الخطوات التي أفضت إلى تلك الغاية النبيلة ، وتعالوا بنا نستمع إلى شهادة موثقة سجلت في عام 1988م تحكي مدى أهمية يوم الاستقلال ونتيجته العامة على مستوى اليمن: (يحتل الثلاثون من نوفمبر مكانة خاصة وعزيزة في نفس كل مواطن شريف ومخلص في عموم الوطن اليمني ، كون ذلك اليوم ملكاً خالصاً وغالياً للشعب اليمني ، استكمل به حريته ، بعد أن حطّم قيود النظام الإمامي الكهنوتي الذي كان يجثم ثقيلاً على مقدرات شعبنا في الشطر الشمالي) وقد جاءت هذه الشهادة على لسان رئيس الدولة في ذلك الحين أثناء خطابه بمناسبة الذكرى الحادية والعشرون للاستقلال الوطني ، والغريب أن هذا الشاهد أحتل مكانة مرموقة في نظام دولة الوحدة ، إلاّ أنه أصبح عموداً من أعمدة الانفصال والحنين إلى ماضي التشطير البغيض ويتفق مع مجمل الدعوات الانفصالية هذه الأيام.

14أكتوبر نكران وجحود

ولمّا كانت ثورة 14 أكتوبر 1963م هي رمز من رموز الانتماء للوطن اليمني الكبير ولها مكانة غالية في نفوس اليمنيين قاطبة فإنه من الطبيعي جداً أن يحتفي بها الجميع بدون استثناء ، على اختلاف مشاربهم الفكرية وتياراتهم السياسية ، وبمختلف التكوينات الحاكمة والمعارضة ، وحظيت وتحظى عند هؤلاء جميعاً بمكانة رفيعة ودرجة عالية من الأهمية والتقدير ، ولهذا لا غرابة أن تحضر تلك الجماهير الغفيرة في مناسبة وطنية عزيزة بغض النظر عن هوية واتجاهات من يقوم بالدعوة الخاصة بالاحتفال لمثل تلك المناسبات ، ولكنه من المؤسف جداً أن يجعل الحراك الجنوبي الاحتفال بهذه المناسبة حصرياً على الجنوبيين فقط ، الأمر الذي أفقدها هذه المكانة بسبب تلك النزعات الانفصالية والتصرفات المسيئة لتاريخ النضال الوحدوي للجنوبيين قبل غيرهم وعلى رأسهم تلك الطلائع التي تنادي بالانفصال وفك عرى الوحدة التي عمقتها ثورة 14 أكتوبر بانطلاقها من قاعدتها الأساسية ومصدر وجودها (ثورة 26 سبتمبر الأم) التي ساندتها ودعمت نضالها التحرري بكل ما تملك من القدرات والإمكانات.

وبالنظر إلى تلك التصرفات الانفصالية المرافقة للاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر وغيرها من المناسبات الأخرى ، يجد الإنسان المتأمل البون الشاسع والفجوة العميقة بين المعاني النضالية للثورة وبين المرامي الحراكية التي تنشدها من الاحتفال بهذه الذكرى الغالية ، حيث كانت تلك الاحتفالات تهدف إلى تحوير المعاني السامية للثورة وتجييرها لصالح دعاة الانفصال ، والتنكر التام لمبادئ هذه الثورة ونسفها من الأساس ، وهذا أمر لا يستقيم مع المنطق الواقعي ولا يقره ذو عقل وبصيرة على الإطلاق.

وإليكم مقولة للاستشهاد بها على أهمية ثورة 26 سبتمبر 1962م ودورها في قيام ومساندة ثورة 14 أكتوبر 1963م وهذه المقولة على لسان الأخ سالم صالح محمد الأمين العام المساعد للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني في ديسمبر 1989م حيث يقول: (وشكل قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م في الجنوب ، أي بعد عام واحد من انتصار الثورة السبتمبرية الأم ، عاملاً قوياً وهاماً ، عزز من آمال الوطنيين اليمنيين في تحقيق الوحدة اليمنية ، لا سيما وأن العامل الموضوعي المعيق لذلك قد زال بزوال نظام الإمام والاستعمار في شطري اليمن) وتعزيزاً لما طرحناه نورد هنا مشهد آخر على لسان رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى الذي يقول: (إننا نؤكد على إيماننا العميق والتزامنا وإخلاصنا الراسخين بمبادئ وأهداف الثورة اليمنية المتمثلة بجملة مبادئ وأهداف ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر والوحدة التي لا تنفصم عراها لتلك الأهداف والمبادئ التي تعكس وتعبر عن وحدة الشعب والأرض والوطن اليمني الواحد).

أما علي سالم البيض فيقول: (الثورة اليمنية التي انطلقت في 26 سبتمبر 1962م وكانت انطلاقتها الثانية في 14 أكتوبر 1963م استطاعت أن تحرر الشعب اليمني من أعتى نظام ملكي استبدادي عرفه شعبنا في شمال الوطن ، وحررت جنوب الوطن من النظام الاستعماري وحلفائه المحليين من إقطاعيين وبرجوازية كمبرادورية وهي بهذا المعنى حققت نقلة تاريخية نوعية في حياة شعبنا).

وبعد هذا كله تتنكر تلك القيادات وتعود إلى الوراء كثيراً مشدودة إلى ماضي الاستعمار والتشطير الذي أصمت أذاننا بما تكرره عبر وسائل الإعلام من مثل هذه المقولات طوال عقود من الزمن ، فماذا تبقى لنا في هذه القيادات من ثقة فيما تطرحه وتدعو إليه اليوم في ظل هذا التناقض العجيب ؟؟؟.