آخر الاخبار
أربعون عاما والهزيمة لم تنس بعد
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 17 يوماً
الثلاثاء 05 يونيو-حزيران 2007 09:17 م

تمر علينا هذه الأيام ذكرى حرب الأيام الست (كما أطلق عليها اليهود لتفاخرهم بقضائهم على الجيوش العربية في ستة أيام فقط) أو ما يسمى بنكسة 67.

ولعل من أسوء نتائج الحرب، على الأقل من وجهة نظر الأطراف العربية، خسارة الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان

فهل كانت هذه هي فقط نتائج الحرب؟

هل حاربت الجيوش العربية فعلا؟

هل سقطت الأقنعة عن الأنظمة العربية منذ تلك الايام وظهر مدى تقصيرها اتجاه قضايا الامة؟ ذلك ما سنحاول أن نستكشفه من خلال التحقيق الذي ننشره بالمناسبة.

حرب 67: حلقة في سلسلة حروب مستمرة 

سبقت حرب النكسة عام 1967 حربان وأعقبها ثلاث أخرى، وذلك بالأخذ بالاعتبار قاعدة معلومات كوسيمو لتصنيف الحروب، مع الإشارة إلى أن بعض الأزمات العنيفة سقطت في بعضها خسائر فادحة في الأرواح والأرض بما لا يحصل عادة بالحروب. والجامع بين الحروب آنفة الذكر أن السبب الأساسي لنشوبها هو ظهور الكيان الإسرائيلي وسط المنطقة العربية.

حروب ما قبل هزيمة 67

حرب 1948

أول حرب كانت للعرب بعد ولادة الدولة العربية الحديثة، حرب عام 1948، والتي اعتبرها العرب "نكبة" فسموها حرب النكبة، ويطلقون عليها أيضا حرب فلسطين، أما الإسرائيليون فسموها "حرب الاستقلال".

وقد نشبت عقب إعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين يوم 15 مايو/ أيار 1948 حيث قامت قوات خمس دول عربية (مصر وسوريا والأردن ولبنان والعراق) بدخول فلسطين لمنع قيام الدولة العبرية على أرض فلسطين، واستمرت العمليات العسكرية حتى يناير/ كانون الثاني 1949 بعد أن سيطرت إسرائيل عمليا على الأجزاء التي أعطاها إياها قرار التقسيم 194 وأكثر منها.

وفي ذاك التاريخ ولدت مسألة اللاجئين بخروج أكثر من 400 ألف فلسطيني من ديارهم، ليبدأ الصراع العربي الإسرائيلي.

حرب 1956


الحرب العربية الثانية، وتعرف دوليا باسم "حرب السويس" وتسمى في العالم العربي "العدوان الثلاثى".

أما سببها فهو تأميم الرئيس المصري جمال عبد الناصر قناة السويس، إثر رفض البنك الدولي –بإيعاز أميركي– تقديم قرض لمصر لبناء السد العالي مما أدى إلى قيام كل من فرنسا وإنجلترا بالتنسيق مع إسرائيل، بشن هجوم شامل على مصر بدأ يوم 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956 بدخول القوات الإسرائيلية إلى سيناء، وتدخلت فرنسا وإنجلترا بذريعة التدخل لحماية الملاحة في منطقة القناة واحتلت بورسعيد.

ولكن الضغط الدولي عموما والسوفياتي خصوصا -حيث إن الأخير هدد باستعمال القوة لرد الغزاة- إضافة إلى المقاومة المصرية، كلها أدت إلى إنهاء العمليات يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني، ثم انسحاب بريطانيا وفرنسا من بورسعيد يوم 22 ديسمبر/كانون الأول 1956، ثم انسحاب إسرائيل يوم 6 مارس/آذار عام 1957 من سيناء إلى ما وراء خط هدنة 1949، وتحقق مصر انتصارا سياسيا بفشل العدوان في تحقيق أهدافه برغم الخسارة العسكرية.

ولكن هذا النصر الذي ساهم في دفع الثقة بالقدرة على المواجهة في مصر والمنطقة العربية من ورائها، أصبح مستهدفا من إسرائيل ومن أكثر من طرف دولي، فانتكس في حرب عام 1967 بهزيمة الجيوش العربية وأطلق على هذه الحرب حرب "النكسة"، أي النكسة بعد النصر، وهي الحرب الثالثة بين العرب وإسرائيل.

حروب ما بعد هزيمة 67

إن مما يجمع بين الحروب العربية الإسرائيلية عموما وما بعد حرب 67 خصوصا أن أهم نتائجها كان المزيد من قضم مساحة العالم العربي لإسرائيل، أو إقرار إسرائيل على بعضها.

