مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي يتحدث عن نقاط ضعف الحوثيين القابلة للاستغلال وحقيقة قدرتهم على تحديد هوية السفن وتعقبها وضربها سلاسل بشرية بمدينة مأرب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ودعما لقطاع غزة - صور وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية عاجل: وزير الدفاع الأمريكي: سنعمل على انتزاع قدرات الحوثيين في اليمن مليشيا الحوثي تحول محافظة إب لقادتها ومشرفيها القادمين من صعدة وعمران عاجل:حريق هائل يلتهم هايبر شملان العاصمة صنعاء نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل
مأرب بر س ـ علي حسين باكير- باحث في العلاقات الدولية
تتسارع الأحداث والتطورات في منطقة الخليج العربي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في الآونة الأخيرة, وينذر التصعيد المتسارع بين الطرفين بوقوع حرب كارثية لا توفر أحدا. وعلى الرغم من أن معظم السيناريوهات والكتاب يتحدثون بإس
هاب مطلق عن الخيار العسكري ويشيرون إلى هذا الاحتمال بنسبة كبيرة, إلا أن هناك من يرى أن الهدف من التصعيد الثنائي الحاصل حاليا هو فتح باب للتفاوض الدبلوماسي المباشر بين إيران وأميركا وان كان لكل منهما شروطه التي يريدها من الآخر قبل الجلوس إلى طاولة الحوار.
الولايات المتحدة تريد أن تفرض هذا الخيار عبر التهديد بقوتها العسكرية الضخمة, في حين تقوم إيران باستخدام أوراقها "النووية" والإقليمية "في لبنان والعراق وفلسطين وعدد آخر من الساحات" من أجل جر أميركا للتفاوض وفق شروطها.
وبين هذا وذاك تصل المنطقة إلى ما نراه ونشاهده اليوم. من هذا المنطلق, نعرض في هذا التقرير المسهب القصة الكاملة للمساومات الإيرانية-الأميركية منذ العام 2001 مرورا بالعرض الإيراني السري الذي تقدمت به إيران العام 2003 إلى الولايات المتحدة للتفاوض عليه - والذي يجري الحديث عن إعادة إحيائه حاليا- مقابل الخدمات "الجليلة" التي أدتها لأميركا في احتلال أفغانستان والعراق, وكيف أدى الرفض الأميركي في مناقشة العرض إلى تطور النزاع بين الطرفين واستعانة إيران بالملف النووي وحزب الله كورقة للضغط من اجل جر أميركا للموافقة على مناقشة العرض, وكيف سعت أميركا إلى تجريد إيران من أوراقها قبل طرح الموضوع للنقاش, وصولا إلى التطورات والأحداث التي تجري اليوم على ارض الواقع.
إدارة بوش الجديدة وبداية الحكاية
عندما استلمت الإدارة الأميركية الحالية مقاليد السلطة بعد أن تهاء فترة "الرئيس بيل كلينتون", كان هناك مجموعتان تتصارعان لرسم سياسة محددة تجاه إيران. لقد كان ريتشارد أرميتاج وكيل وزارة الخارجية الأميركية والمقرب جدا من وزير الخارجية كولن باول بطل المجموعة التي تريد فتح قنوات دبيلوماسية وحوارية مع طهران. عاش ارميتاج في إيران لعدة أشهر في العام 1975 بصفته عضوا في فريق وزارة الدفاع الأميركية مهمته عرقلة أو كبح جماح شراء الشاه لكم هائل من الأسلحة خوفا من تضخم قدراته العسكرية, وقد كان أرميتاج منذ تلك اللحظة مهتما جدا بإيران, وقام خلال توليه منصب وكيل وزارة الخارجية باستقدام "ريتشارد هاس" المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وذلك خصيصا من اجل رسم سياسة جديدة تجاه إيران.عمل "هاس" لأربع سنوات في فريق الأمن القومي لإدارة الرئيس بوش كرئيس لقسم الشؤون الخارجية في منطقة الشرق الأدنى وجنوب آسيا , سعى خلالها ومنذ صيف العام 2001 إلى استكشاف إمكانية الانخراط مع إيران ديبلوماسيا عبر تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وفق قانون العقوبات الليبي-الإيراني كخطوة أولى. لكن وبينما كان هذا الفريق يمهد الطريق لخط ديبلوماسي مع إيران, حصلت هجمات 11 سبتمبر 2001 ما غير مفهوم الانخراط الأميركي مع إيران كليا.
11 سبتمبر وغزو أفغانستان: بوابة الاتصال الإيراني مع أميركا
في 11 سبتمبر ,2001 وبعد الهجوم الكبير الذي شنه تنظيم القاعدة مباشرة, اجتمع المحلل في وكالة المخابرات المركزية »السي أي ايه« والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب فلاينت ليفيرت ترافقه مجموعة عمل صغيرة مع وزير الخارجية كولن باول, حيث تم اقتراح فتح قنوات مع الدول الداعمة للإرهاب والتي لن يكون باستطاعتها في هذه اللحظة أن تظهر الجانب السلبي لها لأن الولايات المتحدة ستخوض حربا عالمية ضد الإرهاب بشرعية كاملة من الأمم المتحدة. وخلال أسابيع قليلة اتصلت كل من: إيران, سورية, ليبيا والسودان بالولايات المتحدة عبر قنوات مختلفة مقدمة عرضا بمساعدة الولايات المتحدة في القضاء على القاعدة.
وذكر ليفيرت حينها أن الإيرانيين أبلغوه أن هم يكرهون القاعدة أكثر منهم وان لإيران مصلحة وثأر في القضاء عليها, وأن بإمكان إيران أن تساعد الولايات المتحدة عبر القنوات والمصادر المهمة التي تمتلكها في أفغانستان والتي من الممكن أن تكون مفيدة لها في هذا الموضوع إذا أراد الأميركيون التعاون.
