وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية عاجل: وزير الدفاع الأمريكي: سنعمل على انتزاع قدرات الحوثيين في اليمن مليشيا الحوثي تحول محافظة إب لقادتها ومشرفيها القادمين من صعدة وعمران عاجل:حريق هائل يلتهم هايبر شملان العاصمة صنعاء نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل ''أكد أنه لا أحد فوق القانون''.. أول مسئول كبير يحيله رئيس الحكومة للتحقيق بسبب قضايا فساد ومخالفات الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين
يصادف اليوم 17 يوليو الذكرى الرابعة والثلاثين لتولي الرئيس السابق علي عبدالله صالح الحكم للمرة الأولى في شمال اليمن عام 1978م، وهو بالتأكيد كان يوما مهماً في تاريخ اليمن المعاصر نتيجة الخوف حينها من انهيار الدولة ودخولها في مسار مجهول، فصالح جاء للحكم في ظروف صعبة جدا عقب مقتل الرئيسين إبراهيم الحمدي (11 أكتوبر 1977م) وأحمد الغشمي (24 يونيو 1978م) حيث قتل هذا الأخير بحقيبة مفخخة مرسلة من قيادة الشطر الجنوبي وهو ما أدى إلى دخول الشطرين لاحقاً في صراع مسلح هزمت فيه قوات الرئيس صالح ولولا التدخل العربي حينها (فبراير 1979م) لربما سيطرت القوات الجنوبية على شمال اليمن... وسارع صالح بعد توقف الحرب لعقد اتفاق وحدوي جديد بين الشطرين رعته الكويت في مارس من نفس العام، وكان ذلك أول تمرد من الرئيس الجديد الذي ضغطت المملكة العربية السعودية حينها لاختياره رئيسا لشمال اليمن من بين عدد من الشخصيات العسكرية والمدنية وفضلته عليهم، ورغم أنه استطاع في السنوات الثلاث الأولى من حكمه انتزاع استقلالية القرار الوطني اليمني لسنوات طويلة لاحقة إلا أن سياساته في السنوات الأخيرة من حكمه ساقته ليرهنه من جديد وليؤدي ذلك إلى خروجه من الحكم بضغط سعودي أمريكي تجاوباً مع الثورة الشعبية السلمية التي اندلعت ضده وتجنيباً لليمن من احتمالات انفجار حرب أهلية وهي من المفارقات القدرية الغريبة التي حدثت مع صالح الذي جاء للحكم برغبة سعودية وخرج منه بذات الرغبة مضافا إليها الرغبة الأمريكية!
لم يكن صالح أبدا طوال فترة حكمه بالمستوى الثقافي والفكري والتعليمي للقادة الثلاثة الذين حكموا الشمال منذ عام 1962م وحتى عام 1977م وهم المشير عبدالله السلال والقاضي عبدالرحمن الإرياني والمقدم إبراهيم الحمدي بل وحتى مقارنة بالقادة الذين حكموا الجنوب منذ الاستقلال وحتى الوحدة، لكنه حكم بمفرده ضعف المدة التي حكموها جميعا، ولم يكن هذا ناتجا عن أنه أكثر تأهيلا منهم لكنه كان أمهرهم بالتأكيد في إدراك مكامن مفاصل القوة ولمن يجب تسليمها وكيفية الاستفادة منها، ولذلك فقد سلم حكمه من المحاولات الانقلابية ضده عدا واحدة في الشهر الثالث من تسلمه السلطة، وقام بتوظيف المال العام والوظيفة العامة وكل أدوات الدولة في اكتساب الشخصيات المعارضة والزعامات القبلية التي اختلفت مع من سبقوه وتحييدها بل وكسب بعضها إلى جانبه... اتسم الرجل بالمرونة البالغة وسعة الصدر والصبر على تحقيق أهدافه ولو ببطء وتمكن من ترويض الكثير من القوى السياسية... وفيما كان الإسلاميون – على سبيل المثال – يعانون من القمع في معظم الدول العربية فإنه قربهم منه واستفاد منهم في قمع الحركات الثورية اليسارية المسلحة في السنوات الأربع الأولى من حكمه ثم سمح للطرفين اليساريين والإسلاميين بإصدار صحف تعبر بانضباط عن مواقفهم رغم الحظر العلني الدستوري حينها للحزبية.