أما ما تتميز به حرب 67 خاصة عما قبلها وسرى على ما بعدها، فهو كثرة الجدل حول معنى الهزيمة والنصر، حتى أن اسم "النكسة" اشتق من هذا الجدل المبكر حيث أن هناك من رأى في معاني "النكسة" ولو لغة ما هو دون الهزيمة.

واستمر هذا الجدل مع كل الحروب التالية، واستمر التساؤل حتى حرب يوليو/ تموز الأخيرة في لبنان، هل هزمنا في الحرب؟ هل خرجنا من الهزيمة؟ هل انتصرنا؟، ولكل جوابه.

حرب 1973

الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، والأولى بعد حرب 67، تعرف عربيا باسم حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول أو العاشر من رمضان، بينما تطلق عليها إسرائيل "حرب يوم كيبور" (أو عيد الغفران). فقد قامت القوات المصرية والسورية في إطار خطة عسكرية مشتركة، بشن هجوم مفاجئ على القوات الإسرائيلية في سيناء والجولان، تحطمت على إثره خطوط الدفاع الأولى الإسرائيلية.

وتمكنت القوات المصرية من تثبيت مواقعها على مسافة 15-20 كلم شرق قناة السويس، وتقدمت القوات السورية إلى عمق هضبة الجولان إلا أنها تراجعت إلى خطوط 5 أكتوبر/ تشرين الأول مرة أخرى، ثم تداخلت أوضاع القوات بصورة درامية على الجبهة المصرية حيث استطاعت قوات إسرائيلية النفاذ -من خلال ثغرة سميت ثغرة الدفرسوار- إلى غرب قناة السويس ومحاصرة القوات المصرية شرقها، الأمر الذي ساهم في توقف إطلاق النار في الأيام الأخيرة من أكتوبر/ تشرين الأول، لتبدأ في أعقابها مفاوضات فض الاشتباك والتي انتهت بتوقيع اتفاقية الفصل بين القوات يوم 17 يناير/كانون الثاني 1974.

والمفاوضات التي أعقبت هذه الحرب فتحت الباب أمام التحول التاريخي في مصر بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، والخروج من الصراع العسكري مع إسرائيل.

فيما هدأت الحدود السورية الإسرائيلية منذ ذلك الوقت حتى اليوم، ولم تشهد أي أزمات عنيفة فضلا عن الحروب، فيما استمر التوتر العسكري المحدود بين لبنان وإسرائيل متداخلا مع الحرب الأهلية اللبنانية.

وكان سلاح النفط قد استعمل في هذه الحرب لأول وآخر مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث فرضت الدول العربية المنتجة للنفط حظرا على الدول التي ساندت إسرائيل مما تسبب بأزمة طاقة عالمية في سبعينيات القرن الماضي.

ونتائج هذه الحرب برغم الحديث عن "النصر" فيها لم تخفف من حدة آثار هزيمة 67، حيث إن دوي الأخيرة في ذكراها بقي أعلى صوتا من كل الاحتفالات بذكرى "انتصار أكتوبر".


حرب 1982

وتعرف باسم حرب لبنان أو غزو لبنان، لقيام القوات الإسرائيلية بغزو لبنان لتدمير قواعد منظمة التحرير الفلسطينية بحسب زعمها، ولقيت مواجهة من القوات اللبنانية والفلسطينية المشتركة، كما شاركت فيها القوات السورية التي انسحبت تحت وقع الضربات الإسرائيلية نحو أراضيها ونحو المناطق اللبنانية القريبة من حدودها.

وانسحبت القوات الإسرائيلية نحو الجنوب اللبناني بعد التوصل إلى اتفاق بشأن خروج "القوات الفلسطينية" من لبنان، وبعد تفاقم أعمال المقاومة ضدها. وكان من أهم نتائج هذه الحرب قيام إسرائيل بتوسيع "الشريط الحدودي" الذي كانت قد احتلته في جنوب لبنان عام 1978 بالعملية التي أطلق عليها اسم عملية الليطاني.

ولم تنفصل هذه الحرب عن مسار الحرب الأهلية اللبنانية حيث وقفت بعض المليشيات اللبنانية وتحديدا في المناطق المسيحية إلى جانب إسرائيل في مواجهة ما كان يطلق عليها اسم القوى الوطنية والفلسطينية التي كانت تتمركز في المناطق الإسلامية غرب بيروت.