إذ كانت الحكومة الإيرانية من أوائل حكومات العالم التي دانت الهجوم أن لم تكن أولهم. فقد سارع الرئيس الإيراني محمد خاتمي أن ذاك بإدانة هذه التفجيرات بعد ساعات فقط من وقوعها, ولأول مرة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 تم إيقاف شعار "الموت لأميركا" في خطبة الجمعة المركزية في طهران. وأدان "محسن أرمين" نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني التفجيرات واصفًا إياها بالعمل الإجرامي غير المقبول, وقام 165 عضوًا من أعضاء مجلس الشورى البالغون 290 عضوًا بالتوقيع على وثيقة أعربوا فيها عن تعاطفهم مع الشعب الأميركي, وطالبوا بحملة دولية لمكافحة الإرهاب, وقد بعث كل من "محمد عطريا نفر", رئيس مجلس مدينة طهران, ومرتضى الويري, رئيس بلدية طهران برسالة إلى عمدة نيويورك, رودولف جولياني جاء فيها: "لقد استقبلنا الأعمال الإرهابية الأخيرة التي راح ضحيتها الكثير من المواطنين الأبرياء ببالغ الأسى والحزن, ومما لا شك فيه أن هذه الأعمال لا تستهدف مواطني مدينتكم فقط, بل أن ها تستهدف كل مواطني العالم, ونحن نيابة عن مواطني مدينة طهران ندين وبشدة هذه الأعمال اللاإنسانية ومرتكبيها, ونقدم خالص مواساتنا لسيادتكم ولمجلس المدينة ولكل مواطني نيويورك الأعزاء, آملين أن يتم استئصال جذور الإرهاب".
لقد كانت تلك اللحظة بداية لفترة مميزة جدا وغير عادية من التعاون الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران. وبينما كانت الولايات المتحدة تستعد للهجوم على أفغانستان, قام مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى "ريان كروكر" بعقد سلسلة من الاجتماعات السرية مع مسؤولين رسميين إيرانيين في جنيف-سويسرا. في هذه الاجتماعات تم التباحث عما تستطيع إيران تقديمه من مساعدة في الهجوم المرتقب على أفغانستان, وقد اقترح الإيرانيون تقديم أربع أن واع من المساعدة وهي:
1-نشر فرق للبحث والإنقاذ لمساعدة الأميركيين على طول الحدود مع أفغانستان وداخلها إذا اقتضى الأمر.
2- تقديم المساعدات الإنسانية.
3- والاهم من كل هذا إعطاء الأميركيين معلومات وبيانات وإحداثيات لأهم المواقع التي يجب عليهم قصفها في أفغانستان كما وعرضت على الأميركيين الكثير من النصائح بشان التفاوض مع المجوعات الإثنية والعرقية الرئيسية في البلاد ومع التوجهات السياسية لهم بعد الإطاحة بنظام طالبان من خلال خبرتهم الناجمة عن دعم تحالف الشمال ضد حركة طالبان لفترة طويلة.
استمر زخم التقارب الإستراتيجي بين الأميركيين وبين الإيرانيين بالصعود في نوفمبر, وديسمبر من العام 2001 في أوائل ديسمبر, وخلال مؤتمر "بون" الذي عقد بعد الإطاحة بنظام طالبان لتنصيب حكومة جديدة للبلاد, ضغط الإيرانيون على حلفائهم في تحالف الشمال لتقليل المطالبة بعدد اكبر من المقاعد, كما حرصت إيران على أن يتضمن الاتفاق الختامي لغة محاربة الإرهاب.
جاء ذلك بعد عرض إيراني قدمه د. محسن رضائي الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران خلال حديثه في فضائية الجزيرة عندما قال: "إن الخلاص منه -أي المستنقع الأفغاني- يجب أن يمر عبر إيران, وإذا وصلت أميركا إلى طريق مسدود في أفغانستان لابد وأن تحصل على طريق للخلاص من هذا الطريق المسدود, فإيران طريق جيد, وإيران يمكن بشتى الطرق أن تحل هذا الطريق, وتخلص المنطقة من الأزمة الحالية, وتنتهي هذه الأزمة".
وقد أشاد المبعوث الخاص الأميركي جيمس دوبنز بالدور الإيراني والتعاون الكامل أن ذاك وكذلك فعل المحلل في وكالة المخبرات المركزية »سي أي ايه والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب فلاينت ليفيريت قائلا: "ما كان لاجتماع -بون- أن ينجح لولا التعاون الإيراني الكبير, لقد كان لهم فعلا نفوذ كبير على حلفائهم واقترحوا علينا استثمار هذا النفوذ التابع لهم لصالح التعاون والتنسيق الدائم بين إيران وأميركا".
ونظرا للتعاون الإيراني المنقطع النظير في مرحلة تاريخية حرجة للولايات المتحدة, قام مكتب التخطيط السياسي الأميركي بإعداد تقرير في نهاية نوفمبر يقترح وجود "فرصة حقيقة" لقيام تعاون كبير بين إيران والولايات المتحدة ضد القاعدة. لقد اقترح التقرير تبادلا للمعلومات وتنسيقا مشتركا على الحدود خاصة أن إيران باستطاعتها تأمين معلومات إستخباراتية تكتيكية بشكل ممتاز. وقد دعم هذا الاقتراح أن ذاك كل من المخابرات المركزية ومنسق مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض وايني داونينغ.
لقد كانت الإستراتيجية التي تبناها كل من هاس وليفيريت بدعم من ريتشارد أرميتاج وكولن باول تقتضي استغلال رغبة الدول المدرجة على لائحة الإرهاب بالتعاون مع الولايات المتحدة خاصة-سورية وإيران- وذلك من أجل إحداث تغيير جذري في السياسيات معها واستغلال المفاوضات معها من اجل فتح حوار حول دعمها للمجموعات الإرهابية للوصول إلى مساومات تقتضي شطبهم من لائحة الدول الداعمة للإرهاب إذا نفذوا ما يطلبه الاميركيون منهم بهذا الشأن.
مع إيران, فان هذه المحادثات كان يمكن لها أن تتطرق لأمور أخرى من بينها البرنامج النووي الإيراني. لقد كان فريق التخطيط السياسي المذكور يعد لجميع الخيارات والمستويات التي من الممكن أن يخاض التفاوض فيها والمنافع التي يمكن أن تقود إليها هكذا مفاوضات مع إيران للطرفين, حيث تتراوح العروض من دعم عضوية إيران في منظمة التجارة العالمية وصولا إلى إعطائها ضمانات أمنية. وقد وصف ويلكرسون رئيس الفريق المساعد لوزير الخارجية الأميركية أن ذاك لـ كولن باول الخطة بأنها اتفاق حقيقي كبير.
