جواسيس حول الرئيس!!
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر
السبت 19 يناير-كانون الثاني 2013 04:33 م

نتابع منذ انتخاب الرئيس هادي – خصوصاً في الفترة الأخيرة - أخباراً في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية اليمنية تركز على نقل أخبار خاصة بمقابلات الرئيس هادي واتصالاته التلفونية، وتستبق القرارات والخطوات التي ينوى الرئيس إصدارها واتخاذها.. على غرار التقى الرئيس هادي اليوم في منزله بالوزير الفلاني أو بالقائد العلاني، وقال له........، وتبدأ بسرد تفاصيل دقيقة تقول إنها قد دارت في مقابلة الأخ الرئيس أو اتصاله مع هذا المسؤول أو ذاك.

ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة مواضيع تلك التسريبات لمعرفة صحتها من عدمه، أو تتبع الأشخاص الذين تدور من حولهم، لكننا سنركز حديثنا على كيفية حدوث مثل تلك التسريبات ووصولها إلى الصحف؟ فعندما تتحدث صحيفة ما نقلاً عن مصادر خاصة – لا تسميها - أخبرتها بأن الرئيس قال لفلان أثناء اتصاله به كذا وكذا.. وتبدأ بسرد تفاصيل دقيقة لا يمكن معرفتها عن طريق التوقع أو التحليل، فإن ذلك الأمر لن يخرج عن أحد احتمالين:

احتمال صحة التسريبات

يفترض هذا الاحتمال صحة ما ورد في تلك التسريبات، وذلك سيجعلنا أمام ثلاثة أمور: فإما أن تكون تلك الصحيفة تمتلك أجهزة تنصت في منزل الرئيس ومكتبه، أو أن لديها أشخاص من الدائرة المحيطة بالرئيس ينقلون لها تلك الأخبار، أو أن الرئاسة نفسها هي من تسرب لها تلك الأخبار بطريقة غير مباشرة.

ومن الطبيعي أن نستبعد الأمر الأول هنا إذا ما حصرنا الموضوع بإمكانيات تلك الصحف، لكنه قد يكون حاضراً كخيار مطروح إذا ما اعتبرنا بأن تلك الصحف تتبع مراكز قوى في الدولة هي من تقوم بالتنصت على مقابلات الرئيس ومكالماته وتسرب لتلك الصحف ما تريده منها؛ وبما يخدم مصالح تلك القوى، خصوصاً أننا قد عرفنا قبل فترة بأن الأجهزة الخاصة بالرئيس السابق كانت قد زرعت أجهزة تنصت في مختلف أرجاء القصرين الرئاسي والجمهوري قبيل انتخاب هادي رئيسا.

لكن الخطورة في هذه الحالة تكمن في تمكن تلك الأجهزة من الوصول إلى المسكن الخاص بالرئيس هادي الذي كان يقيم فيه منذ كان نائبا، لأننا نعرف أن الرئيس مازال يدير الدولة حتى الآن من ذلك المنزل وفيه ومنه يجري مقابلاته واتصالاته مع مسؤولي الدولة، مع بقاء احتمال أن تتم عملية التنصت من مناطق مجاورة لبيت الرئيس بواسطة أجهزة حديثة عالية الالتقاط. وقد سمعنا مؤخراً إن الرئيس قد انتقل مع أسرته للإقامة في دار الرئاسة، وذلك لا يغير شيئاً من المحاذير المذكورة هنا.

أما ألأمر الثاني فيتعلق بوجود مسؤولين من العاملين مع الرئيس هم من يسربون تلك المعلومات إلى الصحف من غير علم الرئيس، وبالتالي سيكون على الرئيس والجهات المسؤولة عن تأمينه وحمايته تتبع مثل أولئك الأشخاص وفضحهم واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقهم، خصوصاً أن الجهات التي تذهب إليها تلك التسريبات معلومة، ويمكن متابعتها وتتبع الذين يتواصلون معها.

أما الأمر الثالث والذي يفترض بأن الرئاسة هي من تقوم بتسريب تلك الأخبار إلى بعض الصحف والمواقع، فذلك سيجعلنا أمام وضع غريب وعجيب، لأن الرئاسة يمكنها إعلان ما يحدث في مقابلات الرئيس واتصالاته عبر بيانات رسمية، أما إن كان التسريب غير الرسمي يعود إلى عدم قدرة الرئاسة من الحديث المباشر عن بعض مراكز القوى، فإن التسريبات غير المباشرة – من وجهة نظرنا – ستأتي بمفعول عكسي غير ما تريده الرئاسة، لأنه سيشعر تلك القوى بعجز الرئاسة تجاهها وتخوفها من مواجهتها.