وبعد هذه الحرب انتقلت البندقية من يد المقاومة الفلسطينية -التي خرجت من بيروت- إلى يد المقاومة اللبنانية، ثم انحصرت بعد اتفاق الطائف بيد المقاومة الإسلامية التابعة لحزب الله، والتي توجت انتصارها بانسحاب إسرائيل من الشريط الحدودي جنوب لبنان عام 2000، وانكفأت إلى منطقة غير مأهولة بالسكان تسمى مزارع شبعا، وتقع على الحدود اللبنانية السورية ولا زالت غير مرسمة بحسب المعايير الدولية.


حرب تموز 2006

سمتها إسرائيل رسميا بعد انتهائها بالحرب اللبنانية الثانية واشتهرت إعلاميا بحرب تموز، ووقعت يوم 12 يوليو/تموز إثر قيام المقاومة الإسلامية الذراع العسكري لحزب الله بعملية عسكرية عبر الحدود اللبنانية أدت لمقتل ثمانية جنود وأسر جنديين إسرائيليين، وسمى حزب الله العملية بالوعد الصادق في دلالة على صدق أمينه العام حسن نصر الله في خطف جنود لمبادلتهم مع المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائلية.

وكان رد إسرائيل العسكري عنيفا جدا معتبرة فعل حزب الله حربا من لبنان عليها، فقامت قواتها بعبور الحدود اللبنانية لأول مرة منذ انسحابها عام 2000. فيما قام سلاح الطيران بقصف الجنوب اللبناني واستهدف بشكل مكثف ضاحية بيروت الجنوبية التي تمثل الخزان البشري لحزب الله، واستهدف الجسور والطرق في معظم المناطق اللبنانية بذريعة قطع سبل إمداد المقاومة في الجنوب.

أما المقاومة الإسلامية فقامت بقصف صاروخي لمنشآت ومواقع عسكرية ومدنية حيوية في إسرائيل ووصل مداها إلى حيفا في العمق الإسرائيلي، وهدد الحزب بأن يستهدف تل أبيب نفسها إذا قصفت العاصمة بيروت.

ورغم التفوق العسكري لإسرائيل فإن قادتها فشلوا في تحقيق أهدافهم التي أعلنوها أثناء الحرب وهي استعادة الجنديين ووقف الصواريخ والقضاء على حزب الله، وانتهت الحرب بالقرار الدولي رقم 1701 الذي صدر يوم 15 أغسطس/آب وجاء في بعضه الدعوة لانسحاب إسرائيل إلى ما وراء الخط الأزرق، وابتعاد المقاومة وانسحابها إلى ما وراء نهر الليطاني وانتشار الجيش اللبناني وقوة أممية مكانها، وهو ما حصل.

الحالة الشعبية العربية قبل حرب 67


قبل حرب 67 كان هناك حالة مد قومي كبير تقوده مصر بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر في المنطقة العربية، وبالتالي النموذج المصري كان ملهماً للوعي للشعوب العربية وقائدا لها. لذلك سوف نتناول الحالة المصرية الشعبية كنموذج للحالة العربية في مرحلة ما قبل الحرب، خاصة وأنها شكلت رافعة شعبية ومعنوية للوضع العربي ومنها الدول المعنية بحرب 1967.

التنظيمات السياسية:

شعر قادة ثورة يوليو/تموز 1952 فور وصولهم الحكم أنهم بحاجة لتنظيم شعبي يمثلهم في المجتمع بعد أن كان حزب الوفد هو أكبر حزب سياسي يحوز الأغلبية فتم حله كما تم حل جميع الأحزاب عام 1953، واستثنيت حركة الإخوان المسلمين في البداية ثم ما لبثت أن حُلت بعد أن اصطدمت بالثورة عام 1954.

وأنشأ ثوار يوليو/تموز أول تنظيم سياسي يعبر عنهم وكان اسمه "هيئة التحرير" من عام 1953 حتى 1956، وبعد حرب السويس عام 1956 أنشأ الثوار تنظيما جديدا تشرف عليه الدولة أطلق عليه اسم "الاتحاد القومي" واستمر هذا التنظيم في العمل من أوائل عام 1957 حتى ما بعد انفصال مصر عن سوريا وانتهاء تجربة الجمهورية العربية المتحدة عام 1961.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 1961 عقدت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية اجتماعها الاول، وفي مايو/أيار 1962 عُقد المؤتمر الوطني للقوي الشعبية لاختيار قيادات من النقابات المهنية والعمالية والاتحادات الطلابية موزعة جغرافياً، وتم إعلان "الميثاق الوطني" والإعلان عن تأسيس "الاتحاد الاشتراكي العربي" كتنظيم سياسي شعبي جديد بدلاً من "الاتحاد القومي".