تم اعتبار الفترة الممتدة بعد 11 سبتمبر 2001 من أكثر الفترات الواعدة والايجابية للانفتاح الإيراني على أميركا منذ أن قطاع العلاقات بين البلدين في العام 1979 وقد كشفت إيران نفسها فيما بعد عن مدى هذا التعاون بينها وبين أميركا والخدمات الجليلة التي قدمتها لها في محاول للتقرب من "الشيطان الأكبر", إذ نقلت وسائل الإعلام في 9/2/2002م عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق; علي أكبر هاشمي رفسنجاني قوله في يوم 8 فبراير في خطبته بجامعة طهران: "إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان, وساهمت في دحرها, وإنه لو لم تُساعد قواتهم في قتال طالبان لغرق الاميركيون في المستنقع الأفغاني...يجب على أميركا أن تعلم أن ه لولا الجيش الإيراني الشعبي ما استطاعت أميركا أن تُسْقط طالبان.
ونقلت الوكالات فيما بعد في 15 مارس 2002 عن صحيفة نوروز الإيرانية ما أكده نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني الإصلاحي محسن أرمين عن "وجود اتصالات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران, وان هذه الاتصالات لطالما كانت قائمة في السنوات الماضية, وبحسب مصادر سياسية في إيران تمت مثل هذه "الاتصالات" في الأشهر الماضية في عدد من الدول الأوروبية".
لكن حصلت استدارة أميركية فيما بعد عبر المحافظين الجدد في البيت الأبيض. ووفقا للخبير بالشؤون الإيرانية والمؤرخ غارثر بورتر, فقد عرقل المحافظون الجدد هذا الانفتاح وذهبت كل خدمات إيران سدا عندما تم وضعها في لائحة محور الشر كما أراد الرئيس بوش رغم معارضة مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايز ونائبها ستيفن هادلي لذلك, فيما ساند كل من نائب الرئيس ديك تشيني, ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد واليميني دوغلاس فيث توجهات بوش تجاه إيران".
وفي ذلك الوقت, تم تسريب العديد من الأخبار عن أن إيران تقوم بتهريب عناصر القاعدة المنسحبين من أفغانستان وتسهيل دخولهم إلى أراضيها. لكن وفقا للمحلل في وكالة المخبرات المركزية »السي أي ايه« والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب فلاينت ليفيريت والذي التقى مسؤوليين رسميين إيرانيين في جنيف مرات عديدة, فان الحقيقة كانت أن الإيرانيين قد اتخذوا خطوات كبيرة وتعانوا بشكل فعال مع واشنطن, وان هذا التسريب عن تعاون إيران مع القاعدة كان يهدف إلى ضرب الانفتاح الإيراني.
يقول ليفيريت: حتى أن الإدارة الأميركية طلبت من الإيرانيين أن ذاك أن يزيدوا من عدد حراس الحدود على تلك الجبهة لرصد عناصر القاعدة ومواجهتهم في ذلك الوقت, فقامت إيران بالاستجابة فورا لهذا الطلب, بل أن ها استجابت أيضا لطلب واشنطن حجز أي من الواردة أسماؤهم على لائحة تم تقديمها للإيرانيين, وطلبت واشنطن من إيران أن تمنع هروب أي من الواردة أسماؤهم في القائمة والذين من الممكن أن يكونوا قد دخلوا إيران سرا, فقامت إيران بتعميم أسمائهم على الحدود تلبية لطلب واشنطن.
انعكس التراجع الأميركي على الوضع الإيراني, ورأت إيران أن ها لم تحصل على شيء مهم مقابل ما قدمته للإدارة الأميركية من خدمات جليلة وكبيرة جدا ما كان باستطاعة أحد في المنطقة أن يقدمها, فانعكس ذلك بشكل سلبي على القيادة الإيرانية وأعلن آية الله "علي خامنئي" في مايو من العام 2002 أن المفاوضات مع الولايات المتحدة أمر عديم الفائدة.
الفرصة الإيرانية الثانية: مساعدة أميركا في غزو العراق مقابل الحصول على مكاسب إستراتيجية
شكلت الحرب المرتقبة على العراق فرصة أخرى لقيام كل من إيران والولايات المتحدة بفتح قنوات اتصال بينهما. فقد اعتقدت إيران أن الفرصة سانحة لإعادة اختبار الموقف الأميركي الذي يحتاج إلى إيران بشدة في هكذا موقف, وبالتالي إمكانية كسب صفقة مهمة جدا مع الأميركيين على حساب العراق والمنطقة.
وبالفعل فقد أن قلبت الحسابات الإيرانية بشكل دراماتيكي من جديد عندما قررت الولايات المتحدة غزو العراق. ففي أواخر العام 2002 قام السفير الأميركي في أفغانستان زلماي خليل زاد بعقد اجتماعات مع مسؤولين حكوميين إيرانيين في جينيف-سويسرا عبر ديبلوماسية الأبواب الخلفية التي تشتهر إيران بها منذ الثورة الإسلامية, طالبا المساعدة في نقطتين اثنتين مبدئيا:
- الأولى تتمحور حول مساعدة إيران لأي طيار أمريكي تسقط طائرته في الأراضي الإيرانية خلال الهجوم على العراق.
- أما الثاني فيتمحور حول الطلب من إيران عدم إدخال أي قوات أو ميليشيات إلى داخل العراق خلال الهجوم.
لقد وافقت إيران على هذين المطلبين مقابل وعد أولي من قبل زلماي خليل زاد بان لا يتم مهاجمة إيران بعد الإطاحة بنظام صدام حسين.
وعلى الرغم من التعاون الإيراني والاستجابة الأميركية, كان هناك شك لدى كل طرف بنوايا الطرف الأخر وانه يبيت له. لقد كان هناك اقتناع لدى المسؤولين في مجلس الأمن القومي الإيراني أن الولايات المتحدة ما أن تنتهي من العراق وتتمركز فيه وتستقر حتى تبادر إلى الهجوم على إيران. وقد أكد ذلك تريتا بارسي المتخصص في السياسة الخارجية الإيرانية في جامعة "جون هوبكنز" للعلاقات الدولية المتقدمة, والذي التقى عددا كبيرا من المسؤولين الإيرانيين وأجرى معهم كما من اللقاءات والمقابلات ومن بينهم رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني ووزير الخارجية الإيرانية أيضا, حيث نقل وجهة نظرهم القائلة " إذا لم نفعل شيئا الآن, فستكون إيران التالية".
رأى المسؤولون الرسميون الإيرانيون أن الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأميركية تكمن في تقديم مساعدة اكبر واهم لها في غزو العراق عبر الاستجابة لما تحتاجه, مقابل ما ستطلبه إيران منها, على آمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين وتنتهي مخاوف الطرفين.
