قريباً.. رحلات جوية بين مطاري القاهرة والريان و مباحثات لاستئناف رحلات المصرية إلى مطار عدن تأجيل موعد انتخابات اتحاد كرة القدم اليمني دولة خليجية تسحب الجنسية من 1145 امرأة باليستي فرط صوتي وصفه بوتين بأنه ''الصاروخ الذي لا يُقهر'' دول تعلن انها ستعتقل نتيناهو تنفيذًا لقرار الجنائية الدولية بصورة نهائية وعقوبات رادعة.. مأرب تحظر حركة الدراجات النارية إنهيار متواصل للعملة المحلية أمام الريال السعودي في عدن اليوم بقنابل وصورايخ خارقة للتحصينات… ضربة جوية قوية في قلب بيروت وترجيح إسرائيلي باغتيال الشبح عربيتان تفوزان بجوائز أدبية في الولايات المتحدة قوات كوريا الشمالية تدخل خط الموجهات والمعارك الطاحنة ضد أوكرانيا
لا أنكر أن احتفالات أعياد السنة الميلادية هذا العام كما شاهدتها عبر أجهزة البث الفضائية "النصارنية"، شدت انتباهي كثيراً، فقد أخذت أبعاداً جمالية جديدة، وحملت معانٍ جمة من اهتمامات الناس في كل أنحاء العالم.
بدت كبريات مدن العالم في حالة تبارٍ وتنافس شديد عندما لبست أجمل وأحلى ما أنتجته مصانعها من بهارج وألوان.. عند منتصف الليل كان العيد زهواً في الأرض وفي السماء.. فتراقصت ألوان الفرح في سماوات المدن، وعانقت الكرات البلورية بدلال ناطحات السحاب.. واختلطت في بعضها حبات الثلج البيضاء بفرقعات الألعاب النارية.. فصنعت ألوانا قرمزية أبهجت كبار "النصارى" وصغارهم، وأضاءت نفوس الشيوخ والنساء عندهم.
لكن هذه المفرقعات – بالتأكيد – لم تخطئ الطريق، ولم يكن بينها رصاصات أو قذائف طائشة كما هو الحال عندنا في اليمن وفي بلاد العرب والمسلمين، فألعابهم ومفرقعاتهم لا تطلق رصاصات الموت، ولا تفزع الأطفال والنساء، ولا تلوث الهواء وتقلق الجيران والسكينة العامة كما تفعل ألعابنا ومفرقعاتنا، وإنما هي تلون فضاءاتهم بالجمال، وتكسو وجوههم بالسعادة، وتصنع الابتسامة والألق في نفوس الأغنياء والفقراء على حد سواء ..
- أتدرون لماذا أيضا..؟
لأنها مفرقعات لا تختلط بالحقد والبارود، وإنما هي تختلط بالألوان وبحبات الفرح ولذلك، فهي لا تقتل طفلاً، ولا تغتال شيخاً أو امرأة ولا تصيب خطأً ماراً أو عابر سبيل..!
في الأعياد والمناسبات عند هؤلاء النصارى "الكفار.!!" لا تتزين السيارات بالمرافقين المدججين بالأسلحة الرشاشة والـ"آر بي جي" كما يفعل أصحابنا من كبار القوم ووجهائها، الذين يدافعون عن "الشرعية"، والذين ينوون بناء الدولة المدنية الحديثة، وإنما سياراتهم ودراجاتهم النارية تتزين بقطع من الأقمشة الملونة، ويحمل الأطفال عندهم بالونات الفرح، وزُمَّارات العيد،ويتمنطقون بقيعات "بابا نويل" أو "ديد ماروز"، وليس ببنادق الكلاشينكوف ومسدسات "الكلوك" الحديثة وكاتمات الصوت.
تكسو الفرحة في أعيادهم وجوه الناس، وتبدو الحياة في عيون صغارهم حدائق حالمة تتجلى فيها روعة الانسان وجماله، وفي عيون الكبار تبدو الحياة أكثر حبا وتفاؤلا وأملا ..
في أعياد رأس السنة الثلجية يتسابق الفنانون الناحتون والرسامون والموسيقيون والمغنون الى الأماكن العامة والمنتزهات وأماكن الترفيه، وينبري الجميع أفرادا وجماعات شبابا وشيوخا، نساء ورجالا، بنين وبنات، في حلقات تبارٍ إبداعية نادرة، وسباق خلاق لهدف أن يرسم المبدع بسمة في وجوه الناس.