وبعد سنتين من تأسيس "الاتحاد الإشتراكي العربي" الذي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة تم تأسيس تنظيم داخل الاتحاد الإشتراكي سراً لمن يضمن ولاءهم سمي "التنظيم الطليعي" ولا أدري ما حاجة نظام يتحكم في الدولة كلها إلى إنشاء تنظيم سري.

في نفس العام 1964 تم تأسيس "منظمة الشباب الاشتراكي" كتنظيم مكتمل من القاعدة للقمة لكنه يتبع الاتحاد الإشتراكي أي أحد تنظيماته وإن كانت تشكيلاته شبه مستقلة عنه، ويتبع أمين الاتحاد الإشتراكي الذي كان في ذلك الوقت علي صبري.

تشكل وعي الشباب في المنظمة على أفكار هي خليط بين الماركسية والاشتراكية والقومية والإسلام وإن كان المكون اليساري الماركسي أكبر فمال معظم خريجي المنظمة إلى الفكر اليساري الماركسي، وقاد عدد من قيادتها فيما بعد مظاهرات عام 1968 احتجاجاً على محاكمات ضباط الطيران المتسببين في الهزيمة، وكان هذا دافعاً للرئيس عبد الناصر لأن يأمر بتجنيد بعض قيادات المنظمة الموالين للنظام الحاكم في "التنظيم الطليعي" التشكيل السري، ومنع منظمة الشباب من النشاط في الجامعات والسماح فقط للتنظيم الطليعي.

أحداث مؤثرة

لعل من أهم ملامح القوة الشعبية تنامي الحلم في مصر كدولة عظمى وقائدة للأمة العربية وانتشار المد القومي الشعبي في بلدان عربية كثيرة تأثراً بزعامة الرئيس عبد الناصر ومشروعه القومي

وقعت أحداث قبل حرب 67 وكان لها أثر على الحالة الشعبية:

1- قرار الشيوعيين المصريين بحل تنظيماتهم المستقلة، والإفراج عنهم من السجون في أبريل/نيسان 1965، وقرارهم دخول الاتحاد الإشتراكي والتنظيم الطليعي كأشخاص، وإن كانت السلطة في ذلك الوقت اختارت عددا منهم ممن ارتاحت لولائهم وقبلتهم في هذه الأماكن، ودخل عدد من الماركسيين إلى المؤسسات الصحفية الإعلامية والثقافية وكان أبرزهم الكاتب محمد سيد أحمد حيث أشرف على صفحة الرأي في "الأهرام" ولطفي الخولي أصدر مجلة "الطليعة" وكمال رفعت أصدر مجلة "الكاتب" وكانوا على يسار النظام وكان ذلك أيضاً بدايات مناخ نقدي.

2- اعتقال الإخوان المسلمين في أغسطس/ آب 1965 بالآلاف، وجرت محاكمات وأُعدم عدد من قادة الجماعة علي رأسهم المفكر والكاتب سيد قطب، وسُجن وشُرد الكثير وتم استئصال الإخوان من الحياة السياسية وبالطبع هؤلاء أثروا في دوائر محيطة بهم ومتعاطفة معهم مما وفر مناخاً سلبياً كان بمثابة تهيئة سلبية لأجواء ما قبل معركة يونيو/ حزيران 1967.

3- بروز "منظمة الشباب الاشتراكي" التي سبق ذكرها والتي روج برنامجها الفكري لمشروع نهضوي كبير، وكان هناك تصور بأن مصر دولة كبرى: أليس لديها أقوى جيش في المنطقة؟ ألم تتبن الاشتراكية والتنمية المستقلة وعملية التصنيع والعدالة الإجتماعية؟ فكانت آمال كبار، وعبر عن هذا الحلم والأمل الدولة بجهازها الرسمي والإعلامي، فكانت الهزيمة شرخ كبير صدم حلم هؤلاء الناس.

أهم ملامح القوة والضعف في الحالة الشعبية:

نخلص مما سبق إلى أن من علامات القوة في الوضع الشعبي عشية حرب 67 ما يلي:

كانت هناك حالة شعبية معقولة في منظمة الشباب وذلك لأنها تحمل بوادر التمرد، وهو ما حدث عند أول اختبار بعد الهزيمة.