عمل الإيرانيون على استغلال فترة الهجوم الأميركي على العراق من أجل طرح "صفقة" مع الولايات المتحدة تمهد الطريق أمامهم لتحسين العلاقات والتفاوض لمصلحة إيران. وبالفعل في بداية عام ,2003 كان الإيرانيون يعتقدون أن هم يمتلكون ثلاث عناصر جديدة تخولهم دفع وجر أميركا للتفاوض وهي:
أولا: النفوذ الإيراني الكبير في عراق ما بعد صدام, من خلال الميليشيات والأحزاب السياسية الشيعية والمنظمات الشيعية العسكرية التي تم تدريبها في إيران والتي عادت إلى العراق لتنخرط في إطار الحكم.
ثانيا: قلق إدارة بوش المتزايد حول البرنامج النووي الإيراني.
ثالثا: رغبة الأميركيين في استجواب عناصر تنظيم القاعدة الذين قامت إيران باحتجازهم في العام 2002 .
وبينما كان الاميركيون يغزون العراق في ابريل من العام ,2003 كانت إيران تعمل على إعداد "اقتراح" جريء ومتكامل يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساسا لعقد "صفقة كبيرة" مع الاميركيين عند التفاوض عليه في حل النزاع الاميركي-الإيراني.
قام "صادق خرازي" سفير إيران في فرنسا أن ذاك وهو قريب وزير الخارجية الإيراني "كمال خرازي" بصياغة مسودة "وثيقة الاقتراح" وقد حصلت هذه المسودة على موافقة مباشرة من القادة الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية "علي خامنئي". ومن أجل التأكيد على أن هذه الوثيقة هي اقتراح رسمي جاد من إيران, تم إرفاقها برسالة تبين موافقة المرشد الأعلى للجمهورية شخصيا عليها, وتم تسليمهما إلى السفارة السويسرية في طهران (والتي تلعب دور راعي المصالح الأميركية بعد أن قطاع العلاقات الديبلوماسية الثنائية الإيرانية-الأميركية) الى شخص السفير "تيم غولديمان" الذي لعب دور الوسيط وقام بنقلها الى الإدارة الأميركية.
وقد أكدت المقابلات التي أجراها تريتا بارسي مع مسؤولين رسميين إيرانيين في اغسطس من العام 2004 موافقة وانخراط المرشد الأعلى علي خامنئي على هذه الوثيقة وموافقته على الصفقة.
العرض الإيراني السري: نعترف بإسرائيل ونتنازل عن النووي ونوقف دعم حزب الله مقابل منحنا الوصاية على الخليج والاعتراف بنا قوة إقليمية شرعية
تم إرسال العرض الإيراني أو الوثيقة السرية إلى واشنطن في الوقت المناسب الذي كان يجتمع فيه كل من مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة جواد ظريف مع خليل زاد في جنيف"-سويسرا في 2 مايو 2003 وقد وصلت نسخة من الاقتراح-الوثيقة إلى وزارة الخارجية الأميركية عبر الفاكس, ونسخة أخرى تم تسليمها لوسيط أميركي شخصيا.
عرضت إيران أيضا في هذا الاجتماع الثنائي الخاص قيامها بعمل حاسم وسريع ضد أي مجموعات إرهابية تتواجد على أراضيها وخاصة فيما يتعلق بالقاعدة. ومقابل ذلك طالبت إيران الولايات المتحدة بعمل حاسم ضد المجموعات الإرهابية الإيرانية لاسيما منظمة مجاهدي خلق (منظمة مجاهدي خلق المعارضة للنظام الإيراني الحالي كانت الولايات المتحدة أدرجتها على قائمة المنظمات الإرهابية خلال فترة كلينتون وذلك في محاولة لتحسين العلاقات الثنائية أن ذاك, ومازالت على القائمة) التي حاربت الى جانب الجيش العراقي في الحرب مع إيران, وان تقوم الولايات المتحدة باتخاذ الإجراءات المناسبة السريعة فيما يتعلق بأعضاء المنظمة الموجودين على أراضيها.
وفي هذا الاجتماع الخاص, اقترح جواد ظريف تبادل المعلومات بين الطرفين حول تنظيم القاعدة ومنظمة مجاهدي خلق في اتفاق منفصل. ووفقا لـ فلاينت ليفيريت, فان ظريف عرض على خليل زاد تسليم الولايات المتحدة قائمة بأسماء قياديي القاعدة المحتجزين في إيران, مقابل الحصول على لائحة بأسماء أعضاء منظمة مجاهدي خلق الذين أسرتهم أميركا في العراق.
اما بالنسبة الى العرض الإيراني السري, فقد كانت دائرة الأشخاص الذين يعرفون به سواء من الجهة الإيرانية اومن الجهة الأميركية ضيقة جدا, والسبب في ذلك حسبما أشار أحد المسؤولين الإيرانيين الرفيعى المستوى أن لا يتحول الوضع الى فضحية إيران-غيت ثانية.
يقول غارثر بورتر وهو مؤرخ وصحافي متخصص في الكتابة عن السياسة الأميركية تجاه إيران, ويبدي تعاطفا شديدا تجاهها وانتقادا لاذعا للإدارة الأميركية لعدم التعاون معها وتنمية العلاقات المشتركة للبلدين, وهو احد الأشخاص القلائل الذين اطلعوا شخصيا على الوثيقة الى جانب المتخصص في السياسة الخارجية الإيرانية في جامعة جون هوبكنز للعلاقات الدولية المتقدمة تريتا بارسي: تعترض الوثيقة المؤلفة من صفحتين على الخط السياسي الرسمي لإدارة جورج بوش باتهام إيران بأنها تسعى الى تدمير إسرائيل ودعم الإرهاب في المنطقة".
لقد عرض الاقتراح الإيراني السري مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية التي ستقوم بها إيران في حال تمت الموافقة على الصفقة الكبرى وهو يتناول عددا من المواضيع منها: برنامجها النووي, سياستها تجاه اسرائيل, ومحاربة القاعدة. كما عرضت الوثيقة أن شاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة أميركية-إيرانية بالتوازي للتفاوض على خارطة طريق بخصوص ثلاثة مواضيع: أسلحة الدمار الشامل, الإرهاب والأمن الاقليمي, التعاون الاقتصادي".
وفقا لـبارسي, فان هذه الورقة هي مجرد ملخص لعرض تفاوضي إيراني أكثر تفصيلا كان علم به في العام 2003 عبر وسيط سويسري نقله الى وزارة الخارجية الأميركية بعد تلقيه من السفارة السويسرية أواخر ابريل اوائل مايو من العام 2003 .