المدن عند "النصارى" في الأعياد والمناسبات تبتسم هي الأخرى، لأنها لا تنام، ليس من الخوف والفزع والظلام، ورعب غياب الدولة وموتورات الموت، وإنما لأنها تعج بالحياة.
العيد في مدن "النصارى" انتعاش وحركة.. إبداع وثقافة.. بحث عن هدايا وورود وفرح وموسيقى، ازدحام شوارع وحيوية ونشاط أسواق، وارتياد مطاعم.. والعيد عندهم حركة اقتصادية رابحة، الجميع ينتج، والجميع يعمل ويستهلك.. والجميع يبتسم ويستفيد.
في أعياد رأس السنة في مدن "النصارى" الثلجية، يتقاطر الرسامون، النحاتون بمناشيرهم وأزميراتهم ومطارقهم الى ساحات وأركان القوالب والصخور المتجمدة؛ لينحتوا من الصقيع حرارة ودفئاً.. ويشكلون من الكرات الثلجية مجسمات كريستالية تقطر إبداعا وتنثر جمالا وروعة.. يقيمون مدنا في معارض ثلجية في الهواء الطلق.. يجسدون فيها الحكايات والقصص القديمة، ويتمثلون حياتهم الغابرة والمعاصرة في لوحات ومنحوتات فنية بديعة ومدهشة.
هؤلاء المبدعون المنشغلون برسم البسمة وصنع الحياة.. يستحقون التهنئة وإلقاء التحية والسلام، وهم يحتفلون بأعيادهم بهذه الطريقة المثلى.. نعم.. من حقهم ان يفعلوا ذلك لعدة أسباب أهمها:
- أن المناسبة هي مناسبة ميلاد نبي الله عيسى عليه السلام، الذي حمل رسالة الديانة "المسيحية" ثاني أقدس الديانات السماوية، التي أسهمت بتغيير مسار حركة التاريخ.
- رأس السنة الميلادية يمثل بالنسبة لكل العالم (مسيحيين ويهودا ومسلمين وبوذيين وهندوس وزرادتش ووثنيين وشيوعيين وملحدين...الخ) تاريخاً مهماً، لأن هؤلاء جميعهم لا يتعاملون في حياتهم العامة والخاصة بتقويماتهم الدينية أو القومية، وإنما هم يتعاملون بتقويم السنة "الميلادية"، وكل حركاتهم وتعاملاتهم اليومية تتم تبعا لأحداثها، فحسابات السنة المالية للدول والشركات العامة والخاصة والبنوك في كل دول العالم الإسلامي من اندونيسيا أكبر بلدان العالم الإسلامي إلى مصر، وجزر القمر والمالديف، والصومال، واليمن، تتم وفقا للتقويم الميلادي، والمواطنون في كل الدنيا يحسبون شهورهم وأيامهم ومناسباتهم، وأفراحهم وأتراحهم بأيام وشهور التقويم الشمسي، ويتسلمون أجورهم ومرتباتهم نهاية كل شهر ميلادي، وليس نهاية شهر هجري أو يهودي أو صيني.
- مرت دورات تاريخية بين الحضارات غيرت موازين القوى، فبينما كان التاريخ الهجري ظاهراً في زمن ازدهار الحضارة الإسلامية، والكفاية الاقتصادية، والازدهار العلمي العربي – الإسلامي، أصبح التاريخ اليوم في زمن العولمة وثورة العلم والتكنولوجيا غيره بالأمس، فهو لمن يمتلك مفاتيح السيطرة والتطور والازدهار، وهو لمن ينتج هذا الكم الهائل من ضرورات الحياة ومقتنياتها المعاصرة، التي لا غنى لأي إنسان أو مجتمع في العالم عنها، وهذه حقيقة يجب ان يعترف بها "العقلاء" في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر، ويعترفوا بأن ظروف ووقائع الحياة قد تغيرت، بل وتغيرت كثيراً، وللّحاق بهذا التغير وكسبه يتطلب دورة تاريخية جديدة، يكون عمادها العلم والمعرفة.