كان هناك رضا شعبي عن الإنجازات على المستوى الإجتماعي عند قطاعات متسعة ممن استفاد من مجانية التعليم وتطوير الريف بالوحدات الصحية والمدارس وتوزيع الأراضي على صغار الفلاحين واتساع الطبقة المتوسطة.

تنامي الحلم في مصر كدولة عظمى وقائدة للأمة العربية، وانتشار المد القومي الشعبي في بلدان عربية أخرى تأثراً بزعامة الرئيس عبد الناصر ومشروعه القومي وخاصة تحديه للولايات المتحدة الأميركية والصراع العربي الصهيوني، وتأسيسه لمنظمة دول عدم الإنحياز.... إلخ.

ازدياد الروح النقدية في الصحافة بشكل نسبي لوجود رموز ماركسية سبق الإشارة إليها.

كما كانت علامات الضعف في الحالة الشعبية التي سبقت نكسة 1967 ما يلي:

التضييق على الحريات ومنع الأحزاب والقوى السياسية المخالفة وذلك منذ حل الأحزاب جميعاً ثم حل الإخوان واعتقالهم واعتقال الشيوعيين وانتهاك حقوق الإنسان بشكل كبير في السجون والمعتقلات.

تأميم الدولة للسياسة واختزالها في حزب واحد هو حزب السلطة بمراحله الثلاث (هيئة التحرير، الاتحاد القومي، الاتحاد الإشتراكي).

وجود شرائح أخرى معادية للنظام ممن تأثروا بالتأميم أو مصادرة الأراضي أو حل الأحزاب والجماعات، وكان آخرهم اعتقال الإخوان عام 1965 كما ذكرنا.

الانفصال بعد الوحدة بين مصر وسوريا الذي جرى بقرارات فوقية وليس بمشاركة شعبية أدى لإضعاف وإنهاك النظام والشعور الشعبي.

الحالة الشعبية العربية بعد 67

تركت هزيمة 67 أثرا كبيرا على الحالة الشعبية في مصر التي كانت قبل الحرب هي الرائدة للحالة العربية، وفي بقية العالم العربي عموما:

على المستوي المصري

1- تمرد شباب الجامعات المصرية بقيادة منظمة الشباب الاشتراكي التي أنشئت لتكون الذراع الشبابية للنظام الناصري وذلك مرتين في سنة واحدة عام 1968 في فبراير/ شباط عقب محاكمات الهزيمة، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام احتجاجاً على قمع طلاب المدارس الأزهرية والثانوية في مدينة المنصورة، وكانت مطالب الشباب تتركز على الحريات ومواجهة مراكز القوى والسعي لتحرير الأرض المحتلة.

2- بعد وفاة الرئيس عبد الناصر عام 1970 وتولي الرئيس السادات السلطة نادى بأن 1971 هو عام الحسم لتحرير الأرض المحتلة، ومر عام 1971 دون حسم فخرجت مظاهرات غاضبة من طلاب الجامعات في فبراير/ شباط 1972 وتصادمت مع السلطة وأجهزة الأمن واعتقل العشرات، لكنها كانت وسيلة ضغط ناجحة وكانت دافعاً لحدوث معركة العبور عام 1973.

3- تبلور تيار ماركسي في الجامعات أوائل السبعينيات كل رموزه وقادته من خريجي منظمة الشباب الاشتراكي.

4- ظهر تيار قومي ناصري بدأ يبتعد عن تجربة الدولة الناصرية ويوجه لها نقدا وخاصة فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان.

5- ظهور تيار إسلامي جديد مستقل عن الإخوان تقاسم السيطرة على الحركة الطلابية في السبعينيات مع التيارين الآخرين، ثم انضم عدد كبير من رموز التيار الإسلامي إلى الإخوان نهاية السبعينيات.

7- بعد انتصار أكتوبر/ تشرين الأول 1973 والانفتاح الاقتصادي والتعددية الحزبية المقيدة التي أطلقها السادات، فاجأ الرئيس الجميع بذهابه إلى القدس في نوفمبر/تشرين الثاني 1977، ثم التوقيع على إطار السلام في كامب ديفد عام 1978 ثم اتفاقية السلام عام 1979 بين مصر وإسرائيل، وخرجت من الموقف العربي الموحد إلى الموقف المنفرد، وهو الأمر الذي أحدث منذ ذاك الوقت وحتى الآن شرخا بين توجهات الحكومة المصرية وتوجهات الشعب.