وتضمنت الوثيقة السرية الإيرانية لعام 2003 والتي مرت بمراحل عديدة منذ 11 سبتمبر 2001 ما يلي:
1- عرض إيران استخدام نفوذها في العراق لـ (تحقيق الأمن والاستقرار, أن شاء مؤسسات ديمقراطية, وحكومة غير دينية).
2- عرض إيران شفافية كاملة لتوفير الاطمئنان والتأكيد بأنها لا تطور أسلحة دمار شامل, والالتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل ودون قيود.
3- عرض إيران ايقاف دعمها للمجموعات الفلسطينية المعارضة والضغط عليها لإيقاف عملياتها العنيفة ضد المدنيين الإسرائيليين داخل حدود إسرائيل العام 1967 .
4- التزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني الى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الاطار اللبناني.
5- قبول إيران بإعلان المبادرة العربية التي طرحت في قمة بيروت عام ,2002 أوما يسمى طرح الدولتين والتي تنص على إقامة دولتين والقبول بعلاقات طبيعية وسلام مع إسرائيل مقابل أن سحاب إسرائيل إلى ما بعد حدود 1967.
واشترطت إيران مقابل تقديمها هذه التنازلات عددا من الشروط التي وردت في هذه الوثيقة السرية المقدمة العام 2003 إلى الإدارة الأميركية منها:
1- إنهاء السلوك العدائي للولايات المتحدة تجاه إيران بما فيه إلغاء تصنيفها ضمن محور الشر وتسميتها دولة داعمة للإرهاب".
2- رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية كليا عن إيران, والإفراج عن الأموال المجمدة لها في الولايات المتحدة وإسقاط كافة الأحكام القضائية الصادرة بحقها والمساعدة في تسهيل أن خراطها في المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية.
3- اتخاذ موقف حازم ونهائي ضد من أسمتهم إرهابيي حركة مجاهدي خلق المعاديين لإيران خاصة الموجودين على الأراضي الأميركية,واحترام مصالح إيران القومية والشرعية في العراق وعلاقاتها الدينية في النجف وكربلاء.
4- السماح لإيران بالوصول الى الطاقة النووية السلمية ومصادر التكنولوجيا البيولوجية والكيماوية.
5- والأهم من كل هذه المطالب, مطلب إيران بالحصول على إقرار واعتراف أميركي بـ(شرعية مصالحها الأمنية في المنطقة كقوة إقليمية شريعة) والتي تعني وفق نفس المصدر الذي اطلع على الرسالة السرية منحها الوصاية او اليد العليا في الخليج والاشتراك في الترتيبات الأمنية المستقبلية للمنطقة, بالإضافة الى الحصول على ضمانات بعدم التعرض لعمل عسكري.
المفاجأة الكبرى في هذا العرض كانت تتمثل باستعداد إيران تقديم اعترافها بإسرائيل كدولة شرعية!! لقد سبب ذلك إحراجا كبيرا لجماعة المحافظين الجدد والصقور الذين كانوا يناورون على مسألة تدمير إيران لإسرائيل و"محوها عن الخريطة".
بالنسبة لعدد من الأكاديميين الاميركيين المختصين بالشؤون الإيرانية وحتى العديد من الأوساط الإسرائيلية البحثية فان ذلك لم يكن ذلك مفاجأ. هم يعرفون أن التهديدات الإيرانية لإسرائيل ومسألة العداء هي أمر مصطنع وموجه للطبقة العامة من الناس بغرض كسب التعاطف والدعم, وليس أدل على ذلك من الرسائل التي تشير دائما الى وجود علاقات سرية وتعاون بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإسرائيل. فعلى سبيل المثال, يقول افرايم كام وهو أحد أشهر الخبراء في مجال الاستخبارات والباحث في مركز جافي للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب", في دراسة له أعدها بتكليف من وزارة الدفاع الإسرائيلية: أن إيران من ناحية عملية لا تعتبر إسرائيل العدو الأول لها ولا حتى الأكثر أهمية من بين أعدائها...وعلى الرغم من الخطاب السياسي الإيراني المناكف لإسرائيل إعلاميا, الا أن الاعتبارات التي تحكم الإستراتيجية الإيرانية ترتبط بمصالحها ووضعها في الخليج وليس بعدائها لإسرائيل, وهي تبدي حساسية كبيرة لما يجري في دول الجوار".
ومثله نقل معهد omedia البحثي الإسرائيلي في تقرير مهم له بعنوان إيران بحاجة الى إسرائيل للباحث زيو مائور جاء فيه: أن إيران لا تشكل أي خطر على إسرائيل ولا تريد تدميرها, بل هي في حاجة لإسرائيل وتعتبرها مكسبًا إستراتيجيا مهما حتى تظل قوة عظمى في المنطقة... وهي تستغل وتستخدم إسرائيل كذريعة لتحقيق أهدافها ولدعم مكانتها الإقليمية ولنشر مبادئ الثورة الإيرانية تحت شعار معاداة إسرائيل".. أن التصريحات الدعائية الإيرانية ضد الولايات المتحدة الأميركية أيضا هي من باب الاستهلاك الإعلامي فقط".
مثل هذه الخلاصات عن حقيقة العلاقة بين إيران وإسرائيل ليست يتيمة, وهناك شواهد كبيرة جدا تؤكد وتدعم هذا التوجه لدى عديد من الأطراف بما في ذلك الإيرانية والإسرائيلية والأميركية.
تم إهمال العرض الإيراني التاريخي الكبير من قبل صقور الولايات المتحدة في البيت الأبيض. لكن اذا كانت إيران طرحت الاعتراف بإسرائيل وقدمت كل هذه التنازلات, فما الذي حال دون موافقة الاميركيين على عقد مثل هذه الصفقة?