- العالم العربي والإسلامي اليوم يؤرخ لأبرز أحداثه المعاصرة بالتاريخ الميلادي، فالثورات العربية مثلا نؤرخ لها بالأشهر والسنوات الميلادية وليس الهجرية.. فنقول ثورة 23 يوليو 1952 في مصر، ونقول ثورة يوليو تموز في سوريا والعراق، ونقول ثورة 26 سبتمبر 1962، و14 اكتوبر 67 في اليمن، وثورة الفاتح من سبتمر1960 في ليبيا، وهو ما ينطبق أيضا على ثورات الربيع العربي، فالرئيس المصري محمد مرسي – وهو زعيم من زعماء حركة الإخوان المسلمين العالمية - عندما يتحدث عن ثورة مصر ضد نظام مبارك لا يقول ثورة 25 محرم 1433 هـ، وإنما يقول ثورة 25 يناير 2011م، وفي اليمن يقول إصلاح – الإخوان: ثورة 11 فبراير، ولا يقولون ثورة صفر 1433هـ، وهو ما يمكن القياس عليه.
وإذاً فقد أصبحت السنة الميلادية سنة عالمية، ومهمة بالنسبة الى كل مجتمعات العالم، لحقيقة واحدة فقط، هي أنها ترتبط بحركة الحياة ودورتها المعاصرة المذهلة، ونحن في العالم الإسلامي شئنا أم أبينا نتعامل بالتقويم الشمسي - الميلادي في حلنا وترحالنا، وهو ما يدعونا ببساطة إلى أن نتعاطى مع هذا الواقع "المناسبة "، ونهنىء المسيحيين ونباركهم فرحتهم، لأننا أصبحنا نتشارك معهم هذا التاريخ، وأصبح جزءاً ملازما لحركتنا اليومية.
يقول البعض من إخواننا – جزاهم الله خيراً: إن الاحتفال مع النصارى بعيد الميلاد محرم، وهو قول فيه الكثير من المغالاة، ولا يستند الى نص، وآخرون يقولون "بدعة"، مع ان الحياة كلها بدعة وابتكار، ومع أن الأعياد عند المسلمين هي عيدين (فطر وأضحى)، فقد أصحبت أعياداً لا تُعد ولا تحصى، فكل طائفة، وكل مذهب، وكل أثنية أو قومية، وكل قبيلة وكل شيخ وكل عشيرة لها أعيادها ومناسباتها.. وهو أمر يدعو للتأمل والتفكير فيه.
فالبدعة في اللغة هي الابتكار والاختراع ، ونحن العرب والمسلمين لم نبْرع في اختراع تكنولوجيا العصر وتقنياتها، ولم نبرع في اختراع شيء مهم للدين والدنيا، وإنما برعنا - للأسف- في الإساءة لديننا ودنيانا، فنحن ننتج كل يوم قوائم تحرم ما أحل الله، ونخترع كل يوم "عملية" مرعبة ومخيفة، تخالف قيم الدين وإنسانيته.
والبدعة عند الشافعيّ - رحمه الله - هي: "بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالفها فهو مذموم"، ومشاركة المسيحيين احتفالاتهم - وديانتهم ديانة إيمان وتوحيد - وإلقاء التحية عليهم وتهنئتهم في مناسباتهم وفقا للشافعي، هي بدعة محمودة لا تخالف السنة بقدر ما توافقها، ووفقا للحديث الشريف: "تهادوا تحابوا"، ولأن الإسلام دين يعنى بنشر قيم المحبة والسلام، فالأحرى أن نحيي كل المناسبات، التي من شأنها الإسهام في تذويب الخلافات الدينية والنزاعات الحضارية.
إذن، فهؤلاء المبدعون المنشغلون برسم البسمة وصنع الحياة.. ألا يستحقون التهنئة وإلقاء التحية وهم يحتفلون بأعيادهم بهذه الطريقة..؟!!
أعتقد أنهم يستحقون التحية والتهنئة وإلقاء السلام، وتقديم الهدية، واعتقد أننا كمسلمين نستحق ان نتعلم بعض ما عندهم.. كيف نحتفل بأعيادنا ومناسباتنا دون أن نؤذي الآخرين، ونستحق - أيضا - أن نحتفل معهم ونفرح لفرحهم، استهداء بتعاليم ديننا الإسلامي وسماحته.
فالإسلام يحثنا على إفشاء السلام (وتحيتهم فيها سلام)، "افشوا السلام بينكم"، ونصوص صحيحة أخرى تحرض المسلم على نشر قيم المحبة والسلام.. لأن السلام هو قيمة أخلاقية إسلامية إنسانية سامية، وهو خلق كريم من أخلاق الأنبياء وسنة من سننهم.