على المستوي العربي:

أهم نتائج هزيمة 67 هي دخول الشعوب كطرف في إدارة الصراع بعد أن كانت تمنح ثقتها لأنظمة الحكم في إدارة هذا الصراع، وأصبحت الشعوب والحركات الشعبية هي التي تدير هذا الصراع

كان الشرخ أيضاً كبيراً في الحالة الشعبية بعد صدمة الهزيمة عام 1967، وكانت هناك أحداث أهم ملامحها:

1- ظهور منظمة التحرير والمنظمات الفلسطينية بما لها من عمق شعبي فلسطيني وعربي، وقيامها بعمليات فدائية منذ ذلك الوقت وطوال عقد السبعينيات.

2- نشأة حزب الله اللبناني بعد عام 1982 ودخوله على خط المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وخاصة في الجنوب، حتى علت أسهمه حين نجح لأول مرة في تحرير الأراضي اللبنانية عام 2000.

3- ظهور حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين مع الانتفاضة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 1987، وتنامي دورها حتى وصلت إلى السلطة عام 2006، كذلك ظهور حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني.

التحولات الشعبية عامة

أهم نتائج التحولات منذ نكسة 1967 وحتى الآن:

1- وبسبب أن الناس أرجعوا الهزيمة لسببين: الأول غياب الدين ودوره الفعال، فكانت ظاهرة التدين ثم الصحوة الإسلامية التي قويت في معظم الدول العربية حتى أصبحت الحالة الإسلامية رقما صعبا في الحياة السياسية العربية. والسبب الثاني: غياب الحريات فأصبح هناك الآن عشرات من منظمات حقوق الإنسان وعدد أكبر من القوى الديمقراطية التي تقاوم من أجل الحريات السياسية والديمقراطية وهي ممثلة لكل التيارات السياسية.

2- انتقال إدارة الصراع العربي الإسرائيلي المسلح من الجيوش العربية وأنظمة الحكم إلى الجماعات والحركات الشعبية والمقاومة، وخاصة بعد توقيع عدة دول عربية معاهدات صلح مع إسرائيل واختيار أنظمة الحكم العربية "السلام كخيار إستراتيجي" مما يؤكد عدم التفكير مطلقاً وكذلك عدم الاستعداد لأي حرب سواء دفاعية أو لتحرير الأراضي، مما حول الدفة كما قلت من الأنظمة الحاكمة إلى الجماعات والحركات الشعبية.

3- ظهور أشكال جديدة من المقاومة الشعبية السلمية كالمقاطعة (مقاطعة السلع والبضائع والثقافة والنشاط) مع إسرائيل أو الدول التي تعاونها وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك مقاومة التطبيع الثقافي والفكري والسياسي مع إسرائيل، ووسائل دعم الانتفاضة الفلسطينية المتكررة ضد الاحتلال.

4- تنامي المكون الديمقراطي في كل التيارات السياسية أو فصائل في كل هذه التيارات سواء كانت ماركسية أو قومية أو إسلامية أو ليبرالية، وأصبحت هناك حركات عابرة للأيديولوجيات وخاصة في المجال الديمقراطي مثال حركة (كفاية) المصرية.

يمكن القول بأن شعور الشعوب العربية بالانكسار قد يكون مضراً، وقد يكون مفيداً في حفزها لتحقيق النصر كما حدث في حرب 1973، وفي تغيير الواقع إلى واقع أفضل.

أما أهم جوانب الفائدة فهو دخول الشعوب كطرف في إدارة الصراع بعد أن كانت تمنح ثقتها في أنظمة الحكم في إدارة هذا الصراع، وأصبحت الشعوب والحركات الشعبية هي التي تدير هذا الصراع الآن سواء منه المسلح حركات المقاومة (كالجهاد وحماس وحزب الله وغيرهم) أو المقاومة المدنية كالمقاطعة ومقاومة التطبيع ودعم الانتفاضة.

كما أنه توجد الآن حركات مقاومة سلمية للاستبداد والتسلط ولغياب الديمقراطية، والتي قد تنجح فيها الشعوب كما نجحت في مقاومة الاحتلال.

إسرائيل جديدة بعد حرب 67

في كتابه الشامل الذي كتبه عن حرب حزيران 1967 والذي أطلق عليه اسم "1967" يقول المؤرخ الإسرائيلي توم سيغف واصفاً مشاعر الإسرائيليين عشية تلك الحرب قائلاً:

"لقد رأى الإسرائيليون أنفسهم جزءاً من العالم الغربي، وبناء على ذلك صاغوا أمانيهم في الحياة وبنوا توقعاتهم من دولتهم. لقد أكثر الإسرائيليون في حينه من السفر خارج البلاد، وقاموا بشراء أجهزة تلفزيون قبل أن يبدأ التلفزيون الإسرائيلي بث برامجه".