تشير بعض المصادر أن سبب الإهمال والرفض الاميركي هو ان العرض لم يكن رسميا ولم يكن باستطاعة الجهات الأميركية التمييز بين ما قامت إيران بطرحه وبين ما أضافه السفير السويسري الوسيط تيم غولدمان", معتبرة أنه كان مجرد بالون اختبار لابتزاز الولايات المتحدة مقابل الحصول على مكتسبات كبيرة جدا. هذا فيما يعتقد البعض الآخر أن السبب هو المناورة الإيرانية وان الاميركيين كانوا سيناقشون الطرح فيما لو تم بطريقة مباشرة ورسمية وليس عبر وسطاء وتسريبات, فيما ترى مصادر أخرى أن السبب الحقيقي لإهمال العرض يكمن في عنصرين أساسيين:
الأول: هوان إيران أعطت نفسها قدرا اكبر من الوزن والقوة والمكانة الإقليمية والدولية عندما ساوت نفسها بالولايات المتحدة وهو الأمر الذي ما كان يتم قبوله للاتحاد السوفيتي فكيف بإيران!! وهو الأمر الذي لم يعجب صقور الإدارة الذين كانوا يرون أن الولايات المتحدة قادمة لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط بدءا من أفغانستان وليس أن انتهاء بالعراق وقد يكون الدور على النظام الإيراني تاليا, خاصة أن أميركا كانت في موقع قوي عسكريا وسياسيا خاصة أن المقاومة العراقية لم تكن قد بدأت أعمالها بعد.
الثاني: وهو العنصر الأهم, أن المشكلة تكمن في المطلب الإيراني بإعطائها الوصاية على الخليج والاعتراف بها قوة شرعية. إذ أن الاستجابة لمثل هذا الطلب يعني تحويل إيران الى قوة عالمية تسيطر على نفط العالم عبر الخليج وتتحكم بالممرات وعوامل القوة وتبتز الآخرين متى تشاء, وهذا أمر مرفوض بتاتا في السياسة الأميركية خاصة أن الولايات المتحدة كانت قد حسمت أمرها في إخضاعه لإشرافها مباشرة لاسيما بعد تجربة الشاه وتجربة صدام التي كادت تحول هذين النظامين الى قوة عالمية تتحكم بالدول العظمى.
اما بالنسبة الى الاقتراح الثاني الأقل أهمية الذي ورد في اجتماع جواد ظريف مع خليل زاد في جنيف-سويسرا, فقد تمت مناقشته في الإدارة الأميركية وعلى الرغم من أن ه لم يقر بشكله المطروح, الا أن الولايات المتحدة قامت باتخاذ خطوات محددة في ذلك الوقت تجاه جماعة مجاهدي خلق في العراق مقابل الحصول على معلومات محددة من قبل الإيرانيين عما هو متوفر لديها من تحركات للقاعدة. وقد أجاز البيت الأبيض عبر الرئيس بوش لوزارة الخارجية متابعة الاتصالات مع الإيرانيين في جنيف.
في هذه الأثناء, كان جناح تشيني, رامسفيلد, وفايث غير مرتاح للنوايا الإيرانية, وحصلت حينها تفجيرات في الرياض أدت إلى مقتل (8) أميركيين وعدد كبير من السعوديين, وقد اتهمت المخابرات الأميركية حينها إيران بإيوائها المخططين لهذه التفجيرات, في حين أن إيران كانت قد أعلنت أنه لو كان هناك فعلا عدد من التابعين للقاعدة على أراضيها, فان هذا لا يعني أنها تؤويهم, اذ لا يمكن مراقبة الحدود الشاسعة او السيطرة عليها كليا.
وبغض النظر سوءا كان هذا صحيحا أم لا, فقد استغل الجناح الاميركي المتشدد هذه الحوادث وأقنع بوش بان إيران تساعد القاعدة على استهداف الاميركيين, فقام بوش بإلغاء اجتماع كان من المقرر للأميركيين أن يجتمعوا خلاله بوفد إيراني في 21 مايو ,2003وبذلك قطعت قناة الاتصال الديبلوماسية الوحيدة مع الإيرانيين.
جناح الحمائم الاميركي يصطدم بصقور المحافظين الجدد منعا لتغيير النظام الإيراني
حاول فريق وزير الخارجية الأميركية كولن باول التحرك لإبقاء قناة الاتصال مع الإيرانيين مفتوحة, فقرر متابعة موضوع وملف مجاهدي خلق والالتزام بما تم طرحه في الاقتراح الثاني خلال اجتماع كل من مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة جواد ظريف مع خليل زاد في جنيف"-سويسرا في 2 مايو 2003 وقام كولن باول بإرسال رسالة رامسفيلد -الذي سمح لمجموعات مجاهدي خلق بالتنقل من والى المخيم بحرية- يذكره فيها بأن مجموعات مجاهدي خلق المتواجدين بالعراق هم أسرى لدى القوات الأميركية وليس حلفاء, وانه لا يجوز السماح لهم بالتنقل بحرية من والى المخيم الذي يقيمون فيه.
ونتيجة للتجاذب الاميركي الداخلي, وافقت الإدارة الأميركية على إعادة فتح أبواب الحوار مع إيران شرط أن تقوم بداية بتسليم الولايات المتحدة قيادات القاعدة الموجدين لديها او إعطاء معلومات مهمة بشأنهم. فنقل ريتشارد أرميتاج -الذي اعرب المسؤولون الإيرانيون عبر قنوات خلفية عديدة عن تمنياتهم بان يرأس هو أي وفد للحوار أو الاتصال مع طهران لكونه مهتم جدا بالانفتاح على إيران وعاش فيها عددا من السنوات ولديه خلفية جيدة عنها- هذه الرسالة في شهادة له أمام الكونغرس الاميركي في اكتوبر ,2003 قائلا: الولايات المتحدة ستكون مستعدة لإجراء حوار واسع النطاق مع إيران لكن بعد أن تقوم الأخيرة بتسليم قادة القاعدة الموجودين لديها او مشاركة معلومات مهمة عن جميع قادتها المهمين".
أصر صقور الإدارة الأميركية على تطبيق ما اصطلح على تسميه قواعد هادلي في الانفتاح على إيران اذا كانت راغبة في فتح قناة اتصال,. هذه القواعد كانت تفرض على إيران تنفيذ ما يطلب منها أولا ومن ثم الحديث عن المواضيع التي سيتم النقاش حولها.
وبحلول الفصل الأخير من سنة ,2003 كانت إيران رأت في برنامجها النووي فرصة لفتح نقاش وحوار مع الدول الأوروبية وبالتالي توسيع أي إطار إقليمي ودولي لمواجهة أي جهد أميركي يسعى لعزلها بعدما شعرت الأخيرة أن المحافظين الجدد جادين في مسألة تغيير النظام الإيراني او على الأقل زيادة الضغط عليه في المرحلة المقبلة.