احتمال كذب التسريبات

ما ذكرناه في الاحتمال الأول هو ما يتبادر الى ذهن المواطن العادي في حالة تأكد صحة تلك التسريبات. أما الاحتمال الثاني فيتمثل في عدم صحة تلك التسريبات، وهنا سنكون أمام افتراضين: يتمثل أولهما بأن هناك جهات تابعة لمراكز قوى تريد الإضرار بالرئيس هادي وضرب العلاقة بينه وبين الأطراف المتحالفة معه أو المؤيدة له، وذلك بالإكثار من تسريب الإشاعات عن توتر علاقة الرئيس بتلك الأطراف، عملاً بالمقولة الاستخباراتية: اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الآخرون.

أما الافتراض الثاني المطروح أمامنا هنا فنستبعد من خلاله خدمة الصحف والمواقع التي تنشر تلك التسريبات لصالح مراكز قوى بعينها تريد تنفيذ أجندات خاصة بها، وفي هذه الحالة ستكون تلك الصحف والمواقع هي من تفبرك تلك الأخبار عن مقابلات الرئيس واتصالاته وحركاته وهمساته ومسودات القرارات التي يفكر بإصدارها، بحثاً منها عن الشهرة، وزيادة حجم المبيعات للصحف الورقية، وجذب مزيد من الزوار للمواقع الإلكترونية.

لكن التساؤل الذي سيتبادر إلى أذهاننا: هو لماذا تسكت الرئاسة عن معظم تلك التسريبات ولا تبادر لنفيها؟ وهل السبب في ذلك هو عدم التعامل معها لكونها مجرد أكاذيب؟ مع ما في ذلك من خطورة.. لأن الكذبة التي لا يتم نفيها تتحول في نظر الناس إلى حقيقة؛ خصوصاً المواطن البسيط.. إلا أن يكون سكوت الرئاسة عن تلك التسريبات لكونها توافق هواها، وتعتقد أنها تخدمها وتمكنها من ضرب الأطراف المتصارعة ببعضها، الأمر الذي قد ترى الرئاسة فيه أنه يضعف القوى المتنفذة بمختلف أطرافها، ويصب في مصلحة الرئيس وتياره في نهاية المطاف.

ويقودنا ذلك إلى تساؤل جديد حول ما إذا كانت الرئاسة هي من تتعمد تسريب تلك الأخبار غير الصحيحة رغبة منها بضرب من تراهم خصومها ببعضهم؟ وهذا يجعلنا ننبه إلى خطورة مثل ذلك، لأن دعم تلك التسريبات أو حتى السكوت عنها وعدم نفيها سيصور الرئيس أمام مواطنيه بأنه شخص عاجز! ويظهره بأنه لا يستطيع حتى تأمين منزله ومكتبه الخاص من المندسين، وأنه محاط بلوبي من الجواسيس يخدمون القوى المتصارعة من حوله، وأنه لا يملك القدرة على كشفهم، أو أنه - على افتراض معرفته بهم- لا يستطيع حتى معاقبتهم أو إبعادهم من العمل معه، وذلك سيدفع الشعب اليمني لفقد الثقة برئيسه وقدرته على إخراج البلد من النفق المظلم الذي بات يقبع فيه، بما يشكله ذلك من خطورة.

خلاصة القول

إن رئاسة الجمهورية باتت مطالبة باتخاذ إجراءات صارمة لمنع تلك التسريبات ومعاقبة المتسببين بها، بغض النظر إن كانت تنبني على أخبار حقيقية أو أنها مجرد تلفيقات لا أساس لها، ولعل الخطوة الأولى بهذا الصدد تتمثل بتحديد رئاسة الجمهورية ناطقاً رسمياً لها، تكون مهمته الرد على مثل تلك التسريبات والتلفيقات والإشاعات، وموافاة وسائل الإعلام بآخر المستجدات، على غرار ما يحدث في كل بلاد الدنيا.. وما ناطق البيت الأبيض الأمريكي أو الناطق باسم الرئاسة المصرية عنا ببعيد.

أما إن استمر الوضع على ما هو عليه فذلك سيوصل البلد إلى مرحلة لا تحمد عقباها، ينطبق عليها المثل القائل \" المال السائب يعلم السرقة \" ، حيث ستتحول حياة الرئيس ومهامه الرسمية وشؤون الدولة إلى حق مشاع أمام كل من هب ودب، بحيث يذهب كل طرف لفبركة وتلفيق الأخبار التي يريدها، والترويج للقرارات الي يتمناها ويحلم بها لأنصاره؛ أو يريد إحراج الرئيس بتسريبه لها لإبعادها عن خصومه، وستتسابق الصحف والمواقع على ابتكار ما تريد من أخبار كاذبة لتقدمها لقرائها على أنها سبق صحفي.. مادامت لا تجد من يسائلها؛ أو حتى يكلف نفسه عناء تكذيبها!!.