عاش الإسرائيليون منذ حرب 1956 حالة من الثقة وآمنوا بأن الحياة تبتسم لهم. كانت إسرائيل، منتصف الستينيات دولة تتقدم باضطراد من إنجاز إلى إنجاز في كل مجالات الحياة تقريباً... كانت قراءة الصحف الإسرائيلية في حينه تثير الفخر والاعتزاز في نفوس الإسرائيليين.

صحيفة معاريف أفادت بأن إسرائيل ستنضم لخطة الفضاء الفرنسية الطامحة لإقامة شبكة اتصالات تعمل بواسطة القمر الصناعي. أما صحيفة هآرتس فقد اقتبست من أقوال العالم المعروف أرنست دافيد برغمان الذي قال بأن هناك أساساً لخطة فضائية إسرائيلية.

إسرائيل قبل حرب 67

ما من شك بأن وصف سيغف طموحات الإسرائيليين وتقديرهم لأنفسهم -عشية حرب 1967- يمكن أن يكون بوصلة لفهم سلوك الإسرائيليين أثناء الحرب وبعدها، بل ومعياراً لقياس مدى تغلغل الأفكار السائدة للزعماء ومصممي الرأي العام الإسرائيليين في نفوس الإسرائليين العاديين.

فقد اعتمدت هذه الأفكار على أساسين بارزين وهما:

تصوير إسرائيل على أنها دولة غربية نيرة *

التميّز الكيفي عن شعوب المنطقة علمياً وحضارياً * 

إسرائيل دولة غربية

"إسرائيل دولة غربية نيّرة تعيش في محيط من الدول العربية الشرقية الدكتاتورية والمتخلفة".

من هذا المنطلق رأى الإسرائيليون أنفسهم جزءاً من العالم الغربي وسعوا بكل ما أوتوا من قوة لأن يستوعبوا في هذه المنظومة المتقدمة من النواحي الحضارية والثقافية والقيمية والعلمية والتكنولوجية.

وواكب هذا السعي تثبيت لهيمنة النخب الإشكنازية (اليهود من أصل أوروبي) على المواقع المؤثرة في المؤسسات الفاعلة في المجتمع الإسرائيلي. حيث قوبل هذا التثبيت برضوخ وقبول شبه تام من اليهود ذوي الأصول الشرقية الذين قبلوا مرغمين بدونية حضارتهم وحاولوا التنصل منها إما لكونها حضارة عرفتها النخب في إسرائيل على أنها "حضارة عدو" أو لأنهم رغبوا بالاندماج في الحياة العامة للمجتمع الإسرائيلي والتي حدد معالمها وآليات عملها أناس انتموا للنخب الإشكنازية آنفة الذكر.

بعض اليهود الشرقيين عمد إلى عبرنة أسمائهم بشكل لا يذكّر بماضيهم الشرقي "فتال" أصبح "شاحل"، "بن أبو" أصبح "بن عامي" وهكذا.. أما سيرتهم الحياتية في المأكل ولهجة الكلام والغناء فقد مارسوها بشكل مزدوج، ففي بيوتهم تصرفوا حسبما كانوا يتصرفون في البلاد التي قدموا منها، أما في الحيّز العام فقد مالوا إلى تقليد النخب الإشكنازية المهيمنة.

لم يخف أعضاء هذه النخب آراءهم بالنسبة لهذا الموضوع بل جعلوها شرطاً أساسياً من شروط نجاح فكرة "فرن الصهر" الذي نادى به بن غوريون لصياغة أوليات هوية المجتمع الإسرائيلي الجديد.

فالأديب حاييم هزاز -على سبيل المثال- أعلن بشكل واضح "ليس بوسعنا أن نكون شعباً شرقياً" مفسرا هذا الإعلان بقوله " لقد مررنا بفترة ألفي عام حتى استطعنا أن نكون جزءا عضوياً من الحضارة الأوروبية الغربية. ليس بإمكاننا الآن أن نعيد عجلة التاريخ إلى الوراء ونقبل بحضارة اليمن والمغرب والعراق".

أما الكاتب شبتاي طبيت فقد حذّر من وضع تزداد فيه نسبة اليهود من أصل شرقي الشيء الذي سيؤدي -حسب رأيه- لانخفاض معدل المستوى الثقافي والعلمي، وذلك يعني "الاقتراب من معدلات شعوب المنطقة والابتعاد عن المستوى العالي للثقافة الغربية".