في ذلك الوقت تسربت العديد من السيناريوهات الأميركية لإسقاط النظام في إيران عبر هجوم عسكري كبير, فيما طرحت بعض الأوساط اعتماد أساليب أخرى غير عسكرية لإخضاع النظام الإيراني. فقد اقترحت مؤسسة اميركان أن تربرايز أن يتم العمل على تطوير سياسة الحصار الاقتصادي- العسكري لإيران ليصبح حصارا إيديولوجياً أيضا, من خلال مواصلة مشروع إدارة بوش في نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط, على أن يتم العمل على تحقيق هدفين:
- منع إيران من الحصول على دعم قوى كبرى. وبرغم أن قطع علاقات إيران بالصين سيكون صعباً, إلا أن الأمر ليس كذلك مع الهند التي يمكن إغراؤها بقطع علاقتها مع طهران مقابل إقامة تحالف إستراتيجي بينها وبين أميركا. (وهذا بالتحديد مع فعله بوش خلال زيارته الأخيرة للهند).
- أما الهدف الثاني فهو أن تحتفظ الولايات المتحدة بالمبادرة في مشروعها الجديد للإصلاح والتغيير في الشرق الأوسط الكبير.
فالعزل الحقيقي للنظام الإيراني لن يتحقق إلا حين يغرق هذا الأخير في بحر أكبر من الحكومات الليبرالية القابلة للمساءلة في المنطقة. وإذا ما استقرت الديمقراطية في أفغانستان والعراق, برغم استمرار أعمال العنف فيهما, فستتعرض إيران الى مخاطر مضاعفة في الداخل.
امتعضت إيران من التصرف الاميركي الذي لم يكافئها على دورها الايجابي وعمل على محاصرتها, فصرح محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية أنذاك بالإمارات في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية بإمارة أبوظبي في 15/1/2004م قائلا: قدمنا الكثير من العون للأميركيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق....ولولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة!!... لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر, وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أميركية شرسة".
حاول جناح الحمائم في الإدارة الأميركية التوصل الى تسوية, فاقترحت بعض الأوساط الأميركية في تلك الفترة من العام 2004 بأن يتم أن تهاج سياسة الانخراط الانتقائي في التعامل مع إيران, وذلك كحل وسط بين عقد صفقة كبيرة مع النظام الإيراني تشرعن وجوده وتعترف به قوة إقليمية لها كلمة ووزن فيما يحصل في الخليج, وبين خيار الإطاحة بالنظام الإيراني وإسقاطه بعمل عسكري, وبالتالي تفادي ما يمكن أن ينتج عن أحد هذين الخيارين من تداعيات اقليمية ودولية.
ويعد كل من روبرت غيتس مدير وكالة المخابرات المركزية سابقا في عهد إدارة جورج بوش الأب ومدير جامعة تكساس, ورد اسمه في فضيحة إيران-كونترا,(أصبح وزيرا للدفاع في العام 2006), وزبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الاميركي في عهد كارتر والذي يعمل مستشارا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية وأستاذا للسياسة الخارجية في جامعة هوبكنز , من أبرز الداعين الى اعتماد سياسة الانخراط الانتقائي مع إيران. وقد شارك الاثنان في إعداد تقرير أصدره مجلس العلاقات الخارجية الاميركي في يوليو2004 على شكل توصيه للإدارة الأميركية بعنوان: إيران: حان الوقت لمقاربة جديدة اقترحا فيه اعتماد مواضيع محددة في الحوار المباشر بين أميركا وإيران مع استبعاد خياري الصفقة الكبرى من جهة وتغيير النظام من جهة أخرى. وقد جاءت ابرز توصيات التقرير باختصار على الشكل التالي:
1- تقديم عرض لإيران بقبول الحوار المباشر معها حول مواضيع تحقيق الاستقرار الإقليمي وذلك عبر تصريح او بيان يتبعه خطوات عملية في هذا الإطار, لان من شأن هذا التحرك أن يؤسس لتعاون إيراني بناء في دعم حكومتي العراق وأفغانستان وبالتالي يعزز الثقة في الحديث عن الهواجس المتأتية من تحركات إيران الإقليمية ومناقشتها بشكل ايجابي.
2- دفع إيران الى توضيح وضع قيادات القاعدة الذين ألقت القبض عليهم عندها, وفتح حوار حول الموضوع الأمني بشرط أن لا يكون لإيران أي دور مشبوه في قضايا العنف والإرهاب, ومقابل ذلك تعمل الولايات المتحدة على تفكيك قواعد مجاهدي خلق في العراق بشكل نهائي تمهيدا لتقديم قياداتهم للعدالة.
3- تطوير إستراتيجية أكثر فعالية بخصوص البرنامج النووي الإيراني بالتعاون مع الحلفاء في أوروبا وروسيا, والتوصل الى اتفاق مقبول مقابل أن تقوم إيران بالتخلي كليا عن تخصيب اليورانيوم ودورة الوقود الكاملة.
4- العمل على إعادة إحياء عملية السلام كي لا تقوم أي أطراف ومن ضمنها إيران باستغلال الوضع.
5- تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الشعب الإيراني والسماح للمنظمات الغير حكومية الأميركية بالعمل في إيران, والبدء في محادثات انضمام إيران الى منظمة التجارة العالمية.
حاولت إيران استدراك هذا الحراك الداخلي الاميركي الذي يدعم الانفتاح معها, فلجأت الى الديبلوماسية الثقافية", وقامت بإرسال دعوة رسمية الى رئيس المكتبة القومية الأميركية والأرشيف الدكتور جميس بيلينغتون والذي يعد أيضا من المسؤولين الكبار في السلطة القضائية الأميركية, فقام بزيارته الى إيران في نوفمبر 2004 بعلم وموافقة كل من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الاميركي ليكون بذلك ثاني أكبر مسئول أميركي يزور إيران منذ اندلاع الثورة الإيرانية بعد زيارة مستشار الأمن القومي الاميركي روبرت ماكفرلين السرية الى إيران والتي تم الكشف عنها فيما بعد في إطار فضيحة إيران-جيت والمثلث الإسرائيلي-الإيراني-الاميركي.
كانت إيران تحاول إرسال رسالة واضحة من خلال هذا النوع من الديبلوماسية على أمل أن تكون على منوال ديبلوماسية البينغ-بونغ الأميركية-الصينية. لكن الواقع في الداخل الاميركي كان قد تجاوز هذا الطرح تمام وذلك لان فوز الرئيس جورج بوش لولاية ثانية أدى الى تقوية المحافظين الجدد خاصة بعد أن تم العمل على تصفية الحمائم الموجودين داخل الإدارة الأميركية لاسيما في وزارة الخارجية من أولئك المهتمين بالانخراط مع إيران في محادثات مباشرة مفتوحة.