أمسك الرجل بمفاصل القوة في الدولة وهي الجيش والمال العام بيده ولم يفرط بها مطلقا فعوض بها النقص الذي عانى منه طوال سنوات حكمه والمتمثل في غياب الرؤية الخاصة بالبناء المؤسسي للدولة... لكن هذا لم يمنعه من تحقيق بعض الإنجازات وبالذات في السنوات الإثناعشر التي حكم خلالها شمال اليمن قبل الوحدة ومن بينها إنجازات سياسية مثل تحقيق الاستقرار واستقلال القرار السياسي الوطني وإعادة القادة المنفيين إلى اليمن وإحداث قدر معقول من التوافق السياسي وإنهاء الفترة الانتقالية الطويلة بإعادة العمل بالدستور الدائم عام 1988م ثم العمل على استعادة الوحدة اليمنية مع قيادة الحزب الاشتراكي وتحديدا مع أمينه العام علي سالم البيض... ومن بينها إنجازات تنموية مثل استخراج النفط وإعادة بناء سد مأرب على نفقة الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الراحل والاستفادة من عائدات المغتربين لإحداث قدر من النهضة التنموية في بعض المجالات... والشيء المؤكد أنه لم ينشغل بالسياسة قبل الوحدة قدر انشغاله بها حتى النخاع عقب الوحدة وكان ذلك سببا مؤكداً لانتشار أخلاقيات الفوضى والفساد والمحسوبية والشللية وإحياء النزعات القبلية والمناطقية والمذهبية والشطرية مع غياب منهجية بناء الدولة وسيادة القانون في ذهنه وثقافته، فالرجل بحسب كلامه هو لم يكن يرغب في الأخذ بنهج التعددية السياسية والحزبية التي فرضها عليه الحزب الاشتراكي كشرط للوحدة وفرض عليه التجمع اليمني للإصلاح الاستمرار فيها بعد حرب 1994م برفضه الاندماج مع المؤتمر الشعبي العام والعودة لحكم الحزب الواحد دون وجود معارضة قوية... وهكذا جاء انشغاله الكامل بالسياسة طوال السنوات السبع الأولى التي أعقبت الوحدة حتى تمكن من إقصاء شريكيه الأساسيين الاشتراكي والإصلاح... ثم ظل منشغلا بالسياسة من بعدها ليتمكن من الحفاظ على هذا التفرد وليبدأ لاحقا في العمل على بناء المشروع العائلي الخاص ليضمن استمراره في الحكم أقصى فترة ممكنة ينتقل الحكم بعدها إلى نجله، وفي تصوري أن علي عبدالله صالح – من قراءات معمقة لموقفه من التوريث – لم يكن يريد أن يتم ذلك في حياته بمعنى أنه كان ينوي الاستمرار في الحكم حتى يتوفاه الله فإن تمكنت عائلته من انتزاع السلطة لابنه فليكن وإن لم تتمكن فإن الأمر لم يعد يعنيه باعتباره قد أصبح في عداد الأموات.
ظلت التعددية الحزبية وحرية الصحافة المفروضتين عليه غصة في حلقه وأدتا إلى توحشه أكثر وأكثر مع مرور الوقت وكثرة الانتقادات التي طالته شخصيا وازدياد شكوكه في كل من حوله ومن ثم ازدياد عزلته السياسية كل يوم وانفلات الأمور من حوله على كل الأصعدة مع انتشار قيم الفوضى التي لم يستطع مواجهتها بسبب غياب ثقافة ورؤية بناء الدولة المؤسسية عنده... ومع كل فترة تمر عليه في السلطة كان يبعد الرجال الأقوياء من حوله ويستبدلهم بالضعفاء الذين يستحيل أن يقوم عليهم كيان مؤسسة فما بالك بدولة... وهكذا كان صالح يكتب كل يوم – دون أن يدرك – الفصل الأخير من حياته السياسية دون أن يدرك ذلك بالقدر فقد كان استضعافه للقوى السياسية واستهانته بمواطنيه وبالذات الجيل الجديد من الشباب وثقته البالغة بالبناء الضخم للقوات العسكرية والأمنية التي يسيطر عليها أفراد عائلته، كل ذلك كان يعطيه الثقة بأنه باق في الحكم ولن يتمكن من منازعته أحد... ولم يكن في اعتباره أبدا أن يأخذ بجدية ما قاله له يوما أحد كبار قادة المعارضة في البلاد الذي اعتاد أن يقابل صالح بثوبه الأبيض فقط وهو يقول له سنسقطك يوما ما بأثوابنا هذه فقط بدون سلاح أو عنف... وهو ما كان بالفعل... وهاهو صالح اليوم خارج السلطة لا يملك من شرعية القرار شيئا رغم كل (البروباغاندا) التي يتم الإنفاق عليها لإثبات أنه لازال الرجل الأقوى في اليمن في محاولة يائسة لتماسك من تبقى من أنصاره وهم قليل... وهاهو يوم 17 يوليو يمر للمرة الأولى دون وجود صالح في السلطة، وليته يقف مع نفسه وقفة تقييم صادقة وأمينة ليبحث لماذا كانت سنواته العشر الأولى أفضل ما في سجله ولماذا كانت سنواته العشر الأخيرة أسوأ ما فيه... فهو وحده الأقدر على التقييم الصحيح إن صدقت النوايا!