فالدعوة للحفاظ على إسرائيل جزءاً من الحضارة الغربية لم يكن تعلقاً بهذه الحضارة بقدر ما هو رغبة بالابتعاد عن حضارة المجال وعدم الانخراط فيها.

بل يمكن القول إن ذلك غذى مشاعر الإسرائيليين بالتفوق من خلال تبني حضارة الغرب والاستعلاء على حضارة المجال، حتى أولئك القلائل من بين اليهود الشرقيين الذين انضموا للحزب الشيوعي وأحزاب وحركات معارضة أخرى محاولين من خلالها ممارسة الاحتجاج على سياسات القمع والطمس التي مارستها مؤسسات الدولة تجاههم، خف صوتهم عشيّة حرب يونيو/حزيران بل انضوى معظمهم في أذرعة السلطة كموظفين ومعلمين وكتاب ومحاضرين جامعيين قابلين إلى حد كبير مقتضيات وقواعد اللعبة التي صاغها رجال النظام ومؤسسات الدولة.

من الجدير ذكره هنا أن معظم مصممي الرأي العام الإسرائيلي في تلك الفترة حاولوا التأكيد على فكرة كون إسرائيل "واحة الديمقراطية" الوحيدة في الشرق الأوسط، ومحاولة تسويقها خاصة فيما يتعلق بصورة تعاملهم مع الأقلية العربية الفلسطينية التي بقيت في حدود دولة إسرائيل بعد نكبة عام 1948.

التميز الكيفي حضاريا

واعتمد الإسرائيليون في تقديرهم لذاتهم أيضا على الدعوة لتفضيل الكيفية النوعية وتجاهل البعد الكمّي.

فأحد أهم الميّزات التي تمتعت بها الحركة الصهيونية في سعيها لإقامة إسرائيل والتي تباهى بها دافيد بن غوريون في أكثر من مناسبة، هي التميّز الكيفي عن شعوب المنطقة علمياً وحضارياً.

وقد أقر في تصريحاته تلك بوجوب الحفاظ على هذا التفوق واستخدامه في سبيل صناعة القوة العسكرية الرادعة التي رأى بها الضمان الأساسي لاستمرارية بقاء الدولة التي أعلن عن إقامتها في مايو / أيار 1948.

ومع إدراكه للتفوق الهائل للطرف العربي من حيث الموارد البشرية والطبيعية فقد رأى أن يلجأ الطرف الإسرائيلي إلى رفع المستوى الكيفي للموارد البشرية المتوفرة لديه، والسعي لتعويض النقص في الموارد الطبيعية من خلال تطوير العلوم الدقيقة والتكنولوجيا المتطورة.

وتم الربط بين الطموح للتميز والسعي الدائب لبناء قدرة عسكرية متطورة ذات مستوى كيفي عال يضمن حدا من الردع للجوار العربي بشكل يجعله يفكر مليا قبل المبادأة بأي هجوم.

وولد هذا الربط أنماط تفكير وطموحات الأجيال الإسرائيلية الشابة التي كان سقف توقعاتها الانتماء إلى الوحدات العسكرية القتالية الخاصة المبنية على مبدأ الضربات الخاطفة التي تضرب العدو في عصب قوته الأساسي، وتمكن الجيش الإسرائيلي من تحقيق النصر السريع بأقل قدر ممكن من الخسائر البشرية والموارد الطبيعية والبنى التحتية.

أما الوحدات العسكرية التي تهافت عليها المتجندون الجدد فكانت وحدات المظلات وسلاح الجو والقوات الخاصة التي كانت القدوة في هذا الجانب لأن قادتها الميدانيين كانوا قد بدؤوا حياتهم العسكرية -على الأغلب- في وحدات الهاغناه التي اصطلح على تسميتها بوحدات البالماح.

بناء على كل ما تقدم يمكننا القول إن الإسرائيليين دخلوا حرب يونيو/ حزيران 1967 وهم في حال من المعنويات المرتفعة والثقة الكبيرة وذلك على عكس ما يشاع عن حالات الهلع والخوف عشية الحرب، وإن كانت حالات من هذا القبيل قد حصلت وقد تم تضخيمها في وسائل الإعلام فإنها -بطبيعة الحال- لا تستطيع أن تنبئ بتفشيها في الأوساط العامة أو أوساط القوى الفاعلة على وجه الخصوص والتي دخلت الحرب بأعصاب باردة وثقة من نجاح الحرب الخاطفة التي كانوا بصدد شنها والتي آتت أكلها في الساعات الأولى للحرب.