وقد رأت الإدارة الأميركية الجديدة أن هكذا طرح لن يفيد ولن يوقف إيران عن تحقيق مشروعها النووي العسكري, اذ أن اعتماد هكذا سياسية سيؤدي الى نفس العواقب التي أدت إليها سياسة واشنطن المتساهلة مع كوريا الشمالية إبان فترة كلنتون, حيث لم تنفع المحادثات ولا سياسة الجزرة في إبعاد كوريا الشمالية عن تحقيق برنامج نووي عسكري خاص بها.
وعندما أصبح النقاش الاميركي والدولي يدور حول برنامج إيران النووي والسلاح النووي, أنتقل الملف داخليا من يد الحمائم في الخارجية الأميركية الى يد الصقور فيها وتحديدا الى يد جون بولتون نائب وزير الخارجية لشؤون الرقابة على التسلح والأمن الدولي والعضو البارز في تيار المحافظين الجدد الاميركي. لقد كانت سياسة جون بولتون تقتضي زيادة الضغوط على إيران عبر التصويت على نقل ملفها من وكالة الطاقة الذرية الى مجلس الأمن من اجل دفعها الى إيقاف دورة الوقود النووي بشكل كلي.
في هذه المرحلة بالذات قامت إيران بالتواصل مع الدول الأوروبية من اجل منع الولايات المتحدة من تحقيق هدفها في نقل الملف الى مجلس الأمن او إيقاف إيران عن إكمال عملها في تحقيق دورة الوقود النووية الكاملة. لكن جميع المؤشرات في تلك الفترة كانت تشير الى أن إيران قد غيرت فعلا توجهها وباتت لا تفضل مناقشة أي طرح او اقتراح او تسوية مع الولايات المتحدة, والسبب في ذلك وفقا لمصادر رفيعة المستوى أن إيران رأت في ذلك الوقت أن الولايات المتحدة قوية جدا وتمتلك جميع أوراق اللعبة في الشرق الأوسط وان هذا سيضعف الموقف الإيراني في أي مفاوضات مباشرة ولن يكون لدى إيران ما يمكن أن تستخدمه فيها في تلك المرحلة", وعليه, فقد قرر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي -وفق نفس المصدر- إرجاء هذا الموضوع الى حين حصول تغييرات لصالح إيران تمكنها من دخول أي مفاوضات مباشرة من موقع القوة, وهو من اجل ذلك قام بالإيعاز الى أجهزة الدولة الإيرانية من الباسيج و"الباسدران حرس الثورة وعناصر حزب الله وأجهزة المخابرات والجيش بالتصويت للمرشح الرئاسي أحمدي نجاد لان المرحلة تتطلب تصعيدا و رفسنجاني ليس رجلها. فأصبح أحمدي نجاد الرئيس في العام 2005 وشهدت هذه السنة تصعيدا كبيرا في علاقة إيران مع جيرانها ومع المنظومة الدولية نتيجة لتشدد الرئيس الجديد وإتباعه نهج تصدير الثورة الإيرانية وأفكارها. وكان وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي نقل في مذكراته التي أصدرها أخيرا كلاما مهما عن الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد -يعبر عن هذا التوجه الثوري ومداه- قوله في سبتمبر 2005 علينا أن نتمنى أن تعم الفوضى بأي ثمن, لنرى عظمة الله".
مع مرور الوقت, أخذ مكتسبات الولايات المتّحدة و قوتّها تتراجع شيئا فشيئا, و بدأت معالم الغرق في أفغانستان و العراق تظهر شيئا فشيئا, بالإضافة الى مواجهتها العديد من الأزمات و القضايا الدولية من النووي الكوري الشمالي الى قضية السلام في الشرق الأوسط الى التراجع في الحرب على الإرهاب الى الأزمات الداخلية التي أخذت تعصف بالولايات المتّحدة الأمريكية.
مضت عدّة سنوات بعدها على العرض الإيراني السرّي الى أن وصلنا الى العام 2006, حيث شرع الإيرانيون بالإعداد لحملة دبلوماسية لإعطاء إشارة للأمريكيين بأنّهم جاهزين لأي مباحثات مباشرة من دون شروط, و لم تستثن هذه الحملة حتى من يعتبرون أنفسهم أعداء "للشيطان الأكبر" بمن فيهم الرئيس الإيراني المحافظ أحمدي نجاد. و قد كانت عملية "تخصيب اليورانيوم" خلال كل تلك الفترة الماضية إحدى أهم الأسلحة في الضغط على الولايات المتّحدة لإجبارها على فتح مثل هذا الحوار. فأعلن المتحدّث باسم وزير الخارجية الإيرانية "حميد رضا آصفي" في 3 آذار/مارس من العام 2006 أن بلاه مستعدّة للتفاوض اذا تخلّت امريكا عن التهديد و الشروط المسبقة لمثل هذا الاجتماع. ثمّ تبعه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي أبدى في مؤتمر صحفي في 24 نيسان/آبريل رغبته بالحوار مع الولايات المتّحدة الأمريكية.
شكّلت المطالب الإيرانية هذه بفتح اتصال مباشر من أمريكا إحراجا للإدارة الأمريكية خاصّة أن عددا من الجهات الداخلية كان قد بدأ يلوم الرئيس بوش و أنصاره على تفويت فرصة العام 2003 للتفاوض مع إيران من موقع القوّة و ليس من موقع الضعف و لكنّ هؤلاء كان يبررون موقفهم بأنّ الولايات المتّحدة قوية في جميع الظروف و من ثمّ فانّ إيران ليست قطبا دوليا كالاتحاد السوفيتي مثلا كي تفرض نفسها ندّا للولايات المتّحدة, و هناك بعض الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها مباشرة و هي كيف يمكن لإيران أن تثبت أن ها لا تسعى الى امتلاك أسلحة نووية, كما أن النخبة في الأمن القومي الأمريكية تعتقد أن ما طالبت به إيران هو أكبر بكثير مما يتوافق مع موقعها و قدراتها.
إيران من جهتها رأت في العام 2006 تحولا كبير يحصل لصالحها في عدد كبير من العناصر المؤثرة و هو الأمر الذي يجعل مفاتيح اللعبة في يدها. و من خلال متابعتنا للتصريحات و التحركات الرسمية الإيرانية, نستطيع أن نلحظ أن هناك عددا من المؤشرات التي توحي بأنّ إيران تحاول إعادة إحياء "الصفقة الكبرى"